وزير الثقافة والإعلام والسياحة السوداني: بحثنا مع الحكومة المصرية سبل دعم الجالية السودانية في مصر في مجالات التعليم والإقامة    "الكتائب الثورية" .. إقامة أول مباراة كرة قدم في استاد الخرطوم الدولي منذ اندلاع الحرب    النيابة المصرية تصدر قرارات جديدة بشأن 8 من مشاهير «تيك توك»    كارثة تحت الرماد    تقرير أممي: «داعش» يُدرب «مسلحين» في السودان لنشرهم بأفريقيا    بعدما قال كامل إدريس إنه سيعين وزيراً آخر مكانه.. المنصوري: لا أملك جواز سفر إماراتي    رئيس لجنة التسجيلات بكوستي : قررنا الإبقاء على الهواة المقيدين في أغسطس 2022م    رئيس المخابرات حمل رسالة ساخنة.. أديس أبابا تهدد بورتسودان    رافق عادل إمام في التجربة الدنماركية .. وفاة الفنان سيد صادق عن عمر يناهز 80 عامًا    عثمان ميرغني يكتب: الرهان الأخير في حرب السودان    وسط غياب السودانيين عنه.. فشل اجتماع الرباعية في واشنطن ل "فرض حل خارجي" للأزمة السودانية    والي حاضرة الشرق يتحرك في إدارة ولايته بين ثلاث خشبات    رسمياً.. ريجيكامب مديراً فنياً للهلال    نهضة تونس و عصار يسيران لوضع خارطة جديدة للكرة بالقضارف    الرحلات الجوية تعود إلى مطار الخرطوم خلال شهرين    د. أمين حسن عمر يكتب: ديمقراطية أهل السودان    ضبط عدد 12 سبيكة ذهبية وأربعة كيلو من الذهب المشغول وتوقف متهم يستغل عربة دفار محملة بمنهوبات المواطنين بجسر عطبرة    والي النيل الأبيض يزور نادي الرابطة كوستي ويتبرع لتشييّد مباني النادي    حميدان التركي يعود إلى أرض الوطن بعد سنوات من الاحتجاز في الولايات المتحدة    لجنة أمن ولاية الخرطوم تشيد باستجابة قادة التشكيلات العسكرية لإخلائها من المظاهر العسكرية    الكشف عن المرشحين للفوز بجائزة الكرة الذهبية 2025    بالصور.. تعرف على معلومات هامة عن مدرب الهلال السوداني الجديد.. مسيرة متقلبة وامرأة مثيرة للجدل وفيروس أنهى مسيرته كلاعب.. خسر نهائي أبطال آسيا مع الهلال السعودي والترجي التونسي آخر محطاته التدريبية    شاهد بالفيديو.. بالموسيقى والأهازيج جماهير الهلال السوداني تخرج في استقبال مدرب الفريق الجديد بمطار بورتسودان    بالفيديو.. شاهد بالخطوات.. الطريقة الصحيحة لعمل وصنع "الجبنة" السودانية الشهيرة    شاهد بالصورة والفيديو.. سيدة سودانية تطلق "الزغاريد" وتبكي فرحاً بعد عودتها من مصر إلى منزلها ببحري    حادث مرورى بص سفرى وشاحنة يؤدى الى وفاة وإصابة عدد(36) مواطن    بالفيديو.. شاهد بالخطوات.. الطريقة الصحيحة لعمل وصنع "الجبنة" السودانية الشهيرة    شاهد.. الفنانة إيلاف عبد العزيز تفاجئ الجميع بعودتها من الإعتزال وتطلق أغنيتها الترند "أمانة أمانة"    شاهد بالفيديو.. بعد عودتهم لمباشرة الدراسة.. طلاب جامعة الخرطوم يتفاجأون بوجود "قرود" الجامعة ما زالت على قيد الحياة ومتابعون: (ما شاء الله مصنددين)    يؤدي إلى أزمة نفسية.. إليك ما يجب معرفته عن "ذهان الذكاء الاصطناعي"    الشهر الماضي ثالث أكثر شهور يوليو حرارة على الأرض    إسحق أحمد فضل الله يكتب: (روحوا عن القلوب)    الجمارك تُبيد (77) طنا من السلع المحظورة والمنتهية الصلاحية ببورتسودان    الطوف المشترك لمحلية أمدرمان يقوم بحملة إزالة واسعة للمخالفات    السودان يتصدر العالم في البطالة: 62% من شعبنا بلا عمل!    