احيانًا تُفضل القوى الخارجية فرض الفوضى والتفكك إذا لم تستطع السيطرة على البلد    مصر تسجل مستوى دخل قياسيا في الدولار    السودان يرفض اي تدخلات دولية أو اقليمية لا تحترم سيادته وحقه في الدفاع عن شعبه وارضه    ((سيكافا في قبضة الزعيم الهلالي))    رؤوفا وصنداي وتعال بجاي.. هلال قيافة في سماء سيكافا    مبابي ينقذ ريال مدريد من فخ سوسيداد رغم اللعب ب10 لاعبين    وزير الداخلية يترأس إجتماع لجنة ضبط الأمن وفرض هيبة الدولة ولاية الخرطوم    وزير الداخلية يترأس إجتماع لجنة ضبط الأمن وفرض هيبة الدولة ولاية الخرطوم    عاجل..قرار من" كاف" تجاه نادي المريخ السوداني    عودة السياحة النيلية بالخرطوم    لامين جمال.. قصة نجاح خارج المستطيل الأخضر    ترامب يلوح بفرض عقوبات كبيرة على روسيا    سرب من الطائرات المسيرة تهاجم مواقع عسكرية ب "الأبيض"    أمريكا تفرض عقوبات على جبريل إبراهيم وكتائب البراء بن مالك    في أزمنة الحرب.. "زولو" فنان يلتزم بالغناء للسلام والمحبة    تقرير يتنبأ بمستقبل صلاح "القريب"    محمد وداعة يكتب: ضغوط .. و تعدى    ما لم تتوقعه الرباعية الشمطاء حالة الانهيار العسكري لمليشيا التمرد في كردفان    إيد على إيد تجدع من النيل    في زيارة لمدينة أم روابة: قدامى لاعبي هلال الأبيض يكرمون رئيس نادي الزمالة    اللواء الركن (م) أسامة محمد أحمد عبد السلام يكتب: عمر صديق وعلي الحاج والرباعية    شاهد بالفيديو.. الفنان عثمان بشة يشعل حفل غنائي بالقاهرة في ليلة تحرير "بارا": (ناس كيكل والجياشة دخلوا بارا قسيم ريدي ما جانا) والجمهور يتفاعل في الرقص    شاهد بالفيديو.. وسط ضحكات وسخرية الجمهور.. جندي بالدعم السريع يهرب من المعركة وينفذ بجلده: (عيال كيكل ما بتداوسوا وأنا ماشي أرعى إبل وأمي قالت لي كان ما رجعت ما عافية ليك)    شاهد بالصورة والفيديو.. بعد حصوله على قميص نادي الهلال السوداني.. مقدم برامج بقنوات "بي ان سبورت" يوجه رسالة للبرنس: (أعرفك من سنين عمرك ما هديتنى تيشيرت واليوم حصلت عليه بعرق جبيني)    شاهد بالفيديو.. البرهان يصل "بارا" وسط استقبالات حاشدة وغير مسبوقة وساخرون: (الدعامة والقحاتة الليلة ما بنوموا من الزعل)    شاهد بالصورة.. بعد الهجوم الإسفيري الشرس الذي تعرض له.. المذيعة تسابيح خاطر تتغزل في زوجها "الميرغني" وتسانده: (واثِق ُ الخطوةِ يمشي ملكاً)    أرميكا علي حافة الهاوية    الرئيس الرواندي يصل الدوحة    انتقادات عربية وأممية.. مجلس الأمن يدين الضربات في قطر    وزارة الزراعة والثروة الحيوانية والري بالخرطوم تبحث إعادة إعمار وتطوير قطاع الألبان    شاهد بالصورة والفيديو.. عروس سودانية ترفض "رش" عريسها بالحليب رغم إقدامه على الخطوة وتعاتبه والجمهور يعلق: (يرشونا بالنووي نحنا)    حسين خوجلي يكتب: الأمة العربية بين وزن الفارس ووزن الفأر..!    ضياء الدين بلال يكتب: (معليش.. اكتشاف متأخر)!    