أنشيلوتي يكشف كواليس خسارة ريال مدريد في الكلاسيكو    بكرى المدنى يكتب: مع كيكل – الحقائق والوقائع!!    الهلال ونواذيبو في قمة لفك الارتباط    494819264_2305764233150834_4412989733308335398_n    تأجيل جديد لاجتماع مجلس المريخ    ثلاثي المريخ يعتذرون للقاعدة المريخية    شاهد بالصورة والفيديو.. الراقصة آية أفرو تعود لإثارة الجدل على مواقع التواصل بأزياء فاضحة ورقصات مثيرة على أنغام (انا مغسة لكل الناس)    بالصورة والفيديو.. ناشط سعودي ينشر مقطع لمنزله بمدينة "جازان" ويشبهه بالمنازل السودانية: (اعلم كما قيل لي انها تشبه السودان ونفس كل شي في السودان و لذلك احس بكل الشوق الذي في دواخلكم إلى بلدكم)    شاهد بالصور.. الخرطوم تتعافى.. 50 حافلة تنقل المواطنين مجاناً من "الجرافة" حتى السوق العربي يومياً دعماً للقوات المسلحة والقوات المساندة لها    وفاة جندي بالدعم السريع بعد تعرضه لنوبة هلع أثناء قصف الجيش لمطار نيالا    شاهد بالصورة والفيديو.. بعد أن شاركتها الغناء في حفلها الجماهيري بالقاهرة.. الفنانة هدى عربي تتغزل في "بلوبلو": (في فنان بخلي الغناء بس الغناء ما بخليهو وفي فنان الغناء بخليهو رغم انه بكون عايز لسة)    بثلاثية الفيحاء.. الاتحاد يضع يدا على لقب الدوري السعودي    ((مبروك النجاح يانور))    صاحب أول حكم بإعدام رئيس مصري سابق.. وفاة قاضي محاكمات مبارك ومرسي    إدارة جامعة بحري تقف على سير الامتحانات بمقر الجامعة بالكدرو    توثيق ذاتي لمفقودي جرائم الدعم السريع بمخيم زمزم    حاكم إقليم دارفور يهنئ القوات المسلحة والقوات المشتركة عقب معارك مدينتي الخوي وأم صميمة    تجهيزات الدفاع المدني في السودان تحتاج إلي مراجعة شاملة    السعودية: تدريبات جوية لمحاكاة ظروف الحرب الحديثة – صور    رونالدو يضع "شروطه" للبقاء مع النصر    "نسرين" عجاج تهاجم شقيقتها الفنانة "نانسي": (الوالد تبرأ منك عام 2000 وأنتي بالتحديد بنت الكيزان وكانوا بفتحوا ليك التلفزيون تغني فيه من غير "طرحة" دوناً عن غيرك وتتذكري حفلة راس السنة 2018 في بورتسودان؟)    الطاقة تبلِّغ جوبا بإغلاق وشيك لخط أنابيب النفط لهجمات الدعم السريع    ترامب: الهند وباكستان وافقتا على وقف النار بعد وساطة أميركية    محمد وداعة يكتب: التشويش الالكترونى .. فرضية العدوان البحرى    على خلفية التصريحات المثيرة لإبنته الفنانة نانسي.. أسرة الراحل بدر الدين عجاج تصدر بيان عاجل وقوي: (مابيهمنا ميولك السياسي والوالد ضفره بيك وبالعقالات المعاك ونطالب بحق والدنا من كل من تطاول عليه)    إتحاد كرة القدم المصري يدرس دعوة فريق سوداني للدوري المصري في الموسم الجديد    بمشاركة زعماء العالم… عرض عسكري مهيب بمناسبة الذكرى ال80 للنصر على النازية    أصلا نانسي ما فنانة بقدر ماهي مجرد موديل ضل طريقه لمسارح الغناء    خدعة واتساب الجديدة لسرقة أموال المستخدمين    عبر تطبيق البلاغ الالكتروني مباحث شرطة ولاية الخرطوم تسترد سيارتين مدون بشانهما بلاغات وتوقيف 5 متهمين    شاهد بالفيديو.. بعد غياب دام أكثر من عامين.. الميناء البري بالخرطوم يستقبل عدد من الرحلات السفرية و"البصات" تتوالى    بيان توضيحي من مجلس إدارة بنك الخرطوم    الهند تقصف باكستان بالصواريخ وإسلام آباد تتعهد بالرد    وزير الطاقة: استهداف مستودعات بورتسودان عمل إرهابي    ما هي محظورات الحج للنساء؟    