نجوم الدوري الإنجليزي في "سباق عاطفي" للفوز بقلب نجمة هوليوود    يامال يثير الجدل مجدداً مع مغنية أرجنتينية    تقارير تكشف خسائر مشغلّي خدمات الاتصالات في السودان    توجيه الاتهام إلى 16 من قادة المليشيا المتمردة في قضية مقتل والي غرب دارفور السابق خميس ابكر    السودان..وزير يرحب بمبادرة لحزب شهير    السودان.."الشبكة المتخصّصة" في قبضة السلطات    مسؤول سوداني يردّ على"شائعة" بشأن اتّفاقية سعودية    غنوا للصحافة… وانصتوا لندائها    امرأة على رأس قيادة بنك الخرطوم..!!    أنقذ المئات.. تفاصيل "الوفاة البطولية" لضحية حفل محمد رمضان    الخرطوم تحت رحمة السلاح.. فوضى أمنية تهدد حياة المدنيين    "الحبيبة الافتراضية".. دراسة تكشف مخاطر اعتماد المراهقين على الذكاء الاصطناعي    انتظام النوم أهم من عدد ساعاته.. دراسة تكشف المخاطر    اقتسام السلطة واحتساب الشعب    إلى بُرمة المهدية ودقلو التيجانية وابراهيم الختمية    وفاة 18 مهاجرًا وفقدان 50 بعد غرق قارب شرق ليبيا    احتجاجات لمرضى الكٌلى ببورتسودان    السيسي لترامب: ضع كل جهدك لإنهاء حرب غزة    تقرير يسلّط الضوء على تفاصيل جديدة بشأن حظر واتساب في السودان    السودان.. مجمّع الفقه الإسلامي ينعي"العلامة"    ترامب: "كوكاكولا" وافقت .. منذ اليوم سيصنعون مشروبهم حسب "وصفتي" !    عَودة شريف    لماذا نستغفر 3 مرات بعد التسليم من الصلاة .. احرص عليه باستمرار    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الفصل التاسع من رواية جديدة :- (ظلال وريفة)
نشر في الراكوبة يوم 16 - 08 - 2015


#إلتقاط الانفاس# (9)
لم تكن الممارسة اليومية الصباحية لرياضة المشي المتسارع كافية لكبت ماطرأ من نوازع , ظلت تمور في داخلي لذلك بدأ في توسيع دائرة جولته الرياضية فشملت اجتياز كُبرى المسلمية و الإلتفاف حول ميدان "أبو جنزير" ثم العودة مرة أخرى إلى نقطة الإنطلاق متباطئاً
ينهج
وتتقطع أنفاسه
و تعلو حبات العرق جبينه
و لكنه لا يلبث أن يلتقط أنفاسه
مستعيداً نشاطه
عقب خروجه من حمام مياهه فاترة
رنين الهاتف لا ينقطع
شعره لا زال مبلولاً
إعتدت ألا أجففه
الطقس الجاف السائد في معظم فصول السنة
يتولى المهمة
كاد ينكفئ على وجهه
و أنا ألاحق صدى الرنين المنبعث من الآلة السوداء
قبل تلاشيه
إلتقطت المسماع في لهفة
ظناً منه أن هناك في الطرف الآخر
من كادت أن تهدم قلاعه
لكنه لإنكساره
أتاه صوت رخو
- هنا فيلا دولي ...
وضع المسماع دون أن يرد
أدرت جهاز التسجيل
صدح "وردي" بصوته الرحب
ينشد لثورة أكتوبر الأخضر
أغاني الحياة
حياة جديدة ينبغي أن تنظم مناحي الشرائح الإجتماعية و تغمرها فرحاً ، عقب تراكم حزم من الصبر و الأحزان
ظل خلالها الشعب السوداني
صامداً
منتظراً
حتى إذا الصبح أطل
أراد أن ينعم بانتصاراته
ويزهو مفاخراً الشعوب
بأنه قادراً على كسر القيود
ومفجراً لثورة سلمية
تتسامى عن الثورات التي نصبت المقاصل لمشعليها
و أكلت أبناءها كالقطط
هذا شعب في ظنه يستحق أن يتباهى بشرفه الباذخ
و يعلو عن الصغائر
و يزاحم الآخرين
لسبب ما
ظل غامضاً
تراخت أوصاله
و إنفرطت قبضته
بعد أن تكورت
و كادت أن تلطم الطغيان
و تفكك صلابة الجبروت
و ترديه قتيلاً
و لحيرته لم يحدث ذلك !!...
