بورتسودان وأهلها والمطار بخير    المريخ في لقاء الثأر أمام إنتر نواكشوط    قباني يقود المقدمة الحمراء    المريخ يفتقد خدمات الثنائي أمام الانتر    ضربات جوية ليلية مباغتة على مطار نيالا وأهداف أخرى داخل المدينة    مليشيا الدعم السريع هي مليشيا إرهابية من أعلى قيادتها حتى آخر جندي    الأقمار الصناعية تكشف مواقع جديدة بمطار نيالا للتحكم بالمسيرات ومخابئ لمشغلي المُسيّرات    عزمي عبد الرازق يكتب: هل نحنُ بحاجة إلى سيادة بحرية؟    فاز بهدفين .. أهلي جدة يصنع التاريخ ويتوج بطلًا لنخبة آسيا    بتعادل جنوني.. لايبزيج يؤجل إعلان تتويج بايرن ميونخ    منظمة حقوقية: الدعم السريع تقتل 300 مدني في النهود بينهم نساء وأطفال وتمنع المواطنين من النزوح وتنهب الأسواق ومخازن الأدوية والمستشفى    السودان يقدم مرافعته الشفوية امام محكمة العدل الدولية    وزير الثقافة والإعلام يُبشر بفرح الشعب وانتصار إرادة الأمة    عقب ظهور نتيجة الشهادة السودانية: والي ولاية الجزيرة يؤكد التزام الحكومة بدعم التعليم    هل هدّد أنشيلوتي البرازيل رفضاً لتسريبات "محرجة" لريال مدريد؟    إسحق أحمد فضل الله يكتب: (ألف ليلة و....)    الرئاسة السورية: القصف الإسرائيلي قرب القصر الرئاسي تصعيد خطير    عثمان ميرغني يكتب: هل رئيس الوزراء "كوز"؟    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناء الشاشة نورهان نجيب تحتفل بزفافها على أنغام الفنان عثمان بشة وتدخل في وصلة رقص مؤثرة مع والدها    كم تبلغ ثروة لامين جمال؟    حين يُجيد العازف التطبيل... ينكسر اللحن    أبوعركي البخيت الفَنان الذي يَحتفظ بشبابه في (حنجرته)    شاهد بالفيديو.. في مشهد نال إعجاب الجمهور والمتابعون.. شباب سعوديون يقفون لحظة رفع العلم السوداني بإحدى الفعاليات    شاهد بالصور والفيديو.. بوصلة رقص مثيرة.. الفنانة هدى عربي تشعل حفل غنائي بالدوحة    تتسلل إلى الكبد.. "الملاريا الحبشية" ترعب السودانيين    والد لامين يامال: لم تشاهدوا 10% من قدراته    استئناف العمل بمحطة مياه سوبا وتحسين إمدادات المياه في الخرطوم    هيئة مياه الخرطوم تعلن عن خطوة مهمة    باكستان تعلن إسقاط مسيَّرة هنديَّة خلال ليلة خامسة من المناوشات    تجدد شكاوى المواطنين من سحب مبالغ مالية من تطبيق (بنكك)    ما حكم الدعاء بعد القراءة وقبل الركوع في الصلاة؟    عركي وفرفور وطه سليمان.. فنانون سودانيون أمام محكمة السوشيال ميديا    تعاون بين الجزيرة والفاو لإصلاح القطاع الزراعي وإعادة الإعمار    قُلْ: ليتني شمعةٌ في الظلامْ؟!    