القوة المشتركة تكشف عن مشاركة مرتزقة من عدة دول في هجوم الفاشر    كامل إدريس يلتقي الناظر ترك ويدعو القيادات الأهلية بشرق السودان للمساهمة في الاستشفاء الوطني    شاهد بالصورة والفيديو.. بأزياء مثيرة.. حسناء أثيوبية تشعل حفل غنائي بأحد النوادي الليلية بفواصل من الرقص و"الزغاريد" السودانية    شاهد بالفيديو.. بلة جابر: (ضحيتي بنفسي في ود مدني وتعرضت للإنذار من أجل المحترف الضجة وارغو والرئيس جمال الوالي)    اللجنة العليا لطوارئ الخريف بكسلا تؤكد أهمية الاستعداد لمواجهة الطوارئ    حملة في السودان على تجار العملة    اتحاد جدة يحسم قضية التعاقد مع فينيسيوس    إيه الدنيا غير لمّة ناس في خير .. أو ساعة حُزُن ..!    خطة مفاجئة.. إسبانيا تستعد لترحيل المقاول الهارب محمد علي إلى مصر    من اختار صقور الجديان في الشان... رؤية فنية أم موازنات إدارية؟    المنتخب المدرسي السوداني يخسر من نظيره العاجي وينافس علي المركز الثالث    الاتحاد السوداني يصدر خريطة الموسم الرياضي 2025م – 2026م    إعلان خارطة الموسم الرياضي في السودان    غنوا للصحافة… وانصتوا لندائها    ترتيبات في السودان بشأن خطوة تّجاه جوبا    توضيح من نادي المريخ    حرام شرعًا.. حملة ضد جبّادات الكهرباء في كسلا    تحديث جديد من أبل لهواتف iPhone يتضمن 29 إصلاحاً أمنياً    شاهد بالفيديو.. بأزياء مثيرة وعلى أنغام "ولا يا ولا".. الفنانة عشة الجبل تظهر حافية القدمين في "كليب" جديد من شاطئ البحر وساخرون: (جواهر برو ماكس)    امرأة على رأس قيادة بنك الخرطوم..!!    ميسي يستعد لحسم مستقبله مع إنتر ميامي    تقرير يكشف كواليس انهيار الرباعية وفشل اجتماع "إنقاذ" السودان؟    محمد عبدالقادر يكتب: بالتفصيل.. أسرار طريقة اختيار وزراء "حكومة الأمل"..    وحدة الانقاذ البري بالدفاع المدني تنجح في إنتشال طفل حديث الولادة من داخل مرحاض في بالإسكان الثورة 75 بولاية الخرطوم    "تشات جي بي تي" يتلاعب بالبشر .. اجتاز اختبار "أنا لست روبوتا" بنجاح !    "الحبيبة الافتراضية".. دراسة تكشف مخاطر اعتماد المراهقين على الذكاء الاصطناعي    الخرطوم تحت رحمة السلاح.. فوضى أمنية تهدد حياة المدنيين    المصرف المركزي في الإمارات يلغي ترخيص "النهدي للصرافة"    أول أزمة بين ريال مدريد ورابطة الدوري الإسباني    أنقذ المئات.. تفاصيل "الوفاة البطولية" لضحية حفل محمد رمضان    بزشكيان يحذِّر من أزمة مياه وشيكة في إيران    لجنة أمن ولاية الخرطوم تقرر حصر وتصنيف المضبوطات تمهيداً لإعادتها لأصحابها    انتظام النوم أهم من عدد ساعاته.. دراسة تكشف المخاطر    مصانع أدوية تبدأ العمل في الخرطوم    خبر صادم في أمدرمان    اقتسام السلطة واحتساب الشعب    شاهد بالصورة والفيديو.. ماذا قالت السلطانة هدى عربي عن "الدولة"؟    