شاهد بالصور.. الفنانة ندى القلعة تصل القاهرة وتحل ضيفة على أشهر الصحف المصرية "في حضرة الكلمة والصحافة العريقة"    شاهد بالفيديو.. مطربة سودانية تقدم وصلة رقص فاضحة وتبرز مؤخرتها للجمهور وتصرخ: "كلو زي دا" وساخرون: (دي الحركات البتجيب لينا المسيرات)    شاهد بالفيديو.. الحرب تشتعل مجدداً.. المطربة عشة الجبل تهاجم زميلتها هبة جبرة: (نصف الشعب عرفك بعد شكلتي معاك.. شينة ووسخانة وأحذرك من لبس الباروكة عشان ما تخربي سمعتنا)    شاهد بالفيديو.. الحرب تشتعل مجدداً.. المطربة عشة الجبل تهاجم زميلتها هبة جبرة: (نصف الشعب عرفك بعد شكلتي معاك.. شينة ووسخانة وأحذرك من لبس الباروكة عشان ما تخربي سمعتنا)    شاهد بالفيديو.. الفنانة هبة جبرة ترد على التيكتوكر المثيرة للجدل "جوجو": (شالت الكرش وعملت مؤخرة ورا ورا ويشهد الله بتلبس البناطلين المحذقة بالفازلين)    شاهد بالصور.. الفنانة ندى القلعة تصل القاهرة وتحل ضيفة على أشهر الصحف المصرية "في حضرة الكلمة والصحافة العريقة"    المريخ يكثف درجات إعداده للقاء سانت لوبوبو    تمديد فترة التقديم الإلكتروني للقبول الخاص للجامعات الحكومية وقبول أبناء العاملين    اللجنة المالية برئاسة د. جبريل إبراهيم تطمئن على سير تمويل مطلوبات العودة لولاية الخرطوم    الهلال والجاموس يتعادلان سلبيا والزمالة يخسر من ديكيداها    شاهد بالفيديو.. ظهر وهو يردد معها إحدى أغنياتها عندما كان طفل.. أحد اكتشافات الفنانة هدى عربي يبهر المتابعين بصوته الجميل بعد أن أصبح شاب والسلطانة تعلق    من سيحصد الكرة الذهبية 2025؟    كندا وأستراليا وبريطانيا تعترف بدولة فلسطين.. وإسرائيل تستنفر    مدير جهاز الأمن والمخابرات: يدعو لتصنيف مليشيا الدعم السريع "جماعة إرهابية "    (في الهلال تنشد عن الحال هذا هو الحال؟؟؟)    تدشين أجهزة مركز عمليات الطوارئ بالمركز وعدد من الولايات    ترمب .. منعت نشوب حرب بين مصر و إثيوبيا بسبب سد النهضة الإثيوبي    وزارة الطاقة تدعم تأهيل المنشآت الشبابية والرياضية بمحلية الخرطوم    "رسوم التأشيرة" تربك السوق الأميركي.. والبيت الأبيض يوضح    الإرصاد في السودان تطلق إنذارًا شديد الخطورة    الزمالة أم روابة في مواجهة ديكيداها الصومالي    مياه الخرطوم تطلق حملة"الفاتورة"    إدانة إفريقية لحادثة الفاشر    ليفربول يعبر إيفرتون ويتصدر الدوري الإنجليزي بالعلامة الكاملة    الأهلي مدني يبدأ مشواره بالكونفدرالية بانتصار على النجم الساحلي التونسي    شاهد.. ماذا قال الناشط الشهير "الإنصرافي" عن إيقاف الصحفية لينا يعقوب وسحب التصريح الصحفي الممنوح لها    بورتسودان.. حملات وقائية ومنعية لمكافحة الجريمة وإزالة الظواهر السالبة وضبط المركبات غير المقننة    10 طرق لكسب المال عبر الإنترنت من المنزل    جرعات حمض الفوليك الزائدة ترتبط بسكري الحمل    الأمين العام للأمم المتحدة: على العالم ألا يخاف من إسرائيل    الطاهر ساتي يكتب: بنك العجائب ..!!    صحة الخرطوم تطمئن على صحة الفنان الكوميدي عبدالله عبدالسلام (فضيل)    وزير الزراعة والري في ختام زيارته للجزيرة: تعافي الجزيرة دحض لدعاوى المجاعة بالسودان    لجنة أمن ولاية الخرطوم: ضبطيات تتعلق بالسرقات وتوقيف أعداد كبيرة من المتعاونين    هجوم الدوحة والعقيدة الإسرائيلية الجديدة.. «رب ضارة نافعة»    هل سيؤدي إغلاق المدارس إلى التخفيف من حدة الوباء؟!    