عزمي عبد الرازق يكتب: هل نحنُ بحاجة إلى سيادة بحرية؟    الأقمار الصناعية تكشف مواقع جديدة بمطار نيالا للتحكم بالمسيرات ومخابئ لمشغلي المُسيّرات    اهلي جدة الاهلي السعودي الأهلي    أهلي جدة يصنع التاريخ ويتوج بطلًا لنخبة آسيا    فاز بهدفين .. أهلي جدة يصنع التاريخ ويتوج بطلًا لنخبة آسيا    بتعادل جنوني.. لايبزيج يؤجل إعلان تتويج بايرن ميونخ    منظمة حقوقية: الدعم السريع تقتل 300 مدني في النهود بينهم نساء وأطفال وتمنع المواطنين من النزوح وتنهب الأسواق ومخازن الأدوية والمستشفى    التلفزيون الجزائري: الإمارات دولة مصطنعة حولت نفسها الى مصنع للشر والفتنة    وزير الثقافة والإعلام يُبشر بفرح الشعب وانتصار إرادة الأمة    السودان يقدم مرافعته الشفوية امام محكمة العدل الدولية    عقب ظهور نتيجة الشهادة السودانية: والي ولاية الجزيرة يؤكد التزام الحكومة بدعم التعليم    هل هدّد أنشيلوتي البرازيل رفضاً لتسريبات "محرجة" لريال مدريد؟    "من الجنسيتين البنجلاديشية والسودانية" .. القبض على (5) مقيمين في خميس مشيط لارتكابهم عمليات نصب واحتيال – صورة    دبابيس ودالشريف    النهود…شنب نمر    إسحق أحمد فضل الله يكتب: (ألف ليلة و....)    منتخب الضعين شمال يودع بطولة الصداقة للمحليات    الرئاسة السورية: القصف الإسرائيلي قرب القصر الرئاسي تصعيد خطير    عثمان ميرغني يكتب: هل رئيس الوزراء "كوز"؟    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناء الشاشة نورهان نجيب تحتفل بزفافها على أنغام الفنان عثمان بشة وتدخل في وصلة رقص مؤثرة مع والدها    كم تبلغ ثروة لامين جمال؟    حين يُجيد العازف التطبيل... ينكسر اللحن    أبوعركي البخيت الفَنان الذي يَحتفظ بشبابه في (حنجرته)    شاهد بالفيديو.. في مشهد نال إعجاب الجمهور والمتابعون.. شباب سعوديون يقفون لحظة رفع العلم السوداني بإحدى الفعاليات    شاهد بالصور والفيديو.. بوصلة رقص مثيرة.. الفنانة هدى عربي تشعل حفل غنائي بالدوحة    تتسلل إلى الكبد.. "الملاريا الحبشية" ترعب السودانيين    استئناف العمل بمحطة مياه سوبا وتحسين إمدادات المياه في الخرطوم    هيئة مياه الخرطوم تعلن عن خطوة مهمة    باكستان تعلن إسقاط مسيَّرة هنديَّة خلال ليلة خامسة من المناوشات    تجدد شكاوى المواطنين من سحب مبالغ مالية من تطبيق (بنكك)    ما حكم الدعاء بعد القراءة وقبل الركوع في الصلاة؟    عركي وفرفور وطه سليمان.. فنانون سودانيون أمام محكمة السوشيال ميديا    تعاون بين الجزيرة والفاو لإصلاح القطاع الزراعي وإعادة الإعمار    قُلْ: ليتني شمعةٌ في الظلامْ؟!    الكشف عن بشريات بشأن التيار الكهربائي للولاية للشمالية    ترامب: يجب السماح للسفن الأمريكية بالمرور مجاناً عبر قناتي السويس وبنما    كهرباء السودان توضح بشأن قطوعات التيار في ولايتين    تبادل جديد لإطلاق النار بين الهند وباكستان    علي طريقة محمد رمضان طه سليمان يثير الجدل في اغنيته الجديده "سوداني كياني"    دراسة: البروتين النباتي سر الحياة الطويلة    في حضرة الجراح: إستعادة التوازن الممكن    التحقيقات تكشف تفاصيل صادمة في قضية الإعلامية سارة خليفة    الجيش يشن غارات جوية على «بارا» وسقوط عشرات الضحايا    حملة لمكافحة الجريمة وإزالة الظواهر السالبة في مدينة بورتسودان    وزير المالية يرأس وفد السودان المشارك في إجتماعات الربيع بواشنطن    شندي تحتاج لعمل كبير… بطلوا ثرثرة فوق النيل!!!!!    