توجيه عاجل من وزير الطاقة السوداني بشأن الكهرباء    إسحق أحمد فضل الله يكتب: (ألف ليلة و....)    حين يُجيد العازف التطبيل... ينكسر اللحن    أبوعركي البخيت الفَنان الذي يَحتفظ بشبابه في (حنجرته)    تتسلل إلى الكبد.. "الملاريا الحبشية" ترعب السودانيين    هيئة مياه الخرطوم تعلن عن خطوة مهمة    تجدد شكاوى المواطنين من سحب مبالغ مالية من تطبيق (بنكك)    ما حكم الدعاء بعد القراءة وقبل الركوع في الصلاة؟    عركي وفرفور وطه سليمان.. فنانون سودانيون أمام محكمة السوشيال ميديا    قُلْ: ليتني شمعةٌ في الظلامْ؟!    الكشف عن بشريات بشأن التيار الكهربائي للولاية للشمالية    دراسة: البروتين النباتي سر الحياة الطويلة    التحقيقات تكشف تفاصيل صادمة في قضية الإعلامية سارة خليفة    الجيش يشن غارات جوية على «بارا» وسقوط عشرات الضحايا    حملة لمكافحة الجريمة وإزالة الظواهر السالبة في مدينة بورتسودان    ارتفاع التضخم في السودان    شندي تحتاج لعمل كبير… بطلوا ثرثرة فوق النيل!!!!!    انتشار مرض "الغدة الدرقية" في دارفور يثير المخاوف    مستشفى الكدرو بالخرطوم بحري يستعد لاستقبال المرضى قريبًا    "مثلث الموت".. عادة يومية بريئة قد تنتهي بك في المستشفى    وفاة اللاعب أرون بوبيندزا في حادثة مأساوية    حسين خوجلي يكتب: نتنياهو وترامب يفعلان هذا اتعرفون لماذا؟    من حكمته تعالي أن جعل اختلاف ألسنتهم وألوانهم آيةً من آياته الباهرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



العودة الى أرقين
نشر في الراكوبة يوم 17 - 04 - 2014

حتى لا تنطمس ذكرى الماضي في أذهان الأجيال على مر الأيام
ارقين من قرى وادي حلفا الأولى أو السابقة، وكانت تشكل مع قرى دبيرى ودقيم أكبر وأهم قرى وادي حلفا، كما كانت من أكبر قرى غربي النيل على الإطلاق ليس في منطقة وادي حلفا فحسب بل في كل المنطقة الممتدة جنوبا حتى دنقلا.
الاسم:
إن مما يبدو للوهلة الأولى أن هذا الاسم عربي المخرج على عكس أسماء القرى والبلدات على طول ضفتي النيل بالمنطقة. والذي أخاله أن الاسم أصابه التصحيف والتعريب الذي أصاب كثير من أسماء مدن وقرى السودان على طول مجرى النيل صاعدا حتى أعالي الجزيرة وقد أفردت شيئا من ذلك في كتابي ( اللغة النوبية – النظام الكتابي الجديد ). وأذكر هنا كيف أن هذا الاسم كان يكتب لنا أرجين بالجيم عندما كنا بمدرسة ارقين الأولية رغم أننا كنا ندرك أن الاسم الحقيقي ارقين والسبب أن بعض موظفي الحكومة ( الحكم الثنائي )كان من المصريين ولما كان المصريون ينطقون الجيم قافا ظنوا أن كل ما ينطق قافا بالضرورة جيم في الكتابة فحرفوا أسماء نحو أرقين وقرّي وكتبوها بالجيم. ولعلي أتصور أن الاسم ارقين ربما كان اركين، وربما كان رقين أو ركين، فتكرار حرفي القاف والكاف وتناوبهما في اللغة النوبية لا يخفى على الدارس. وربما الاسم الصحيح كان ارقي لأن الاسم بهذه الصور الصوتية أقرب للنوبية. ولعل شواهد نوبية تؤيد مذهبي هذا، فأسماء الأماكن تتكرر في بلاد النوبة ففي منطقة دنقلا نجد ارقو وفي منطقة الشايقية ارقي ولا أظن أن مثل هذا التشابه جاء اعتباطا.