تعاون مصري سوداني في مجال الكهرباء    "نهاية مأساوية" لطفل خسر أموال والده في لعبة على الإنترنت    الجزيرة: ضبط أدوية مهربة وغير مسجلة بالمناقل    ماذا تريد حكومة الأمل من السعودية؟    إنت ليه بتشرب سجاير؟! والله يا عمو بدخن مجاملة لأصحابي ديل!    في أزمنة الحرب.. "زولو" فنان يلتزم بالغناء للسلام والمحبة    إيد على إيد تجدع من النيل    حسين خوجلي يكتب: الأمة العربية بين وزن الفارس ووزن الفأر..!    ضياء الدين بلال يكتب: (معليش.. اكتشاف متأخر)!    في الجزيرة نزرع أسفنا    من هم قادة حماس الذين استهدفتهم إسرائيل في الدوحة؟    مباحث شرطة القضارف تسترد مصوغات ذهبية مسروقة تقدر قيمتها ب (69) مليون جنيه    في عملية نوعية.. مقتل قائد الأمن العسكري و 6 ضباط آخرين وعشرات الجنود    السجن المؤبّد لمتهم تعاون مع الميليشيا في تجاريًا    وصية النبي عند خسوف القمر.. اتبع سنة سيدنا المصطفى    جنازة الخوف    حكاية من جامع الحارة    حسين خوجلي يكتب: حكاية من جامع الحارة    مشكلة التساهل مع عمليات النهب المسلح في الخرطوم "نهب وليس 9 طويلة"    وسط حراسة مشددة.. التحقيق مع الإعلامية سارة خليفة بتهمة غسيل الأموال    نفسية وعصبية.. تعرف على أبرز أسباب صرير الأسنان عند النوم    بعد خطوة مثيرة لمركز طبي.."زلفو" يصدر بيانًا تحذيريًا لمرضى الكلى    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



العنصرية والأنانية هما أسُ الدَاء (6)
نشر في الراكوبة يوم 15 - 09 - 2015


ثانياً: حركات الكِفَاح المُسلّح:
دواعى نشأتها والأقاليم التى قامت فيها ومكوناتها الداخلية:
نشأت حركات الكفاح المسلح فى هوامش السودان لفشل أحزاب المركز والحكومات المختلفة التى تعاقبت على الحكم فى تبنى سياسات وبرامج تساوى بين جميع السودانيين فى المواطنة، وأن تعدل فى إقتسام السلطة وتوزيع الثروة وجهاز الدولة بين جميع المواطنين، وأن تتبنّى هوية سودانية شاملة لا تقصى أحداً لكى يرى جميع السودانيين وُجُوهَهم فى لوحةِ الوطن.
تتكون الحركات المسلحة من أبناء الأقاليم التى نشأت فيها، الجنوب، جبال النوبة، دارفور، النيل الأزرق، الشرق، و(الشمال الأقصى). ومؤخراً تجمَّعت الحركات المسلحة السودانية فى تحالف كبير بإسم الجبهة الثورية السودانية ويشمل آخرون يمثلون نذراً يسيراً من أحزاب المركز الطائفية.
مرتكزاتها الفكرية وأهدافها و وسائلها:
على مستوى الفكر ترتكز الحركات المسلحة السودانية على مبادئ كونية إرتضتها شعوب العالم، تشمل ولا تقتصر على المواثيق الدولية الصادرة من الجمعية العامة للأمم المتحدة التى تلتزم بالحريات، خاصة وعامة، وحقوق الإنسان كما جاءت فى الإعلان العالمى لحقوق الإنسان وتفريعاته، وتؤمن بصون الكرامة الإنسانية لجميع شعوب السودان، وتتبنّى هوية حقيقية تعبِّر عن جميع شعوب السودان فى كافة أقاليمه، وتؤكد على مبدأ المواطنة المتساوية لكل السودانيين، وإقتسام عادل للسلطة، وتوزيع مُنصِف للثروة وفق معايير معلومة. ومشاركة جميع السودانيين فى إدارة جهاز الدولة، وتتبنّى نظام حكم لا مركزى بمستويات يُتَّفَقْ عليها، وتفوَّضْ لها السلطات والموارد، إلخ.
