*شهيد الصحافة- محمد طه - كان قد توقف عن الكتابة ب(ألوان) قرابة العام.. *توقف لسبب خارج عن إرادته .. *وأول مقال ظهر له - عقب التوقف - كان على صفحات (الدار).. *كان مقالاً ذا عنوان غريب ما زلت أذكره إلى يومنا هذا.. *ثم إن مضمون المقال نفسه كان عصياً على الفهم بعد فشلي في استنطاقه.. * فقد رفض أن يشرح لي معناه قائلاً إن المغزى يفهمه الذين يعنيهم الأمر.. *أي إنه كان مقالاً (مشفراً) يكتفي الآخرون منه بمتعة التعبير.. *أما عنوان المقال فقد كان (كلب عبد الجليل!).. *كان عنواناً مقتبساً من إحدى كتب المطالعة في المرحلة الابتدائية.. *ولا أدري أي كلب حل محله الآن في زمان (الميوعة!) هذا.. *ولعله - إن كان يُوجد - من شاكلة ذاك الذي لفت نظر صديقنا (الحمش) خلال تجوالٍ بالحي الراقي.. *فقد كان يصيح فينا - الكلب - (هو هو) بصوت رقيق لم تكتمل دائرته (الكلبية!).. *فما كان من رفيقنا هذا إلا أن زمجر في وجهه بكلام السكوت عنه أبلغ دلالة على معناه.. *والكلب يُرمز به - منذ القدم - للوفاء كقول ابن الجهم في المتوكل (أنت كالكلب في حفاظك للود).. *وربما أراد محمد طه أن يشير إلى تراجع فضيلة الوفاء عبر مقاله ذاك عن كلب عبد الجليل.. *فإن كان هذا ما عناه فلعل روحه تحمد ربها الآن على أن جعل باطن الأرض خيراً له من ظاهرها.. *فالوفاء لا يضاهيه ندرة الآن إلا كمال (الذكورة!) التي افتقدها صديقنا ذاك في كلب (الذوات).. *فكيف إن شاهد صديقنا المذكور كلب زميلنا سعد الدين الذي رأيته قبل أيام؟!.. *فهو من فصيلة الكلاب التي لم أرها إلا وهي (تتمرغ) في أحضان نجمات الشاشة (الدلوعات).. *ثم حين صاح في وجهي- نابحاً- كدت أن أموت ضحكاً وأنا أتذكر كلب صديقنا ذاك.. *فهو قياساً إلى هذا بمثابة (عنترة بن شداد!).. *وبشاعريته الفلسفية الساخرة يربط سعد الدين بين (وفاء) زماننا هذا (وكلابه!).. *فالكلاب إن كانت ترمز للوفاء فهي تتضاءل بتضاؤله بيننا.. *فما عاد الوفاء وفاءً ، ولا الحياء حياءً ، ولا (الكلاب كلابا!).. *كل شيء - هكذا تحادثنا - تغير نحو الأسوأ في أيامنا هذه.. *واجتررنا بعضاً من قصص الغدر واللؤم والكذب والحسد التي عايشها كلانا.. *ويبقى صاحب (العزيزة) وفياً في زمن (عز) فيه الوفاء.. *و(تخنث) فيه من الرجال بقدر (كلابه!!). الصيحة