شاهد بالصورة والفيديو.. الفنان والممثل أحمد الجقر "يعوس" القراصة ويجهز "الملوحة" ببورتسودان وساخرون: (موهبة جديدة تضاف لقائمة مواهبك الغير موجودة)    شاهد بالفيديو.. منها صور زواجه وأخرى مع رئيس أركان الجيش.. العثور على إلبوم صور تذكارية لقائد الدعم السريع "حميدتي" داخل منزله بالخرطوم    إلى بُرمة المهدية ودقلو التيجانية وابراهيم الختمية    رحيل "رجل الظلّ" في الدراما المصرية... لطفي لبيب يودّع مسرح الحياة    زيادة راس المال الاسمي لبنك امدرمان الوطني الي 50 مليار جنيه سوداني    وفاة 18 مهاجرًا وفقدان 50 بعد غرق قارب شرق ليبيا    احتجاجات لمرضى الكٌلى ببورتسودان    السيسي لترامب: ضع كل جهدك لإنهاء حرب غزة    تقرير يسلّط الضوء على تفاصيل جديدة بشأن حظر واتساب في السودان    استعانت بصورة حسناء مغربية وأدعت أنها قبطية أمدرمانية.. "منيرة مجدي" قصة فتاة سودانية خدعت نشطاء بارزين وعدد كبير من الشباب ووجدت دعم غير مسبوق ونالت شهرة واسعة    مقتل شاب ب 4 رصاصات على يد فرد من الجيش بالدويم    دقة ضوابط استخراج أو تجديد رخصة القيادة مفخرة لكل سوداني    أفريقيا ومحلها في خارطة الأمن السيبراني العالمي    الشمالية ونهر النيل أوضاع إنسانية مقلقة.. جرائم وقطوعات كهرباء وطرد نازحين    شرطة البحر الأحمر توضح ملابسات حادثة إطلاق نار أمام مستشفى عثمان دقنة ببورتسودان    السودان.. مجمّع الفقه الإسلامي ينعي"العلامة"    ترامب: "كوكاكولا" وافقت .. منذ اليوم سيصنعون مشروبهم حسب "وصفتي" !    بتوجيه من وزير الدفاع.. فريق طبي سعودي يجري عملية دقيقة لطفلة سودانية    نمط حياة يقلل من خطر الوفاة المبكرة بنسبة 40%    عَودة شريف    لماذا نستغفر 3 مرات بعد التسليم من الصلاة .. احرص عليه باستمرار    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عشرون عاما داخل ملعب كرة القدم
نشر في الراكوبة يوم 18 - 08 - 2016

عشرون عاما (1953 – 1973) داخل مستطيل ملعب كرة القدم على خط"الدياقونال" وخطوط التماس (1)
مقدمة: هى ذكريات ماض لا اقول انه راح وانطوى رغم تقادم سنواته أذ لا يزال قدر منها ما ينفك يطل كل حين كلما وقعت عيناى على المستطيل الاخضر وفى داخله تنتقل المستديرة بين ارجل اللاعبين وتنطلق صافرة الحكام داوية وترتفع رايات رجال الخطوط او مساعدى الحكام او" ألآزماينات" كما كان يُطلِق صغار مشجعى كرة القدم السودانيين فى سوالف القرون وسوابق الازمان ذلك الاسم على رجال الخطوط.. وكلمة "ازماين" لفظ دخيل على اللغة العربية جاءها محرّفا من الكلمة الانجليزية (لاينزمان – رجل خط) فتداخلت حروفها وتُبودِلت فيها المواقع.