هكذا قال المبدع الكوميديان الأشهر عادل إمام مستعجباً، عندما هاله منظر الكميات المهولة من اللحوم المخزنة داخل تلاجة بحجم غرفة في منزل الأثرياء الذين عمل خادماً لهم في مسرحية (الواد سيد الشغال)، ولم يكن (مراح العجول) المخزن داخل تلك التلاجة هو وحده الذي أدهشه، وإنما أيضاً لأن أهل الدار المتخمين بصدد إعداد مأدبة فاخرة وعامرة بصيد البحر والبر والمحمر والمشمر لثلة من أصدقائهم ومعارفهم الأثرياء، الذين يملكون مثل ما يملكون من الأموال والطيبات إن لم يكن أكثر، مع أنه شخصياً قبل أن يلتحق بخدمة هؤلاء (المرطبين) وغيره من المسحوقين والفقراء لم يكن لهم نصيب من اللحمة غير رؤيتها معلقة على شناكل الجزارات، وبرأي عادل إمام الذي تستبطنه عبارته أن الأحق بهذه الوليمة اللاحمة الفقراء الذين يعانون الإدقاع والمسغبة وليس الأغنياء الممتلئين ترفاً ونغنغة.. مناسبة هذه المقولة الكوميدية المعبرة أن اليوم الاثنين أو غداً الثلاثاء سيكون أول شهر رمضان المعظم، شهر الصيام والقيام الذي جعل الله تعالى استشعار جوع الجوعى وعذاب الفقراء ووخز البطون الخاوية، واحداً من أهم حكم مشروعيته حتى يذوق ألم الجوع وقرصاته المحرقة من لم يذقه من قبل، فيكون هذا الإحساس موجباً للرحمة والعطف والإنفاق والتوسعة على المساكين، ولكن للأسف رغم هذه القيمة العالية التي يستهدفها هذا الشهر الفضيل إلا أننا ظللنا نشهد في كل رمضان بعض مظاهر التباري البذخي في تنظيم ما يعرف بالإفطارات الرمضانية التي لا زالت تتمسك بها بعض المؤسسات والدواوين الخاصة والعامة، وتدعو لها للغرابة والعجب، وفي مفارقة واضحة لواحدة من أهم حكم الصوم، عليّة القوم وسراتهم ووجهائهم ونجومهم، مع أن الأحق بهذه التوسعة والرحمة هم الفقراء في حواشي المدينة وهوامشها، وليس الوجهاء في الأندية الفاخرة والفنادق ذوات الخمس نجوم، الأمر الذي يفرغ هذه الحكمة من مضمونها تماماً ويجعل من مثل هذه (العزومات) مجرد لقاءات علاقات عامة لتقوية الصلات بين (نجوم) المجتمع في شهر هو بكل المقاييس شهر الفقراء والمساكين، كما أراده الله وليس شهراً (للنجوم) كما أراده هؤلاء، هذا من جانب بعض الممارسات التي نرى أنها مفارقة لمعنى الصوم وقيمه، أما من جانب آخر تجدر الإشارة للجهود الخيرية العظيمة التي تنهض بها بعض المؤسسات المدنية والجمعيات الطوعية التي تحشد قواها وتعد عدتها وعتادها منذ وقت مبكر، بل وحتى بعض الأفراد من الأثرياء، لإسعاد الفقراء والمساكين والضعفاء وذوي الدخل المحدود والمتعففين وإدخال البهجة والفرحة على نفوسهم ونفوس أطفالهم، بما توفره لهم في حدود إمكانياتها وما تستطيع أن تجمعه من الخيرين أفراداً كانوا أو شركات من مواد وحاجيات رمضانية أو أموال توزعها بكل أمانة ونزاهة وتجرد لأكثر الأسر حاجةً في دائرة وجودها، فتوفر لهذه الأسر ما تصنع به طعام إفطارها خلال أيام رمضان... [email protected]