الكشف عن بشريات بشأن التيار الكهربائي للولاية للشمالية    ترامب: يجب السماح للسفن الأمريكية بالمرور مجاناً عبر قناتي السويس وبنما    كهرباء السودان توضح بشأن قطوعات التيار في ولايتين    تبادل جديد لإطلاق النار بين الهند وباكستان    علي طريقة محمد رمضان طه سليمان يثير الجدل في اغنيته الجديده "سوداني كياني"    دراسة: البروتين النباتي سر الحياة الطويلة    في حضرة الجراح: إستعادة التوازن الممكن    التحقيقات تكشف تفاصيل صادمة في قضية الإعلامية سارة خليفة    الجيش يشن غارات جوية على «بارا» وسقوط عشرات الضحايا    حملة لمكافحة الجريمة وإزالة الظواهر السالبة في مدينة بورتسودان    وزير المالية يرأس وفد السودان المشارك في إجتماعات الربيع بواشنطن    شندي تحتاج لعمل كبير… بطلوا ثرثرة فوق النيل!!!!!    ارتفاع التضخم في السودان    انتشار مرض "الغدة الدرقية" في دارفور يثير المخاوف    مستشفى الكدرو بالخرطوم بحري يستعد لاستقبال المرضى قريبًا    "مثلث الموت".. عادة يومية بريئة قد تنتهي بك في المستشفى    وفاة اللاعب أرون بوبيندزا في حادثة مأساوية    5 وفيات و19 مصابا في حريق "برج النهدة" بالشارقة    عضو وفد الحكومة السودانية يكشف ل "المحقق" ما دار في الكواليس: بيان محكمة العدل الدولية لم يصدر    ضبط عربة بوكس مستوبيشي بالحاج يوسف وعدد 3 مركبات ZY مسروقة وتوقف متهمين    الدفاع المدني ولاية الجزيرة يسيطر علي حريق باحدي المخازن الملحقة بنادي الاتحاد والمباني المجاورة    حسين خوجلي يكتب: نتنياهو وترامب يفعلان هذا اتعرفون لماذا؟    من حكمته تعالي أن جعل اختلاف ألسنتهم وألوانهم آيةً من آياته الباهرة    بعد سؤال الفنان حمزة العليلي .. الإفتاء: المسافر من السعودية إلى مصر غدا لا يجب عليه الصيام    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



شعب النوبة بين طمس الهوية وإخفاء الحقائق التاريخية!!
نشر في الراكوبة يوم 03 - 08 - 2015


1 – طمس الحقائق
فى أحد ايام صيف العام 1978 المكان مدينة الدلنج كنا وقتها فى المرحلة الابتدائية بينما نحن نسير فى الشارع برفقة صديقى وإبن دفعتى حسب الله الزين حسب الله الذى يعمل حالياّ معلماّ بشمال كردفان وهو ابن الاستاذ والمربى الجليل ومك قبيلة الصبى الحالى الزين حسب الله كجقلا فى طريق عودتنا الروتينى من السوق بعد شراء حاجاتنا والانتهاء من التسوق, مررنا من امام مركز شرطة مدينة الدلنج لانه الشارع الرئيسى الذى يؤدى شرقاّ الى حى اقوز حيث نقطن, وأمام المركز وجدنا عدد من رجال الشرطة وآخرين بالزى المدنى لا نعرف هويتهم يقومون بحرق اوراق ومستندات ضخمة وكثيرة تحت أحدى اشجار الحراز الكبيرة وكنت على علم مسبق انها الشجرة التى أعدم فيها شنقاّ حتى الموت الثائر السلطان عجبنا أحد قادة ثورات المقاومة السودانية ضد الاحتلال البريطانى فى جبال النوبة.
كان الدخان كثيفاّ والنيران مشتعلة والرياح تهب بشدة وبدأت الاوراق والمستندات القديمة والعتيقة التى اصبح لونها مائل للون البنى دلالة على طول عمرها وسوء حفظها تتناثر وتتطاير باتجاه حركة الرياح وظل القائمون على امر حرقها يحرصون على التقاطها وارجائها مرة أخرى للنيران المشتعلة, فى تلك اللحظة تمكنا مع رفيقى حسب الله من التقاط الكثير منها ولم يكن هناك هدف نسعى اليه على الإطلاق بل كان مجرد حب للاستطلاع والمعرفة فقط.
