* كنت أحد الذين تشرفوا بتغطية الجولة السادسة لمفاوضات الحكومة والحركة الشعبية (قطاع الشمال)، في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا في أواخر الشهر الماضي. * أنتجت الجولة انفراجاً ملموساً في معظم القضايا العالقة، وجعلت المراقبين يتفاءلون خيراً، ويشعرون بأن الطرفين باتا على مرمى حجر من إبرام اتفاقٍ شاملٍ، يوقف الحرب المشتعلة في المنطقتين نهائياً. * أنفق الطرفان خمس جولات من التفاوض الشاق من دون أن يتقدما شبراً واحداً في طريق الحل. * حتى الجولة الأخيرة شهدت في بداياتها تعثراً شديداً، جعلنا نحس بأننا نهدر وقتنا في متابعة ما لا يفيد. * فجأة تحول الجمود إلى حراك، وتبدل التشاؤم إلى تفاؤل، وغادر وفد الحركة الشعبية محطة العناد، بعد أن نجحت دبلوماسية البروفيسور إبراهيم غندور (كبير مفاوضي وفد الحكومة) في امتصاص المرارات التي سيطرت على طاولة المفاوضات في الأيام الأولى، وافلحت في تليين المواقف المتصلبة التي ابتدر بها عرمان وصحبه (الدكتور أحمد عبد الرحمن سعيد وجقود مكوار ومبارك أردول وأحمد العمدة ورفاقهم) تعاملهم مع وفد الحكومة. * تمكن غندور من إعادة بناء جدار الثقة مع وفد الحركة بصبرٍ وأناة، وأقنعهم بجديته في إبرام اتفاق، وكانت المحصلة مفرحةً لكل من تابعوا الجولة، خاصةً في اليوم الأخير الذي تبدل فيه التشدد إلى لين، والعبوس إلى ابتسام. * يومها طلب منا الأخ مبارك أردول الناطق باسم وفد الحركة الشعبية أن نوقف نشر إفادة حادة العبارات، أدلى بها إلينا، وحمّل بها وفد الحكومة مسؤولية تعثر المفاوضات، ووصفها بعدم الجدية، وكان طلبه دليلاً على أن الطرفين اقتربا من الحل. * قطعت اللجنة المصغرة التي تولت التفاوض بطريقة (3+1) شوطاً بعيداً في إبرام اتفاقٍ إطاريٍّ يحكم عمل اللجان التي يفترض أن تدير الأجندة التي توافق عليها الطرفان، وتمثلت في الحوار الوطني، والترتيبات السياسية والأمنية، والملف الإنساني. * تم رفع الجولة، واتفق الطرفان مع آلية إمبيكي على استئناف المفاوضات في منتصف مايو الحالي. * مر منتصف مايو، واقترب الشهر من نهايته ولم تنعقد الجولة الجديدة، بل تلاشى صيتها من وسائل الإعلام نهائياً، وحلت مكانها أنباء المعارك التي تدور في جنوب كردفان. * ما يحدث حالياً يدفعنا إلى التساؤل حول مسببات هذا الصمت المزعج. * لماذا تأخرت الآلية في دعوة الوفدين لاستكمال ما بدآه في أواخر أبريل الماضي؟ * هل تلاشت الرغبة في إبرام تسوية سياسية لأزمة خانقة كلفت السودان الكثير من العنت والدماء والغبائن؟ * أم أن الأمر مرتبط بما يدور في الساحة الداخلية من احتقانٍ، تلا الإجراءات العدلية التي اتخذت بحق الإمام الصادق المهدي، الموقوف قيد التحقيق بتهمة التعدي على قوات الدعم السريع؟ * سنحزن إذا ضاع كل العمل الكبير الذي أنجزه الوفدان في الجولة الماضية سدىً. * حرام أن يُهدر عمل متميز، جنح فيه الطرفان إلى السلم، وتحركا عبره بخطواتٍ واسعةً نحو اتفاقٍ يوقف سيل الدماء النازفة، ويعيد للمنطقتين هدوءهما، ويمكّن أهل النيل الأزرق وجنوب كردفان من التمتع بحياةٍ آمنةٍ هادئةً كريمةٍ، بعيداً عن قصف المدافع ولعلعة الرصاص وإزهاق أرواح أبناء الوطن الواحد. * ماذا يدور خلف الأبواب المغلقة؟ * ما سبب كل هذا الجمود المزعج والصمت المريب؟ اليوم التالي