:: عمنا حامد، كما شيخنا ود الشايقي الموثق - شعراً وحالاً - في رائعة حبيبنا ود بادي، لم يعمل بنصائح جمعيات تنظيم الأسرة وإرشادتها الداعية إلى تنظيم النسل وتحديده بحيث يتناسب ( كم الإنجاب) مع ( كيف الإعاشة).. بل، ملأ غرفته الوحيدة بالبنين والبنات لحد التكدس والزحام، ومع ذلك لم تتوقف زوجته عن الإنجاب..( يجيها الحول وحول بي زول، ومرة تديها الهواده و ترمي زي زولين زياده )، أو كما يصف ود بادي حال زوجات شيخنا ود الشايقي.. لم يحتمل عمنا حامد هذا ضيق الغرفة وضنك الحال، وقصد شيخ القرية شاكياً : ( يا شيخنا، الغرفة إتملت شفع، وضاقت بينا)، فسأله الشيخ : ( عندكم غنم ؟)، فأجابه بنعم، فأمره : ( دخلم في الغرفة معاكم، وتعال لي بكره)..!! :: رجع حامد إلى داره الشيخ حائراً ، و(نفذ الأمر)..وعن المساء، إمتلأت الغرفة بالبنين والبنات والغنم، و(زاد الطين بلة).. بجانب الضيق الغرفة لم تحتمل ليلة حامد الساخنة و رومانسية زوجته صراخ ( الشفع والغنم)..وعاد إلى الشيخ فجر اليوم التالي شاكياً : ( يا شيخنا، الغرفة بقت أضيق من قد الإبرة، و كمان بقن عليّ كوراك الغنم والشفع)..فتح الشيخ الكتاب وتحوقل وتبسمل وتعوذ، ثم أمر حامد قائلاً : ( إمشي طلع الغنم وتعال لي بكره)..رجع إلى الدار و أخرج الغنم من الغرفة كما أمره الشيخ، وتنفس الصعداء وكذلك الأبناء والبنات..و فجراً قصد الشيخ، فسأله : ( أها، الغرفة ما وسعت شوية بعد طلعتو منها الغنم؟)، فأجابه حامد : ( بالحيل وسعت، وكمان إرتحنا من كوراك الغنم)، فحمد الشيخ ربه كثيراً ورفع الفاتحة ثم خاطبه قائلاً : ( يلا قرض على كده).. !! :: وهكذا يداوي الحزب الحاكم زعماء قوى المعارضة حين يقصدونه بغرض الشكوى من ( الشمولية والظلم والفساد والحرب)..أي، يزدهم - بنهج دخلو الغنم في الغرفة - ضيقاً وضنكاً وبطشاً وتنكيلاً، ثم يفرج عنهم ويسعدهم قليلاً بنهج ( طلعوا الغنم)، ثم يودعهم قائلاَ : ( يلا قرضوا على كده)، فيخرج الزعماء وهم شاكرين الحزب الحاكم بلسان حال قائل ( الحمد لله إرتحنا شوية)، ثم يسمون هذا النوع من العلاج بالديمقراطية والحرية والعدالة، ويبشرون بها ..منذ عام التوالي و حتى يوم الوثبة هذا، فترة زمنية مقدارها ربع قرن، لم يُغير الحزب الحاكم (روشتة الدواء)، أي يصرف لهم - عند كل مرحلة أو إنتخابات - أدوية تخديرية من شاكلة ( دخلوا الغنم وطلعوا الغنم)، وهم يتجرعون هذه الأدوية بمنتهى ( الطيبة).. ما يحدث اليوم حدث قبل الإنتخابات الأخيرة بنصف عام، إذ جمعهم الحزب الحاكم في بيت الضيافة ووعدهم بالحريات والتحول الديمقراطي، ثم قلب لهم ظهر المجن و( خج صناديق الإقتراع)..ذاكرة أحزاب المعارضة كما( ذاكرة السحلية)، تنسى سريعاً، حتى ولو كان الحدث (خداعاَ وتسويفاً)..!! :: المهم، فلندع (الحمل الكاذب) والذين ينتظرون (مولوداً)، ونحذر إن كان في القوم ( رشيداً ومرشداً)..ما آل عليه الحال العام يكشف أن إدمان المناورة في القضايا المصيرية قد يذهب بالناس والبلد إلى ( قاع حال ) لن ينفع فيه العض على بنان الندم بحيث يقول المتناورون ( يا ريت لو كنا جادين)..نعم، ليست من الحكمة الرهان على المناورات في معالجة القضايا المصيرية (السلام والحريات و الديمقراطية و العدالة)..قد يصبر الشعب أو تعجز أحزاب المعارضة عن إحداث (التغييرالأفضل)، وصبر هذا وضعف تلك ما ظل يراهن عليهما الحزب الحاكم طوال ( النصف قرن)..ولكن، تغير الحال بعد ثورات الربيع العربي، ولم تعد الشعوب وحدها هي المسؤولة عما يحدث في بلادها من تحولات كبرى ولا الأحزاب كذلك ، بل ظهرت بالمنطقة قوى إقليمية تقرر( مصير الأوطان)..!! :: ولايخفى على أحد أن بلادنا تقع حالياً في مرمى نيران هذه القوى الإقليمية وصراعاتها..وبالتأكيد، علاج تلك القضايا المصيرية - السلام ، الحرية، العدالة - بإرادة سودانية لا تقصي حزباً أو جماعة أو حركة خير من إنتظار تلك القوى الإقليمية وأجندتها التي قد تمضي بالناس والبلد نحو الأسوأ بمظان المضي بهما نحو الأفضل..مستقبل بلادنا لم يعد ملكاً لشعبنا وأحزابنا وحركاتنا في ظل هذا ( الصراع الإقليمي)، وفي وضع كهذا يجب إستشعار المخاطر التي تحيط بنا بحيث لا نكون ( سوريا وليبيا)..فأصدقوا هذه المرة، و( إستعجلوا شوية)..أي تجاوزا محطة الخطب واللقاءات إلى محطات (الحلول العملية).. حكومة قومية و إنتقالية تعيد بناء الدولة والقوانين وتبسط السلام و الحريات هي ( الوثبة المرتجاة) و( الحلول العملية)..أقول قولي هذا ما لم يكن الحدث الراهن تخديراً من نوع ( طلع الغنم وقرض على كده)..!! [email protected]