وتتبنّى وسائل سلمية للتعبير عن أهدافها، والتبشير بها، وتؤمن بالتفاوض والحوار مع أحزاب وحكومات المركز لإعادة بناء دولة سودانية عادلة وراشِدة وقابلة للحياة. لكنها تؤمن بحمل السلاح للدفاع عن نفسها، ومقاومة من يستخدمه لمحاربتها ويتنكَّر لمطالبها المشروعة.
هذا، والشاهد أنَّ الحركات المسلحة لا تعتدى على أجهزة الدولة العسكرية والأمنية ولكنها تستخدم سلاحها فى الدفاع عن نفسها ومشروعها لتحقيق التحرير العريض لشعوب السودان من المفاهيم والأفكار الفاسدة، والممارسات العنصرية التى لازمت حُكم المركز منذ خروج المستعمر الأجنبى.
أوجه تفوّقها على الأحزاب السياسية، وتحدِّياتها:
تتفوق الحركات المسلحة على أحزاب المركز السياسية فى كونها صادقة و واقِعية، ونشأت من واقع السودان، وتعبِّر عن قضايا وتطلعات جماهير الشعب السودانى، وتقدِّم حلول ناجِعة للمشاكل التى إرتبطت بحكم أنظمة المركز المختلفة. وتطرح الحركات المسلحة السودانية عبر تاريخها، قضايا الحريات والهوية، وحتمية الحكم العادل، وعلاقة الدين بالدولة، ونظام حكم لامركزى، والديمقراطية الراشدة وحكم القانون وفصل السلطات. وتتعهد بالقضاء على العنصرية والإنانية التى إرتبطت بأنشطة الأحزاب السياسية التقليدية (الطائفية)، او العقائدية المستجلبة من الخارج لزرعها فى السودان رغم المناخ السياسى والديموغرافى المختلف.
كما تتفوق حركات الكفاح المسلح على أحزاب المركز، فى كونها إكتسبت شرعية دولية واقِعية De facto وأعترف بها العالم المتقدم على أنها حركات تحرر وطنى ضد سياسات غير عادلة تبنتها حكومات المركز عبر تاريخ السودان، وليس فقط نظام الإبادة والتطهير العرقى الإرهابى القائم. وتؤمن الحركات المسلحة السودانية بأنَّ الأختلاف فى سوء الحكم وإدارة شئون البلد بين النظام القائم والأنظمة والتنظيمات التى سبقتها إلى سُدَّة الحكم، هو إختلاف مِقدار وأمَّا النوع فواحِد.
حظِيَت حركات الكفاح المسلح السودانية بزخم وقبول وإحتفاء دولى أكثر من أحزاب المركز أو الأنظمة التى حكمت السودان. ونشأت علائق جادَّة وتعاطف من العالم الأول المهتم بالواقع الإنسانى الذى أفرزه النزاع المسلح فى أقاليم الهامش بسبب إلتزام الحركات المسلحة بقواعد القانون الدولى الإنسانى فى الحرب. ولكونها حاربت وما زالت، وِفقاً لصحيح قواعد القانون وعدم تورّطِها فى انتهاكات جسيمة.
تؤمن الحركات المسلحة السودانية وتعلن للملأ بأنَّ الدين لله والدولة للجميع وترفض إستخدام الدين فى السياسة حماية وحفاظاً للاديان من الإستغلال وسوء الإستخدام. لذلك تعمل الحركات المسلحة لإيجاد دولة حديثة قائمة على الحرية، وإتاحة وتعزيز وحماية حقوق الأنسان. وصون الكرامة الإنسانية، وتكريس مبدأ المواطنة المتساوية، وسيادة حكم القانون. إقتسام عادل السلطة، وتوزيع منصف للثروة بين جميع مواطنيه وفق معايير عادلة يُتّْفق عليها. وإقامة علاقات دولية تقوم على الإحترام المتبادل والمصالح المشتركة، وأنْ تتعاون جميع الدول والشعوب فى حفظ السلم والأمن الدوليين.