الصدفة وحدها هى التى قادتنا لذلك وبدأنا نقرأ عشوائياّ فى محتوى بعض هذه المستندات المكتوبة بقلم الرصاص او (الكوبية) واول ما وجدنا فى تلك المستندات الناجية من الحرق كانت تقارير موقف لمسؤلى الحكومة, تقارير للنظار والمكوك والعمد عن مناطقهم وقبائلهم وكانت معظم هذه الوثائق أحكاماّ قضائية فى مناطق مجلس شمال الجبال المختلفة ( محليات الدلنج الكبرى الأربعة الحالية الدلنج, هبيلا, دلامى والقوز) وأمور أخرى, لكن الذى لفت إنتباهنا شيئين مهمين بالنسبة لنا:
أولهما: حكماّ قضائياّ ضد المك حسب الله كجقلا وهو جد حسب الله الذى يرافقنى, حيث حكم عليه بالفصل من مكوكية قبيلة الصبى إحدى بطون مجموعة الأجانج والتى كان على رأسها بالإضافة للسجن مدة عامين مع الاشغال الشاقة وذلك لرفضه دفع ضريبة الدقنية التى كانت تفرض على النوبة وحدهم دون سائر شعوب السودان بجانب تحريضه للاهالى وكان ذلك عام 1919م. الغريب فى الامر ان حسب الله حتى تلك اللحظة كان لا يعرف ان جده كان مكاّ لقبيلته وتمت محاكمته بالسجن والرفت لمواقفه الشجاعة والمعادية لسلطات الاحتلال البريطانى وأعوانهم المحليين الذين ورثوا السلطة من الإنجليز, وفى تلك الأثناء وبينما نحن نواصل سيرنا وإطلاعنا على تلك المستندات, وجدنا شخصاّ يبدو من ملامحه ولكنته من الشمال السودانى يسير فى الإتجاه المعاكس لنا, فأوقفنا فضوله وسألنا عن هذه الاوراق التى نحملها فقلنا له أن بها أسماء وأحكام وتدابير قضائية ضد اجدادنا نحن الأثنين فطلب منا إعطاءه ليقرأها وبالفعل تم ذلك وبعد قراءتها اعادها إلينا وضحك ساخراّ وقال لنا أن أجدادكم مجرمين لذلك تم سجنهم وذهب سالكا الشارع بين منزل المفتش والسجن ويبدو أن ذلك الشخص كان موظفاّ اما فى مكتب البريد والبرق ( البوستة) او البنك الزراعى, بعد ذلك إتجهنا نحن الاثنين لمنزل والد حسب الله الذى كان مديراّ لمدرسة الصبى الابتدائية وكان متواجداّ بالدلنج أثناء فترة الاجازة الذى بدوره أكد لنا صحة هذه المعلومات المدونة بالوثائق وأفاض بمعلومات أخرى فى غاية الاهمية عن هذا التاريخ المظلم, وكان على علم مسبق بها وبغيرها ووجهنا له سؤالاّ عن ما هى ضريبة الدقنية وكيفية جمعها والى من تؤؤل؟ وقام بشرحها لنا, ولكنه استغرب أيما استغراب للطريقة التى وجدنا بها هذه المستندات وعن تصرف السلطة التى أمرت بإبادتها.
ثانيهما: حكماّ قضائياّ ضد جدى لابى آدم كوتيا بالسجن لعام مع الاشغال الشاقة لرفضه القيام بأعمال السخرة كنظافة الشوارع وخلافه وتحريض الاهالى بعدم دفع ضريبة الدقنية كان ذلك فى العام 1923م.
بعد أسبوع واحد من العثور على هذه الاوراق توجهت الى قرية الكتنق إحدى قرى الأنشو (الغلفان) ريفى الدلنج مسقط رأس أبى وأجدادى حاملاّ الوثيقة التى تهمنى فى تلك اللحظة وسألت ابى وعمى جقدول آدم المولود عام 1909 الذى يكبروالدى أكثر من خمسة عشر عاما عن مدى صحة هذه المعلوماتّ الذى أكدها وقال لى أيضاّ ان والدك هذا لم يكن مولوداّ آنذاك بل كانت امه نفساء بأخيه الذى يكبر والدى عندما جاء الانجليز لأخذ جدى بالقوة وبطريقة قاسية جداّ ومهينة حيث قاموا بحرق المنزل تماماّ عدا الغرفة التى تستغلها أمه-جدتى لأب- النفساء وقاموا أيضاّ بربط شجرة كبيرة على عنق والده وامروه بجرها حتى مركز المفتش الإنجليزى بالدلنج لمسافة 64 كلم تقريباّ, وعندما إحتج صهره توبين أبوجردة الذى كان حينها متواجداّ بالكتنق وهو من التردة إحدى بطون قبيلة الأنشو ( الغلفان) على الطريقة المهينة والقسوة فى القبض على صهره, الأمر الذى دفع الانجليز للقبض عليه هو الآخر وتم ربط شجرة على عنقه أيضاّ ليجرها الى مركز المفتش بالدلنج ولكنه لم يحكم عليه بالسجن بل تم توبيخه وإهانته ومن ثم اطلق سراحه حيث عاد الى قرية الكتنق بعد اسبوعين تاركاّ صهره خلف القضبان ليقضى عقوبة السجن ولم يطلق سراحه حتى بعد ان أكمل مدة العقوبة إلا بعد أن قام إبن عمه ( بروشو شلمين) بتسليم نفسه فى العام 1925 لانه هو الآخر كان مطلوباّ لدى سلطات الاحتلال لحظة القبض عليه.
