"مع تقدم العمر تزداد الحكمة وتنقص العبقرية" .. جاي جي هولاند ..! 1 "من العبقرية أن تقاوم ما تحب، وأن تحب ما تكره، والفرق بين الشخص العبقري والعادي، أنّ الأول يخترق حجاب المعقول، ويخرج عن إسار العادة، والعارفون بالله يقولون إنّ أهم شرط من شروط العالم هو خرق العوائد". الكلام للدكتور مصطفى محمود العالم والمفكر المصري الذي ملأ الدنيا وشغل الناس، قبل أن تنال السنون من عافيته فيلزم بيته ويعتزل النّاس وأجهزة الإعلام، قبل وفاة الدكتور مصطفى محمود بفترة قصيرة تذكَّره أحد البرامج التلفزيونية الذي ربما رأى مُعدِّوه في الاطمئنان على صحته سبقاً إعلامياً لا بأس به، فانتقلت كاميراته إلى بيت الفيلسوف الذي كان ملء الأسماع والأبصار، لكن السادة المشاهدين لم يشاهدوا ما يبعث على اطمئنانهم أبداً، بل شاهدوا رجلاً مُسناً يتحدث بفكر مشتت، ويبدو عليه عدم التركيز.. كانت تلك صورة آخر ظهور إعلامي له قبل وفاته، وليته رحل بصورته الإعلامية اللامعة ذاتها، لو تركه الإعلام المتحذلق يشيخ بهدوء بعيداً عن فضول الكاميرات ..! * آخر ظهور إعلامي للكثير من المثقفين والمفكرين والسياسيين يثير الكثير من اللغط وردود الأفعال التي يكونون – عادة - في غنى عنها، فلو تُركوا لحالهم، لبقيت صورهم المتوهجة خالدة في أذهان الناس. العباقرة ليسوا كاملين، هم بشر لا يموتون على ما ولدوا عليه من عبقرية، فمعظمهم قد نال منه الزمن أو المرض في يوم ما، أو خذلته بعض الظروف، لكن الحظ حالفه في إبقاء تلك الظروف بعيدة عن عيون العامة، حتى إذا ما بهت وهج العبقرية بقيت الصورة المتألقة حيّة، خالدة في أذهان الناس. مشكلة أجهزة الإعلام المحلية والإقليمية عندنا أنّها تتعامل مع هؤلاء وأولئك بمحبة مؤذية، كمحبة الدب الذي هشّم رأس صاحبه وهو يظن نفسه يريحه من إزعاج ذبابة حطت عليه ..! * الظهور الإعلامي المباشر وليس من وراء حجاب المنجزات السياسية أو الفنية أو الفكرية له شروط وضوابط، أولها وأولاها أن يضيف هذا الظهور إلى رصيد المبدع، لا أن يكون خصماً على صورته المحفورة في أذهان الناس، عدم إغفال مثل هذه التفاصيل لون فاقع من ألوان الفرق بيننا نحن الأفارقة والعرب والآخرين المنتمين إلى مجتمعات العالم الأول، فلمبدعيهم مستشارين مختصون بالظهور الإعلامي كقرار تسبقه دراسة للحال الصحيّة، والاستعداد النفسي، والكفاءة الذهنية، وشحذ الهمة وصقل الحضور للخروج من التجربة بنجاح يضيف إلى رصيد المبدع. بينما عندنا يظهر السياسي أو الكاتب أو الفنان ..إلخ .. وكأنّه يتكئ على إرث الماضي ويعوِّل على منجزات شبابه الآفل في فرض ذوق الزمن الجميل، وقناعات الزمن الجميل، وأفكار الزمن الجميل، وفتوحات الزمن الجميل، على مشاهد ومستمع وقارئ زماننا الرديء هذا – بحسبه - والويل كل الويل لمن يقول بِغِمْ ..! اخر لحظة