ارتفاع التضخم في السودان    انتشار مرض "الغدة الدرقية" في دارفور يثير المخاوف    مستشفى الكدرو بالخرطوم بحري يستعد لاستقبال المرضى قريبًا    "مثلث الموت".. عادة يومية بريئة قد تنتهي بك في المستشفى    وفاة اللاعب أرون بوبيندزا في حادثة مأساوية    5 وفيات و19 مصابا في حريق "برج النهدة" بالشارقة    عضو وفد الحكومة السودانية يكشف ل "المحقق" ما دار في الكواليس: بيان محكمة العدل الدولية لم يصدر    ضبط عربة بوكس مستوبيشي بالحاج يوسف وعدد 3 مركبات ZY مسروقة وتوقف متهمين    الدفاع المدني ولاية الجزيرة يسيطر علي حريق باحدي المخازن الملحقة بنادي الاتحاد والمباني المجاورة    حسين خوجلي يكتب: نتنياهو وترامب يفعلان هذا اتعرفون لماذا؟    من حكمته تعالي أن جعل اختلاف ألسنتهم وألوانهم آيةً من آياته الباهرة    بعد سؤال الفنان حمزة العليلي .. الإفتاء: المسافر من السعودية إلى مصر غدا لا يجب عليه الصيام    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



في سبيل إسترجاع "قلوبنا" من قبضة الإسطورة
نشر في الراكوبة يوم 12 - 12 - 2014

جل الأمم في العصور القديمة كانت تعتقد أن القلب هو جوهر الإنسان.. الجوهر الكلي. فحاز القلب على كل المساحات فجاء بمعناه التشريحي مرة والرمزي مرة أخرى ليكون هو العقل والبصر والبصيرة والضمير والنفس والشعور والعواطف وفي بعض المرات الروح.
في هذه العصور المتقدمة أصبح جل الناس العاديين يعلمون أن القلب مجرد مضخة للدورة الدموية ولا شيء أبداً غير ذلك.
غير أن الإستخدام الرمزي لكلمة "قلب" ما فتأ شديد الكثافة في الحياة اليومية لكل سكان الكرة الأرضية تقريباً. كما يجري توظيف القلب في الأغاني والأشعار والأداب والفنون بصورة راتبة ليرمز إلى بعض المعاني التي كللته في التاريخ السحيق من العواطف الجياشة والحنان وأضدادهما قبل أن ينكشف أمرة "التشريحي" رويداً رويداً ويتحول إلى عضلة عادية "مسكينة" من عضلات الجسد معرضة للإصابة بعدد من الأمراض القاتلة بسبب نمط الحياة العصرية الضاغط كما التدخين والمأكولات الدسمة والكلوسترول والتلوث البيئي. غير أن الناس "بعضهم متعمدين وآخرين ساهين" لم يتركو القلب في حاله بعد إنكشاف أمره لقد حاولوا جهدهم ليسجنوه في بعض أقبية ماضيه السحيقة مساقون بأرث جبار من الإعتقادات والتصورات البالية اللذيذة. ولو في بعض الأحيان تم الإستعاضة عنه برمزيته الفادحة في صورة صناعية خارجية مثلما يحدث في حالة الإشارة إلى "العواطف الجياشة" في صورة قلب أحمر يخترقه سهم من نصفه ليكون رمزاً للحب التجريبي عند المراهقين وفي عيد الحب المدعو "الفلانتاين".
بدأ أمر القلب يتكشف رويداً رويداً منذ العصورة الأغريقية والرومانية والعربية وعهد التنوير في أوروبا وإبن النفيس 1288م ووليم هارفي 1628م ثم توج الكشف في العصور الحديثة بشكل نهائي وحاسم وغير قابل للجدل في أطره العلمية والأكاديمية من كونه "القلب" في معناه الأصيل "التشريحي" ما هو إلا جهاز عضلي في غرف الفقاريات الصدرية يضخ الدم القادم من الأوردة إلى الشرايين، وبالتالي الحفاظ على تدفق الدم من خلال نظام الدورة الدموية بأكمله بأوامر وخطة طريق مرتبة من الدماغ..
