ابتُلي المجتمع السوداني بقيادات أنانية، تحمل مرضا أسمة (البراغماتية) اي الذاتية-المصلحة ، وتدرجت تلك الشخوص في سلوكها ، وتنوعت في أدائها ، حتى غدت فيروسا يفتك بجسم المجتمع بتشتيت فكره وتمزيق هويته وإهدار أهدافه وغاياته ، فالمصلحية أو البراجماتية من الإمراض المنهجية التي انتقلت للأسف الى الحركات الثورية مؤخرا ، حيث قد أصاب هذا المرض البعض من أفراد الحركات وكاد يفتك بتلك الموقعة على اتفاقيات السلام مع حكومة الخرطوم ، باعتبارهم قد باتوا يدعون إلى الذرائعية ، بتمييع المفاهيم ، وتقديس الواقعية ، وتسويغ الوسائل للوصول إلى الغايات ، وما إلى ذلك...! وهذا السلوك المرضي غير السوي قد تأصل لدى البعض لدرجة انه قد أصبح يمثل لهم فكرا وثقافة ، واوجد لهم أتباعاً ومريدين ، بل ومروجين يساعدوهم في الصعود الذاتي ولو على حساب أبناءهم واهاليهم. يتضح جليا ان*هناك خلل كبير في بنية التنظيمات السياسية السودانية (المعارضة) بشقيها السلمية والمسلحة ، وايضا هنالك ضعف فى النضج السياسي لدى الكثير من ممثلي القوى السياسية السودانية المناهضة للظلم والاستبداد ، ذلك على الرغم من طول تجربتها واستمرار انشتطها من قبل وخلال فترة حكم نظام الإنقاذ المريرة ، وبلا شك هذا الضعف سببه الركض الى الاهداف المصلحية التي يلهث وراها الكثيرين من قادة تلك التنظيمات ممن ظل يدعي التضحية في سبيل القيم والمبادئ والمثل تحت شعارات براقة كالتحرير ، اسقاط النظام وتحقيق العدالة والمساواة...الخ ، وتحت بند تبني مشروع التغيير والتحول الديمقراطي عبر محاربة الحكومة الشمولية ذات النزعات العنصرية والتي ظلت تسعى بكل الوسائل غير المشروعة وبدون مبالاة الى تحقيق اهدافها على حساب بقية المكونات الاخرى ، الحكومة التي لا زالت تمثل عاقا في تحقيق السلام والاستقرار كأساس نحو تحقيق التنمية وغيرها من الاهداف الوطنية. إن أس المشكلة كما هو معروف عدم اكتراث الحكومة وتماديها اللا متناهية*، حيث يقف قادتها اصحاب العقليات الشمولية المطرفة حجر عثرة اتجاه أي تطور سياسي خشية من حدوث أي تحول ديمقراطي حقيقي ، اعتقادا منها أن أي تغيير فى نظام الحكم يهدد بقائهم ونفوذهم واستمرار مصالحهم ، ويذهب بعضهم ابعد من ذلك الى تفسير عملية التحول الديمقراطي بانه تغيير فى بنية الدولة الديموغرافية ويرون فى ذلك مهددا لبقائهم كمجموعة مسيطرة على مركز القرار وكعنصر من العناصر المكونة للمجتمع داخل حدود الدولة ، الأمر الذى يتناقض مع الحقيقة والمنطق بل ويعبر عن نوايا هذه الفئة المستبدة وعن ممارساتها السيئة طيلة فترة حكمها ، يضاف الى ذلك قلة الخبرة وانعدام الرؤية والإرادة السياسية لدى قادة النظام الحالي خاصة المتورطين منهم فى جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية والإبادة الجماعية فى دارفور وجبال النوبة والنيل الأزرق وغيرها من أنحاء الوطن...! ومن ناحية اخري نجد التخبط بعدم وجود اساليب واقعية للمعارضة تستطيع من خلالها تحقيق اهدافها ، وعادة ما يكون الركض خلف تحقيق المكاسب السياسية لقيادات الاحزاب وبعض حركات التحرر الوطنية هو الهدف المنشود فى خفاء...! وهناك سبب اخر اساسي في المشاكل والازمات السودانية وهي: تراكمات الحمل الثقيل من السلبيات والاخطاء والتقصيرات التى خلفها الأنظمة الحاكمة للسودان عبر تاريخها الحديث ، "ما يعرف بالجذور التاريخية للمشكل". أن تتحول بميكافيلية عالية الجودة (الغاية تبرر الوسيلة) من تنظيم ثوري (غير ناضج) إلى حزب سياسي يمارس حزمة من السلطات ويجابه خصماء آخرين لدودين ، فى إطار نظام حكم ديكتاتوري عنصري شديد الأنانية والإصرار ، وفى ظل وجود كل تلك التراكمات من الاخطاء والسلبيات والتقصيرات التى ارهقت كاهل المواطن وشوهت صورة الوطن لم يكن أمرا يسيرا ولا يقتصر على مجرد حمل شهادات عليا أو ارتداء البدلة والجاكيت وترديد الخطب والبيانات الرنانة هنا وهناك!! وكون أن تصبح قائدا وليد الصدفة او عن طريق التزكية، والمجاملات، والصفقات، او التوازنات السياسة وغير ذلك ، وأن تعمل فى بيئة مماثلة بغض النظر عن تجربتك او مهاراتك الفردية ، ومهما كانت رغباتك او اهدافك...! تحتاج المسألة الى نحو من الصراحة مع النفس والاعتراف بالأمر الواقع والموضوعية لتشخيص تلك الاخطاء والسلبيات التى قادت إلى هذا الظرف!! والا لو بقينا على ان كل طرف يعتقد هو الاصح وغيره على خطأ لا ولن نصل الى الغاية المطلوبة وستتعمق وتتمدد هذه المشاكل والازمات التي يعيشها شعوبنا من المصائب والمصاعب وليدة تلك الاخطاء والسلبيات والتقصيرات والتي جعلت الشعوب تدفع الثمن غاليا حتى هذه اللحظة الحرجة. وسوف تظل الرؤية خاتمة ويظل المستقبل مجهولا مادام المثقفين والقيادات من أبناء الهامش يتبارزون أجل المصلحة والسلطة الزائفة ويتبادلون المطاعنات والمشاحنات ، وتظل حكومة العصابات فى الخرطوم تنموا وتتوسع نفوذها وتبسط سيطرتها فى جميع مفاصل الدولة بكل اسف، طالما المعارضة هشة فارغة تقودها أشخاص انتهازيون انصرافيون.... وبئس المصير!!!!! أيوب يحى ناشط حقوقي - القاهرة [email protected]