هذا الصباح فقدنا العزيزة (صباح).. اسم على مسمى.. اسم قول.. اسم فعل.. مصاب أليم.. فقد جلل.. تعويض مستحيل.. فراغ لا تكال بالمكاييل ولا تقاس بالمقاييس ولا تمحو آثاره الرياح والمياه والرمال.. (صباح) يا صباح صيف طويل قد انجلى لتعطي راية الحزن أيضاً لليل طويل.. الحزن كبير كما أنت كبيرة سامقة. أخذت (صباح) من اسمها النصيب الأوفى، كانت إشراقة دائمة بوجهها الصبوح.. رضعت أصول الكرم من والدتها منذ الأزل، ومن والدها حسن الوفادة والضيافة والاستقبال بوجه طلق غير طارد. رحلت (صباح) ورحل معها كل المعاني السامية والمثالية لشابة قدوة نضجت عقلها قبل الأوان وكبرت لديها مفاهيم التعامل الراقي مع جنسها والجنس الآخر صغاراً وشباباً وشيوخاً.. كانت رقماً ومحطة وسطى في جدة وأينما حلت ورحلت.. الهدوء والخجل والرصانة والرصافة من شيمها، بلا تردد هي منذ أن كانت طفلة يافعة فاقت الكثير من بنات جيلها ونساء ما قبل قبل قبل جيلها، هي سابقت الزمن كالريح لكل ما هو جميل ونافع ويقربها زلفى إلى الله بإذن الله. الموت يختار الصحيح والعليل.. الصغير والكبير.. الذكر والأنثى.. الغني والفقير.. الحر والعبد.. الحاكم والمحكوم.. الرفيع والوضيع.. العابد والزاهد والجاهد والناسي وغير المكترث.. الموت حوض الكل وارده، لكن عندما تكون المصيبة في حجم (صباح) لابد من الجلد والصبر والتحمل والتزود والإكثار من صالح الدعاء.. لا أدري هل جدة.. بحرها وبرها وسماءها ستكون بنفس الجمال بعد (صباح) أم ستلبس ثياب الحداد والسواد؟!.. هل صباح جدة بعد (صباح) ذات الصباح أم سيتحول إلى ليل دامس حالك الظلام؟!. الآن رحلت (صباح) عن الحياة الدنيا الزائفة إلى حياة البرزخ والخلود والآخرة الأبقى.. هي بمشيئة الله في كنف المولى عز وجل، ندعو الله أن تكون من جلسة مقعد صدق عند مليك مقتدر، وأن يكون لباسها من حرير وسندس واستبرق وطعامها زيادة كبد الحوت وشرابها من السلسبيل. الموت لا يفرق بين هذا وذاك.. هناك الكثير لا يدري أو يتناسى، أننا على ضفة نهر وحتماً سنعبر الجسر إلى الضفة الأخرى طال أم قصر الزمن، علينا مراجعة أنفسنا ومحاسبتها صباح مساء لأن الكثير منا في غفلة في تعامله وتصرفه وفعله وقوله.. وصدق الله عز وجل حين قال: (فَإِذَا جَاء أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ)، فلابد من الاعتبار لأن العاقل من يعتبر بغيره، العاقل من يأخذ العظة والعبرة مما يقع على غيره فينظر في المصائب ويتخيل نفسه فيها فيحمد ربه على السلامة ويحصل له ما يعينه على حسن الاستعداد والتهيؤ النفسي والمادي، لمواجهة مثل هذه المصائب المشابهة.. وأعلم جيداً أنك الآن في فسحة من الأمل والعمل حتى تطلع الشمس من مغربها وتبلغ روحك الحلقوم فحينئذ ستغلق جميع الصحائف وتجف الأقلام ولات ساعة مندم. دعواتنا للفقيدة العزيزة الرحمة الواسعة وأعلى العليين من الجنة مع النبيين والشهداء والصديقين وحسن أولئك رفيقا. [email protected]