كلانا لم يعرأى إهتمام آنذاك لموضوع حرق المستندات والوثائق بأمر السلطات الحكومية المحلية فى وضح النهار وأمام أعين كل المواطنين بالدلنج لأننا كنا أطفالاّ لا نعرف أى أبعاداّ لمثل هذه التصرفات إلا بعد ان كبرنا والتحقنا بالمدارس الثانوية وكبرت مداركنا واتسعت آفاقنا ومفاهيمنا حيث أدركنا أن الذى كان يحدث هو أستهداف مدروس وممنهج ضد القيم والموروث النضالى لأسلافنا. والذى يقوم به كبارالمسؤلين الحكوميين المحليين بأمر سلطات المركز كان لطمس الحقائق التاريخية وتزويرها وتغييرها بإخفاء وتغييب دور ونضالات أهل المنطقة فى الحركة الوطنية ضد الإستعمار سواءّ كان المصرى التركى أوالإنجليزى المصرى, كما عرفنا أيضاّ أن ما قام به أجدادنا لم يكن إجراماّ وانهم ليسوا بمجرمين كما ذكر ذلك الموظف الحكومى بل كانا بطلين ومناضلين يحملان شعلة الحرية ضد الظلم والقهر والاستبداد الذى تمارسه سلطات الإحتلال البريطانى ضد شعب النوبة, وبالمقابل كانت السلطات والقائمون على امرها يعملون بجد وإجتهاد لكتابة تاريخ جديد مزيف وبعيد عن الحقائق لابراز أدوار ومواقف نضالية وهمية لعرب الوسط والشمال السوداني بصوره مبالغ فيها كتصويرالمك نمر زعيم الجعليين بأنه كان ثائراّ فثأر لنفسه وكرامته وكرامة قومه عندما قتل إسماعيل باشا بعد أن أهانه ووبخه وصفعه بغليونه أمام الملأ خاصة أهله وعشيرته إلا أن ذلك لم يكن صحيحاّ بل كان الغزاة عند وصولهم أرض الجعليين ومقابلة المك نمر لهم وبعد إهانته أبلغوه بأنهم سيمكثون بعض الوقت هنا, فطلبوا منه أمر ضيافتهم و السهر على راحتهم بما فى ذلك إحضارالخمورالبلدية المصنوعة من البلح بالإضافة للنساء والفتيات ليقدمون المتعة لجنوده بإقامة ليالى حمراء, كما أن بعض جنوده صرح علانيةّ بأنهم لا يرغبون فى النساء والفتيات بل طلبوا صراحة صبية (أولاداّ) لممارسة الجنس واللواط معهم وما كان من المك نمر المذلول والمنكسر والخاضع لإرادة الغزاة لم يجد بداّ من تلبية جميع طلباتهم الامر الذى أثار حفيظة الأهالى فقرروا الإنتقام منه ومن الغزاة على السواء, فقام أحد أقربائه بإخطاره أن الأهالى والرعية يضمرون لك شراّ هذه الليلة وعليك وضع الحيطة والحذر, بالفعل هجم الأهالى على معسكر الغزاة فى ساعات الصباح الأولى الذى كان المك نمر أيضاّ متواجداّ فيه ساهراّ على راحتهم وكان على علم مسبق بالهجوم, الأمر الذى مكنه من الهرب شرقاّ الى أرض الحبشة ليختفى هناك الى الأبد ولم يعد مجدداّ إلى ديار الجعليين حتى بعد زوال الغزو التركى تاركاّ إسماعيل باشا الذى لقى مصرعه حرقاّ مع أعوانه وجنوده بواسطة الأهالى الغاضبين