وسط العديد من المشكلات والتوترات التي ترتفع يومًا بعد يوم بالأقليم الجنوبي للسودان والتي تتصاعد حدتها هذه الأيام قبل أقل من شهرين على قيام الاستفتاء على تقرير مصير الأقليم والمحدد له التاسع من يناير 2011 ثم اعلان البيان الختامي لمؤتمر الحوار الجنوبي - الجنوبي، والذي لم تشارك فيه جميع الأحزاب الجنوبية. ورغم الخلافات بين الأحزاب الجنوبية المشاركة في المؤتمر حول القضايا المهمة والمصيرية، مثل توزيع الثروة في الجنوب وضرورة مشاركة هذه الأحزاب في الحكم ومصير الجيش الشعبي في حال الانفصال والغموض الذي يحيط بعملية الاستفتاء على تقرير المصير، والمقرر له يناير المقبل والإجراءات المتعلقة به والتي أرجأتها الحركة الشعبية إلى ما بعد الاستفتاء، الأمر الذي وجد رفضًا كبيرًا من هذه الأحزاب، إلا أن البيان صدر حيث جاءت توصياته هشة ولم تحل القضايا الرئيسية التي طالبت بها الأحزاب وخرجت توصياته بصياغة عامة، مثل ضرورة عقد الاستفتاء على تقرير مصير الجنوب واستفتاء أبيي في وقت واحد وتشكيل حكومة انتقالية من الأحزاب الجنوبية عقب الاستفتاء ولجنة لتوحيد رؤى الأحزاب الجنوبية جميعها من أجل التفاوض مع المؤتمر الوطني الشريك الآخر بالحكم وترتيبات ما بعد الاستفتاء دون تفرد الحركة الشعبية بالتفاوض. إلا أنه رغم ذلك البيان الهش الذي صدر، أظهرت الاحزاب المشاركة في الحوار الجنوبي - الجنوبي قلقًا شديدًا تجاه هذا البيان والذي لم يحقق مطالبها واتهمت بعض الاحزاب الجنوبية الحركة الشعبية بالتوتر مع حزب المؤتمر الوطني، وطالبتها بعدم التصعيد مع الشريك الآخر. ويذكر أن التصريحات التي أدلى بها رئيس حكومة الجنوب سيلفاكير مارديت النائب الأول للرئيس عمر البشير عقب عودته مؤخرًا من نيويورك والتي دعا فيها الجنوبيين إلى أن يكون خيارهم الانفصال في الاستفتاء المقرر وفقًا لاتفافية السلام الشاملة بنيفاشا نظر اليها الشمال على أنها دعوة تحريض صريحة من جانب رئيس حكومة الجنوب ورئيس الحركة الشعبية من أجل أن يصوت الجنوبيون لصالح الانفصال وهو ما يتعارض مع اتفاق نيفاشا. وتأتي التصريحات التي أدلى بها سيلفاكير مؤشرًا مهما على اتساع الفجوة بين من يؤيدون الوحدة ومن يدعون للانفصال، الأمر الذي زاد من المخاوف داخل جنوب السودان وداخل الشمال وعلى مستوى المجتمع الدولي من العودة مرة أخرى إلى الحرب. ويشير مراقبون إلى شيء مهم، وهو أن التصريحات التي أدلى بها سيلفاكير تعد خطوة خطيرة وساذجة لوقتها، وجاءت غير موفقة من الناحية السياسية، خاصة أنها تخالف تمامًا روح اتفاقية السلام الشامل التي أكدت على خياري الوحدة والانفصال، ولكنها جعلت خيار الوحدة هو الأولى أن يعمل الشريكان من أجله. إلا أن المشاهد والمتابع للأمور يجد أن الحركة الشعبية والتي تملك زمام الأمور بالجنوب أصبحت الآن في موقف حرج وصعب، خاصة أنها أكثر خرقا للاتفاق مع الشمال بسبب ممارستها وسيطرتها الكاملة الآن داخل الإقليم و أعمال العنف والضغوطً الكبيرة التي تمارسها على القوى السياسية الأخرى والتي تعمل داخل الإقليم، خاصة تلك التي تعارض استراتيجيتها، خاصة المؤيدة للوحدة وأصبح مصير تلك القوى السجن والتعذيب، إلى جانب منعها من ممارسة أو عمل أي حملات توعية من أجل الوحدة لأنها فقط تخالف وجهة نظر الحركة الشعبية. لذلك يؤكد مراقبون في ضوء ما سبق أن الاستفتاء على حق تقرير المصير والمقرر له يناير المقبل والذي سيتم برعاية الحركة الشعبية الحاكمة لن يكون نزيهًا، خاصة بعد أن استطاعت الحركة مؤخرًا تحويل 60 ألف جندي من جيش الحركة الشعبي والاستخبارات بها للعمل بشرطة الاستفتاء في خطوة تغذي مخاوف التزوير للاستفتاء والذي سيؤدي إلى الانفصال في ظل مثل هذه الظروف، مما يؤدي إلى عدم الاستقرار بالسودان وإلى صراع عنيف وقد يؤدي إلى تفتيت الإقليم. مما يؤكد ما أقره المراقبون بأن الدولة الوليدة ستولد هشة وضعيفة، و قد تشهد حربًا أهلية وستواجه تحديدات كبيرة داخليًا وخارجيًا، خاصة أنها لن تستطيع بسط الأمن في ظل بوادر العنف التي بدأت تظهر بوضوح الآن بسبب التنوع الإثني والثقافي