أمَّا التحديات التى تواجه الحركات المسلحة، تتمثل فى عدم قدرتِها على نشر فكرها وبرامجها وتسويقها لجميع قطاعات الشعب السودانى، لقِلّة الوسائط الإعلامية المُتاحَة لديها مقارنة بالحكومة السودانية المدعومة من "اللوبى" السياسى للمركز السودانى. فضلاً عن العمل الإعلامى المُضَاد الذى يقوم به المركز ضِدّها لإظهارها جهوية وعنصرية ومنكفئة وغير موحَّدة، ومُنتَقِمة!.
ومن أهم تحديات الحركات المسلحة السودانية فشلها فى كسب دعم دولى إقليمى من الدول الأفريقية "جنوب الصحراء" الحاضنة الديموغرافية والإمتداد الجغرافى الطبيعى للأقاليم السودانية التى نشأت فيها الحركات المسلحة. ويرجع السبب فى ذلك إلى عدم وصولها إلى مؤسسات المجتمع السياسى والمدنى فى الدول الإفريقية لطرح نفسها وقضيتها بشكلٍ مؤثر يقنع تلك المؤسسات ثم إمالتِها للتفاعل معها، مقارنة بالجهد الذى تبذله حكومات وتنظيمات المركز لحَجْبِ الحركات المسلحة من التواصل مع، ومعانقة الشعوب الإفريقية والإستنجاد بها فى الزود عن العِرق الإفريقى من الإبادة والتطهير والفَنَاء.
ولمَّا فشلت الحركات المسلحة السودانية فى كسب دعم وتعاطف الأفارقة، قامت حكومة التطهير والإبادة بملء الفراغ فى تلك الدول بطمسِ الحقائق الماثلة على الأرض. والآن الرؤساء الأفارقة يدعمون الرئيس/ عمر بشير المطلوب للعدالة الدولية الذى ملأ الفراغ، وزوَّر الحقائق، وصوَّر نفسه حملاً ودِيعا لم يقتل فى هوامش السودان دجَاجة أو نمْلة، وأنَّ المحكمة الجنائية هى مخلب قط لإصطياد الرؤساء الأفارقة!. والعيب فى الحركات المسلحة التى غابت عن الفضاء الأفريقى جنوب الصحراء فملأته حكومة الخرطوم العنصرية.
ونتج عن ذلك القصور غياب دور أفريقى داعِم للحركات المسلحة السودانية مماثل أو موازى للدور العربى المُسانِد لحكومات وتنظيمات المركز السودانى بالمال والسلاح والإعلام والعمل الدبلوماسى فى المنابر الإقليمية والدولية. ومثال ذلك: الدور الذى تلعبه دولة قطر نيابة عن جامعة الدول العربية فى إحتواء وتدجين وتسويف وشراء قضية دارفور وتفريغها من محتواها. وطمس وتزييف آثار الحرب بمحاولة تفريغ معسكرات النزوح الداخلى بغرض القضاء على آثار حرب الإبادة والتطهير العرقى! وتخذيل الشِقْ العدلى من قضية دارفور بُغيَة تخليص الجُناة من المثول أمام العدالة الدولية.
والنموذج الآخر لعدم التكافؤ، هو دعم أحزاب المركز وإسنادهم الإفلات من العقاب ومثال ذلك، إصرار بعض الأحزاب العقائدية "العربية" فى المركز على توصيف الأزمة فى دارفور على أنها "حرب أهلية" بين الرعاة والمزارعين!.
ومثال آخر لمساندة الإفلات من العقاب هو: خطاب الإمام الصادق المهدى لإجتماع القِمَّة الأفريقية الأخير بجنوب أفريقيا مناشِداً عدم القبض على الرئيس السودانى وتسليمه للمحكمة الجنائية الدولية!. غياب دور أفريقى داعِم لقضية الهامش السودانى موازى ومُقَاوِم للدور العربى المساند لحكومة المركز قد أثر كثيراً فى تكافؤ النزاع السودانى/ السودانى.