وأهله أيضاّ. إن إستسلام الجعليين وخضوعهم المطلق بهذه السهولة والبساطة لإرادة الغزاة حتى فى الأمور التى تمس الشرف والكرامة والكبرياء أمر يجافى ما دونه مؤرخى تاريخ السودان المزيف عن بسالة الجعليين ومكهم الهارب وقاموا بتزوير الحقائق التاريخية التى بقيت آثاره السالبة فى مسيرة وحركة التعليم المنظم فى السودان فى العهد التركى المصرى او الإنجليزى المصرى وبعده, إذ أحجم أغلب السودانيين آنذاك عن إرسال أبنائهم الى المدارس ظناّ منهم أن الترك او الخواجات سيمارسون اللواط مع أبنائهم كما فعلوا مع الجعليين لأن حادثة المتمة لا زالت ماثلة فى أذهانهم, لتلقى بظلالها السالبة فى نسبة التعليم حتى مطلع ثمانينيات القرن الماضى حيث كان نسبة التعليم 2% أى 400000 فقط هم الذين تلقوا تعليمهم عندما كان سكان البلاد 20 عشرون مليون نسمة. إن إدعاء الجعليين ومؤرخيهم بالمبالغة فى الحديث عن شجاعتهم وبسالتهم أمر يجافى الحقيقة وبعيد كل البعد عن الواقع للأسباب الآتية:
أولهما: إنكسارهم وخضوعهم المطلق لإرادة الغزاة وعدم المقاومة مما أدى لإبتزازهم بالطلبات المهينة فتجاهلوا حتى إنقاذ الفتيات والنساء والصبية الذىن واجهوا هتكاّ لاعراضهم وشرفهم الذى هو أغلى ما يملكه الرجل.
ثانيهما: عندما علم الدفتردار حاكم كردفان بمقتل صهره إسماعيل باشا فى أرض الجعليين تحرك فى الحال على رأس حملة عسكرية كبيرة للإنتقام من قتلة صهره وعندما وصل أرض الجعليين لم يجد أى مقاومة فأستباح أرضهم وعرضهم وشرفهم حتى غادرها طواعية لمطاردة مكهم الهارب.
ثالثهما: فى عهد الخليفة عبدالله التعايشى أرسل لهم حملة عسكرية تأديبية كبيرة بقيادة الأمير محمود ود أحمد عندما رفض زعيمهم عبدالله ود سعد التعاون مع الخليفة, وعندما وصلوا أرض الجعليين تم قتل زعيمهم واستباح الإنصار أرضهم رافعين شعاراّ (الجلكة للراجل والفلكة للمرة) أى (الطبيقة لقتل الرجل والذكر لممارسة الجنس مع المرأة) كل هذه الإعتداءات ضد الجعليين لم تحرك فيهم ساكناّ بل كانوا منكسرين خاضعين خائفين لم يجرؤوا على المقاومة حتى للدفاع عن الشرف والارض والعرض الى ان غادر الأنصار أرض الجعليين أيضاّ طواعية ولم يواجههم أو يتعرض لهم أىّ من كان, عليه لم نرى فى تاريخ الجعليين حادثة واحدة تؤكد ما ذهب اليه المؤرخون من تمجيد ومدح لهذه القبيلة دون غيرها ووصفها بالشجاعة على الرغم من أنها لم تقدم حتى لنفسها شرف الدفاع عن الأرض والعرض والكرامة ناهيك عن السودان, ومن يكذب ما ذهبت اليه فليأتى بحادثة او موقفاّ تاريخياّ واحداّ يؤكد ويدل على ان الجعليين كانوا هم الشجعان بين السودانيين إن وجد.