لرجل الخط مهام متعددة ومحددة وهو يساعد حكم المبارة فى ادارتها من على خط التماس ويشاركه بطبيعة الحال تحمل وامتصاص جام لعنات الجماهيرالغاضبة المتشنّجة فى كل لحظة من دقائق عمر المباراة التسعين (كانت ستين دقيقة بادىء الامر) ان لم تزد للعديد من الاسباب سواء كانت بسبب التعادل ان كانت مباراة تنافسية لابد من حسم امرها لم يكن هناك "آزماين"ثالث اُسنِدَت له مهام كان بتولاها ثالوث الحكام (حكم الوسط ومساعديْه الاثنان. اما خط"الدياقونال" فهو خط وهمي داخل الميدان يمتد من ركنى الملعب الى الركنين المناظرين لهما ويماثل خط الوترهندسيا فى المثلث قائم الزاويه .فقد كنت قد سطّرت عام 2003عندما انقضت خمسون عاما على بداية ممارستى رسميا تحكيم مباريات كرة القدم لآول مرّة كواحد من حكام اتحاد كرة القدم السودانى فى اكتوبر1953كاصغرمن التحق بمنظومة حكام كرة القدم باتحاد الكرة سنّا على الاطلاق ولم يكن قد مضى على اكمالى الدراسة الثانوية فى حنتوب سوى عشرة اشهر.. كانت البداية كرجل خط-"آزماين" فى مباراة دورية جرت فى اكتوبر1953بين فريقين من اكثرفرق الدرجة الثانية فى مدينة امدرمان تنافسا كما الهلال والمريخ– هما فريقا الاخلاص وودنوباوى- مباراة من مباربات دورى الدرجة الثانيه فاض الحديث عنها وكثر قبل موعدها بزمان طويل اذ كانت حماسة لاعبي ومشجعى الفريقين دافقة وما بدا يفيض من عبارات التهديد والوعيد بقدروفيروعظيم ما ينذر بخطر داهم الامر الذى جعل رئيس لجنة الحكام انذاك المرحوم محمد ابراهيم ابوالعلاء يتحسب لعواقبها فآثران يتولى ادارتها بنفسه وان يكون مساعداه على خطى التماس اثنين ممن لم يشاهدهما جمهورالرياضة او مشجعى الفريقين من قبل على اى ملعب من ملاعب الرياضة حكاما اورجال خطوط – خبرته الطويلة فى تعامله مع ظروف التحكيم ورفاقه الحكام ربما اوحت له ان يختارمساعديْه فى ادارة تلك المباراة من بين احدث الحكام الملتحقين بجهازالتحكيم بعد اجتيازهما امتحان قانون التحكيم بنجاح كبيرشاءت لى الاقدار ان اكون احدهما. وكانت تلك هى ضربة البداية لنشاط رياضى مارسته فى مجال التحكيم الكروى امتد وتواصل لعشرين عاما ما توقف الآ فى فترة ابتعاثى الى الولايات المتحدة الامريكيه عامى(1963 و1964)حيث لم تكن لعبة كرة القدم"سوكر"(كما يطلق عليها الامريكيون) تجد من اهتمام ألأمريكيين أو ممارستها الآ اقلّه فقد كانت لعبتهم المفضّلة هى كرة القدم الامريكية ذات الكرة البيضاوية الشكل المحمولة بين اليدىن وانطلاق حاملها للوصول بها الى احد طرفى الميدان دون ان تمسها قدم . مثلما كانت رفيقتها لعبة البيس بول فى اعلى رواجهما تجدان من اهتمام ورعاية الرياضيين فى الولايات المتحدة الكثير. كان توقفى عن مواصلة المشوارالتحكيمى فى شهراكتوبر(ايضا) من عام 1973 حينما تمت ترقيتى وظيفيا فى منصب المدير (الناظر) لمدرسة ودمدنى الثانوية للبنات.ربما كنت اواصل المسارلوكان انتقالى الى مدرسة البنين! الخير فيما اختاره الله. ولنعود الى ماضى الزمان ونستعرض منه ما كان.