معنى الاسم:
الغالب في تجارب الناس أن للاسم معنى فلا أحد يتخذ اسم لا معنى له،كما أن للتسمي سبب في الغالب، على ذلك لا يخلو أن يكون لاسم ارقين معنى، كما لا نشك أن تسمية هذا الجزء من أرض وادي حلفا بهذا الاسم جاء لسبب. للأسف طال العهد وبعد، وانقرض الأولون دون أن يتركوا لنا أثرا يفيد أو يقود لفك هذا السر، وأن محاولتنا هنا لاستيضاح معنى اسم ارقين هو من باب الاجتهاد والاحتمال ولكن في ظل معطيات اللغة النوبية وليس رجما بالغيب كما يفعل بعض متحمسي النوبة في تفسير معنى بعض المفردات النوبية. الى جانب ذلك لابد أن نضع في الاعتبار أن بقايا اللغة النوبية المتكلمة اليوم ليست اللغة التى كان يتكلمها النوبيون قبل عقدين أو ثلاثة عقود مضت دعك عن اللغة التى كان يتكلمها القوم قبل قرنين أو ثلاثة قرون.
وقبل أن أدلف للمعاني المحتملة لهذا الاسم الرائع أشير الى أن الكلمة النوبية في الغالب ثنائية الجذر أو ثلاثية وقلما نجد كلمات رباعية الجذر إلا أن تكون مستلفة من لغات أخرى. على ذلك فإن اسم ارقين في هذه الحالة يتكون من اسم وأداتين لاحقتين على النحو التالي:
ارق + ي + ن ( اسم + أداة لاحقة + أداة لاحقة )
بعد هذا التبسيط بدا لي أن ننظر في المعاني المحتملة لاسم ارق:
إن ارق هنا اسم أصابه التصحيف وأتصور أن حقيقة الاسم هو اُرُج ويعني في اللغة النوبية شجرة الحَراز التي عرفت في النوبية المعاصرة ب قَنْدى، والظن عندي أن كلمة ارج انقرضت في اللغة النوبية واستبدلها الناس بكلمة قندى التى ربما كانت تعنى في النوبية القديمة مطلق الشجرة، ثم أن الناس هجروا الكلمة النوبية قندى لما تخصصت في دلالتها وأحلوا بدلا عنها كلمة الشجرة العربية. وهكذا تعربت اللغة النوبية وفقدت كلمة أساسية في الحياة النوبية ونسي الناس الشجرة بالنوبية، كما انقرضت كلمة مهمة وصارت في طي النسيان وهي الكلمة التى نحن بصددها. هذا الذي وضحته يبين صورة لكيفية انقراض اللغة النوبية.
نعود لكلمة اُرُج التى تحولت مع تناقل الألسن وطول العهد وعدم تدوين اللغة وكتابتها الى ارق. ونقول إن هذا التحول الصوتي مما تجيزه قوانين علم الأصوات إذن فلا غرابة في هذا. والدارس للغة النوبية يلاحظ التداخل الشديد بين حروف الجيم والقاف والكاف بصورة مطردة. أما بالنسبة لتغير الحركة من الضمة في اُرُج الى الفتحة في اَرْق فلا نهتم به كثيرا لأن تغيير الحركات في حسابات علم اللغة أيسر بكثير من تغير الحروف الصامته.
أما شجرة الحراز فهي من الأشجار الشوكية الضخمة المعمرة، وهي معروفة في عموم بلاد السودان، أما في منطقة وداي حلفا فكانت تنبت في أطراف النيل، ولها ثمار أشبه ما تكون في خلقها بثمار الخروب والمسكيت غير أنها ملتوية كالقرون. وهي غذاء جيد مما تعلفه وتألفه الأغنام، وللشجرة شوك حاد يتقيه الناس ويضرب به المثل في نفاذه وحدته. أما خشبه فكان مما يصنع منه المراكب والسواقي لجودته وقوة تحمله كما كان يصنع منه سروج الدواب وأدوات الزراعة الأخرى، وفوائدها أكثر مما تحصر.