* * *
لماذا لا تكف "علياء" عن إسداء النصائح ؟...
لماذا لا تقبل النصائح المباشرة ؟...
كنت أعلم يقيناً أن "علياء" قلبها
يغمرني بفيض من الحنان النابع من آصرة صحبة عميقة
غير إن "رُمانة" لا تلو جهداً
في السير عبر دروب وعرة
محفوفة بالمخاطرة
بينما صهيل ذاكرتها الجامحة
يراكم مزيداً من رصيد الوعظ و الإرشاد و النصح المغلف بقصص و حكايا الشيخ "فرح ود تكتوك"
حينما نلتقي مساء "حول حبوتي ، "بت نفرين"
وهي تسلبنا آذاننا بصوتها الرخيم من خلال ما تسرده
علينا من أحداث و وقائع الأسلاف
لترسيخ قيم الصدق و الكرم و الشجاعة
و تنمية طاقة الإستبصار فينا
كما قرأ الشيخ ( فرح و د تكتوك ) مجمل منجزات عصره قراءة مستبصرة منحته القدرة على التنبؤ باختراع القطار والمسرة ، مختزلاً ذلك في قوله [سيأتي زمن يكون فيه السفر بالبيوت والكلام بالخيوط] كانت حبوتها "بت نفرين" بارعة في سرد الأحجيات و لديها خاصية تجسيد الأحداث و تلوين نبرات صوتها تفخيماً و ترقيقاً و جعله أجشاً وخشناً كشخير المناشير في حطب جذوع الأشجار التي لم تجف بعد ...
و عندما تدرك أننا أنزلقنا بنعومة في بحيرة طلاوة الحكي المعسول ، تعرج بنا إلى مرامي أخرى
فتسرد علينا حكاية الطريد الملاحق من قبل طالبيه ، مستجيراً بالشيخ ( فرح ود تكتوك )
ولدهشته أشار إلى كومة من القش الجاف و قال له توارى خلفها
دلهم إلى ذات الكومة وقال لهم أن طريدكم يختبئ هنا خلفها ...
فأنصرفوا ظناً منهم أنه يسخر منهم متهكماً ، فتختم "بت نفرين" ليلتها الثامنة و العشرين بعد المائة كأنها منجم من الحكايا الساحرة قائلة :-
- ألم أقل لكم إن الصدق نجاة
فنأمن على خاتمتها جميعاً بصوت واحد
- حقاً إن الصدق نجاة
و تظل الذاكرة تضخ ألواناً من الذكريات و الأحداث و أنا أناطح "علياء" رغم علمي اليقيني من نواياها الحسنة تجاهي و نبل مقاصدها ، فهي تعتقد إعتقاداً جازماً إن ذهابي إلى مأوى "الفاتح" بلا تابلت.... قد يؤدي إلى عواقب وخيمة و غير حميدة في أحسن الظروف و الأحوال !!!...
و لكنها تركب رأسها و تنفي نفياً قاطعاً ، أن ( الفاتح سلمان ) يختلف تماماً عن الآخرين
بل تقف في مواجهة "علياء" وتقول بملء فيها
- إنه نسيج وحده
- هراء ليس هناك رجل نسيج وحده.. كلهم سواء.. و إذا أردت الحقيقة كلهم ذئاب و أغلب ظني إنك تدركين ما اعني
- أنت التي لا تدركين من هو " الفاتح سلمان" ...
- ليكن ما تظنين وتعتقدين.. فقط إلتقطي أنفاسك و أطيلي النظر فيما حولك.. ثم بعد ذلك قرري ...
- لقد قررت وانتهى الأمر
- أرجو أن تجني ثماراً غير فجة
- مواسم الحصاد أقبلت مع قدوم أكتوبر الأخضر ، لم يعد هناك تناقضاً بين الحاكم و الشعب ....
ألا ترين أن حائط السجن إنكسر و الكنوز انفتحت في باطن الأرض تنادي و الحقول اشتعلت قمحاً و وعداً و تمني
- ثم ماذا بعد ؟....
- هامش الحرية المتاح الآن سيصبح متناً ، عقب أجراء إنتخابات حرة و نزيهة و تشكيل حكومة وطنية تحقق العدالة الإجتماعية و المساواة بين سواد الناس من الشعب السوداني ...