رغم انه لم يكن لى نصيب فى ممارسة كرة القدم لاعبا اثناء فترات تعليمى الاثنتى عشرألآانى كنت منذ صغرى من العاشقين لمشاهدتها ما وجدت الى ذلك سبيلا. وكنت اتشوق دائما لمصاحبة الوالد احيانا اوالعم بابكر السلاوى الذى كان ايام شبابه حارسا لمرمى فريق الاتحاد فى بدايات تكوينه عقب الانشقاق الذى حدث بين اعضاء نادى النيل فى ودمدنى بقيادة المرحومين محمد كرار النور والمنيسى اخوان وغيرهم من شباب تلك الايام.كان اعجابى شديدا بحكام المباريات فى زيهم الابيض الجميل وهم يذرعون الميدان الاخضرفى دارالرياضة القديمة التى اضحت فى عام 1950 سوقا للخضروات بعد ترحيلها الى موقعها الحالى بين "السوق الجديد" شرقيها ومستودعات البترول غربيها وخط السكة الحديد جنوبيها.. وكان اعجابى يزداد ويفيض كل حين بمن مد الله فى ايامهم والتقيتهم فى لاحق الازمان فى مدينة ودمدنى يتصدرون قيادة المسيرة الرياضية فى تجرد ونكران ذات.كان منهم العم المرحوم يوسف امين (ابو السيد سخن) الذى كان يجمع فى فترة من ذلك الزمان بين سكرتارية اتحاد كرة القدم فى ودمدنى وبين ممارسة التحكيم فى آن واحدا.. والعم على ابراهيم عمر(زميل الوالد فى المدرسة الاميرية الوسطى) وكامل خفاجه الموظف بحسابات رئاسة المديريه الى جانب العم محمد على حسون - رحمة الله عليهم جميعا فى الفردوس الاعلى. توقفت علاقتى بدارالرياضة جملة وتفصيلا خلال فترة دراستى المرحلة المتوسطه بمدرسة مدنى الاهلية وانتقال الوالد الى العاصمة وغياب العم بابكرفى بلاد الدنيا الواسعة فضلا عن ضرورة الالتزام التام بقرارادارة المدرسة بحظر ارتياد دارالرياضة والسينما على تلاميذها الآ فى رفقة الكبارمن الاهل والآ فالويل والثبور وعظائم الامورلمن تقع عليه او ترمقه عين واحد من المعلمين متجولا على مقربة من دار الرياضه او السينما اوسمع وهو يجادل او يحدث اخبارا عن المباريات اوما تناولته وتناقلته الالسن عن الافلام اوالاغانى المصرية على وجه الخصوص او ما كان يفرزه التعصب لأى من الفرق الرياضية من مصادمات جسدية .فاكتفيت من كرة القدم اثناء تلك السنوات الاربع بمشاهدة وتشجيع ومساندة رفاقنا من لاعبى منزل كردفان- احد منازل المدرسة الخمسة الرياضية.وتواصل اعجابى بمعلمينا الاخيارممن كانوا يتولون ادارة المباريات بين تلك المنازل – سليمان احمد سليمان الذى كان ينتمى الى منظومة حكام اتحادالكرة المحلى فى ودمدنى الى جانب محى الدين الحضرى ومحجوب على عمر(رحمة الله عليهم اجمعين).
عندما انتقلت للدراسة فى حنتوب عادنى الشوق والحنين لأرتياد دارالرياضة من جديد عصارى ايام الجمع كل اسبوعين خاصة عندما يشتد التنافس بين فرق اندية ود مد نى الرياضية الاربعة (الاتحاد والاهلى والنيل والرابطه) مثلما كنت احرص على مشاهدة المباراة الاسبوعية بين الفريق الحنتوبى "الفيرست اليفن"والفرق الزائرة والتى كان يتولى ادارتها بصفة دائمة المرحوم عيسى البدوى(والد رفيقنا الحكم الدولى فى لواحق الزمان بابكر"شنكل".