إذن فقد كان طبيعيا أن تتناقص هذه الشجرة أو تنقرض رغم كثرتها في ماضيات الأيام، ولعل منطقة ارقين قبل بروز البلدة كانت تزخر بشجر الحراز، فانتسبت البلدة الى هذه الشجرة المهمة في حياة الناس يومئذ.
نعم بعد هذا التخريج لكلمة اُرُق أو اَرَق نبحث في مدلولات اللواحق آنفة الذكر وهي:
+ ي + ن
أما الياء في فهي علامة الجمع في اللغة النوبية. والأسماء قد تجمع بالياء أو بالكسرة وربما سبقهما حرف راء حسب الكلمة المراد جمعها. ولجمع الاسم طرق أخرى غير ما ذكرت هنا. على ذلك يصير الاسم ارقي ويعني الحرازات أو أشجار الحراز.
أما النون في ن فهي للإضافة أو النسبة والتملك. فيكون الاسم ارقي+ن أو ارقين
بمعنى المكان المنسوب الى أشجار الحراز.
نخلص من هذا أن اسم ارقين يعني المكان أو المنطقة المنسوبة لأشجار الحراز وهو اسم وصفي للمنطقة لما كانت تتميز به من أشجار الحراز.
حدود ارقين:
لبلدة ارقين حدان:
1/ ارقين المأهولة أو المعمورة. 2/ ارقين غير المأهولة.
اولا: ارقين المأهولة
هنا نستعرض ارقين المأهولة والمقصود به الجزء الذي كان يقطنه الناس، ذلك أن ارقين كانت لها امتدادات شمالا وجنوبا وغربا. ولعل مسألة الحدود هذه من أهم دوافعي لتجشم الخوض هذا الموضوع.
كان أقصى طرف ارقين في الشمال فَرَهْ دُوِّ. وفَرَهْ هي شجر الأثل ودُوِّ تعني عجوز باللغة النوبية، وذلك لوجود أشجار أثْل كبيرة وقديمة في هذه المنطقة، وبينما كانت هذه الأشجار مباشرة على شاطىء النيل فقد كان من الناحية الغربية المقابلة لها مبنى قديماً ضخماً يقف على مرتفع من الأرض منفردا، ,أذكر أنه كان لا يشبه منازل البلد التقليدية، وكان يطلقون عليه همّام كسّى، هذا المبنى أو القصر كان أبعد نقطة نستطيع الوصول اليه، وبحكم طفولتنا فإن ركوب العربية في حد ذاته كان يعتبر نزه لنا نحن الصغار، فكنا نأتيه في بعربة أرناؤوط في أيام العيد، ولكن بعد حين أدركت أن هذا المبنى ربما كان كنيسة يوما ما بدليل أن كلمة كِسّى تعني باللغة النوبية الكنيسة، ولعل همام هذا كان اسم هذه الكنيسة أو اسم آخر قسيس معمد فيها، وطبعي أنه كان مزارا للناس وقتئذ ولعل زيارتنا كانت صدى لذلك التاريخ البعيد أيضا. يلي موقع المبنى جنوبا اراب اركِ أو ما سمي لاحقا سالهْ آدم نْ اركِ. فهذا الحد كان أقصى ارقين شمالا.
أما جنوبا فقد كان آخر الحلال هجَّاج وكان يقابلها بالضفة الشرقية حي التوفيقية أرقى أحياء مدينة وادي حلفا. عند هجِّاج كان المشرع أو مربط المعدية التي كانت تعمل بين أرقين والسوق او المدينة، وهذه المعدية (بنطون) جلبت في وقت متأخر أواخر أيام وادي حلفا وربما في حدود سنة 1963م، وكأني بها جلبت لأغراض تهجير المواطنين إلا أنه كان سببا رئيسا في توقف استعمال المراكب إذ مكن من دخول العربات الى ارقين فكانت نقلة في حياة الناس جاءت متأخرةكما ذكرت. من المعالم الظاهرة هناك مجرى سيل كان يأتي من الجهة الجنوبية الغربية ليصب في النيل.
