سرني جدا أن تسعى ستات الشاي وبائعات الأطعمة والمأكولات لتنظيم أنفسهن ورص صفوفهن ، لمواجهة الظلم والعسف الذي ظللن يكابدنه على مدار اليوم والساعة ، جراء الهجمات البربرية التي تشنها عليهن بلا رحمة أو هوادة سلطات المحليات عبر حملاتها الانكشارية ، وللدفاع عن حقهن في العمل وحماية مصدر رزقهن الذي يقول عنه المثل الرائج ( قطع الأعناق ولا قطع الأرزاق ) ، ففي الأنباء أن هؤلاء النسوة ( المحمولات ) والمغلوبات على أمرهن ، قد أكملن خلال الأيام الماضية تشكيل اتحاد مهني يضم في عضويته قرابة الثمانمائة ألف امرأة من العاملات في مجالات بيع الشاي والأطعمة والعطور والاكسسوارات وغيرها من الخصوصيات النسائية الأخرى ، ويحمد للسلطات الولائية أنها وافقت على الجلوس الى قيادات اتحاد هؤلاء البائعات وحددت لهذا اللقاء خواتيم الأسبوع الجاري موعدا له في خطوة تستبطن اعترافا ضمنيا بهذا الاتحاد ، والى موعد انعقاد هذا اللقاء وانفضاضه سننتظر لنرى ما سيسفر عنه ... غير أن قول الحق يلزمنا أن نستبق النتائج التي سيخلص اليها هذا الاجتماع ، لنقول بالفم المليان أن لهؤلاء البائعات قضية عادلة لابد أن تجد لها السلطات معادلة حل عادلة ومرضية ، والعمل على حل مشاكلهن بصورة تحفظ لهن سبل العيش الكريم بسهولة ويسر ، لأن هؤلاء الشريفات الماجدات لم يخترن بمحض ارادتهن هذا العمل الشاق المرهق وانما دفعتهن اليه ظروف وأقدار وأسباب شتى لا يد لهن فيها ، من هذه الظروف تدهور الاحوال بالريف مما ادي للنزوح الي العاصمة والاضطرابات الامنية ببعض المناطق ، وضعف الرعاية الاجتماعية وانحسار نسبة الزواج وفي المقابل ارتفاع حالات الطلاق هذا فضلا عن غلاء المعيشة والذي يعتبر من اهم الاسباب ، وكل هذه الظروف مجتمعة هي التي أفرزت وخلقت ظاهرة بائعات الشاي التي انتشرت خلال السنوات الاخيرة بصورة كبيرة حتى بلغ عدد ممتهناتها الالاف وجلهن ان لم يكن كلهن يعلن اسرا كبيرة تعتمد اعتمادا مباشرا وكليا على مورد ودخل هذه المهنة ، فمن هذا المورد على ضآلته يوفرن لقمة شريفة لزغبٍ صغارٍ فقدوا العائل، ويدبرن حق الفطور ورسوم الدراسة لمن هم في سن الطّلب، وكم من ست شاي ربت وعلمت وخرجت من الجامعات وما فوق التعليم الجامعي، ورفدت المجتمع بأطباء وطبيبات ومهندسين ومهندسات ومثقفين ومثقفات وأدباء وأديبات، وغيرها وغيرها من مهنٍ وحرفٍ وعلومٍ ومعارفٍ، وبهذه المناسبة أذكر أنني سمعت مرةً الروائي الشهير عبد العزيز بركة ساكن يتحدث بفخرٍ واعزازٍ عن أمّه ست الشاي التي قال عنها، إنّها امرأة فاضلة كافحت وناضلت حتى ربت وعلمت أبناءها السبعة، منهم هو بالطبع وآخر ضابط بالجيش، وثالث أصبح رئيساً على جماعة أنصار السنة بخشم القربة، وعلى نموذج عبد العزيز قس، فهنالك لا شك عشرات الأمثلة من بنات وأبناء ستات الشاي، وكل من امتهنت مهنة شريفة، صرن وصاروا بفضل مثابرة ومصابرة وكفاح أمهاتهم واخواتهم أعلاماً وأسماءً ورموزاً في المجتمع، ولولا جهدهن الخارق وتحديهن للفقر والصعاب والإملاق لكانوا الآن في عداد الشماشة والعنقالة والنشالين... [email protected]