والذي سيغزي احتمالات العنف. وإلى جانب هذه التحديات الداخلية هناك تحديات خارجية أهمها أطماع بعض دول الجوار في هذه الدولة الوليدة. كل ذلك إلى جانب شيء مهم وهو أعمال التمرد والتي بدأت تظهر بوضوح من جانب بعض فصائل داخل الجيش الشعبي وعلى نحو أكثر وضوحا من ذي قبل. إلى جانب ذلك بدأت ضغوط شديدة على رئيس الحركة الشعبية رئيس حكومة الجنوب سيلفاكير والتي بدأت تظهر ملامحها، خاصة بعد الأنباء التي تتردد وكشف عنها بعض المراقبين الغريبيين عن توجهات غربية وأطراف أخرى مع حليفها الولاياتالمتحدة لاختيار رئيس جديد للحركة خلفا للرئيس سيلفاكير عقب الاستفتاء المقرر بداية العام المقبل. وقد انحصرت هذه الترشيحات في الأمين العام للحركة بافان أموم والجنرال المنشق جورج أطور، ومما يؤكد ذلك التوتر الواضح في العلاقات الآن بين سيلفاكير وبافان أموم، خاصة عقب العودة من الزيارة الأخيرة للرئيس ونائبه من نيويورك ومشاركتهم في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، والتي تم فيها بوضوح استقبال أموم بدرجة أرفع من سيلفاكير من قبل الإدارة الأمريكية من جانب، و اتهام سيلفاكير لأمريكا وبعض المنظمات الإنسانية الغربية بدعمها للقائد المنشق عن جيش الحركة جورج أطور من جانب آخر، مما يؤكد صحة ما يتردد عن ضعف موقف رئيس الحركة الشعبية رئيس حكومة الجنوب سيلفاكير. وبسبب سوء الأوضاع وتوترها بالإقليم تعرض سيلفاكير لانتقادات كبيرة من قبل القوى السياسية بجنوب السودان خاصة من جانب تحالف الأحزاب الجنوبية نتيجة تصريحاته التي أطلقها والتي تعد بمثابة إعلان حرب وخرق واضح لاتفاقية السلام الشامل، لذلك أعلنت إذا ما أجرى الاستفتاء على نحو ما أعلنه سيلفاكير فإنهم لن يعترفوا بنتائجه. إلى جانب ذلك ظهرت بوضوح انتقادات أخرى من قبل العديد من التيارات داخل الحركة السنية بسبب انحراف الحركة الشعبية عن مبادئها ومشروعها الوحدوي وعقدت هذه التيارات عدة اجتماعات بجوبا ضمت العديد من القيادات العسكرية بالجيش الشعبي وقيادات شمال الحركة والوحدوين الجنوبيين وجبال النيل الأزرق وجبال النوبة من أجل اتخاذ موقف حاسم ونهائي لما أسمته الانحراف الخطير داخل الحركة، وأكدت هذه التيارات أن كل الخيارات متاحة للتعامل مع الموقف الحالي. لذلك وبسبب كل هذه المشكلات والتوترات اتجه سيلفاكير للتعامل مع معارضيه مرة أخرى ومحاولة فتح صفحة جديدة معهم من أجل تدعيم موقفه الذي أصبح ضعيفًا، لذلك يحاول المصالحة مع القادة العسكريين الذين أبعدهم عنه في الآونة الأخيرة كالفريق فاولينو مايثت ولام أكول رئيس الحركة الشعبية للتعبير الديمقراطي والذي التقاه واتفقا معًا على فتح صفحة جديدة والعمل من أجل سلام الجنوب والاتصالات التي تمت مع بعض الفصائل الخارجة عن الجيش الشعبي جاءت ردودها ها مقترنة بشروط ومطالب على سيلفاكير أن يفي بها من أجل الموافقة على العودة مرة أخرى للجيش الشعبي والحركة الشعبية، ومنها إشراك جميع القادة المنشقين مثل جورج أطور وقلواك قاى وغيرهم في المفاوضات، وأن يتم ترقية عدد من القادة إلى الرتب الأعلى وأن يتم تعيين عدد من الضباط بالأمن بالجنوب الى رتب أعلى ومثلهم في الاستخبارات وتعيينهم في المجلس التشريعي، وأن يكونوا ضمن الوزراء بحكومة الجنوب، وأيضًا توفير فرص لتعيينهم ضمن حقائب وزراء الحركة بالحكومة الاتحادية وغيرها من الطلبات والشروط. وقد اعتبرت الحركة الشعبية هذه الشروط التي أعلنها المنشقون عن الجيش الشعبي تعجيزية. ومن أجل الخروج من كل ما تتعرض له الحركة الشعبية من انتقادات وضغوط أيقنت الحركة بضرورة إشراك جميع القوى الجنوبية من أجل حوار جنوبي يؤدي للمشاركة في السلطة بعد أن ازدادت الأحوال تعقيدًا بالجنوب. وهنا يقول محللون: هل ستغير الحركة الشعبية من استراتيجيتها وفقًا للمعطيات الجديدة، وتعمل من أجل الوحدة، وليس الانفصال؟ عقب ما أسفر عنه الحوار الجنوبي / الجنوبي؟ وهل سيستمر سيلفاكير رئيسًا لحكومة الجنوب بعد الاستفتاء؟ وهل سيحسم الاجتماع الجنوبي - الجنوبي الصراع الدائر الآن بالجنوب؟ {وكالة الصحافة العربية}