هذه المسافة على طول النيل من فَرَهْ دُوِّ الى هجَّاج كانت تشكل ارقين المعمورة. هذا من حيت الطول أما من حيث العرض فمن الصعب تحديده،فقد كنت صغيرا ولعل تقديراتي لا تأتي صحيحة. رغم ذلك أفترض أن منزل أحمد خديوي في حلة اَوِِر نْ آرْتِ بجنوب ارقين كان أبعد البيوت عن النيل، أما في وسط أرقين فأتصور أن منازل آل بندي في حلة كرُو ( عاصمة ارقين )كان أبعد البيوت عن النيل ولعلني أقدر هذه المسافة بحوالي 2.5 الى 3 كلم. ولم يكن منزل خديوي في الجنوب محاذيا لمنازل آل بندي بل كان أدخل للغرب. أما في الشمال فقد كانت البيوت أقرب وألصق للنيل. وهنا أفيد القارئ أن بيوت الأهالي كان على شاطئ النيل ومجراه حتى فيضان سنة 1946م ولما تهدمت أكثر البيوت أجلت الحكومة أكثر المواطنين عن مجري النيل فبنوا مساكنهم بعيدا. ورغم ذلك كان بعض المنازل لا تزال قائمة كما كان بعض الخرابات والبيوت المهدمة لا تزال باقية.
على ذلك إذا كانت تقديراتي صحيحة فإن طول ارقين المعمورة كان في حدود 20/25 ميل بينما كان متوسط عرض البلدة حوالي 1.5/2.5 ميل وهذا يعني أن متوسط مساحة البلد كان في حدود 55 ميل مربع. ( وأرجو أن أكون مصيبا في هذا التقدير)
). ثانيا: ارقين غير المأهولة
1/ من الشمال:
ذكرت فيما سبق أن آخر نقطة في ارقين شمالا كانت فَرَ دُوِّ. بعد مسافة تقدر ب 8/10 كلم كانت سّر ن متو أو سرة غرب. إن مما كان ملاحظا على مجرى النيل هنا أنه كان يبدو وكأنه ينساب على سطح الأرض، بمعنى أنه لا وجود لل ابل، وهذه كلمة نوبية تعني علو ضفة النيل وعكسها قَر أو قَار. في ذات الوقت كان الغطاء النباتي قليلاً مقارنة بمجرى النيل بارقين المعمورة إلا من بعض أشجار الأثل والطرفاء وبالنوبية مور تتخللها الحشائش. هذه المسافة أو هذه المساحة كانت تسمى هلا أو خلاء بالعربية، وكانت تابعة عرفاً وتاريخاً لأهل ارقين وهذه من ظلامات لجان التوطين التي لم تسجل هذه الأراضي لأهلنا في منتصف المسافة كانت حلة صغيرة تسمى تنقار وتعني الضفة أو البر الغربي، وسكان هذه الحلة كانوا من الكنوز المتكية والذين أجلتهم تعليات سد أسوان المتكررة، بعد هذه الحلة كانت تقع سرة بحوالي 5كلم تقريبا.
2/ من الجنوب:
سبقت الإشارة إلى أن ارقين جنوبا كانت تنتهى عند هجاج حيث كان مشرع المعدية التي تنقل أهل ارقين إلى السوق. الذي أذكره أن جنوب هذه المنطقة كانت ثمة أراضي مزروعة، يلي هذه المنطقة بمسافة لا استطيع تحديدها حلة اسماييل ن اركِ، أو بلدة إسماعيل، غير أن قاطني هذه الحلة كانوا من المتكية وهم أيضا ممن نزحوا إلى هذه المنطقة نتيجة تعليات سد أسوان وغمر مناطقهم. لست أدرى أيهم أقدم هجرة إلى ارقين قاطنو هذه الحلة أم سكان تنقار؟ لكن المؤكد أنهم من ضحايا هذا السد المدمر لبلاد النوبة تماما كالسد العالي.