أن بعض مؤرخى المشروع العروبى سعى جاهداّ أيضاّ الى مد انساب البعض الى كبرى قبائل أرض الحجاز والجزيرة العربية وخاصة قبيلة قريش التى ينحدر منها النبى محمد (ص) بعد شراءهم لشجرة النسب التى كانت تباع وتشترى فى سوق ام درمان وبأسعار تختلف وترتفع حسب مكانة ونجومية الصحابى المراد الإنتساب إليه, لأن هناك سماسرة متخصصون فى سوق النسب يقومون بتعريف الصحابة ومكانتهم وقبائلهم لدّى طالبى شراء هذه الشجرة والتى ترجع اصولهم الى قبائل غرب إفريقيا الوافدة الى السودان (فلاتة, فولانى, بلالة, برنو, برقو, قرعان, مراريت, باقرما, هوسا) وغيرها ولايعرون شيئاّ عن العرب وعن الجزيرة العربية وقبائلها ولا حتى عن السيرة النبوية والصحابة رضوان الله عليهم لآنهم كانوا الأكثرعرضة وقابلية للتخلى عن أصولهم الإفريقية نتيجة للقهر والاستعلاء الذى مورس ضدهم وصاروا فرحين بأصولهم الجديدة ذات النقاء العرقى كما توهموا والتى تبنوها ظناّ منهم أن ذلك سيجعلهم يحظون بأحترام كبير لدى أسيادهم الجدد اكثر من ذى قبل وسيجعلهم ارفع مكانة من سكان البلد الأصليين مما لا شك فيه أن النوبة فى مقدمتهم على الرغم من أنهم بناة وسادة حضارة السودان الت تمتد لأكثر من سبعة آلاف سنة, ولتضعهم فى مكانة متقدمة فصاروا (بنى فضل, مسيرية, بنى حسين, حوازمة, بنى حسن, أولاد حميد, سلامات, رواوقة وغيرها) وفى أحدث موجة التحولات هذه هى تحول قبيلة البرقو بقدرة قادرإلى صليحاب فى مطلع تسعينيات القرن الماضى بهدف تبوء مكانة خاصة ومرموقة فى مشروع الإنقاذ الإسلاموعروبى الذى أتت به وفرضته على الشعب السودانى المغلوب على أمره. ( تلصق الطين فى الكرعين ما ببقى نعلين).
إن الغرض الأساسى الذى تهدف إليه تلك السياسات هو إنتاج أجيال مسخة ومشوهة ثقافياّ فى المنطقة لا تعرف شيئاّ عن أصلها وإرثها الثقافى والاجتماعى والنضالى إلا وفقاّ للمنظور والمناهج التى أعدها وكرس لها المركز وفق سياسات ممنهجة تهدف لطمس الهوية الإفريقية للمنطقة وإستبدالها بأخرى عربية وفرضها قسراّ من خلال التعليم الرسمى والمنظم وعبر وسائل أخرى ( راجع كتاب ساعى الريال المقدود للكاتب مبارك أردول).
إن ما تم من حرق وإبادة لهذه المستندات والوثائق التاريخية القيمة التى تحكى عن جزء يسيرعن تاريخ بطولات ونضالات شعب النوبة والتى تعتبر من أعظم القيم الإنسانية التى كان يجب أرشفتها وحفظها للأجيال القادمة كبناء مكتبة او دار لحفظها أو تخصيص مبنىّ حكومياّ لذلك الغرض وما أكثرها فى تلك الأيام, إلا أن السلطات الحكومية كانت تعلم وتدرك جيداّ القيمة الحقيقية لهذه الوثائق ومدى تأثيرها فى رسم تاريخ وهوية السودان لتكون مرجعية للأجيال, إلا ان ذلك لا يعجبهم ولا يتماشى مع أهدافهم وخططهم العروبية المرسومة بعناية منذ خروج الإنجليز من السودان وتسليمهم لمقاليد الدولة التى فشلوا فى إدارتها .
فقد كان كبار المسؤلين بدءّ من الضابط التنفيذى الأول لمنطقة الدلنج مرورا ّبضابط مجلس المدينة وعميد معهد تربية المعلمين والاطباء ومدير مؤسسة الزراعة الآلية ومدير مؤسسة الطرق والكبارى جميعهم آنذاك كانوا خريجى جامعة الخرطوم اوالجامعات الأخرى العريقة فضلاّ عن ضباط الجيش والشرطة والأمن الذين أيضاّ تخرجوا من كليات متخصصة يعرفون جيداّ القيمة الحقيقية لهذه الوثائق وأهميتها لكنهم غضوا أبصارهم وتناسوا مسؤلياتهم وأمانتهم الأخلاقية وتواطؤا لتتم إبادتها وحرقها أمام أعينهم وفى وضح النهار.
خلاصة القول لابد من مواصلة حمل شعلة التغييرالذى بدأه أسلافنا وأجدادنا ضد الظلم والقهر والفساد والإستبداد والطغيان الذى لازال جاسماّ على صدورنا ويؤرق مضاجعنا منذ وصول الإسلاموعروبيين الى السلطة بهدف تحقيق الحرية والعدالة والمساواة لشعب النوبة وكل السودانيين المقهورين والمهمشين. ........... ونواصل
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.