اذاً ماهو الحل لأزمة الصرف الصحى؟ في الثلاث مقالات السابقة عرضنا تأثير الضغوط البشرية علي بيئة الخرطوم الطبيعية والمستحدثة، وأستعرضنا مشكلة الصرف الصحي كأحد التحديات التي تواجهها في غياب التخطيط العمراني والحضري الموجه. اليوم سنتناول بعض موجهات الحل في قضية الصرف الصحي، وذلك لايماننا العميق بأن الخرطوم بموقعها الاستراتيجي المتفرد لا تستحق الا أن تكون ملكة جمال النيل؛ وأن الشعب السوداني هو صانع حضارة وادي النيل، ولا يستحق أن يغرق في بحيرة من مياه الصرف الصحي. تبدو المشكلة معقدة ولكن فى تقديرى الخاص أن الحل بسيط، فقط يحتاج لارادة سياسية وصحوة جماهيرية، ومهما بدأ مكلفاً فإنه أقل كلفة بكثير من تلويث مياه النيل العظيم. كما أنه لا يقبل التجاهل أو التأجيل والا ستكون النتائج كارثية. إن وضع استراتيجية متكاملة لمعالجة مشكلة الصرف الصحي بالخرطوم يعتبر أولوية قصوي تفرض نفسها علي كل مشروعات التنمية الاخري، كما يعتبر الاستثمار الأمثل لمياه الصرف الصحي المعالجة هو الهدف الرئيسي للاستراتيجية لتتوافق مع مبدأ اعتبار مياه الصرف الصحي مورداً مائياً ثانوياً يجب المحافظة عليه و إعادة استعماله بما يتوافق مع خصائص المياه المعالجة و نوعية إعادة الاستعمال. كما أن هذا الهدف ستتحقق معه عدة غايات أخرى مثل دعم أنشطة الرعايا الصحية الأولية من خلال تقليل المخاطر الصحية ومنع انتشار الأمراض الناتجة عن طفح مياه المجاري وحماية مياه النيل من التلوث. وايضاً حماية البيئة والموارد الطبيعية للبلاد؛ والمحافظة علي موقع الخرطوم كمدينة سياحية جاذبة يمكنها أن تنافس كثيراً من المدن العالمية، اذا حافظت علي سلامة بيئتها وطورت ملامحها الجمالية ونمّت مرافقها السياحية؛ وكذلك يمكن تحقيق مستوى متقدم من خدمات المرافق العامة للسكان؛ ودعم مشروعات التنمية الاقتصادية والاجتماعية وجذب وتشجيع الاستثمار الخارجي. ويمكن حصر موجهات الحل في النقاط التالية: أولاً: بناء رؤية منهحية شاملة وخطة عمرانية متكاملة للتطور الحضرى والاقتصادى والتنموى لمدينة الخرطوم، يستصحب كل الافرازات السالبة والموجبة لنهضة وتطور الخرطوم كعاصمة حضارية وقومية مشرقة ، وكبح جماح الرؤية الاستثمارية الضيقة فى استغلال أراضيها المميزة دون مراعاة المردود البيئي. هذا يعني أن البيئة يجب أن تكون أولاً وأخيراً في كل مشروع تنموي إستثماري. ثانياً: دراسة المردود البيئ والصحى لكل مشروعات التنمية العمرانية والاقتصادية، والتعرف على آثارها القريبة والبعيدة وتحديد المعالجات اللازمة، ووضعها كشرط اساسى يدخل فى اطار ميزانية الخطة العامة لقيام هذة المشروعات. و التمسك التام بالموارد البيئية الطبيعية كمكتسب غال للشعب، وتثمين الصحة العامة للمواطن السودانى ووضعها كأولوية قصوى تمثل هدفاً استراتيجياً لمحصلة عمليات التنمية الاقتصادية. وذلك لتلبية تطلعات الاجيال الحالية وحفظ حق الاجيال اللاحقة في الاستمتاع بالإرث البيئي المتنوع. ثالثاً: تطبيق التقنيات المتتطورة والتكنلوجيا الملائمة لمعالجة مياة الصرف الصحى مثل الحمأة النشطة (Activated Sludge) واعادة استخدامها فى الاغراض المناسبة لذلك خصوصاً فى الرى وتطوير وادارة أنظمة الصرف الصحي وتحسين طرق تشغيلها . وتشمل المعالجة خمس مراحل هي مرحلة المعالجة التمهيدية (التهوية الأولية و إزالة المواد العالقة الكبيرة الحجم و حجز الزيوت و ترسيب الرمل و الحبيبات الثقيلة)، مرحلة المعالجة الأولية (ترسيب العوالق ومعالجة بعض المواد الكميائية الزائدة) ، مرحلة المعالجة الثانوية (امتصاص المواد العضوية الذائبة من مياه الصرف وتحويلها لكتل حيوية قابلة للإزالة بواسطة الترسيب)، مرحلة المعالجة الثلاثية ( الترشيح- الترويب - التخثير)، مرحلة المعالجة المتقدمة (تخفيض مستوى الفسفور والأمونيا ). رابعاً: تفعيل اللوائح والتشريعات التي تحافظ على صحة الانسان وتحمى البيئة مثل قانون صحة البيئة للعام 5/1974 ، وقانون الرى والصرف لسنة 1990؛ ودعم محكمة البيئة وآليات الرقابة مثل ادارة صحة البيئة بوازارة الصحة، والمجلس الاعلى للبيئة، ووزارة البني التحتية؛ وكذلك إفساح المجال لمنظمات المجتمع المدني مثل الجمعية السودانية لحماية البيئة، وجمعية صحة البيئة وغيرها من منظمات المجتمع المدنى، لتقوم بدورها الطليعى فى حماية مكتسبات الامة. وحظر تصريف المخلفات السائلة إلى شبكة الصرف الصحي العامة قبل إجراء معالجة أولية، إذا كانت هذه المخلفات تحتوي على حمل عضوي أو كيميائي أو جرثومي يفوق الحدود المسموح بها، أو إذا كانت تحتوي على مواد سامة أو خطرة ، أو أنها مخالفة للمواصفات والمعايير التي تحددها الإدارة المختصة. خامساً: تحديد المواصفات القياسية لنوعية المياه الخارجة من محطات المعالجة تبعاً لأحسن ما يمكن الحصول عليه من تكنولوجيا المعالجة التي تلبي معايير الصحة العامة. وتشمل العوامل الرئيسة للمعالجة موقع التصريف ، قربه من الآبار ، نوع المياه المستقبلة ، طبيعة ومدى الاستعمالات النهائية؛ وسيتم التحكم بنوعية مياه الصرف الصحي التى تستخدام لأغراض الري تبعاً لخصائص التربة في الأراضي المروية ، ونوع المحاصيل المزروعة ، وبرنامج الري وطرقه ، ومدى إمكانية خلط المياه العادمة المعالجة بمياه أخرى مثل مياه الامطار. سادساً: تثقيف الجمهور صحياً ورفع وعيهم البيئى بمختلف الوسائل التوعويه (الراكوبة مثال) حول المحافظة على مصادر المياه وحمايتها من التلوث، وتجنب مخاطر التعرض للمياه العادمة غير المعالجة، والتعرف علي كيفية التعامل مع مياه الصرف الصحي المعالجة في إعادة استعمالها في الأغراض المختلفة، مع ضرورة التبيليغ الفورى عن اى مخالفات يلاحظونها. سابعاً: تحديد المواقع المناسبة للمنشآت الصناعية والتجارية وتجميعها فى مواقع محددة، وتحديد المواصفات الصحية والهندسية والاقتصادية المتكاملة لقيامها وكيفية التخلص من مخلفاتها. وضرورة وجود معالجة أولية لفضلات المصانع والمؤسسات العلاجية قبل طرحها فى الشبكة العامة للمجارى. ثامناً: إقامة مشاريع استثمارية لاعادة استخدام مياة الصرف الصحي ذات الخصوبة العالية بعد معالجتها مثل؛ ري حقول الملاعب الرياضية كإستاد الهلال والمريخ والمدينة الرياضية و ميدان سباق الخيل وغيرها من الملاعب الاخري والميادين والحدائق العامة. وإنشاء بحيرات مائية صناعية مقسمة إلى عدة أحواض، بحيث يمكن الاستفادة من كل حوض في نشاط مختلف مثل تربية الأسماك وعمل مساقط مائية ونوافير وغيرها. وإقامة مشاريع للغابات النباتية ذات مردود إقتصادي في إنتاج الاخشاب حول أطراف الخرطوم، وخاصة الاشجار التي تتحمل إرتفاع ملوحة المياه. ونواصل ... إن شاء الله اذاً ماهو الحل لأزمة الصرف الصحى؟ (مقال اليوم) عندما لا تنتهي أكوام الزبالة ...! هل في أمل لخرطوم نضيفة؟... ولا نزيد الكوم زبالة...! عزالدين فضل آدم جامعة طوكيو للطب والاسنان محاضر بجامعة الخرطوم، كلية الصحة العامة [email protected]