جنوب هذه الحلة بحوالي 10 كلم كانت بوهين الموقع الأثري المشهور الذي يرجع تاريخه إلى القرن الخامس عشر قبل الميلاد، هذا الموقع اكتسب أهميته بوجود المعبد المشهور المنسوب للملكة حتشبسوت، وكان في الأصل حصنا تجاريا بناه الملك سنوسرت الثالث أشهر ملوك الأسرة 12 . و مما كان ملاحظا في هذه النواحي زحف الصحراء وارتفاع ضفة النيل كثيرا فكان يصعب النزول والوصول إلى الماء بعكس ما كان عليه الحال شمال ارقين. هذه المنطقة رغم وحشتها كانت لا تخلو من المارة جنوبا إلى شيه ابدلقادر ن تو ( سافل شيخ عبد القادر ) وهي بلدة شيخ محمد عثمان عبد الرحمن. في ذات الوقت كان مما يميز النيل هنا بوجود بعض الجزر القديمة مثل دبروسى ن آرت ( جزيرة دبروسه ) وجنوبا جنساب ن آرت ( جزيرة جنساب ) في مقابل جنوبي بلدة هلف دقيم (حلفا دقيم ). أما على طول ارقين فلم تكن سوى جزيرة واحدة في قابلة فقير هسن، أما شمالا فأذكر وجود جزيرة صغيرة عند حلة ساب كانت قد تلاشت وذلك في أواخر الخمسينات من القرن الماضي
ارقين وخط التقسيم الدولي بين السودان ومصر:
ارقين من قرى وادي حلفا كما سبق. ووادي حلفا كانت تشمل كل المناطق بين الشلالين الأول والثاني تقريبا. هذه المنطقة أخذت عدة أسماء على مر العصور فقد كانت يوما أرض المريس وكانت أرض النوبة أو مملكة النوبة وكانت قبل ذلك بلاد واوات. ولعلم القارىء الكريم أنبه أن هناك تجاوزا وخلطا واسعا في كثير من مسميات هذه المناطق جغرافيتها وتاريخها، ولولا خشية الإطالة والخروج عن الموضوع لفصلت في هذا.
عندما غزا محمد على باشا السودان 1820م (يرجع الفضل في إطلاق اسم السودان على البلاد لمحمد على باشا)كانت هذه المناطق مستقلة تحت حكم الكشاف، وكان حكم الكشاف يمتد حتى هنّك قرب جزيرة بدين غربي النيل. وهذا يعني أن أكثر بلاد النوبة التقليدية لم تكن جزءً من مملكة سنار أو السلطنة الزرقاء. بدخول جيوش إسماعيل بن محمد على باشا البلاد انتهى حكم الكشاف، ولم يكن الوضع الإداري واضحا في بدايات العهد التركي، إلا أن هذه المنطقة ألحقت بالإدارة المصرية، وفي خطوة لاحقة فصلت المنطقة بين الشلالين الثالث والثاني وضمت الى مديرية دنقلا بينما ألحقت المنطقة بين الشلالين الأول والثاني وادي حلفا الى محافظة قنا. ( أنظر تفاصيل ذلك في كتابي صفحات من تاريخ وادي حلفا).
استمر الوضع هكذا حتى الثورة المهدية وقيام هذه الدولة، وللمرة الثانية لم تكن وادي حلفا جزءً من دولة المهدويين غير أن هذه المناطق كانت مضطربة ولم تكن ثمة حدود ظاهرة وإنما كان الوضع متذبذبا بين سواردا وسرس.
بعد الغزو الإنجليزي للبلاد 1898م وبموجب إتفاقية الحكم الثنائي 1899م تغير الوضع وعرّفت دولة السودان على أنها كل الأراضي التي تقع جنوب خط العرض 22 درجة شمالا. وبذا صار هذا الخط الجغرافي حدودا دوليا وسياسيا بين دولتي مصر والسودان!
هنا حدثت مفارقة غريبة وهذا هو الذي يهمنا هنا ذلك أن هذا الخط كان يمر بمنتصف جبل الصحابة الذي كان بالضفة الشرقية للنيل، وكان يقابل هذا الجبل ارقين بالضفة الغربية وتحديدا حلة ساب. وقد سمعت من كبار قومي بارقين أن خط العرض 22 هذا كان يمر بحلة ساب الى الجنوب قليلا من منازل سيد هابش وبسطان عبده هابش ومحمد صادق أويه رحمهم الله جميعا – وكانت هذه المنازل على خط واحد تقريبا من الشرق الى الغرب. ذلك أنه بعد استقلال السودان سنة 1956م جاءت لجنة من إدراة المساحة والأراضي من الدولتين لتحديد الحدود وأنهم مسحوا هذه المنطقة مبتدئين من فوق جبل الصحابة فجاء مسحهم على ارقين بالوجه الذي ذكرت.