وليس له أي معنى آخر خفي أو غامض ما دون ذلك
إذا أتفق معي البعض منكم على هذا التعريف وهذا الكلام في مجمله، إذن ماذا نفعل بإرث الماضي الكثيف الذي تمحور حول القلب وجعل فيه كل أسرار ومعاني الحياة؟. أعتقد أن المؤمنين في كل الأديان لن يتنازلو عن تصوراتهم العقدية عن القلب، كونها تمس النصوص المقدسة عندهم كل من زاوية إعتقاده ولا بد أنهم سيحاولون التأويل إن لم يفعلو بالفعل.
أشعر أننا ربما نكون أمام أزمة قلبية شديدة الوقع!.
والملاحظة الواضحة للملاحظ المطلع أن في جميع الأديان والمعتقدات والتيارات الآيديولوجية إختلافات في المقدار وفي النوع في أوجه عديدة من القضية المحددة حتى داخل المنظومة الواحدة ما عدا "القلب" جميعهم وبلا إستثناء يتفقون على معاني القلب السائدة دون أي تمييز ولا نظرة نقدية وفي معظم المرات في رومانسية شديدة الكمال من شاكلة قول المتصوف الكبير إبن عربي: (لقد صار قلبي قابلا كل صورة .. فمرعى لغزلان ودير رهبان .. وبيت لاوثان وكعبة طائف والواح توراة ومصحف قران .. ادين بدين الحب اني توجهت ركائبه فالحب ديني وايماني ).
والسؤال الذي ربما بدأ قاسياً لمحبي الرجل العظيم: هل كان إبن عربي يعلم ماذا يقول، يعرف ما هو القلب الذي يتحدث عنه أم أنه أنساق خلف الصورة النمطية المتوارثة للقلب في زمانه؟. وإن كان يعني: الروح أو العقل أو النفس فلما لا يقول ذلك صراحة؟.
تلك الأسئلة للتأمل وليست بالضرورة للإجابة الآنية كوننا الآن سنمضي إلى الأمام مع "القلب" في تجليات أخرى مختلفة أكثرة وضوحاً وصرامة.
نأخذ أمثلة من الأديان الشرق أوسطية الكبيرة مع لمحات من تصورات "قلبية" سابقة عليها ونذهب إلى الأمام واضعين في الإعتبار أن ليس من أهداف هذه المقالة مناقشة أو مقارنة الكلمة محل النظر في مستواها العقائدي "الديني" وإنما تم وسيتم الإستشهاد بما ورد عن وحول كلمة "قلب" في الأديان والحضارات والثقافات قديمها وجديدها وغيرها من المصادر والحقول مثل الفلسفة والعلم والفن والأدب و التراث الشعبي الشفاهي كما الحياة اليومية المعاشة، في سبيل عصف الذهن، وعلى أمل فض "القلب" عن إشتباكه الإسطوري بمعانيه الفائضة مع إرجاع تلك المعاني المعنية مثل الحب و العقل والتعقل والبصر والبصيرة والشجاعة والحساسية إلى قواعدها المحتملة التي لا مكان لها في "المضخة".
وهذه أمثلة منتقاة لل "قلب" من مصادرة مكتوبة في أزمان مختلفة. أقول "أمثلة" لأن الإحاطة الكلية بالكلمة مستحيلة بالرغم من أنني سأحاول المجي بعدد مقدر من المرجعيات. فعلى سبيل المثال وردت كلمة القلب بمعاني مختلفة في جميع الأديان السائدة في الوقت الراهن وأهمها الشرق أوسطية: اليهودية والمسيحية والإسلام. وقد حفل الكتاب المقدس بشقيه الأساسيين القديم والجديد بالقسط الأوفر من ذكر كلمة "قلب" 876 مرة. وكانت كلمة "قلب" في عديد المرات تشير إلى معاني مختلفة وأحياناً متعارضة.
