من دﻻئل صحة مستقبل الاوضاع السياسية في السودان احتشاد كل القضايا الوطنية المتراكمة عبر التاريخ! هذا التراكم خلق حالة وعي ونضج للتعاطي مع الازمة الوطنية ومقاربة حول رؤى اطياف الاجتماع السياسي السوداني لصيغ الحلول المناسبة وكذلك فان حالة الوعي الجمعي بضرورة التغيير والمصالحة تنزلت الى كل شعب المجتمع مما ينبيء اننا نتجه لصناعة ثورة تغيير في حياتنا وبناء عقد اجتماعي محور مشروعيته ارادة الامة، وهناك شبه اجماع من القوى السياسية الوطنية على ضرورة التجرد والسمو الوطني للتوافق على حلحلة ازمات السودان! ولعل الموجب في تاريخ الصراع السياسي السوداني ان الخصومة مهما وصلت الى مرحلة الفجور تاتي لحظة نهوض تاريخي يكون فيها الشعار (اذا احتربت يوما فسالت دماؤها تذكرت القربى فسالت دموعها) مما يعزز بان وحدة السودان فوق المرارات الذاتية!وكذلك هنالك اجماع على ضرورة الحل السياسي الشامل وعبر الحوار وهنا القضية المركزية التي تتجلى فيها قيمة النضج والوعي لمكونات السياسة في السودان فقوى الهامش تاريخيا لم تعبر عن قضاياها المطلبية بالسﻻح بل ساقتها الحكومات المركزية باوهام السيادة وبسط هيبة الدولة واثبتت التجارب ان الحل الامني عرضي وليس ناجزا واستراتيجيا لانهاء الازمة ومخاطبة جذورها وحلها ومنع وقوعها بل كان هذا السيناريو مدعاة لتفاقم وتناسل الازمات الوطنية حتى غدا السودان على شفير الهاوية! وقد ادرك العقل المركزي السوداني ان الخيار الامثل لمخاطبة الازمة الوطنية هو الخيار السياسي لانه اصل المشكلة! وكذلك فان قوى الهامش لم تفلح في تحقيق اهدافها عبر فوهة البندقية منذ الخروج الاول عام 1955 الى تجليات حركات المقاومة الاخيرة المتمثل في الجبهة الثورية بل لو ابعدنا النجعة في التاريخ القديم لوجدنا كذلك فشل قوى الهامش في تحقيق مشاريعها بالرافعة القبلية منذ تمرد الشايقية عام 1640على الكيان المركزي الحاكم في ذلك الوقت وهو دولة الفونج! لذا في راي ان الوعي المركزي لم يتشكل بفعل المغالبة والقهر وفرض انساق ثقافية بل نتاج تفاعل الغابة والصحراء ورمزيته تحالف (عمارة دونقس وعبد الله جماع) ومن هذا التفاعل برزت الشخصية السودانوية فهي كما يقول محمد المكي فاحمة السواد! صفراء اللون بجاوية هدندوية! دنقﻻوية! نوبية فوراوية تتحدث لغة البجا والعربية والنوبية وتدين بالسﻻم والمسيحية والوثنية ان الظاهرة السودانية جمعت في احشائها هذه الثنائية وحولتها عبر القرون الى ثقافة سودانية مركزية هي نسيج وحدها! لذلك فان فكرة المركز نهضت لتطوير الوعي القومي السوداني وﻻ مجال لضربها باسم العصبية القبلية! وبعد تراكم التجارب وصلت قوى الهامش الى قناعة وهي ضرورة التعبير عن قضاياها المطلبية بأفق ووعي سياسي واجسام سياسية قومية لذلك في رأي ان ما تم في اديس خطوة ينبغي قراءتها من هذه الابعاد الاستراتيجية وهي نقلة على مستوى الفكر والسلوك لقادة حركات المقاومة لان الجبهة الثورية في اعﻻن كمباﻻ تبنت نهج استئصال وتفكيك النظام عبر العمل العسكري المباشر! وبعد توقيع اتفاف باريس بدأت تتحرك نحو خيار الحل السياسي مع التمسك تكتيكا بمبدأ المحاسبة والايحاء بملف الجنائية والخيار العسكري لذلك فان اعﻻن باريس يعد اختراق في مجرى نهر الحوار الوطني وحفز الجبهة الثورية على المشاركة فيه وجاء اعﻻن اديس ابابا بمثابة نقلة كبرى في عملية التقارب الوطني وينبغي قرآءته من هذا المنظور وخلع النظارة الحزبية والغيرة السياسية وتوظيف هذا التقارب في مصب المصالحة الوطنية الشاملة! لأن قيمة وفاعلية الاحزاب السياسية واختبار مدى صﻻحية افكارها وبرامجها بعد تحقيق الوفاق الوطني وبسط الحريات والحكم الدستوري! ولعل من ايجابيات الحراك الراهن نسمة الحرية وتحريك مؤسسات الاحزاب السياسية والتواصل مع القواعد والجماهير اذن الانتصار الحقيقي للمنظومات السياسية والمجتمع السوداني بعد تحقيق المصالحة الوطنية الشاملة لذا كان ﻻبد لوفد آلية الحوار الوطني استثمار هذه الفرصة التاريخية والتوقيع على هذه المبادي(حتى دون تفويض)ثم دفعها في اجتماع الالية لاقناعهم بجدوى مخرجات