زكاة الجزيرة تستضيف الملتقى الأول لمديري المصارف والمشروعات بالولايات    رئيس مجلس السيادة يتسلم رسالة خطية من رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي    رئيس الوزراء السوداني يغادر البلاد    حكومة غرب كردفان خسائر فادحة لحقول النفط تتجاوز 18 تريليون جنيه جراء الحرب    الاجتماع التنسيقي بين مسؤولي الاتحاد الإفريقي لكرة القدم بالجهاز الإداري للمنتخب الوطني    لتحسين الهضم والتحكم في الشهية.. ما أفضل وقت لتناول التمر؟    الفهود تتأهب للموسم الجديد من مدينة الحديد والنار    التواصل بين المليشيا السياسية للتمرد وأذيالها بالداخل لم ينقطع أبداً    قبور مرعبة وخطيرة!    رابطة مشجعي نادي دبروسة حلفا تعتذر لمجتمع كسلا الرياضي    روبيو: سنصدر إعلانات الأسبوع المقبل بشأن جماعة الإخوان المسلمين    عثمان ميرغني يكتب: السودان… ماذا بقي من «ثورة ديسمبر»؟    شاهد بالصورة.. "كنت بضاريهم من الناس خائفة عليهم من العين".. وزيرة القراية السودانية وحسناء الإعلام "تغريد الخواض" تفاجئ متابعيها ببناتها والجمهور: (أول مرة نعرف إنك كنتي متزوجة)    شاهد بالفيديو.. مطربة سودانية تتصدى لرجل حاول "تقبيلها" وساخرون: (المشكلة قلبه ميت لسه مواصل الرقيص)    شاهد بالفيديو.. مطربة سودانية تتصدى لرجل حاول "تقبيلها" وساخرون: (المشكلة قلبه ميت لسه مواصل الرقيص)    شاهد بالفيديو.. عروس سودانية تتفاعل في الرقص في "جرتق" زفافها ومطربة الفرح تتغزل فيها: (عسل ورقاصة)    شاهد بالفيديو.. "ميسرة" يعترف ببكائه لطليقته "نهلة" ويرد على سؤال المتابعين (لماذا لاحقتها رغم الإنفصال؟) ويؤكد: ربنا يوفقها ولن اتخذ ضدها إجراءات قانونية لإعادتها من بريطانيا    مدير عام الصناعة ولاية الخرطوم يزور جمعية معاشيي القوات المسلحة    فيفا يحسم مصير المركز الثالث في كأس العرب بعد إلغاء مواجهة السعودية والإمارات    إسحق أحمد فضل الله يكتب: .....(الشوط الجديد)    استشهاد فردين من الدفاع المدني في قصف مسيّرات مليشيا الدعم السريع على محطة كهرباء المقرن بعطبرة    حملة مشتركة ببحري الكبرى تسفر عن توقيف (216) أجنبي وتسليمهم لإدارة مراقبة الأجانب    بمشاركة 6 عرب.. الأندية الإنجليزية تدفع ثمن كأس الأمم الإفريقية    "فيفا" يطلق تذاكر ب60 دولارا لكل مباراة في "مونديال 2026"    عزمي عبد الرازق يكتب: عودة لنظام (ACD).. محاولة اختراق السودان مستمرة!    انخفاض أسعار السلع الغذائية بسوق أبو حمامة للبيع المخفض    مكتول هواك يترجّل    "ونسة وشمار".. زوجة مسؤول بالدولة تتفوه بعبارات غاضبة وتعبر عن كراهيتها للإعلامية داليا الياس بعد إرسال الأخيرة رسالة "واتساب" لزوجها    توجيه بصرف اجور العاملين قبل 29 ديسمبر الجاري    هل استحق الأردن والمغرب التأهل لنهائي كأس العرب؟    تونس.. سعيد يصدر عفوا رئاسيا عن 2014 سجينا    هل يمكن أن يؤدي الحرمان من النوم إلى الوفاة؟    