وجاء في القران الكريم ذكر كلمة "قلب" حرفياً مفردة أو جمعاً "قلوب" 157 مرة. وأن أكثر الأيات صعوبة في التفسير لمعنى كلمة "قلب" كما حفلت به كتب الإختصاص هي الآية التالية من سورة الحج: (أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها أو آذان يسمعون بها فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور). لدى هذه الآية "الوحيدة" يضع القرآن مكاناً تشريحياً واضحاً للقلب (القلوب التي في الصدور) كما هو معروف في العلوم التجريبية ثم يجعل القلب الذي هو في الصدر مكان العقل والبصر والبصيرة معاً. وأدناه بعض الأمثلة المعنية:
القلب في التوارة:
سفر التثنية 10: 12
"«فَالآنَ يَا إِسْرَائِيلُ، مَاذَا يَطْلُبُ مِنْكَ الرَّبُّ إِلهُكَ إِلاَّ أَنْ تَتَّقِيَ الرَّبَّ إِلهَكَ لِتَسْلُكَ فِي كُلِّ طُرُقِهِ، وَتُحِبَّهُ، وَتَعْبُدَ الرَّبَّ إِلهَكَ مِنْ كُلِّ قَلْبِكَ وَمِنْ كُلِّ نَفْسِكَ"
أمثال 4: 21- 22
"اِحْفَظْهَا فِي وَسَطِ قَلْبِكَ [كلمات الله] . لأَنَّهَا هِيَ حَيَاةٌ لِلَّذِينَ يَجِدُونَهَا، وَدَوَاءٌ لِكُلِّ الْجَسَدِ."
سفر التثنية 4: 29
" ثُمَّ إِنْ طَلَبْتَ مِنْ هُنَاكَ الرَّبَّ إِلهَكَ تَجِدْهُ إِذَا الْتَمَسْتَهُ بِكُلِّ قَلْبِكَ وَبِكُلِّ نَفْسِكَ."
إرميا 29: 13
" وَتَطْلُبُونَنِي فَتَجِدُونَنِي إِذْ تَطْلُبُونَنِي بِكُلِّ قَلْبِكُمْ."
يوئيل 2: 12- 13
" « وَلكِنِ الآنَ، يَقُولُ الرَّبُّ، ارْجِعُوا إِلَيَّ بِكُلِّ قُلُوبِكُمْ ..... وَمَزِّقُوا قُلُوبَكُمْ لاَ ثِيَابَكُمْ». وَارْجِعُوا إِلَى الرَّبِّ إِلهِكُمْ لأَنَّهُ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ، بَطِيءُ الْغَضَبِ وَكَثِيرُ الرَّأْفَةِ وَيَنْدَمُ عَلَى الشَّرِّ."
أمثال 3: 1- 5
" يَا ابْنِي، لاَ تَنْسَ شَرِيعَتِي، بَلْ لِيَحْفَظْ قَلْبُكَ وَصَايَايَ. فَإِنَّهَا تَزِيدُكَ طُولَ أَيَّامٍ، وَسِنِي حَيَاةٍ وَسَلاَمَةً..... تَوَكَّلْ عَلَى الرَّبِّ بِكُلِّ قَلْبِكَ، وَعَلَى فَهْمِكَ لاَ تَعْتَمِدْ. فِي كُلِّ طُرُقِكَ اعْرِفْهُ، وَهُوَ يُقَوِّمُ سُبُلَكَ."
القلب في الإنجيل:
متى 12: 33- 35
"لأَنْ مِنَ الثَّمَرِ تُعْرَفُ الشَّجَرَةُ. ..... فَإِنَّهُ مِنْ فَضْلَةِ الْقَلْب يَتَكَلَّمُ الْفَمُ. اَلإِنْسَانُ الصَّالِحُ مِنَ الْكَنْزِ الصَّالِحِ فِي الْقَلْب يُخْرِجُ الصَّالِحَاتِ، وَالإِنْسَانُ الشِّرِّيرُ مِنَ الْكَنْزِ الشِّرِّيرِ يُخْرِجُ الشُّرُورَ." وكذلك، تخبرنا
لوقا 16: 15
" فَقَالَ لَهُمْ:«أَنْتُمُ الَّذِينَ تُبَرِّرُونَ أَنْفُسَكُمْ قُدَّامَ النَّاسِ! وَلكِنَّ اللهَ يَعْرِفُ قُلُوبَكُمْ."
