أكاد لا أصدق بقريحته الصافية تنهال إليه العلوم طوعاً فتجد في معيتها الذي بدأت حياته بالرعي وهش الأنعام الي حيث الجداول الخضراء،تعلم منها المصابرة والحكمة التي تتجلى في إختيار الخيران التي تنبت فيها الأعشاب وترقد الماء،تشرب علوم القرآن منذ نعومة أظفاره ،رغبته في ركب الأعالي جعلته ينأى عن سبل الراحة أو مقيلاً يسرق الزمن وضنك العيش يحاصره من كل جانب،يحب مقارعة النفس مع شدة دواعيها والمشقة لم تكن كابحة ليستغيث منها لنيل العلوم الحديثة ،قرأ لكبار الفلاسفة خاصة الذين ماتوا منهم فقراء معدمين من أجل معتقداتهم وإيمانهم بالحياة فتوصل الي الفهم الدقيق الصحيح لمعنى الحرية والعدل والمساواة والكرامة والتضحية للإنسانية وخدمة العلم وحبى العقل الإنساني ومجد خالقه الذي أوصل العلم الي ماهو عليه الآن،درس لأرسطو وإفلاطون وسقراط والفارابي والقديس أوغسطنيوس والكندي ورسخ ما هو مفيد وموافق لمعتقده رسوخ الجبال،ووجد في كتاباتهم مبادئ السياسة ومعنى الدولة المثالية والمدينة الفاضلة ومنهج الشيوعية وشيوعية النساء ومدى ربطهم الفلسفة بالآلهة ،ولكن أكابر المدن الذين لا يعرفون معنىً للحياة غير الراحة والدعة يكنونه بإبن الهامش بمفهومهم لايرتقي الي ان يكون في مصطاف الذين أحللن أمهاتهم لبن الماعز والأبقار والأبل بالمريسة سقياً فنبتت بها لحوم ساحتة وقحة لا تعرف غير الوقع في الخبث وتدبير المكر، وهو كارها لسلوكهم التي تفضي الي السيادة بالإكراه،ولما برع إبن الهامش كما يحلو لهم تسميته في السياسة والإقتصاد بجانب العلوم الشرعية والقوانين الوضعية عجزوا عن مقارعته في أطروحاته المتقدمة في بناء الدولة ودستور العدالة إثره لجأوا الي زراعة الكراهية فيما بينهم بدلاً من التعاون الي ما فيه الصلاح في بناء الدولة مستفيدين في ذلك من الثقافات النابعة من التنوع البيئي ، ثم دسوا الدسائس في حروبات قبلية طاحنة عجلت الفرقة بين أبناء عمومته،حصل على درجة الدكتوراه من جامعة هارفارد الأمريكية بعد إكماله جامعة الخرطوم بإمتياز،ولا يفوتني أن أورد على عجالة انه أقام ندوة عن علاقة مستوى دخل الفرد بالرفاهية والنمو الإقتصادي بساحة الجامعة يومها كان على وشك مناقشة الدكتوراه وكان من ضمن الحضور العالم الإقتصادي البروفسير كينيث جالبرايس والرئيس الإمريكي هاري ترومان ،فضرب مثالاً بسيط بمثلث الإنتاج الذي يقع جنوب محافظة عدالغنم وشمال دار فلاته (تلس) وغرب دار الفور (طوال ابومبلل) ،قال مسترسلاً إذا أردنا قياس معدل دخل الفرد في مثلث الإنتاج ما علينا إلا أن نجمع ما انتجتها كتيلا وأنتكينا وحرازة وخورشمام وكركنجي ورميلي وسنابو وسيسبان وعرديبة نمورة وكداد وعديرة الثورة في السنة ثم نقوِمها بالجنيه ونقسمها على عدد السكان ،ونقسم الناتج على عدد شهور السنة ومقارنته مع معدل الإستهلاك الشهري فالفارق الإيجابي هو يمثل مدى رفاهية المنطقة ،وإذا فرضنا أن قرية حرازة تعرضت لشح أمطار أو تعدي من أحد القبائل وأجبرت سكانها على النزوح ولم تتمكن من الإنتاج ففي هذه الحالة تجب تدخل الدولة بالمعونات لتعويض النقص وتقليص الفارق،ذهل الحاضرين ،وقام حمدنا الله سر الختم الذي أبتعث من الحكومة السودانية لنيل درجة الماجستير يسأل عن المثلث ،فأجابه الدكتور كينيث بأنه دارقمر الصعيد وعاصمتها كتيلا سلة غذاء ولاية جنوب دارفور ،رجع الي السودان ليكمل مشوار حياته فأمتهن مهنة الرعي ليسترجع مواقف طفولته المنقوشة ،وأترابه ما بين جنجويد وتوروبو. [email protected]