"علياء" ساخرة
- و يسود المناخ الصحي وتصفو النفوس.. و ترتع الحملان مع الذئاب حهاراً نهاراً !!؟...
- لست طوبائية كما يتبادر إلى ذهنك.. لكني أتحدث عن قدرة ثورة أكتوبر الأخضر في التأثير على تشكيل وجدان الشعب السوداني.. ولا سيما الأجيال الشابة !...
- انت تحلمين
- دعيني أحلم
الحلم و الخيال خبزنا اليومي
عادة نمارسها
قبل النوم و بعده
و في أغلب الأحايين أثناء السبات العميق ...
نحن نصنع الغد المشرق
من خلال هذا النشاط الإنساني
الذي أنجز كل بدائع منجزات هذا العصر !!؟...
* * *
صارت أمسية الخميس موعداً مقدساً
يحرص ثلاثتهم على الإيفاء به
و المداومة على الإحتفاء به زماناً ومكاناً
كذكرى عزيزة لميلاد صداقتهم ؛؛؛
منذ اللحظات الأولى لقدوم الأصيل
يشرع "الفاتح سلمان" في إعداد "الحلة"
وقبل أن يلج "محمود منصور" محملاً
بالفرح المعبأ في زجاجات ، كما كان يطلق على (العرقي)
تكون "الحلة" قد سُبكت تماماً
و أصبحت جاهزة للتسخين الذي يسبق خاتمة الأمسية الاسبوعية الأثيرة لديهم
بينما كان يتناول "الفاتح سلمان" محمولات "محمود منصور" ليضعها على الطاولة المستديرة
يدلف "لبن" مسبوقاً بضجيجه المعهود
و أكياس المزة تتقدمه بشتى ضروبها
بما لذ وطاب ؛؛؛
إقتعد ثلاثتهم كراسي الخيزران حول المائدة الرسمية ؛؛؛؛
و إبتدرهما صاحب المأوى وهو يرفع كأسه قائلاً
- في صحة الخير و الحق و الجمال
تماست الكؤوس في رنين خافت ، قبل أن تُبتلع دفعة واحدة ؛؛؛
- ألم أقل لك بكرياً ؟...
- حقاً إنها لا تكذب
- إذا كان غير ذلك فهي لا تراوغ
- هكذا هن دائماً يحافظن على جودة البضاعة و خلوها من المعايب ؛؛؛
- هذا جيل لن يتكرر أبداً
كان "لبن" ينصت إلى حوارهما بتركيز و عند هذه النقطة علق قائلاً
- هؤلاء النساء آخر صانعات العرقي المحترم ...
فانفجروا في ضحك صاخب و متواصل كاد أن يعانق عنان السماء
و مع توغل ساعات الليل توالت الكؤوس الملئ التي توضع على الطاولة فارغة
و لم يلبث ثلاتهم أن تسرب الأنتشاء إلى رؤسهم و بان الفرح على الوجوه
همس "لبن" وهو يمد كأسه الفارغة
- املأ رأسك بالخمر قبل ان تمتلئ بالتراب
إمضاء (باخوس إله الخمر) عند الإغريق ؛؛؛
و كانوا كلما يلقي "لبن" بملحة أو طرفة تتعالى ضحكاتهم ولا تنقطع إلا عندما يحشون افواهم بأطايب المزة ... بعد حين هدأ صخبهم
و أخذ حديثهم يجنح نوعاً ما إلى الثرثرة الصفوية كما كان يسميها "لبن" ساخراً
في البدء تطرق حديثهم إلى خارج محيط وكرهم المتواري خلف شجرة نيم ... ضخمة ، ثم عبر سوق نمرة إتنين إلى المحطة الوسطى و دار حول مدينتي بحري و أم درمان و لم يلبث أن تخطاهما إلى الدول المتاخمة للوطن و ضالعاً في التوغل شمالاً رست مراكبه ، على مرافيء العالم الأول و شطآن المشرقين الأدنى و الآخر الأقصى و من ثم مرتداً إلى مجاهل أفريقيا و أدغالها باحثاً و منقباً و محللاً كل الأحداث و الافكار التي تمور و تضطرم على متن سطح هذه البسيطة
إنصب جُل حديث "لبن" عن قضايا محلية جنح للقومية السودانية و المصير الذي يمكن أن يشكل كيان الوطن لاحقاً
بينما عرج "محمود منصور" صوب الشمال حيث بؤر الأحداث الجسام التي تدير كروية الأرض حول نفسها
فهو كغيره من أبناء جيله
أدرك منذ الوهلة الأولى
مدى أهمية أن تكون جزءً من الكل
فضلاً عن حاجتنا الملحة لمعرفة الآخر
بأن تكون ملماً بما يدور حولك في العالم ....