الجديربالذكران العم عيسى اورث عشق التحكيم وممارسته لأربعة من ابنائه واحفاده) وكان الاخ بابكر"شنكل" (عليه فيض من رحمة الله) هو"الآزماين" المساعد الدائم لوالده يشاركهما الاخ المرحوم امين محمد على"آزماين" ثانى فى ادارة تلك المباريات الاسبوعية. المرحوم امين محمد على كان مفتونا بالتحكيم بصورة ملفتة للنظر ويتباهى بحفظه مواد قانون اللعبة عن ظهرقلب وسبقنا فى الالتحاق بمجموعة حكام الاتحاد الكروى المحلى فى ودمدنى حال اكماله دراسته الثانويه فى حنتوب فى عام 1953. المرحوم بابكركان يكتفى بمشاركة والده كل اسبوع رغم انه كان الاكثرعلما وفهما وتمكنا من ناصية مواد قانون اللعبة ما جعل لواء الافتاء ينعقد له - دون سواه من طلاب الصرح الكبير- فى كل ما يتعلق بتحكيم مباريات الداخليات طوال سنوات دراسته فى حنتوب ويعتبر صاحب المرجعية القانونية لحسم كل خلاف ينشب بين المتجادلين بشأن مباريات اندية ود مدنى الكبرى وهو الشارح المبين لمصطلحات التحكيم التى كان يتداولها كثير من المشاهدين دون وعى باصولها ومدلولاتها مثل مصطلح "سارق"ومتى يكون اللاعب"سارق" اى متسلل..وايه كانت هى"البلنت" (ضربة الجزاء)ومتى تحتسب..وما معنى ال" فرى كيك.. ضربة حرّه" التى كان يتداولها العامة من المشاهدين عن جهل ويطلقون عليها "فريكريك"! ورغم ذلك لم يلتحق الاخ بابكر بمجموعة حكام الكرة لا فى مدينة ودمدنى او الخرطوم الآ فى عام1954 مع رفاقه طلاب كلية الخرطوم الجامعية الذين لبّوا نداء الاتحاد الرياضى الخرطومى للانضمام الى مصفوفة التحكيم عند حضورالمسترفيكتور ريى.. الحكم الدولى البريطانى الذى استقدمه اتحاد الكرة لتدريب واعادة تاهيل قدامى الحكام واعداد مجموعة جديدة من الحكام.
وللحقيقة والتاريخ اقول ان للاخ المرحوم بابكر"شنكل" الحكم الدولى(رحمة الله عليه وعلى والده فى الفردوس الاعلى) دوركبيرفى تزايد رغبتى فى ممارسة التحكيم اثناء دراستى فى حنتوب. كنت اسعد بالاستماع اليه كثيرا وهو يشرح مواد قانون اللعبه مستخدما نسخة لقانون تحكيم كرة القدم كان شديد الحرص عليها..ضنينا بها الى حد كبير.لاتغادريده ولايسمح لكائن من كان تناولها من بين يديه. كان له الفضل فى ازالة اقدار كبيرة من اميتنا بمواد القانون. فاصبحت من حاملى الراية المساعدين للمعلمين الذين كان يسند اليهم تحكيم مباريات دورى الداخليات عصارى ايام السبت من كل اسبوع.. ولعل تلك المشاركة التحكيميه على ضآلة وضعف مسؤوليتها التى لم تكن تتعدى فقط الاشارة عن تخطى الكرة حدود الملعب على خطوط التماس دون التدخل فى اتخاذ اى قرار ذى صلة بحالات التسلل اواللعب الخشن وغيرها مما كان يتولى حكام المباريات من المعلمين تقديره واتخاذ القرارات بشانه بانفسهم. وبتواصل مشاهدتى مباريات كرة القدم فى دارالرياضة فى ود مدنى اتيحت لى مزيدا من فرص الاستمتاع بمشاهدة الحكام وهم يذرعون ارض الميدان طولاوعرضا مع تنامى اعجابى بزيهم الابيض وتزايد الرغبة فى دواخلى متطلعا الى يوم اجد فيه نفسى داخل ذلك الميدان حكما اوحامل راية على خط التماس. ومما زاد من رغبتى فى ممارسة التحكيم ما كان يعرضه الاستاذ هاشم ضيف الله(بعد عودته من ابتعاثه فى بريطانيا ) مساء كل اربعاء من افلام رياضية من كل نوع وجنس من بينها ما كان يتعلّق بمواد قانون اللعبة وكان فى كثير من الاحيان يتولى شرحها والتعليق على اداء حكام تلك المباريات التى تعرضها تلك الافلام.
