بقلم/ شريف ذهب 30/12/2014م تنويه هام : أكتب هذا التنويه واشهد الله على ما أقول : بأنني قد كتبت هذا الجزء من المقال في التاريخ الموضح أعلاه ولظروف تتعلق بالعمل ( نهاية السنة المالية ) لم أوفق من نشره حيث كنت أنوي الاستزادة فيه قليلا ، والمفارقة الغريبة جدا أنني تابعت عبر راديو دبنقا الحوار الأخير مع الدكتور حيدر إبراهيم علي -لأفاجأ بأنه اشتمل على كل ما أشرت إليها في هذا الجزء من المقال ،ولو كنت نشرته من قبل لساورني بعض الغرور بأنّ الدكتور - الفاضل – قد اطلع على ما كتبته ليشمله في حديثه لكن حاشاه وهو العالم والخبير الاستراتيجي المرموق الذي بكل أسف مثله وآلاف العقول الكبيرة في بلادنا تظل أفكارهم مغيبة عن استراتيجيات الدولة! وهنا يكمن السبب الرئيس في متلازمة الفشل والداء العضال للدولة السودانية وأتمنى صادقا لو تستفد المعارضة السودانية من خبرات هؤلاء العلماء بجعلهم مستشارين لديهم . وبالعودة للمقال : فقد مضى ما يزيد عن الشهر على اعتقال سلطات الأمن السودانية لقطبي المعارضة الكبيرين – المحاميان- الأستاذ فاروق أبوعيسى والدكتور أمين مكي مدني بعيد عودتها من العاصمة الأثيوبية أديس أبابا وتوقيعهما على وثيقة ( نداء السودان ) مع قوي المعارضة السودانية وبكل أسف ردات الفعل من فصائل المعارضة بمجاميعها لم تكن بالحجم المطلوب بل أتت مخيبة للآمال لا تتناسب وحجم الحدث ، فعدا البيانات الخجولة من هذا التنظيم أو التجمع وذاك ، لم يتطور الأمر لحراك فاعل لإثارة قضيتهما سواء على صعيد الداخل أو المجتمع الدولي ، وحتى التحرك اليتيم الذي قام به بعض المحامين السودانيين بالداخل وتم إخماده من طرف السلطات لم يعاود أصحابه الكرّة مرة أخرى. وواقعة اعتقال الأستاذين أبو عيسى ومدني ليستا الوحيدتين على مستوى الداخل فثمة أحداث أخرى لم تلق حظها الكافي من المناصرة مثل هبة سبتمبر الماضية وما نتج عنها من شهداء سقطوا على يد الأجهزة الأمنية و قضية طالبات دارفور وأحداث جامعتي بحري وسنار الأخيرة وحراك شباب لقاوة وإضراب المعلمين بشمال وجنوب دارفور وخلافها ، مما يعّد إخفاقا للمعارضة في استغلال الفرص المؤاتية لإشعال انتفاضة شعبية تسقط النظام . ومع دخول العام الجديد 2015م يكون نظام المؤتمر الوطني قد أكمل عامه السادس والعشرين على سدة الحكم في البلاد تعد الأسوأ على مر تاريخه ،( شطر البلاد إلي نصفين ، تدمير شامل لمقدراته الاقتصادية ولقيم المجتمع وموروثاته الاجتماعية والأخلاقية وهتك لنسيجه الاجتماعي ) ورغم هذه الإخفاقات الكبيرة لازال النظام يمضي مترنحا على جثة البلاد الهامدة مع روافع من بعض القوى الدولية والإقليمية تسنده عن السقوط متمثلا في الصين وروسيا وقطر. يجابه هذا الإخفاق على الجانب الآخر تخاذل مستمر من قوى المعارضة عن عمل جرئ مشترك يزيح النظام عن كاهل البلاد في انتظار أن يسقط النظام من تلقاء نفسه!! . ولرسم صورة متكاملة لمواضع الخلل والضعف والفشل لدى قوى المعارضة السودانية يستلزم الأمر تناول تسلسل الأحداث في البلاد منذ فجر انقلاب يوليو 1989م والي يومنا هذا . ولتكن البداية من محطة التجمع الوطني الديمقراطي باعتباره أول كيان جامع لتحالف المعارضة تلا انقلاب النظام مباشرة ، فعلام تأسس هذا التجمع ؟ وكم حقق من أهدافه المعلنة ؟ وإلام انتهي وكيف تلاشى ؟ ثم المحطة الثانية الحركات المسلحة في دارفور فالجبهة الثورية فقوى إعلان باريس انتهاءا بتحالف نداء السودان . فالتجمع الوطني الديمقراطي قد توافرت له كل الأسباب ليكون البديل المناسب لهذا النظام من حيث التكوين ومن حيث الظروف الدولية والداخلية ، فمن حيث التكوين ضم هذا التجمع كل عناصر الطيف السياسي والجغرافي في البلاد . فمن أحزاب اليمين ( الأمة والاتحادي الديمقراطي ) واليسار ( الشيوعي والبعث ) والجنوب وجبال النوبة والنيل الأزرق ( الحركة الشعبية ) ودارفور ( التحالف الفيدرالي ) والشرق ( مؤتمر البجا) هذا بجانب القوات المسلحة ( القيادة الشرعية) بقيادة القائد العام الراحل الفريق فتحي احمد علي ورئيس الأركان الفريق عبد الرحمن سعيد ) دون أن نغفل ممثلي المجتمع المدني من نقابات وهيئات ، إذاً من حيث التمثيل فقد كان شاملا لكل البلاد وكانت تمتلك صحافة ناطقة باسمها تبرز آرائها وأنشطتها هي صحف (الخرطوم ، الاتحادي ، صوت الأمة ) ومن حيث الظروف الدولية فقد كان النظام في شبه حصار دولي شامل وعلاقات متردية لحد التناوش مع دول المحيط الجغرافي ( مصر ، أثيوبيا ، اريتريا ، اوغندة ، كينا ، تشاد بجانب دول الخليج العربي بمجاميعها نتاج موقف النظام السوداني من الغزو العراقي للكويت ) هذا بجانب الغرب بالضرورة . وبالداخل انهيار اقتصادي شامل وتذمر شعبي جراء غلاء المعيشة ، كل هذه العوامل لم يستفد منها التجمع الوطني الديمقراطي لاقتلاع النظام من السلطة بل على النقيض من ذلك فقد تمكن النظام بحيل انبطاحية عدة من استعادة العلاقات تدريجيا مع دول الجوار الإقليمي والاتجاه نحو الصين لاستخراج النفط ثم الانفراد بالحركة الشعبية لتوقيع اتفاقية نيفاشا وسحب بقية العناصر إلي الداخل تباعا ( حزب الأمة عبر نداء الوطن ، الاتحادي ( لقاء جدة)، الشرق ( اتفاقية أسمرة ) لينتهي المآل إلي المجزرة الكبرى للمعارضة بالداخل وتلاشي التجمع الوطني الديمقراطي وانفصال الجنوب ليتكرر السيناريو لاحقا في دارفور التي تعد المحطة الثانية من حيث الفرص الضائعة لإسقاط النظام . نواصل [email protected]