متى 5: 27 - 28
" «قَدْ سَمِعْتُمْ أَنَّهُ قِيلَ لِلْقُدَمَاءِ: لاَ تَزْنِ. وَأَمَّا أَنَا فَأَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ كُلَّ مَنْ يَنْظُرُ إِلَى امْرَأَةٍ لِيَشْتَهِيَهَا، فَقَدْ زَنَى بِهَا فِي قَلْبِهِ."
متى 22: 35- 38
" وَسَأَلَهُ وَاحِدٌ مِنْهُمْ، وَهُوَ نَامُوسِيٌّ، لِيُجَرِّبَهُ قِائِلاً: «يَا مُعَلِّمُ، أَيَّةُ وَصِيَّةٍ هِيَ الْعُظْمَى فِي النَّامُوسِ؟» فَقَالَ لَهُ يَسُوعُ:«تُحِبُّ الرَّبَّ إِلهَكَ مِنْ كُلِّ قَلْبِكَ، وَمِنْ كُلِّ نَفْسِكَ، وَمِنْ كُلِّ فِكْرِكَ."
القلب في القرآن:
وَلَا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ (87) يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ (88) إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (89) سورة الشعراء
خَتَمَ اللّهُ عَلَى قُلُوبِهمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عظِيمٌ(7). سورة البقرة
لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة فعلم ما في قلوبهم فأنزل السكينة عليهم وأثابهم فتحا قريبا ( ..18
سورة الفتح.
ثم قست قلوبكم من بعد ذلك فهي كالحجارة أو أشد قسوة.. من سورة البقرة
فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا " سورة آل عمران
أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها أو آذان يسمعون بها فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور. سورة الحج.
وجاء في الحديث: (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ اللَّهَ لا يَنْظُرُ إِلَى صُوَرِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ وَأَعْمَالِكُمْ ) [ متفق عليه.
القلب في مصر القديمة: في بردية من كتاب الموتى للخطاط عاني من طيبة، مصر الأسرة 19، حوالي 1275 ق.م.
في بردية كتاب الموتى هناك مشهد بخط الكاتب المصري عاني، وتتسلسل أحداثه من اليسار إلى اليمين. ففي الجانب الأيسر، يدخل عاني وزوجته ساحة الحساب، حيث نُصب في وسطها ميزان يستخدم لوزن القلب تحت إشراف أنوبيس، إله التحنيط، وتقوم روح "با" العائدة إلى عاني نفسه بمراقبة خطوات الحساب، وهي روح على هيئة طائر برأس إنسان، كما يراقب هذه المجريات آلهتين من آلهة الميلاد، ورجل يُمثِّل مصير عاني.
ويُوضَع في كفة الميزان اليسرى قلب عاني، الممثل في الصورة بالحرف الهيروغليفي لكلمة "قلب" (بشكل قلب حيوان من الثدييات)، بينما وُضِعَت في الكفة اليمنى ريشة ترمز إلى ماعت، وهو مبدأ النظام عند قدماء المصريين ومعناه "الحق" في هذا السياق. وكان قدماء المصريين يعتقدون أن القلب هو مَعقِد العواطف والأفكار والسمات الشخصية، ويُجسِّد بالتالي الجوانب الجيدة أو السيئة من حياة الشخص. فإذا لم يتوازن القلب مع الريشة، قُضي على المتوفى بالعدم، فيصبح فريسةَ "المُلتَهِم" الشرس الذي يظهر إلى اليمين في هذا المشهد، وهو وحش عجيب، بعضه تمساح، وبعضه أسد، وبعضه الآخر على شكل فرس النهر. "المصدر: المتحف البريطاني".
وفهم الكوشيين في السودان كما أسلافهم من الحضارات الأخرى: الأغريق والرومان والبابليين والصينين والأنكا والفرس والبربر والعرب والأفارقة وكل الأمم القديمة، فهمهم حسب كل المصادر التي عبرت منها لم يتباين أبداً عن ماهية القلب في إسطورته البدائية كمكان للجوهر الإنساني الكلي في تطابقه مع موضعه التشريحي كعضلة في الصدر وليس الرمزية التي جاءت في باب التأويل والتبرير في أزمان لاحقة.
كما أن الأدب (القصة والشعر وغيرهما) على مر العصور والأزمان كان سكراناً ب "القلب" وهكذا جاءت الأغاني وأبي فرج الأصفهاني وهلمجرا، وأنا قلبي دليلي "ليلى مراد" و قلبي مالو اليوم من جسمي فرَّ وراح دمتّ يامحبوبي ودامت الافراح "قلب سوداني".