بنك السودان يتأهب لإطلاق المقاصة الإلكترونية    الأردن يفوز على السعودية برأس رشدان ويتأهل لنهائي كأس العرب    ضبط أخطر تجار الحشيش وبحوزته كمية كبيرة من البنقو    البرهان يصل الرياض    بعد غياب طويل.. أول ظهور للفنانة المصرية عبلة كامل بعد قرار السيسي    ترامب يعلن: الجيش الأمريكي سيبدأ بشن غارات على الأراضي الفنزويلية    ترامب يلغي وضع الحماية المؤقتة للإثيوبيين    كارثة إنسانية قبالة اليونان وغالبية الضحايا من مصر والسودان    قوات الجمارك بكسلا تحبط تهريب (10) آلاف حبة كبتاجون    وفاة إعلامي سوداني    مسيّرتان انتحاريتان للميليشيا في الخرطوم والقبض على المتّهمين    إسحق أحمد فضل الله يكتب: (حديث نفس...)    حريق سوق شهير يسفر عن خسائر كبيرة للتجار السودانيين    مياه الخرطوم تكشف تفاصيل بشأن محطة سوبا وتنويه للمواطنين    إدارة التعدين بولاية كسلا تضبط (588) جرام و (8) حبات ذهب معدة للبيع خارج القنوات الرسمية    محافظ بنك السودان المركزي تزور ولاية الجزيرة وتؤكد دعم البنك لجهود التعافي الاقتصادي    إحباط تهريب كميات كبيرة من المخدرات والمواد الخطرة بنهر النيل    الصحة الاتحادية تُشدد الرقابة بمطار بورتسودان لمواجهة خطر ماربورغ القادم من إثيوبيا    مقترح برلماني بريطاني: توفير مسار آمن لدخول السودانيين إلى بريطانيا بسهولة    وصول 260 ألف جوال من الأسمدة لزراعة محاصيل العروة الشتوية بالجزيرة    الشتاء واكتئاب حواء الموسمي    عثمان ميرغني يكتب: تصريحات ترامب المفاجئة ..    "كرتي والكلاب".. ومأساة شعب!    ما الحكم الشرعى فى زوجة قالت لزوجها: "من اليوم أنا حرام عليك"؟    حسين خوجلي: (إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار فأنظر لعبد الرحيم دقلو)    حسين خوجلي يكتب: عبد الرجيم دقلو.. إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار!!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



السفينة الجانحة
نشر في الراكوبة يوم 28 - 04 - 2014

يوم الأربعاء الماضي، انطلقت عبارة الموت في طريقها المعتاد نحو جزيرة جيجو وعلى متنها 476 كوريا بالإضافة إلى طاقم السفينة. لكن العبارة التي حملت ثلاثة أضعاف وزنها لم تعد من قلب المحيط، ولم ترسل إشارات استغاثة لأن الأمور كانت تحت السيطرة كما تبجح قائد الجنوح الهارب. ولم ينج من ماء المحيط المالح إلا 174 محظوظا حملتهم القوارب المطاطية نحو شواطئ الحياة ليمارسوا ذكرياتهم المرعبة كل يوم آلاف المرات، ويواصلوا دفن من تتلقفه أيادي فرق الإنقاذ من اللحم البشري المملح، وليضعوا زهورا حتما ستذبل فوق قبور لا تشم رائحة الياسمين ولا تتطيب بالسوسن الأسود وإن كثر المشيعون.
يوما سيعود الفارون من ظلمة الغرف الغارقة إلى صفوفهم، لكنهم سيشعرون بالوحدة حتما كلما نظروا إلى المقاعد الشاغرة في المدرسة المنكوبة. فمن بين 339 طالبا خرجوا من حصار البوابات الحديدية ذات يوم إلى زرقة البحر، لم يعد إلا القليل. ومن طاقم التدريس المرافق لم يتبق إلا المؤرخون الذين سيكتبون يوما قصائد رثاء فيمن غرسوا أظافرهم الطرية في لحم السفينة القاسي ليخرجوا من أكفانهم العائمة قبل أن يخلدوا لليأس المقيم والظلام البارد.