ولكن أكبر التحديات على الإطلاق هو رغبة الجميع فى توحّدِ الحركات المسلحة، خاصة فى دارفور، تحت قيادة واحدة، للقيام بإنجاز المهام المطلوبة بفاعلية وسرعة. ويجدر هنا ذكر أنَّ حركة تحرير السودان قد بدأت موحّدة ثم إنقسمت! وهناك أسباب كثيرة، مقنعة أو مخيِّبة لعدم توحّد حركات دارفور أهمها أنَّ أبناء دارفور وبقية أبناء الهامش لا يتعرفون على بعضهم البعض فى أقاليمهم، بل يتعارفون فى المركز وبشروطه. ثم أنَّ دارفور صحيح أنها كانت مملكة ولكنها مملكة "كونفدرالية" تتكون من مجموعة من الممالك بداخلها، وأبناء هذه الممالك قد تشكَّلَ وُجْدَانَهم على تلك الكونفدرالية، وبالتالى يجب الوضع فى الإعتبار ذلك الوُجْدَان الكونفدرالى عند الحديث عن توحيد حركات دارفور. لذلك أرَى، أنَّ الشكل المقبول والقابل للحياة هو نوع من أنواع التحالف المتقدِّم جداً بين أبناء تلك الممالك الدارفورية، أمّا دمجها وتوحيد قيادتها فذلك أمر كذّبَهُ الواقع. لأن حركة تحرير السودان قامت واحدة ثم انقسمت إستجابَة لدواعِى الكونفدرالية فى وُجْدَان الثوَّار.
ليس هذا فحسب، حتى القبيلة الواحدة فى دارفور تتكوَّن إلى عُدَّة ممالك، ويصعب على أبناءها العمل والإنسجام تحت قيادة واحدة! والحل فى رأيى المتواضع هو صيغة متقدِّمة من التحالف الذى يحافظ على تلك السِمَة الكونفدرالية فى تركيبة دارفور السياسية والإجتماعية والإقتصادية. قد يختلف الوضع فى أقاليم السودان الأخرى التى لم تقم على أنها اتحاد ممالك أو كونفدرالية ممالِك، والله أعلم. كما أنَّ أبناء دارفور يندمِجون مع بقية شعوب السودان فى احزاب وتجمعات مماثلة، ولكن أن يعملوا مع بعضهم هو التحدِّى الذى فشلوا فيه!.
تعريف حكومات المركز لها ورَدَّة فِعِلِها تجاهها، ونتائج ذلك على وحدة السودان:
ظلّت حكومات المركز المتعاقبة على حكم السودان تصِفْ/ تعَّرِف حركات الكفاح المسلح فى هوامش السودان بأنَّها حركات "متمرِّدة". واتَّبعَت فى مقاومتِها أساليب عسكرية وأمنية إنتقامية، شاملة ومدمِّرَة للمدنين الأبرياء فى مسارح العمليات وعلى وسائِل حياتهم.
فشهِدت هوامش السودان أسوأ حروب تدمير وإبادة وإهلاك للمدنيين وسُبل حياتهم، أدَّت إلى إضعاف بالغ و وَهَن فى الأسمنت الذى يربط بين أقوَام تلك الأقاليم وأهل المركز. وإنعدمت الرغبة فى العيش فى دولة واحدة مع أهل المركز الذين تخصصوا فى التنكيل بهم وهَدْرِ كرامتهم الإنسانية، ومحاولة جادَّة لإجتثاثِهم من على ظهرِ الأرض.
القيادة، وآليات تداول السلطة داخلها:
الحركات المسلحة ليست أفضل حالاً فى بناءِها الداخلى من الأحزاب السياسية السودانية، فهى مكوَّنة فى مجملِها من أبناء الأقاليم التى نشأت فيها، وتحديداً من أبناء القبائل القاطنة فى تلك الأقاليم. ولو استثنينا الحركة الشعبية لتحرير السودان نجد أنَّ بقية الحركات تفتقر إلى القائد المُلهِم والمفكِّر ذو الرؤية الثاقبة لحل مشكلات الحكم فى السودان. فقامت، إبتداءً، على الحَمِيَّة وردَّة الفعل على الظلمِ ودفع الصَائِل.
