انقسم الناس حيال نبأ وفاة الدكتور الترابي الى فئات عدة : الأولى لم تعر الامر أي اهتمام باعتبار انه لا يعنيها في شيء عملا بالمثل الشائع(شهر ما عندك فيهو نفقة ما تعد ايامو) هولاء تملكتهم السلبية و طغت على حياتهم و لهم العذر مع تطاول عهد الشمولية المتسم بالقهر الشديد و الذي يسوق الناس بسوط الرهبة و صوت الرغبة الى حظيرة الانا الضيقة فلا يحفل الواحد منهم بما تجاوز ذاته مهما عظم أمره. الثانية : هذه لا زالت تحتفظ ببقايا آداب الشعب السوداني التي جعلت له سمتا مميزا بين الشعوب و أوضح ما تتجلى هذه الخصال في صفة التسامح التي بقى منها نذر يسير يطوف حوله الحادبون يبكون محامد كانت ملء جنبي هذا الشعب الطيب الذي يكاد من شدة لينه تحسبه ليس من جنس البشر الذين تتخطفهم الدنيا و هم خروج من بطون امهاتهم على فطرة السجايا الحميدة فتحولهم بمغرياتها الى مسخ مشوه تظنه ليس من البشر إلا في شكله و مظهره ام المخبر فهو أقرب للشياطين و هولاء يقفون عند عظة الموت و هو يجرد الانسان من كل ما يملك من الدنيا و يلقى ربه كما جاء من رحم امه بلا شيء فها هو يعود بالا شيء الا العمل الصالح . الثالثة : وهي اقرب للثانية اذ يعصموها الموت بعبره من اظهار شيء عدا التدبر في هذه النهاية الحتمية لكل أبن انثى و لو أن الدكتور الترابي رزئ بغير الموت لربما وجد شيئا آخر لأن ما دون الموت لا يكفكف غرب النفس خاصة ان المّ بها ظلم و لحقها ضيم . الرابعة : و هولاء على غير ما صنفنا في الفئات التي ذكرناها آنفا قد مسّهم هذا النظام الذي أتى به الترابي بضرر مباشر و ملموس فلان كان الذين ذكرناهم في الفئات السابقة قد تضرروا في معاشهم أو تعليمهم أو صحتهم سواء كانت البدنية او النفسية من النظام الذي اتى به الترابي فأن اصحاب الفئة الرابعة هم ممن تمّ فصلهم من الخدمة و تشريدهم و أسرهم في سنوات الانقاذ الاولى لا لذنب سوى انهم ليسوا من تنظيم الجبهة القومية الاسلامية فتم طرد الدارس منهم و فصل العامل مما ألحق ضررا فادحا بهم و بأسرهم و لربما ترافق مع هذا التعذيب في المعتقلات و أجزم أن لا أحد يقدر على إجبارهم على العفو و السماح من البشر ما دام رب الجلال قد ربط العفو و الاصلاح بالمثوبة و لم يقرنه بالأمر المغلظ بل جعله اختياريا و حض عليه لعلمه سبحانه و تعالى بصعوبة العفو عن الظالمين لذا حرّم الظلم على نفسه و جعله بيننا محرمنا . الخامسة : و هولاء هم الذين لم يعرفوا الترابي ولا أعني بعدم المعرفة أنهم يجهلون علم الرجل و معرفته فهو في ذروة سنام هذه الفئة علما على رأسه علم و لكني أعني أنهم عرفوا الترابي المفكر من خلال كتبه المقروءة و محاضراته المسموعة و تأثيره الذي تجاوز حدود السودان الى غيره من أنحاء العالم فهم عرفوا الترابي صاحب الاسهام الواضح في السودان وفي العالم من خلال أفكاره الجريئة و طرحه غير المسبوق و لم يعرفوا الترابي الذي حكم من وراء ستار منقلبا على الحاكم الشرعي الذي اختاره مسلمو السودان و ليس اسلاميو الجبهة القومية الاسلامية و لذا تأثروا و سكبوا الدمع مدرارا على هذا الفقد الجلل . السادسة : و هولاء هم تلامذته و أتباعه الذين تساقطت عليهم الدنيا رطبا جنيا بعد انقلابهم على الحاكم الشرعي المنتخب فطاروا من ثرى الفقر و الادقاع الى ثريا الثروة و المال و من أشخاص لا يعرفهم معظم الناس الى ملء الشاشات و مؤتمرات الفنادق الفاخرة و هولاء حق لهم أن يبكوا من نقلهم من شظف العيش و هو هنا في ذاك الوقت قياسا لما آلا اليه حال الشعب بعد انقلابهم لم يكن شظفا بالمعنى المجرد ،عموما لم يتأثر بوفاة الدكتور الترابي الّا فئتين الذين لا يعرفون و الذين يغرفون . السابعة : و هم الذين سددوا سهام فتاويهم للدكتور الترابي و ذهبوا لحد تأثيم و تخطئة من ترحم عليه باعتبار أن موت الطاغية فائدة للناس وهم هنا يعنون مدلول الكلمة السلفي و ليس السياسي. هذا داخليا أم خارجيا فأنقسم الناس حوله لفئتين : الاولى ترى فيه خطرا داهم و محفزا اضافيا لإسلامي بلادهم لحذوي طريقه و الاستيلاء على السلطة عبر دعمهم معنويا بإمكانية تحقق وصولهم للسلطة و ماديا بتسخير الحكومة السودانية و ما تملكه لهذا الغرض . الثانية : رأت في الرجل اسلاميا براجماتيا يمكن الوصل معه الى قواسم مشتركة لمرونته التي يفتقدها بعض الاسلاميين . و لكن تبقت الحقيقة التي لا بدّ من الاقرار بها و هي ان الرجل على امتداد حياته كلها كان مثارا للجدل و كذا بعد موته. ختاما لا نملك الّا ان نقول اللهم أنه قد قدم اليك لا يملك من حطام الدنيا التي أوشك أن يملكها الّا الكفن .اللهم ان كان محسنا فزد في احسانه و ان كان مسيئا فتجاوز و اصفح عنه يا رب العالمين . حمزة عبد العظيم عوض الله [email protected]