في أحد برامجه الهادئة حينما يكون المطروح أدبا وفنا والمثيرة للجدل حينما يكون خوضا في الأمر السياسي استوقفني تعليق غاضب لحسين خوجلى وهو يتسائل في جرأة كفيلة بجرجرة غيره الى متاهات التحقيق قائلا "ماذا ستفقد ولاية البحر الأحمر إذا تم تسريح مجلسها التشريعي ؟ للوهلة الأولى يبدو السؤال استفزازيا ولكن يبقى السؤال المضاد الأكثر منطقا هو لماذا التخصيص في قضية عامة تهم كل أهل السودان .. فعلامة الاستفهام الحائرة المنصوبة التي ظلت منصوبة فوق رؤوس العباد منذ إنشاء هذه المجالس والتي تحتاج لتفسير هى وماذا سيفقد السودان الوطن إذا تم تسريح كل هذه المجالس التي بررت الحكومة تأسيسها بداية بزيادة مواعين المشاركة الشعبية و أصبحت الآن عبئا على البلاد والعباد ؟ (2) ردا على السؤال الذي طرحه يتبرع مالك قناة امدرمان بوضع النقط فوق الحروف ويعمل مشرطه تحليلا لخصوصيات ولاية البحر الأحمر الأكثر وضوحا من شمس بورتسودان في عز الصيف .. عطشانين وفقرانين وضاربهم التي بي ..فلماذا لا يتم توجيه المخصصات المرصودة لأعضاء المجلس الى مكانها الصحيح لمجابهة هذه الكوارث ويعود الأعضاء المشكوك في جدوى وجودهم الى وظائفهم ومهنهم الأصلية ؟ (3) إجابة لهذا التساؤل نقول لا أحد يدعى براءة ولاية البحر الأحمر من مظاهر التخلف التي ذكرها والتي ستظل وصمة عار في جبين كل الحكومات المتعاقبة على دست الحكم الى يوم الدين ولكن حسين خوجلي يقفز عاليا فوق الواقع الذي نعيشه ليجرنا الى مقارنة بيزنطية بين أعضاء الجمعية التأسيسية في الديمقراطية الثانية من المحجوب وزروق والمرضي وأعضاء المجالس التشريعية الحالية ..مقارنة يمدح فيها الماضي ويتغزل في أيامه وينعى فيها الحاضر ويقيم عليه مأتما وعويلا ..هكذا يقول الرجل الذي يعرف القاصي والداني كيف كان يحشد ويجيش كل إمكانيات صحيفته ( ألوان ) هجوما ونقدا في حكومة الصادق المهدي التي قال فيها ما لم يقله مالك في الخمر ..يا سبحان الله خربتوها وشلعتوها والآن تشقون الجيوب وتلطمون الجيوب وتبكون بدموع التماسيح وانتم جلوس على ركام أنقاضها ؟ (4) نعم ..الجمعية التأسيسية كان فيها المحجوب وزروق وإبراهيم المرضى واحمد زين العابدين المحامي وعبد الخالق محجوب الشيوعي وعبد الله الفاضل (حزب أمة) ..كل هذا صحيح ولكن معايير التقييم لم تكن قاصرة على الكفاءة والأهلية وحدها بل إمتدت لأمانة اليد وطهارة المسلك فلا نعرف أحدا كائنا من كان شكك في ذممهم فمنهم من لم تسعفه إمكانياته المالية للقيام حتى بواجبات العزاء فلجأ الى الاستدانة ومعظمهم غادر الفانية مديونا عاجزا عن تشييد منزل يأوي أبنائه ..نعم هكذا كانوا وهكذا رحلوا فما وجه المقارنة بينهم وبين سياسيو آخر الزمان الذين بدأوا المشوار في زمن وجيز حفاة عراة .. والآن يتطاولون في البنيان ؟ . (5) كانت ولايات الشرق الثلاثة تدار من قبل محافظ في كسلا يستعين في تسيير دولاب العمل في المدن الكبرى بمديرين تنفيذيين كانوا يؤدون مهامهم وتحت رقابة المحافظ بأمانة وكفاءة نادرة وكانت الموارد مسخرة ومستثمرة في تعليم وصحة ورفاهية المواطن فماذا جنينا حتى يجتاحنا هذا الجراد يلتهم الموارد ويستنزف القدرات ؟.. (6) جهاز تنفيذي مترهل من وزراء مركزيين ومثلهم إقليمين شكلوا جيشا جرارا ترك الوطن المنهك من حيث لم يحتسب مقيما إقامة دائمة ودون منازع في كتاب جينس للأرقام القياسية .لقد بحت الأصوات وحفيت الأقدام وراء تقليص هذه الأعداد لكونها لا تعكس مشاركة ديموقراطية بقدر ماهي محاصصات وترضيات سياسية .. أفلحت الحكومة بإمتياز وبإستغلال السلطة والثروة في تمزيق وتهشيم وتفتيت الأحزاب القديمة الطائفية منها والعقائدية ولكن دون الحديث عن جدوى هذه السياسة وتأثيراتها السلبية على مستقبل البناء السياسي في السودان فالسؤال لماذا وكيف تقدم الحكومة على نيل رضى ما هرسته وطحنته وخلقت منه جماعات متناحرة ؟ (7) يتسائل حسين خوجلى مستنكرا عن أسباب هرولة الجميع وراء السياسة كمهنة ارتزاق بدلا من البحث عن مهن أخرى والسؤال لا يعتبر قدحا وذما في المواطن المغلوب على أمره بقدر ما هو دليل إدانة للسياسات المتبعة فهل يدلنا السائل عن مهن يتم الإعلان عنها في شريط الأخبار بخلاف التابعة لجهاز الأمن والمخابرات ؟ هذا هو سبب زهد الآلاف التي استنجدت بالمنفى رغم إن الاغتراب لم يعد جبلا يعصم من طوفان البطالة والعطالة .. (8) نحن لا نعول كثيرا على الكلام الذي يطلقه حسين خوجلى في الهواء الطلق ثم يمضى الى سبيله ..ولكن أملنا أن تفضي مفاوضات أديس أبابا وقبلها الحوار الوطني الى وفاق يكتب نهاية للحرب اللعينة وإعادة صياغة البناء السياسي لكى يكون وطنا للجميع يؤسس على قيم العدل والمساواة وبناء أجهزة فعالة تأتي بالانتخاب الحر تسير دولاب العمل وتكون عيونا ساهرة لحماية المال العام ..أنا أضم صوتي لصوت المهندس الطيب مصطفي الذي يناشد الإنقاذ بالتقدم خطوتين إذا تقدمت المعارضة نحوها بخطوة لكونها تملك السلطة والثروة لأننا والله يشهد هرمنا وسئمنا وقرفنا فمتى يتقي الله فينا صقور الإنقاذ وتجار السياسة وثوار الحركات المسلحة ؟ [email protected]