لكنَّها سرعان ما فطنت لضرورة تبنِّى رؤى فكرية وبرامج سياسية، وإمتثال صارم لقواعد القانون الدولى فى حربها ضد حكومات المركز لتنال الشرعية والإعتراف الدولى. وقد نجحت فى ذلك وإلتزمت به بشكل قاطع، فلا تجد فى سلوكها القتالى مخالفات أو انتهاكات صارخة لقواعد قانون الحرب، خلافاً لسلوك حكومة السودان المُتَّسِم عبر الزمان بالبربرية وهتْك أعراض المدنيين وإغتصاب النساء وقتل الأسرى وكافة الموبقات التى انتهت بهم إلى المحاكم الجنائية الدولية، والإدانات المتكررة فى قرارات مجلس الأمن، والمنظمات الحقوقية الدولية والإقليمية، فضلاً عن توقيع العقوبات الإقتصادية، ووضع السودان فى قوائم الدول المتخلِّفة والخارجة عن حكم القانون الدولى، العمِيقة، والراعِية للإرهاب.
الحركات المسلحة تُماثِل الأحزاب السياسية المركزية فى العيب المتعلِق بعدمِ الإمتثال لأحكام دساتيرها وتشريعاتها. فالحركات المسلحة لا تُطبِّق على نفسها أحكام دساتيرها ولوائحها بزرائع الظروف التى تعمل فيها وشُحِّ الموارد. ولكن تلك الظروف لا تبرِّر واقعها الراهن الذى تجد القيادة تنفرِد بالقرار، وتعطل المؤسسات وتجمع السلطات بين يديِّها.
إحتكار السلطة، وتعطيل مؤسسات الحركة، وتجميع السلطات بيدِ الزعيم، وتعسّفِه فى ممارسة السلطة، أدَّت إلى انسلاخات وانقسامات لا أول لها ولا آخر. تلك الإنسلاخات التى يعقبها إنضمام الفصيل المُنسَلِخ/ المنشق إلى حكومة المركز مقابل حِفنة من السلطة والثروة، جعلت الحركات المسلحة مصدراً أساسياً لرفدِ جيش ومليشيا النظام الحكام الذى ظلَّ يتغذى بمقاتلى الحركات المسلحة. ويستخدِمهم إستخبارياً وقتالياً فى عملياتها ضد الحركات التى خرجوا منها بالأمس القريب. وفى ذلك خسارة كبيرة لقضية الهامش ومشروعه، وكسبٌ أكبر لحكومة المركز لأنَّ المنشقون المنضمين إليها يعرفون الحركات وطبيعة الأرض والبشر، لأنهم كانوا جزءاً منها حتى الأمس القريب. إنّ فشل رؤساء الحركات المسلحة فى الحفاظ عليها هو التحدى الأكبر الذى يجب مجابهته وإيجاد حلول له.
فلا بُدَّ للحركات المسلحة من الوقوف لمراجعة خطوات سيرها والبت فوراً فى أسباب إنسلاخ مقاتلى الحركات المسلحة وانضمامهم لحكومة المركز؟ لماذا يستجيرون من الرمضاءِ بالنارِ؟ وحتمِيَّة معالجة تلك الأسباب التى رتَّبت ضرراً مُزْدوَجَاً لقضية الهامش: فقدان الرِفاق، ثم انضِمامهم لصفوفِ العدو. و رؤساء الحركات يردّوُنَ على كلِ انسلاخ بالتخوين! ولكن دون أنْ يفسِّرُوا كيف؟
و رُغْمَ أنَّ الحركات المسلحة السودانية تُوصَف من أهل المركز، حكومة ومعارضة، بأنها عنصرية، وطابع تكوينها قًبَلِى، وهذا مردود عليهم لأنَّ أهل المركز لم يأتوا للإنضمام لهذه الحركات المسلحة. ولكن الحقيقة الماثلة أنَّ هناك عنصرية داخل هذه الحركات المسلحة، من مظاهِرِها تركيز السلطة والموارد الشحيحة فى يد رئيس الحركة ودائرته الداخلية الضيِّقة التى غالباً ما تتكون من عشيرته الأقربين، وبعض أصحاب الوَلَاء.