في الجزيرة نزرع أسفنا    شاهد بالفيديو.. حسناء الإعلام السوداني تستعرض جمالها بإرتداء الثوب أمام الجميع وترد على المعلقين: (شكرا لكل من مروا من هنا كالنسمة في عز الصيف اما ناس الغيرة و الروح الشريرة اتخارجوا من هنا)    أعلنت إحياء حفل لها بالمجان.. الفنانة ميادة قمر الدين ترد الجميل والوفاء لصديقتها بالمدرسة كانت تقسم معها "سندوتش الفطور" عندما كانت الحياة غير ميسرة لها    مباحث شرطة القضارف تسترد مصوغات ذهبية مسروقة تقدر قيمتها ب (69) مليون جنيه    من هم قادة حماس الذين استهدفتهم إسرائيل في الدوحة؟    هذا الهجوم خرق كل قواعد الإلتزامات السياسية لقطر مع دولة الكيان الصهيوني    في عملية نوعية.. مقتل قائد الأمن العسكري و 6 ضباط آخرين وعشرات الجنود    نجاة وفد الحركة بالدوحة من محاولة اغتيال إسرائيلية    ديب ميتالز .. الجارحى ليس شريكا    ضبط (91) كيلو ذهب وعملات أجنبية في عملية نوعية بولاية نهر النيل    الخرطوم: سعر جنوني لجالون الوقود    السجن المؤبّد لمتهم تعاون مع الميليشيا في تجاريًا    وصية النبي عند خسوف القمر.. اتبع سنة سيدنا المصطفى    عثمان ميرغني يكتب: "اللعب مع الكبار"..    جنازة الخوف    حكاية من جامع الحارة    حسين خوجلي يكتب: حكاية من جامع الحارة    تخصيص مستشفى الأطفال أمدرمان كمركز عزل لعلاج حمى الضنك    مشكلة التساهل مع عمليات النهب المسلح في الخرطوم "نهب وليس 9 طويلة"    وسط حراسة مشددة.. التحقيق مع الإعلامية سارة خليفة بتهمة غسيل الأموال    نفسية وعصبية.. تعرف على أبرز أسباب صرير الأسنان عند النوم    حادث مأسوي بالإسكندرية.. غرق 6 فتيات وانقاذ 24 أخريات في شاطئ أبو تلات    بعد خطوة مثيرة لمركز طبي.."زلفو" يصدر بيانًا تحذيريًا لمرضى الكلى    الصحة: وفاة 3 أطفال بمستشفى البان جديد بعد تلقيهم جرعة تطعيم    أخطاء شائعة عند شرب الشاي قد تضر بصحتك    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قراءة إستعادية فى فكر المتدبر الراحل محمد أبو القاسم حاج حمد (1)
نشر في آخر لحظة يوم 11 - 02 - 2013


بنائية القرآن وضبط دلالات اللغة :-
بحكم إعادة الترتيب، حيث إتخذ الكتاب وحدته العضوية، يُفتَح الطريقٌ أمام القراءة المنهجية المعرفية، وهذه هي إحدى أهم معجزات القرآن، إذ النص واحد لا يتغير، ولا يتبدل، وتختلف قراءته تبعاً للتركيب والفارق النوعي، في تطور العقل البشري، فلكل حالة عقلية تاريخية، إسقاطاتها الذهنية الخاصة بها، على القرآن تبعاً لمبادئها العقلية وأشكال تصورها للوجود. أما النص فهو ثابت، ليس على مستوى الكلمة فقط، ولكن على مستوى الحرف، فالقرآن في بنائيته الحرفية، يُماثِل البنائية الكونية، بحيث إذ تفلت نجم عن موقعه، اختلَّ النظام الكوني كله. ولهذا قابل الله بين البنائية الحرفية للقرآن و(مواقع) النجوم، فلم يقسم - سبحانه- بالنجم، ولكنه أقسم بمواقعها، في سياق تعريفه بخصائص القرآن البنائية ]فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ (75) وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ (76) إِنَّهُ لَقُرْآَنٌ كَرِيمٌ (77) فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ (78) لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ (79) تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (80)[ (الواقعة /ج27/الآيات 75- 80). فلكل حرف وظيفته (الألسنية البنيوية) في الإنشاء القرآني، فحين يستخدم الله اللغة العربية في التنزيل، فإنه يستخدمها وفق مستوى إلهي، يقوم على الإحكام المطلق، فلا يكون في القرآن مترادفات توظيفاً ضمن جناس وطباق، إذ تتحول الكلمة ضمن الاستخدام الإلهي إلي (مصطلح دلالي)، متناهي الدِقة، خلافاً للاستخدام البشري البلاغي العفوي لمفردات اللغة، فمثلاً لا يورد القرآن (مَسَ) بمعنى (لمس) إطلاقاً، ولهذا حين قال الله ]لا يمسه إلا المطهرون[، فقد قصد (النفس) الطاهرة ،وليس (البدن)، فالبدن (يَلمس) ولا يُمس، البدن يلامس النساء] أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاء فَلَمْ تَجِدُواْ مَاء فَتَيَمَّمُواْ صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَفُوّاً غَفُوراً[ (النساء/ج4/ الآية 43)وكذلك]وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كِتَابًا فِي قِرْطَاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ لَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ (7)[
(الأنعام/ج7/الآية7)، أما (المس) فيتجه إلي
المعرفة والإدراك والإحساس والشعور]إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ (201)[ (الأعراف /ج9/ الاية 201)، وكذلك]إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ (120) [ (آل عمران/ج3/الآية120)، فمس القرآن إدراكه والشعور به، وهو مس لا يأتي إلا للمطهرين نفساً، وليس للمتطهرين بدناً فقط. إذن فالقرآن ممنهج، بالاستخدام الإلهي لمفردات اللغة العربية على مستوى الاصطلاح الدقيق، مٌتنزِلٌ على مستوى الحرف، ومن هنا ننفي شبهة تنزله على سبعة أحرف من لغة مختلف القبائل العربية، وغاية ما نستطيع قوله: أنه ما كان من عنعنة وكشكشة في لغة بعض القبائل، قرأتْ بها القرآن، لا علاقة له بحرف التنزيل، وإنما هي قراءات، هُم قرأوا بها بما يتيسر في لسانهم، أما ما جاء من إعراب وتشكيل في عصر التدوين، من بعد تقعيد اللغة، فحكمه إلي المنهج المحيط بالشِرعة. ولهذا يتطلب العِلم القرآني قاموساً (ألسنياً معرفياً)، يستند في تحديد دلالات ألفاظ القرآن المنهجية والمعرفية إلي نظرية (العائد) المعرفي، أو المرجع، أو الوسيط، فهناك ثلاثة أمور في عملية توصيل دلالات المفردة: 1/ الكلمة 2/ الأمر الذي تٌشير إليه 3/ التصور العقلي المشكل عن هذا الأمر في الذهن. وذلك خلافاً للتصور التقليدي لفقه اللغة والمعاني، فكل أمة تتكلم كما تفكر، فالكلمة تستدعى تصوراً معنياً مقيداً في دلالته إلي بيئة تاريخية وثقافية معينة، والقرآن ينحو إلي الضبط والمنهجية، على غير ما هو شائع وسائد ومتغير في ذهنية العائد المتصور، فقد فهم العرب كلمة (الأٌمييِّن) على من لا يعرف الخط، ولا يقرأ رسم الحروف، وهي خلاف ذلك في الاستخدام القرآني، إذ أنها تقابل (الكتابيين)، وليس (الكاتبين). كما نلاحظ أن الدلالة المفهومية لكلمة (النسخ) في القرآن، قد حُرِّفْت نتيجة الدلالة العربية الذهنية في مرحلة عصر التدوين، لتكون نسخاً لآيات القرآن بعضها بعضاً، في حين أن النسخ في القرآن يعني: إستبدال حالة تاريخية، أو عقلية بحالةٍ أخرى مغايرة، وليس إبطالاً لبعض الآيات، أو إسقاطها لها. (راجع المزيد من التفاصيل في كتاب منهجية القرآن المعرفية أسلمة فلسفة العلوم الطبيعية والإنسانية للراحل محمد أبو القاسم حاج حمد). قد يجد الكثيرون ممن يعملون في مجال الإفتاء الشرعي ، وحقول التفاسير والتأويل الديني ، من مختلف المذاهب والفرق الإسلامية خٌلاصات مفارقة، لما بين أيديهم- فالخلاصات هي: محض آراء اجتهادية، مصدرها العقل دون النص، أو محاولة العقل تأويل النص، وهذا اتجاه كثيرين- غيرنا- يحاولون الهيمنة على النص القرآني، بالعصر واستهوائه لإيجاد تماثل مع المفاهيم الليبرالية الغريبة، حول (حقوق المرأة)، ومقاربة العولمة الزاحفة. وإنما ترجع المسألة إلي (مفارقة في المنهج) من حيث (ضوابط التعامل) مع النص القرآني، والسُنة النبوية، بالكيفية التي أسْس لها (علم الأصول)، وتمت به التفريعات الفقهية، وأخذت بها التفاسير. لذلك يصعب أو يستحيل مناقشة هذه الخلاصات، دون مناقشة المداخل المنهجية، التي عرض لها المفكر الراحل/ حاج حمد، عبر مؤلفاته القيمة (العالمية الإسلامية الثانية- جدلية الغيب والإنسان والطبيعة) و(منهجية القرآن المعرفية)، و (ابستمولوجية المعرفة الكونية- إسلامية المعرفة والمنهج) والعديد من المحاضرات. وسأستعيد \ الحلقة القادمة، قراءة لطبيعة أحد هذه المداخل وهو إحكام المفردة القرآنية...
نواصل...
إحكام المفردة القرآنية:
إن التعامل مع (العائد المعرفي) لدلالات المفردة القرآنية، يرتبط بكونها (اصطلاحاً)، لا مترادف، ولا مشترك فيه، ولا مجاز، فلغة القرآن ولسانه (مثالية رياضيه)، منضبطة الدلالات كاللغة (العلمية) تماماً. فهي ترقى على (كلام) العرب، ليس من حيث الإعجاز البلاغي في القرآن، ولكن من حيث الاستخدام الإلهي للمفردة، بمستوى منضبط، لا يخضع لبلاغة الشعر].وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآَنٌ مُبِينٌ (69) [.(يس/ج23/ الآية 69). وعلماً بأن القرآن (عربي المفردات)، إلا أنه يزيد عن ذلك ب(إحكام الآيات)، بما يؤدي لإحكام المفردات الدالة على الآيات المحكمة، وضبط عائدها المعرفي: ]الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آَيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ (1)[ (هود /ج11/ الآية 1). فهذا إحكام وتفصيل، مصدرهما (الذات الإلهية) الأزلية المنزهة، إشارة إلي (اللدنية) الإلهية. وهنا لابد أن نُميِّز بين الَلدِنيةً والعندية. (فاللدنية): أوثق صِلة من (العندية)، إذ تضمر اللدنية (ذاتية) الذي يُعطى، أي (جوانيته)، في حين تضمر العندية، ما يكون لديه وليس لدنه، فحين يكون الوحي لمحمد (ص)، فإنه من لدن الله ]وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآَنَ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ (6)[(النمل /ج19/ الآية 6). فتلك إفاضة من الذات الإلهية. فالعلم اللدنِّي: خاصية لا تكون للجميع، ولا حتى لبعض الرسل والنبيين، في حين أن العلم بأصول الكتاب ومحكمه، يمكن أن يُوهَب للراسخين في العلم، ليتجاوزوا به المتشابهات، التي لا تطلبها نفوسهم أصلاً..
].هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آَيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آَمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ (7) رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ (8)[ (آل عمران/ج3/ الآيتان 7-8). والعلم بأم الكتاب ومحكمه، يصعب تحويله إلي علم (موضوعي)، إلا بالمدى الذي يكون فيه المتلقي مهيئاً لذلك، لأنه علم مدخله (العبادة والطهر)، ومجاله (مكنون القرآن)، وليس (باطنه)، فمكنون القرآن ليس بالعلم الباطني، فهو (اكتشافي) لمكنون يتكشف، وليس (عِلماً كشفياً باطنياً)، كما يعتقد البعض. فهو علم يتعامل مع القرآن على مستوى الحرف والوحدة والمضمون، آخذاً بعطاء القرآن المتجدد بكرمه]لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ (79) تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (80) [ (الواقعة/ ج27/الآيتان 79-80). وأكد الله على هذه الخاصية القرآنية بقوله: ]حم (1) وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ (2) إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآَنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (3) وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ (4)[ (الزخرف/ ج25/ الآيات 1-4). فالقرآن تجسيد لما هو (مطلق/أم الكتاب)، حيث أن مطلقه لدى (حكيم عليم)، يتنزل عن أصله (أمه) على خاتم الرسل والنبيين، بلغة عربية، وهذا مضمون (إنا جعلناه). فمفردات القرآن محكمة في دلالاتها المعرفية، لأنها (أصل البيان)، والقرآن كتاب (مبين)، لا تختلط دلالات مفرداته، بما هو مترادف ومشترك، ومجاز في بلاغة العرب النثرية والشعرية. فأصل القرآن هو في (أم الكتاب)، علياً حكيماً لدى الله ، ثم (جُعِلَ) عربياً ليتناوله الناس. فمنهم من يتناوله بفهم العرب للغتهم وموازينها، ومنهم من يتناوله بضوابط الاستخدام الإلهي المعرفي والمنهجي للمفردة، كالفرق بين (المس) و (اللمس)، والفرق بين (اللباس) و (الثوب)، وبين (الروح) و (النفس)، وبين (السوءة) و(العورة)، وبين (العورة) و (الفرج)، و بين (الضرب) و (الجلد)، و بين (أهبطوا) و (أنزلوا)، وبين (الأميين) و (غير الكتابيين)، وبين الذي(لا يخط بيمينه) و (الكاتب)، وبين (الذي عنده علم الكتاب) والفقهاء والمفسرين، وبين (الخمار) و (الحجاب)، وبين (أنظرنا) و (راعنا)، وكذلك كافة مفردات القرآن. أما الألسنية والمنهجية ، فإن العائد المعرفي من المفردة المنضبطة في القرآن، ليس ألسنياً فقط، ولكنه (منهجي) أيضاً، إذ يرتبط استخدام المفردة منهجياً بمستوى الفعل الإلهي، الذي استخدمت فيه، فحين يستخدم الله مفردة (النهي) لآدم وزوجه في الجنة، حيث مستوى عالم (الأمر) الإلهي، وحيث (لا تحريم) في الجنة المرتبطة بعالم الأمر والملأ الأعلى ومخاطبة الملائكة، فإن (النهي) يعني تحريماً، عقوبته الطرد من الجنة. ولكن حين يستخدم الله نفس المفردة (النهي)، لإجتناب ما هو (رجس من عمل الشيطان)، ودون مستوى الجنة وعالم الأمر، فإنَّ الله يجعل (النهي) دون (التحريم)، لأن الله ينص على التحريم نصاً واضحاً، ولا يربط بينه وبين (النهي) لأن التحريم لا يؤخذ (بالاجتهاد) ولا بمنهج (القياس) ولا حتى بالسلطة النبوية، فسلطة التحريم (سلطة إلهية مطلقة) أكدَّ الله عليها في قوله ].قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَامًا وَحَلَالًا قُلْ آَللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ (59) وَمَا ظَنُّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَشْكُرُونَ (60) وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِنْ قُرْآَنٍ وَلَا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَلَا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (61)[ (يونس/ج11/ الآيات 59-61). وأكدَّ الله كرة أخرى على سلطته الأحادية المطلقة في التحريم]َفكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلَالًا طَيِّبًا وَاشْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (114) إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (115) وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.