متهم قائد السفينة ورفاقه بالإهمال الجسيم الذي تسبب في بقاء أطفال في حجم الزهور في أقبيتهم المظلمة حتى النفس الأخير، ومدان هو وطاقمه الفار بالتخلي عن الصرخات اليائسة وركوب أول الزوارق الفارة من عمق الأزمة. وسيواجه المتهمون بالفرار أدلة إدانة دامغة ممن ظلت أنفاسهم على قيد الألم حتى موعد المحاكمة. ولن يغفر حاملوا النعوش الطائرة لتجار الأرواح حصاد أكثر من ثمانين بالمئة ممن خرجوا للتريض في عرض البحر، فلم يعودوا بدفاترهم ولا بضحكاتهم المجلجلة.
كذب من قال أن كوريا ليست كمصر، فتجار الموت على الجانبين يقتاتون على شهقات الأطفال وصرخاتهم اليائسة. وخشب السفن في كوريا قديم ومتآكل كقلوب أصحاب العبارات في بلادنا، وحاملوا جوازات الموت في كوريا مستعدون لإلقاء الجثث المشوهة عند أي باب، فالغرقى يتشابهون في الملامح المشوهة، ولا وقت للمشيعين لانتظار فحص الدي إن إيه. ولأن أصابع الصغار تهشمت جراء محاولاتهم العبثية للخروج من ظلمات البحر، فلن يجد الباحثون عن بصمات مختلفة بدا من توزيع الجثث على ذوي الضحايا ليتقاسموا الألم والحزن.
لكن أزمة كوريا لم تخل كالعادة من طاقات نور في نفق المعاناة، فقد نجحت الكارثة في إذابة جليد العواطف بين الكوريتين، واضطرت أزمة العبارة العابرة كوريا الشمالية إلى التخفيف من لهجتها القاسية تجاه جارتها في الجنوب، وفي رسالة غير تقليدية، بث رئيس الشمال الكوري جاره اللدود مواساته الحارة فيمن فقد ومن تحلل ومن ذاب في قاع السفينة من أبناء الجنوب. ولأن الكارثة أكبر من الحمق الذي مارسه الجانبان على مدار عقود من الكراهية، كان الفقد أسرع من صواريخ الشمال الموجهة إلى قلب سيول.
وها هو رئيس وزراء كوريا الجنوبية يخرج من صمته كيوم ولدته أمه، ليعترف بالمسئولية الأخلاقية عن أزمة العبارة، ويشهر سيف التحدي في وجوه الرابضين فوق كراسيهم في بلادنا مهما توالت الأزمات. صحيح أن استقالة الرجل لن تعيد إلى أصحاب الوجوه المشوهة ملامحهم القديمة، ولن تعيد إلى أصحاب الأطراف المبتورة بصماتهم المميزة، لكنها تعيد الأمل إلى قلوب السيوليين في غد يمكن تحمله، وحكومة قادرة على تحمل مسئولياتها الملحة.
سيستمر نزيف الألم في كوريا حتى توارى أجداث الأطفال مراقدها، ولن يهدأ الباحثون في ظلام السفينة عن البقايا المتحللة حتى توضع الأطراف المبتورة مع أجساد أصحابها في ثلاجة واحدة. وسيستمر الملتاعون في توديع أطفالهم وكتابة عبارات الرثاء فوق جدران مدارسهم الخاوية، وستتوالى الحكومات التي تتقدم باستقالاتها عقب الأزمات، لكن شيئا من هذا لن يوقف نزيف الأرواح في لجة اليأس حتى تخرج القوانين عن عجزها لتطارد أصحاب السفن البالية. تحتاج كوريا إلى التخلص من تجار الفساد قبل أن تعلن انتصارها على الموت، وتحتاج مصر إلى رؤساء وزراء من فصيلة تشنج هونج ون كي يتوقف الجنوح وتستوي سفينة الوطن على الجودي.
عبد الرازق أحمد الشاعر
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.