أن ترصده على الأقل وتنفعل به
و في أفضل الحالات أن تتفاعل معه
بدأ حديثه بمظاهرات الطلاب في فرنسا إبان الربع الأخير من عقد الستينات ، من القرن العشرين و ما رافقها من حركات الرفض لما هو قائم و التمرد على السكونية والإستسلام للأمر الواقع ؛؛؛
و دور الفن العالمي و على وجه الخصوصية الفن الغربي في جانبه الإنساني ضد قمع حركات التحرر في العالم الثالث و مصادرة حريات الشعوب الطامحة في كسر قيد الباغي المستبد أياً كان إجنبياً أو وطنياً !!؟...
بما أن "محمود منصور" كان عاشقاً للسينما و لا يفوته أي فيلم من الأفلام ذات القيمة الفنية العالية التي تعرض غالباً في داري عرض النيل الأزرق أو الخرطوم غرب ....
فأخذ يتحدث عن السينما العالمية الجديدة بدء من الواقعية الإطالية برموزها المشهورين (بازوليني وفيليني) وانتهاءً (بالموجة الجديدة للسينما الفرنسية) مروراً بالسينما الإمريكية و تقنياتها المدهشة و مقبلات هذا المنجز العصري المبهر كالفاتنة الأمريكية "مارلين مونرو" و الفرنسية "بريجيت باردو" و الإيطالية "جينا لولو بريجيتا"
وما تبثه هذه الآلة الساحرة الراقية الشعبية معاً ك (جراب الحاوي) من أفلام مثيرة للجدل مثل (جامع الفراشات و صوت الموسيقى و نقطة تلاشي) و و و و و...........................................................................................
إتلقط "الفاتح سلمان" طرف الحديث من "محمود منصور" قبل أن يختمه ، لتوغل الليل عميقاً صوب بدايات الفجر
منتاولاً الجانب الوطني من القضايا المطروحة دون أن يذهب بعيداً عن الهم العام الذي ظل هاجساً ، يلازم ثلاثتهم في حلهم و ترحالهم ...
كان اليسار السوداني الذي كونه اليهودي (هنري كورييل) الإيطالي الأصل المصري الجنسية منذ البدايات الأولى في تجمع "حدتو" التنظيم الشيوعي للكفاح المشترك ضد الاحتلال الانجليزي خلال عام 1947
و من عباءة "حدتو" وهي إختصار لمنظمة {الحركة الديمقراطية للتحرر الوطني} و قد كون (هنري كورييل) منها فرعاً خاصاً بالسودانيين سماه "حدتو" أي {الحركة السودانية للتحرر الوطني] و قد خرج من معطف هذه الحركة
(عبد الخالق محجوب و التجاني الطيب) ليأسسا مع آخرين (الحزب الشيوعي السوداني) متوارياً تحت مسمى (الجبهة المعادية للإستعمار) تجنباً للصدام بالإتجاه الإسلامي الذي كان في ذلك الوقت يتنامى في سباق محموم مع التيار اليساري ....
و على الرغم من أن هذا الحزب إستطاع في وقت وجيز من إستقطاب أعداداً مقدرة من المثقفين إلا إنه تعرض إلى كبوات و عثرات كادت أن تقضي عليه تماماً ، غير أنه كان كطائر السمندل ينفض رماد الحريق لينهض مجدداً قوياً و حيوياً ليستكمل مسيرة نضاله ضد العسف و الجبروت و الأفكار الظلامية بفضل قدرته الفذه في جمع المبدعين حوله بما يقدمه لهم من رعاية وتشجيع و إكتشاف بذرة الموهبة فيهم و تبنيها حتى تشب عن الطوق و تمتلك القدرة على مواجهة أشعة الشمس الساطعة ...
ظل هذا التفاعل بين قيادات الحزب و أرهاط الموهبين ، يزدهر و يتنامى حتى أصبح الإبداع و المبدعون قرينان بظلال اليسار و تفرعاته !!؟....