ماذا يعني هذا؟ يعني هذا أن خط العرض 22 ينصف ارقين تقريبا كانت منازلنا جنوب هذا الخط بحوالي خمسمائة متر تقريبا ولما كانت ارقين بلدة كبيرة كان من الصعب تقسيم ارقين في دولتي مصر والسودان! إذا عرفت هذا أدركت السر في إلتواء الحدود هنا وتثنيها في شكل حدوة الحصان ليدخل قرى ارقين، سره غرب، فرس غرب، فرس شرق، سره شرق، دبيره، اشكيد داخل الحدود السودانية. وإنما وضعت الحدود شمال فرس لمناسبته لوجود مساحة غير مأهولة بينها وبين القرى التي تليها شمالا، فبعد فرس شرق كانت بلدة ادندان ( دندان ) بينما كانت تلي فرس غرب بلدة بلانجه وبينهما مساحات غير مأهولة.
على ما سبق فإن حوالي نصف ارقين كان داخلا في ذلك المنحنى الحدودي وهذا يعني أن الذي يتجه غربا من أهالى فرس وسره غرب وشمال أرقين ممن هم في داخل هذا المنحى كان يدخل مصر. واليوم لست أدري ما بقي من ذلك المنحى الحدودي للسودان بعد فيضان مياه السد.
مما يحسن ذكره هنا أنه بمحاذاة حلة ساب غربا وعلى امتداد تلك المنازل المذكورة وعلى مسافة تقدر ربما كيلومتر أو أكثر في الصحراء ( ارقين ن مولاى ) كانت غرفة مبنية من الحجارة وكنا نطلق عليها شيه ابدلقادر ( شيخ عبد القادر ). كان الناس يظنون أنها بيان للشيخ عبد القادر ربما عبد القادر الجيلاني والذي بدا لي أن هذه الغرفة ربما كان من عمل المصريين وأنها كانت تمثل علامة للحدود بين الدولتين. وأذكر أننا كنا نصل هذه الغرفة رغم صغر سننا وأنها كانت في أتجاه الشمال الغربي من منزلنا. ما أذكره أيضا هنا وجود عمود خراساني في طول متر تقريبا، ويبدو أنه كان من وضع موظفي إدارة المساحة والأراضي وكان الناس يقولون أن هذا العمود هو الحد الذي ستصله مياه السد العالي، فإذا صحت هذه المقولة فإني أتصور أن تلك الغرفة أو شيه ابدلقادر لا تزال باقية.
ولما كنا بصدد معالم ارقين فإنه من الأهمية بمكان ذكر صخرة ارقين، هذه الصخرة كانت بعيدة وفي داخل الصحراء وكانت في اتجاه الجنوب الغربي من الغرفة المذكورة آنفا شيه ابدلقادر ورغم بعدها كنا نذهب اليها نحن الصغار في آخر مرة كنا ذهبنا اليها والأخوة الأفاضل إلياس بندي ومحمد سيد بندي أصدقاء الصبا والطفولة ، ربما كان سنة 63 أو1964 وأذكر أنه كان يوم عيد وأذكر أنا كنا تزودنا بالماء لبعد المسافة هذه الصخرة معلم لارقين مهم ومن آثارها التاريخية الخالدة ولا يحتاج أهلها مع وجودها لشاهد أو دليل لإثبات شرعية تملكهم للمنطقة ولا يستطيع كائن من كان التطفل على هذه الأماكن وكان من عادة كل من يصلها من أهلنا أن يكتب أو ينقش اسمه عليها، ولعل هذه العادة كانت قديمة لأني وجدت أسماء كثيرة من أجيال مختلفة، أذكر منها اسم عمي محجوب سيد، وأذكر أسماء صلاح محمود رحمهم الله بابكر محمد أبو بكر،وشفيق بسطان،محمد وعوض احمد خليل، عبده مدثر شقيقي، شرف الدين هابش، عصام الدين حمدان ابن عمي، حسن وخليل وحيدر بندي، عبد الرحمن صالح عثمان وغيرهم وأذكر أننا كتبنا أسماءنا أيضا. يقيني أن هذه الصخرة موجودة إن سلمت من عوامل التعرية ولا أشك من وجود بعض أسماء أهالي ارقين منقوشة عليها شاهدة الى اليوم.
وسأعود لذكر هذه الصخرة لاحقا عند تعرضي لتاريخ ارقين.
منيب إبراهيم سيد فقير الرياض
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.