ربما تكون اجابه نعم لهذا العنوان هي اقصى ما قد يطمح اليه علماء الفيزياء والإحياء على السواء لان في حال تحقق تكيف الانسان مع الاشعاعات المؤينة سيوفر ذلك على العلماء والبشرية على السواء رحلة البحث عن ما قد يقيهم اخطر ما يضر بصحتهم في ظل تعدد مصادر الاشعة المؤينة الطبيعية وغير الطبيعية ولكن في هذا المقال سنتحدث عن بارقة امل تجعل الاجابة بنعم على هذا السؤال ليست مستحيلة . حسب وثيقة منظمة الصحة العالمية رقم (371-2012) فان الإشعاع المؤين هو نوع من الطاقة تُطْلِقه ذرات معينة في شكل موجات أو جسيمات كهرومغناطيسية. ووفق الوثيقة فان الانسان يتعرض للإشعاع الطبيعي. ويأتي الإشعاع من مصادر عديدة بما فيها أكثر من 60 مادة مشعة طبيعية المنشأ وموجودة في التربة والماء والهواء. ويتعرض الناس للإشعاع الطبيعي أيضاً عن طريق الأشعة الكونية، وخاصة في الارتفاعات الشاهقة. إذ تأتي 80% من جرعة إشعاع الخلفية التي يتلقاها الإنسان سنوياً - في المتوسط - من الأشعة الأرضية والكونية التي تنشأ طبيعياً. وتختلف مستويات التعرض لإشعاع الخلفية نتيجةً للاختلافات الجيولوجية. فقد يصل مستوى التعرض في بعض المناطق إلى أكثر من 200 مرة أعلى من المتوسط العالمي. ويعد الاشعاع اكثر الاشياء التي يتخوف منها انسان العصر الحديث فقد توصلت أبحاث (DAVID ROPEIK) حول الكيفية التي ينظر بها الناس إلى الخطر ويستجيبون له إلى تحديد عِدة خصائص نفسية تجعل من الإشعاع النووي أمراً مخيفاً بشكل خاص: فنحن لا نستطيع الكشف عنه الإشعاع النووي بالاستعانة بحواسنا، الأمر الذي يجعلنا نشعر بالعجز عن حماية أنفسنا، والافتقار إلى القدرة على السيطرة على خطر ما تجعله يبدو أكثر ترويعا. والإشعاع يسبب السرطان، وهي نتيجة مؤلمة بشكل خاص، وكلما زاد ما يحدثه شيء ما من الألم والمعاناة، كلما صار خوفنا منه أعظم. والإشعاع الناتج عن الطاقة النووية من صنع الإنسان، والمخاطر التي من صنع الإنسان تستفز قدراً أعظم من الخوف مقارنة بالمخاطر الطبيعية. لقد كانت لحادثة القاء قنبلتي هيروشيما وناجازاكي في عام 1945 كبرى الحوادث التي جعلت التخوف من الاشعاع على خضمه وكان الباحثون يرصدون اثار هذه الحدث فعلى مدى 65 عاماً كان الباحثون يتتبعون ما يقرب من تسعين ألفاً من الناجين من القنبلة الذرية، والذين كانوا في نطاق ثلاثة كيلومترات من موقع تفجير قنبلتي هيروشيما وناجازاكي. ولقد قام العلماء بمقارنتهم بسكان اليابان الذين لم يتعرضوا للإشعاع من أجل حساب تأثيرات الإشعاع الذي تعرضوا له. وطبقاً للتقديرات الحالية فإن 572 فقط من الناجين أكثر قليلاً من 0,5% ماتوا أو قد يموتون نتيجة لأشكال مختلفة من السرطان الناجم عن التعرض للإشعاع. ولقد توصلت دراسة أجرتها مؤسسة بحوث تأثيرات الإشعاع إلى أن الأجنة التي كانت داخل أحشاء النساء الحوامل من الناجيات في وقت تفجير القنبلتين ولدوا بتشوهات رهيبة. ولكن هذه الدراسة لم تتوصل إلى أي ضرر بعيد الأمد غير ذلك ولو حتى ضرر جيني نتيجة للتعرض لمثل هذه المستويات غير العادية من الإشعاع. وبالاعتماد على البحوث اليابانية، فإن منظمة الصحة العالمية تقدر أن أربعة آلاف فقط من مئات الآلاف الذين تعرضوا للإشعاع المؤين نتيجة لانفجار مفاعل تشرنوبيل قد يتوفون قبل متوسط العمر المتوقع نتيجة لأمراض سرطانية ناتجة عن الإشعاع المتسرب. وإنها لمأساة بكل المقاييس ولكن مثل أعداد الوفيات الناجمة عن أمراض سرطانية بين الناجين من هيروشيما وناجازاكي، فإن هذا العدد أقل كثيراً مما يفترض أغلب الناس. ان العالم مليء بالنشاطات الاشعاعية – ان هناك اثار في الجدران والخرسانة وحتى الفاكهة – فهل تأقلمت اجسادنا مع ذلك؟! ففي بلدان مثل البرازيل والهند فإن الناس يعيشون في بيئة تزيد فيها نسبة الاشعاع بمعدل 20 الى 200 مرة عن الاشعاعات الموجودة في بريطانيا حيث لا يبدو انه يوجد اثار جينية سلبية نتيجة لذلك وحتى ان بعض الخبراء يجادلون بانه من الممكن ان نحتاج الى درجة من النشاط الاشعاعي لحفز انظمة المناعة لدينا. في ظل تنامي الاهتمام بهذا الامر وتوسع الدراسات التي تعنى بمخاطر التعرض لمستويات عالية من الاشعاع فإن كان ما يحصل على طرف النقيض الاخر هو اقل وضوحا. إلا انه في مطلع هذا العام وجد باحثون يدرسون الطيور قرب موقع كارثة تشرنوبيل النووية في أوكرانيا أول دليل على أن الحيوانات البرّية قد تكيفت مع الإشعاع المُؤيِّن. وحسب مجلة (Nature ) فقد فحص إسماعيل جالفان الباحث حاليًا بمحطة أبحاث دونيانا الحيوية في إشبيلية، إسبانيا وزملاؤه عيِّنات من ريش ودم 16 نوعًا من الطيور، بما في ذلك سنونو الحظيرة (Hirundo rustica) ونقشارة الغاب (Phylloscopus sibilatrix)، داخل وحول منطقة تشرنوبيل المحظورة. وجد الفريق أن طيور المناطق الأكثر تلوّثًا بالإشعاع لديها مستويات أعلى من مضادات الأكسدة التي تتخلص من الجذور الحرة الضارة الناجمة عن التعرض للإشعاع مقارنةً بطيور المناطق الأقل تلوّثا بالإشعاع. كما وجدوا أيضًا أن حيوانات المناطق عالية الإشعاع كانت حالتها الجسمانية أفضل، وأظهرت انخفاضًا في تلف الحمض النووي والإجهاد التأكسدي. ان هذه الدراسة تفتح الباب امام مزيد من الدراسات حول مدى تكيف الانسان مع الاشعاعات . (نشر بصحيفة التيار ) أ.محمد هاشم البشير جامعة وادي النيل- قسم الفيزياء [email protected]