لذلك ظل متامسكاً و لم تُكسر شوكته حينما تم حله من قبل نواب البرلمان السوداني بإيعاذ من قبل التيار الاسلامي
و حتى عندما ضُيقت على قياداته المركزية عقب إجهاض حركة "هاشم العطا" التصحيحية. ، لملم أطراف جراحاته من جديد و إستعاد بعضاً من قواه ، على الرغم من إستمرارية مطاردات عناصره و تعقب ما ظُن أنهم فلوله ، حتى أضطر للعمل تحت الأرض لكن المبدعين السودانيين في شتى بقاع المهاجر ، الذين ينتمون إلى اليسار العريق ، كانوا يفاخرون بهذا الإنتماء ويصنفون أنفسهم باعتبارهم من النخب الطليعية التي تسعى من خلال إبداعهم لتخليص الوطن من هيمنة الأجنبي و الطغم العسكرية الجاثمة على أنفاس البلاد !!؟...
و في ذات السياق ، عاد "الفاتح سلمان" مجدداً للحديث حول تلك الأيام التاريخية التي كاد فيها اليسار أن يمسك بزمام مقاليد الأمور و يرسم للسودان وجهاً مشرفاً ، يحقق من خلاله لشعبه العدالة الإجتماعية التي حلم بها طويلاً ....
و قبل أن يستطرد في وصف الصورة الوردية التي كانت القاعدة العريضة من الطبقة العاملة السودانية تتمناها من الحركة التصحيحية إذا تمكنت من الاستمرار في الحكم ....
أخذه تداعي الصور الحية التي أعقبت إزاحة "نميري" والإستيلاء على السلطة و من هذه الصورة مشهد تدفق الجماهير الغفيرة صوب القصر الجمهوري ، و هم يرفعون الأعلام الحمراء وهي تخفق فوق فضاء شارع القصر من أعتابه حتى نهايته الملتحمة بمحطة السكة حديد ....
و جموع الآلاف من الحناجر الفتية تهدر هاتفة بحياة الحركة التصحيحية و قادتها الأشاوس [هاشم العطا، عبد الخالق محجوب و الشفيع أحمد الشيخ و آخرون ]
و هنا فقط
ارتجفت شفتاه
و دمعت عيناه
و كف عن مواصلة الحديث
و طلب من قرينيه راجياً منهما أن ينصرفا أو يمضيان الليلة بمنزله
و تركه وحيداً
لا سيما في هذه الليلة
التي أثارت شجونه
و كادت أن تفتح جراحاً أبرأها الزمن
و قبل أن ينسحب إلى غرفته
همس بصوت مسموع
- الليل تأخر كثيراً و غداً الجمعة
ثم أردف بعد هنيهة
- أنتما تعرفان أين تنامان
* * *
أدركت منذ الوهلة الأولى
أن قرينيه كانا هنا
أعادت كل شيء إلى وضعه السابق
دون أن تبدي تذمراً
كأن ما حدث بالأمس هو الأمر الطبيعي ....
هكذا كان الحال قبل أن تلج عبر عتبة هذا المأوى لأول مرة هكذا ظل هذا المكان هو الأثير لهم جميعاً
على ما هو عليه ، حتى بعد أن صارت من مرتاديه الدائمين
لم تخلُ أمسيات الخميس
و لياليه الصاخبة
من الضحك و اللغو و اللغط
و الحوار الجاد الذي لا يلبث
أن يتحول إلى هم و غم و أسى
و حسرة على ما فات !!؟...
جلستْ تحت ظلال شجرة النيم الوريفة
التي تمددت أفرعها المتشابكة إلى
داخل فناء المأوى في انتظار خروج
"الفاتح" من دورة المياه
هتفت قبل أن يخرج إلي الهول
- هناك كوب من عصير الليمون ينتظرك في الثلاجة
- كأنك تستشعرين ما أهفو إليه في هذه اللحظة
ثم أردف قائلاً
- كم كنت في حاجة ماسة لهذا الكوب البارد
- أنا أدرك حاجتك من النظرة الأولى
- ما رأيك هذه الليلة أن نذهب سوياً إلى السينما ؟...
- أي سينما ؟....
- النيل الأزرق قال "محمود منصور" أنها تعرض فيلماً جيداً من أفلام الموجة الجديدة
- موافقة، فقط أن نتمشى قبل ذلك على شاطئ النيل
- كما تشائين
* * *
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.