الاعﻻن! طالما انها تخدم القضية الوطنية الكبرى! ولو سبرنا غور الاعﻻن فان ايجابياته تتمثل في تبني اولوية الحل السياسي الشامل ووقف الحرب ومعالجة الاوضاع الانسانية وبسط الحريات والضمانات واطﻻق سراح المعتقلين وكلها ضرورة وطنية لتهيئة المناخ الصحي للحوار! ومن الايجابيات طرح الجبهة الثورية لنفسها باعتبارها كيان قومي لمناقشة كل القضايا من منظور قومي! وعدم ممانعتها على الحوار الداخلي دون الاشارة الى الضامن الخارجي! وكذلك فان الاعﻻن حظي بدعم وتأييد داخلي واقليمي ودولي وسيكون لذلك الاثر الايجابي في دفع الحوار وعﻻقاتنا الدولية! والاعﻻن يتوافق مع خارطة الطريق الوطنية باستثناء الضمانات واطﻻق سراح المحكومين وفي رأي طالما ان الفرقاء السودانيين ارتضوا الحل السياسي الشامل فان اطﻻق المحكومين جزئيا او كليا خطوة في الاتجاه الصحيح وهو قرار وطني وحكيم في هذا المنعطف التاريخي ولنا نماذج ينبغي الاقتداء بها منها مبادرة الملك حسين عندما كان في ذروة صدامه مع الاسﻻميين في الاردن حيث قاد عربته الخاصة بنفسه وامام الوسائط الاعﻻمية العالمية واخرج زعيم الحركة الاسﻻمية الاردنية من السجن وحقن دماء الفرقاء في الاردن! وكذلك مبادرة الزعيم الهندي المهاتما غاندي عندما قام بزيارة محمد علي جناح والمواجهة العسكرية في شبه القارة الهندية على اشدها وعرض عليه ان يكون منصب رئيس الجمهورية من المسلمين مدى الحياة مقابل وحدة الهند ولكن رفض جناح العرض ووقع الانفصال وتبنت الهند نظام سياسي ديمقراطي نقلها الى مصاف الدول الكبرى بينما ارتكست باكستان في دوامة الفشل والتشظي والاستبداد! ولنا نموذج رائع في السودان قاده الشهيد الزبير عندما ذهب الى الغابة دون ترتيبات او ضمانات سعيد وراء السﻻم والوحدة الوطنية لذلك نرى ضرورة اقدام الحكومة وهي صاحبت القرار باطﻻق الحريات وفك المعتقلين والمحكومين وعودة الصحف المصادرة واطﻻق سراح الصحفيين المعتقلين ومنح الضمانات القانونية والاخﻻقية التي تحصن قادة الجبهة الثورية من المساءلة! وكذلك فان جدلية عدم الاعتراف بالجبهة الثورية غير مجدي في ظل اعتراف داخلي ودولي بوجودها الاعتباري ولن تقف عقبة امام ارادة الحوار الوطني لان الرفض وعدم الاعتراف بها جاء في ظرف تاريخي طرحت فيه الجبهة الثورية نفسها كجسم معبر عن كل قضايا السودان وكان هذا قبل بروز مبادرة الحوار الوطني الشامل والان انتهت حيثيات تكتيك الرفض!الا اذا رأت النخبة الحاكمة ان السياسة هي محض حالة خندقة وثوابت ﻻ يرى فيها السياسي البراغماتي كسبه او ظرفه وافقه الاستراتيجي والسياسي الاستراتيجي ليس من تفاخر بانه لن يساوم ابدا ولكنه الذي يعض بالنواجذ على مبادئه وهو يساوم متى كان ﻻ مهرب له من المساومة! لذلك فان الجبهة الثورية قذفت بالكرة في ملعب النخبة الحاكمة وهي بيدها الكروت(وليس بيد الرئيس وحده كما يزعم البعض لان الافضل ان تكون الكروت بيد منظومة مؤسسية حتى وا كانت غير موجودة علينا خلقها من واقع خطابنا وسلوكنا السياسي حتى تعبر عن ذاتها والمصلحة العامة لان عبر التاريخ تنبيء ان اختزال السلطة في يد فرد ستحيله الى دكتاتور مستبد وفرعون والفرعونية كظاهرة تاريخية لم تنتج فكرا او سلوكا او انجازا لمصلحة الامة بل دائما تخاطب نوازعها الشخصية) وعلى النخبة الحاكمة رد التحية باحسن منها اعترافا بالجبهة الثورية كجسم واحد واصدار القرارات التي تعزز مناخ الحوار الوطني الشامل وتبعث بالطمانينة والامل لاصحاب المصلحة في دارفور وكردفان وجنوب النيل الازرق وحتما ستعزز هذه الروح التعافي والوئام والتصافي الوطني!! وإلا كما يقول هيغل ان التاريخ ماكر ويضمر الشر والانتقام لمن لم يتعلموا منه او حاولوا تكراره بطريقة اقرب الى المأساة وعلى النخبة الحاكمة في هذه اللحظة التاريخية الوقوف في الاتجاه الموجب لحركة التاريخ وانفاذ هذه المطلوبات الشجاعة والتي تصب في مصلحة المصالحة السودانية الكبرى ومن حسن حظ القيادة الحاكمة انها تمتلك الان القدرة على اتخاذ القرارات وتحديد الاجابات حتى ﻻ ياتي يوما وﻻ تمتلك فيه القدرة على اتخاذ القرار وتحديد الاجابة!!