بنصف آية ابتدر البشير خطاب تنصيبه يوم أمس 2 يونيو 2015 فقال (إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ) أخرج البشير نصف الآية عن سياقها القرآني فالآية التي وردت فيها كلمة (الحكم) بمعنى القضاء والقدر . استعملها رئيسنا الفقيه باعتبار أن المقصود من (الحكم) هنا هو السلطة أو الملك أو حسب ما يفهم حديثا بالسلطة السياسية. وللحقيقة فقد اجتزأ البشير نصف الآية (وقال يا بني لا تدخلوا من باب واحد وأدخلوا من أبواب متفرقة وما أغنى عنكم من الله من شئ إن الحكم إلا لله عليه توكلت وعليه فليتوكل المتوكلون) 67 سورة يوسف* . اجتزأ نصفها لكي يجرجر مستمعيه إلى التباس درج عليه الإسلامويون - في استغلالهم الدائم للنص القرآني- فجعل بذلك من أمر تتويجه أمر رباني وعلي السودانيين الرضا لأن في ذلك ثواب كبير. ثم استمر البشير فى خطابه القديم الذى درج عليه فتأرجح بصورة خجولة يدغدغ أشواق الذين تنصتوا لخطابه بالوعود الكاذبة التي درج عليها منذ استيلائه على السلطة في 1989 حتى تاريخه. مدعما أكاذيبه بأنصاف آيات لا يستطيع الاعتبار بها كاملة كما جاءت في القران الكريم فخذ مثلا الآية التي أوردها في صدر خطابه (متوعدا) مواطنيه بالشورى وبالتأكيد الشورى المقصودة هي شوراهم هم وليست الشورى الواردة في القران . قال البشير : (والذين استجابوا لربهم وأقاموا الصلاة وأمرهم شورى بينهم ومما رزقناهم ينفقون)*38 الشورى. لكنه تناسي - كعادة الاسلاميين عن قصد- أن يورد الآيات في سياقها كاملا . فمن الواضح أن الآية معطوفة على ما قبلها بالواو التي في بدايتها (والذين...) وبالرجوع الى ما قبلها نجد الآية 37 من سورة الشورى أيضا معطوفة على ما قبلها (الآية 36) . ثم أن الآية التي أوردها البشير مجتزأة ، لها علاقة بالآية التي بعدها وأعتقد أنه لن يجرؤ أمثال البشير على قراءتها وهى الآية 39. قال تعالى: ( فَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (36)وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ(37) وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَىٰ بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ(38)وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ(39)) *الشورى و تتحدث الآيات التي تليها عن أن الله لا يحب الظالمين في الآية 40 ، ثم تتحدث الآيات الست التي تليها عن الظالمين (الذين يظلمون الناس ويبغون في الأرض) بتفصيل أكثر وعن مصيرهم . إذن لما لم أكتف صاحب الخطاب بالأية 38 من السورة ولم يتطرق للايات قبلها او بعدها ؟ ثم بشر المواطنين بعائدات الذهب وكعادتهم دائما يرجع الاسلامويون الى القرآن وهذا أمر قد نراه جيد ، لكن هل يجرؤون على الاستشهاد بالآيات كاملة ؟ قال البشير : (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ ) ولم يكمل الآية كعادته فالآية هي ، قال تعالى :( وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ) *96 الأعراف. فالآية القرانية تربط ايمان أهل القرى وتقواهم بعدم التكذيب للرسل وليس الكذب فالتكذيب هو تكذيب الأنبياء والرسل والكذب يمارسه المنافقون من أهل الإنقاذ وطالما أن الآية تحدثت عن الإيمان مرتبطا بالبركات من السماء والأرض ، يمكن أن نرجع لحديث الرسول (ص) :( إنما يفتري الكذب الذين لا يؤمنون) فهل أهل الإنقاذ تشملهم الآية التي تهرب مرشحهم من ذكرها كاملة ؟ فهذه ( الحرفنة) والحياكة والتلاعب بأعظم مصدر من مصادر التشريع الاسلامي هي الميزة التي تميز كل تيارات الاسلامى السياسي على الرغم من أنهم يتفاوتون فيها وبالتأكيد أحرفهم على الصعيد السوداني زعيمهم وعرابهم الترابي. ونختم بالآية (7) من سورة الأعراف التي يبدو أن البشير لم يسمع بها . قال تعالى :( هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ) بكرى العجمي [email protected]