فى كتابه دور الازهر فى السودان - 1985- تناول السفير محمد سليمان جوانب مهمة من تاريخ السودان إخترت منها بعض المقتطفات التى تحدثت عن زمن التنوير و تعليم المراة السودانية وعلمها ، و ازدهار خلاوى تحفيظ القرآن الكريم و تلق العلم و ما كان للنساء من نصيب كبير فى نشره فى ربوع السودان . وتطرق الكاتب فى حديثه عن اهل دارفور مبينا مناقبهم وقوة ايمانهم وصلابة مواقفهم .. و عن أدباء البادية فى السودان تحدث الكاتب عن غزارة علمهم وعمق فهمهم وثقافتهم الواسعة وإلمامهم باللغة العربية و مفرداتها . يقول المؤلف كانت خلاوى القرآن فى الشمال و الجزيرة و سواكن وارض البجا و كردفان ودارفور تجمع بين البنت والولد تعليما مختلطا ويروى ان اكثر تلاميذ العالم السودانى الشيخ حمد بن على المشيخى المعروف بود ام مريوم 1055ه-1645م والمتوفى 1142ه-1645م من النساء حيث ان اتباعه يذكرون فى مدحه انه علم نساء منهن عالمات وفقيهات فى الدين ، منهن "فاطمة بنت جابر" التى كانت نظيرة للرجال فى العلم والدين وقد حفظت القرآن وعمرها اثنتا عشرة سنة وكان لها مسجد فى دنقلا تعلم فيه الصبيان على نفقتها وهى والدة العالم السودانى محمد بن سرحان المعروف بصغيرون الذى انشأ منارة للعلوم الاسلامية فى شندى وكانت ابنتها "آمنة "وحفيدتها "قوتة" من العالمات وكلهن مارسن تعليم الصبيان و البنات وتخرج على ايدهن علماء نابهون نهضوا برسالة العلم فى دنقلا و الجزيرة. و "عائشة بنت محمد القدال" وكانت لها مدرسة لتعليم الصبيان والبنات وقد درس على يديها الشيخ خوجلى العالم السودانى المعروف المتوفى 1155ه-1742م و قد كانت لها مدرسة فى النيل الابيض لتعليم الاولاد والبنات. وايضا "بتول الغبشة" والدة الشيخ هجو و اخت الشيخ يعقوب جد اليعقوباب وكانت لها مدرستها الخاصة فى سنار لتعليم الصبيان و كانت تجود القرآن وتحفظه وكانت ناسخة ماهرة للكتب مما زاد فى شهرتها وعلو صيتها كما ظهرت نساء اخريات منهن "امونة بت عبود" التى تحدث عنها العلامة رفاعة رافع الطهطاوى وذكر انها كانت تقوم بإقراء القرآن الشريف و المتون وادارة مكتبين احدهما للصبيان والثانى للبنات و كان فى قرية شركيلة فى كردفان سيدتان هما "عائشة "و "آمنة "انقطعتا لتعليم اولاد المسلمين القرآن الكريم فى مسجد أنشأتاه خصيصا لهذا الالغرض. و فى قرية البشاقرة غرب كان بعض النسوة يعلمن الناشئة القرآن الكريم وقد نبقت منهن "الجاز بنت اسماعيل" حفيدة الفقيه محمد راد الله حفيد الشيخ ارباب بن عون المعروف بارباب العقائد مؤسس مدينة الخرطوم وكانت تحفظ القرآن ومختصر خليل وتقرأ للفقيه المحدث التابع ابن سيرين. وكانت هناك فى ارض الحلاوين "ام كلثوم بنت القرشى" ابنة القرشى ود الزين شيخ الامام المهدى وكانت تقيم داخلية لاواء البنات لاتغادرها البنت الا بعد حفظ القرآن الكريم .. و جاء فى ذكر أهل دارفور.... انهم لا يزالون من أكثر سكان السودان حماسا لدينهم و كانوا فى تاريخهم الطويل أصلب المسلمين عودا أمام هجمات الغزاة وضربات الفاتحين ولن تلن قناتهم قط أو تفتر عزائمهم أبدا بل كانوا دائما رجال صبر وجهاد فى دين الله ودفاع عن حياض الوطن وكانوا قلعة حصينة ترفرف عليها راية الإسلام وإنه من تقرير الحقيقة أن نذكر هنا إن دارفور كانت دائما أول من يثور على الطغيان و آخر من يستسلم لجيوش الفاتحين ويصدق ذلك فى جميع العهود دون استثناء .. وقال عن الادباء.. و كنت قد رأيت نخبة من فضلاء ادباء السودان وقرأت لهم وسمعت منهم وكنت فى كل مرة أزداد إيمانا ان الصور التى تلمع فى شعرهم تبعث عن فن أصيل و من نبع فياض بل لقد ذهب بى الخاطر أحيانا الى ان المح فى شاعر السودان أديبا أبعد اصلا فى العروبة من سائر الادباء. لقد سمعت فى شعر السودان البدوى وفى أهازيجه الشعبية من صيغ الألفاظ و من صور التعبير ما لا يتوفر إلا لقوم لهم لسان عربى أصيل من أرومة بدوية عريقة – لقد سمعت فى السودان من شعراء الشعب قوما ينطقون لعامة الناس بما لا يدركه فى غير السودان إلا المتأدب المتوفر على دراسة اللغة فهو ينشد للناس بلغة عامية متحدثا عن الشادن والاسد والرحال والمسارب وما أظن عامة شعب عربى آخر يدرك لهذه الالفاظ معنى من ذلك ذهب بى الخاطر أحيانا الى إن أهل السودان العربى إنما ينطقون بلسان قديم و يغترفون العربية من أصل أصيل عبر البحر الاحمر ... [email protected]