عمود الأستاذ الطاهر ساتى الذى سطره عن وثائقية الاستاذ الكاتب عادل الباز ( ايام كارلوس فى الخرطوم ) ، اولاً شوقنى كثيراً لان احصل على هذه الوثائقية وان اطلع عليها لانى حقيقة لم اتابعها ، وثانياً إن العمود لفت الانتباه الى شيء مهم جداً طالما وجد وما يزال يجد تجاهلاً وغفلة كبيرة من الكتاب والادباء والمفكرين السودانيين ، خاصة الكتاب الدراميين ، الا وهو التوثيق لجوانب كثيرة واحداث ثرة وغنية مرت على الحياة السياسية والثقافية والاجتماعية فى السودان منذ اكثر من نصف قرن من الزمان كانت جديرة بالتناول والعرض الوثائقى الروائى او التلفزيونى او السينمائى ، وحقيقة هذا ما ظل يدور فى خلدى منذ فترة وطرحته فى شكل سؤال لنفسى لماذا لا يتناول الكتاب السودانيون الكثير من الاحداث المهمة التى مرت على السودان خاصة السياسية منها وهذه ما اثراها ليقدموها فى شكل درامى مثلما فعل ويفعل اخواننا وجيراننا المصريون الذين ابدعوا كثيراً فى التوثيق لتاريخهم السياسى والاجتماعى ولعل ( ايام السادات ) ، ( ناصر ستة وخمسين ) ، ( رافت الهجان ) ، ( الطريق الى ايلات ) ، ( عبد الناصر ) وغيرها من الاعمال الفنية الخالدة التى قدمتها الدراما المصرية للعالم تقف شاهدة على حرص المصريين على التوثيق للكثير من تفاصل تاريخهم بشتى اوجهه ، وهذا ما نفتقده نحن السودانيون رغم اننا اكثر ثراءً بما هو اقوى واجمل من الاحداث التى تستحق التوثيق لتقديمها للعالم من حولنا ولعل ما ذكره الاخ الطاهر ساتى من امثلة لاحداث سودانية مثل ( سنوات نميرى ) ، ( ثورتى اكتوبر وابريل ) ، ( اعدام محمود محمد طه ) ، ( احداث بيت الضيافة ) , ( عنبر جودة ) وغيرها تمثل مادة ثرة تنتظر من يتصدى لها بالتوثيق والعرض والانتاج لانها ثمثل مادة درامية تسهم بقوتها فى احياء ثبات الدراما السودانية وتعيد الروح الى الانتاج السينمائى السودانى وهنا لا ننكر ان التلفزيون والسينماء السودانية وقفت على بعض الاحداث والقصص التى لاقت نجاحاً كبير مثل ( الشاهد والضحية ) التى وثقت لاحداث اختطاف واغتيال الطالبة ( اميرة الحكيم ) فى العام 1987 م ، ( دكين ) ، ( بركة الشيخ ) ، ( سكة الخطر ) ،( تاجوج ) ، ( اللواء الابيض ) كلها شكلت علامات فارقة فى الدراما السودانية التى تحتاج الى المزيد من مثل هذه القصص والاحداث النوعية ، فالكتابة لا تحتاج الى امكانيات مادية فى كل مراحلها وهو الشئ الذى يقف حجر عثرة اما العملية الانتاجية الابداعية ، بقدر ما تحتاج الى امكانيات فكرية وتملك ادوات وقوة سرد وصبر وربط ولملمة الاحداث وهذه لا يعوذها الكتاب السودانيون المتمكنون خاصة مثل الاستاذ عادل الباز . انا ازيد على الامثلة التى طرحها الاخ الطاهر ساتى وهى احداث ، ان هناك شخوصاً سودانيين ملؤوا الدنيا وشغلوا الناس ووضعوا بصمات فى الحياة يستحقون ان نوثق لهم مثل البروفسير الراحل العالم الجليل عبد الله الطيب المجذوب ، الزعيم اسماعيل الازهرى ، البروفسير الراحل محجوب عبيد طه وهو من العلماء السودانيين الذين حققوا انجازات واكتشافات عديدة فى الفيزياء والرياضيات ، فالرجل قدم طريقة رياضية جديدة سميت بطريقة طه (بالإنكليزية: Taha Method) لتحليل التكاملات على متغيرات الاندفاع في التفاعلات الكهرومغناطيسية والتفاعلات الضعيفة، كما ابتكر "قواعد جمع طه" (بالإنكليزية: Taha Sum Rules) التي برهنت صحتها في نظرية الاضطراب وغيها من الاكتشافات الاخرى للراحل عبيد[2]. ، ومن الشخصيات السياسية محمد احمد المحجوب ، والمصريون لم يغفلوا هذا الجانب فوثقوا بمسلسل ( الايام ) لحياة عميد الادب العربى الدكتور طه حسين ، وبمسلسل ( رجل من هذا الزمان ) لحياة العالم المصرى الراحل الدكتور على مصطفى مشرفة وهو اول مصرى يحصل على دكتوراة فى الفلسفة والعلوم من لندن وملقب بأنشتاين العرب . مقال الاخ الطاهر ساتى صادف هوى قديماً فى نفسى سبقنى اليه ساتى بالتعبير عنه بالكتابة ، وسؤالاً طالما سالته مراراً لنفسى لماذا لا نقدم للعالم وجيراننا من حولنا تاريخنا وشخصياتنا وتفاصيلنا الجميلة فى قالب توثيقى ، فالحمد لله الاستاذ عادل الباز قد رمى بوثائقيته ( ايام كارلوس فى السودان ) حجراً فى بركة ساكنة ، وهى مبادرة جديرة بان تمتد الى احداث اخرى فياخذ فيها عادل الباز بزمام ( سنوات نميرى ) ، ( ثورتى اكتوبر وابريل ) ، ( انفصال الجنوب ) ، ( غزو ام درمان ) ، ( قرنق – رحيل ام اغتيال ) وكلها بمثابة قراءة فى دفتر احوال السودان لخمسين عاماً او يزيد . [email protected]