وليس الأداب والفنون والسينما والمسرح من مفتوني القلب وحدهم وارثي القلب التليد بل الآيديولوجيات القديمة كما الحديثة المتصارعة من أقصى اليمين إلى أقصى يسار الماركسية أشد فتنة بالقلب وما جيفارا إلا ولد "قلبه" حار. ويقول المثل الألماني "الغميس": إذا كان الشاب قبل الثلاثين عاماً غير إشتراكي فلا قلب له وإذا ظل بعد الثلاثين عاماً إشتراكياً فلا عقل له. (المصدر: د. عبد المنعم مختار).
"كل تلك المفاهيم العقدية بدائية بالمقارنة لكنها حتماً متسقة مع معارف عصرها، إلا انها غير صحيحة علمياً، فالقلب ما هو إلا عبارة عن عضو عضلي يعمل كمضخة عالية الكفاءة للدم فقط، هذه هي وظيفته البيولوجية الوحيدة بإتفاق جميع علماء الفيسولوجيا دون اي استثناء، لماذا اذن تم ربطه منذ قديم الازمنة بالمشاعر والاحاسيس؟. السبب هو ان عملية ضخ الدم مرتبطة بالمشاعر والاحاسيس، او لو شئنا الدقة مرتبطة بردود الافعال التي تتطلبها المشاعر والاحاسيس الغريزية المختلفة... مثلا عندما نخاف يرسل الدماغ اشارة الي غدة موجودة فوق الكلى تسمى الغدة الكظرية، هذه الغدة تقوم بإفراز مادة مهمة للغاية اسمها الاندريالين، هذه المادة - او الهرمون - يقوم بتأثيرات عدة، منها زيادة معدل اطلاق الطاقة في خلايا العضلات وزيادة دقات القلب، فيستطيع الانسان القديم الذي كان يعيش في الغابات الهرب مما يخيفه، ولان اكثر التأثيرات وضوحا لهرمون الادرنيالين هو زيادة دقات القلب، لذا ربط الخوف والشجاعة وهذا على سبيل المثال. فهرمون الادرنيالين لا يفرز عند الخوف فقط، بل عند الغضب ايضا، وربما كان السبب وراء ارتفاع دقات قلب المحب عندما يقابل محبوبته هو ان عند أسلافنا البدائيين، كان الحصول على انثى يعني ان تخوض معركة ضد الذكور الاخرين، معركة يعني حركة عنيفة وسريعة، يعني إدرنيالين، ومجددا لاحظ القدماء ان القلب ينبض مع الحب، فظنوا ان الحب مكانه القلب..
اما السعادة والاطمئنان، فسببهما تأثير مادة اخرى تسمى الدوبامين، ولكن هذه المادة يفرزها الدماغ بنفسه، وبسببها يهدأ الانسان وتنخفض ضربات قلبه، فيقول القدماء ، إطمأن قلبه..
الصحيح هو ان جميع الافكار والمشاعر و الاحاسيس والقرارت والصلاح والفساد، مكانها الدماغ، وانه هو من يرسل الاشارات التي تتسبب في هذه التغيرات، التي خدعت القدماء وجعلتهم يظنون ان القلب هو مركز الاحاسيس والجوهر الكلي للإنسان، وأديان الحضارات القديمة كما الجديدة فهي سيان ظهرت للوجود في أزمان سحيقة وفي ذلك الوقت من الطبيعي ان تحتوي على الكثير من هذه الاخطاء العلمية التي لا تقلل من قيمتها كنصوص تاريخية".. شهاب كرار، بتصرف.
والسؤال: بعد هذا كله، ماذا نفعل مع هذه المضخة العظيمة المدعوة "قلب" كونها لم تتخلص بعد من إرث ماضيها، إنها من ضلالات الماضي الفاعلة في عين الوجود الحاضر وهي مرتبطة إرتباطاً جذرياً بالصراع السياسي والعقدي والآيديولوجي الجاري في عالم اليوم.. بل وبأكثر من ذلك، ب:الحب والكراهية، في إطلاقهما، في السياق التاريخي وخارجه!.
محمد جمال الدين لاهاي/هولندا
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.