ومهما يُقال أنَّ ذلك الوضع يبرره الظروف والواقع الذى ترزح فيه تلك الحركات، إلا أنَّه واقعٌ يمثل جوهر الفشل الذى يُقعِد بالحركات المسلحة فى مشوار كفاحِها للوصول إلى أهدافها المرجوَّة. لأنَّ تلك الدائرة الضيقة من أقارب زعيم الحركة وخاصته، تتشكَّل فى واقع الأمر بالمخالفة لأحكام الدساتير واللوائح التى تمنع قيام مجموعات و"لوبيات" خارج الهياكِل. والنتيجة الحتميِّة أنّ تلك "الشيعة" فى سبيل رعاية وضعهم ومصالحهم الخاصة سيمارسون الإقصاء والتهميش، الترغيب والترهيب، العصا والجذرة، فينفر الآخرون من ذلك الوضع الوخِيم. وتتلاشى معايير وقِيَم تقديم ذوى الكفاءة والعطاء والبلاء التى تسكن بطون دساتير الحركات المسلحة والأحزاب السياسية، ويؤدون عليها قَسَمْ الإنضمام للحركة أو الحزب، فتفشل الحركات المسلحة كما فشلت الأحزاب السياسية. وبفشل الحركات المسلحة فى تبنّى القيم الكونية للمُمَارسة الرشيدة، تفقد الدعم والتعاطف الدولى الذى إكتسبته بالأمس، ثم تضمحِل وتؤول إلى الصفر.
التقارُب والتباعُد بين الحركات المسلحة والأحزاب السياسية:
الأحزاب السياسية فى المركز تنظر إلى الحركات المسلحة بإعجابٍ و وَجَلْ فى آن.
والإعجاب مصدره خروج هؤلاء الشباب وحملهم السلاح والمقاومة لحماية أفكارهم ورُؤَاهم والدفاع عنها عندما ركنت الأحزاب السياسية، وإستكانت لغلواءِ النظام الحاكم، يُنكّل بهم ويُخْضِعهم لما يَرَى ويُريد.
أمَّا الوَجَل فمرجعه خوف الأحزاب السياسية من زحف هذه الحركات على قواعدها ومناطق نفوذها القديم عندما يَعُمْ السلام السودان ويبدأ العمل السياسى الجماهيرى. فضلاً عن تفوق الحركات المسلحة فى مجال العلاقات الدولية خاصة مع الدول الكبرى التى لم تفلح أحزاب المركز الكبيرة فى مجرَّد طرقِ أبوابِها.
ولكن هناك إمكانية للجمع بين الحركات المسلحة والأحزاب السياسية فى تحالفات أو اندماجات كبيرة تكون بوتقة لصهر القوى السياسية ذات التوجه المشترك أو المتقارِب كتلك المجموعة التى وقعَّت على وثيقة الفجر الجديد، ثم توَّجته لاحقاً بميثاق نداء السودان، تلك القوى إذا صحَّحَت أخطاء الماضى، ورَكَلَت العنصرية والأنانية التاريخية وإمتصَّت رَدَّة أفعالها وهزَّاتِها الإرتدادية من قوى الهامش، يمكن أن تتمخَّض عن ميلاد تنظيم فدرالى كاسح وجامع يحِل مشكلات الوطن، ويحقّق السلام والأمن والتنمية، وينتهى إلى الإنصهار الوطنى، فتتحقق الرَفاه.
إذا تخلّت أحزاب المركز عن أوهام الزعامة والريادة والسيادة، وكفّت عن ممارسة نرجسيتها المعهودة، وعادة التبختُر كالطواويس، و(طق الحَنَك) وهِواية التآمر، تكون قد وضعت الأساس واللبِنَة لبناء وطنٍ رحِيم رقم قسْوَة بداياته، ومرَارَة ثمَرِه.
والحوار"المزعوم" الذى لا يسبقه تفاوض لتثبيت حقوق وخصوصيات الأقاليم التى تأثرت بالحرب، والإصرار على الدوس على دماء الشهداء دموع أسَرِهِم، وجراحات وإعاقات الضحايا، والركض نحو "بيت المرفعِين" سيُعمِّق الحزنَ الساكِنُ فينا ليلَ نهار، وسيُحتِّم تفتيت السودان إرباً إرب. وسيزيد من غلواء الجانى مرتكب الفظائع والإنتهاكات لمزيد من إراقة الدم والتشفى والإنتقام، وهذا نظام لا يمَل سفك الدماء. وكل قطرة دم تُراق اليوم وغداً تؤكّد حتمية إنهيار السودان، وتفرّقِه أيدى سَبَأ.
(فى جزءٍ سابع نتناول مشروع الجزيرة ومآسى الكَنَابِى)
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.