حالما اكملت دراستى فى الصرح الشامخ فى ديسمبر 1952 انتقلت الى مدينة امدرمان حيث تواصل ارتيادى دارالرياضة من حين لآخرممتعا النظر بمشاهدة حكام كرة القدم العاصميين الذين كان من بينهم محمد ابراهيم ابو العلاء وابّارو اخوان(محمود والفاتح) واحمد قنديل ويوسف محمد وعبيدابراهيم والخليفه موسى وعبدالرحمن الصديق وعبدالحميد عطشان وشاكر النحاس وغيرهم ممن سيرد ذكرهم لاحقا. سمعنا عن الجيل الاسبق من الحكام مثل "مستر قرت وخضر زائد وامين احمد حسين. وحينما التحقت للمرّة الثانية فى عام 1953بقسم شؤون الموظفين فى مصلحة الماليه بدأت دائرة معرفتى تتسع بلقاء نفرمن كرام الرياضيين الذين كانوا يعملون فى مختلف اقسامها اذكر من بينهم وليم عيسى عبد المسيح – سكرتير لجنة الحكام المركزيه والذى كان لفترة من الزمان حارسا لمرمى فريق الهلال قبل انضمامه الى مصفوفة الحكام. وكان هناك من الاداريين فى مجال الاندية الخرطوميه صالح جرجس سكرتير النادى الاهلى مثلما شغل العم حمدناالله احمد رئيس نادى الهلال حينا من الزمان- باشكاتب احد اقسام شؤون الموطفين مثلما كان العم النور مطر – امين خزينةاتحاد الكره باشكاتب قسم المعاشات.. وفى قسم الحسابات فى الجناح الغربى من مبنى مصلحة الماليه كان نجيب يسّى- سكرتير نادى المريخ, من اللاعبين كان ابراهيم مبشر- لاعب فريق الاهلى وكان هومن اوائل من تم ابتعاثهم الى بريطانيا مع مصطفى كرار ومحمد عبد المجيد ترنه لحضو فترة تدريبيه فى مجال التدريب الكروى فكانوا نواة منظومة مدربى كرة القدم فى ااسودان
وتشاء لى الاقداران ادلف الى مكاتب اتحاد كرة القدم فى صباح يوم جمعة اغرمستطلعا امكانية التحاقى ب"كورس" التحكيم الذى اعلن اتحاد الكرة فى اواخر شهر فبراير1953عن قيامه فى ايام قادمات..وبينما كنت احادث باشكاتب الاتحاد الكروى عن الامراذا بى اجد نفسى وجها لوجه مع استاذى هاشم ضيف الله وهو من اعتاد على زيارة مكاتب الاتحاد الكروى طوال فترات عودته من حنتوب الى مسقط راسه فى امدرمان.جاء الى مكاتب اتحاد كرة القدم فى ذلك الصباح الاغر فى معية شقيقه الاصغر"البكباشى" حمدالنيل ضيف الله- سكرتير نادى المورده الامدرمانى .. وبحكم صلاته الرياضية الممتده وباعه الطويل فى مجال كرة القدم لاعبا متفردا واداريا ذربا كان القائمون على امر الاتحاد الرياضى يستعينون بخبرات استاذنا هاشم ويطلبون منه فى كثير من الاحيان المشاركة فى اعمال لجان الاتحاد الرياضي متعددة الاغراض . ابتسم حينما افصحت له عن سبب وجودى فى مكاتب الاتحاد فى ذلك الصباح برغبتى فى الالتحاق ب"كورس التحكيم" المعلن عنه ومن ثم الانضمام الى منظومة حكام كرة القدم. حبّذ الفكره ولكنه ابدى بعض تحفظ على التحاقى بالتحكيم فى تلك السن المبكرة فجاء تعليقه (Don't you think it is a little bit too early for you to become a Sudan Football Association certified and accredited referee?
..قمت بتعبئة استمارة التقدم لحضور الكورس التحكيمى واودعتها عند السيد محمد مبروك باشكاتب الاتحاد(عليه فيض من رحمة الله) وفضلت انتظر واترقب الرد بالموافقة على الاقل لحضور الفترة الدراسية لقانون اللعبه الى ان جاءنى الرد بالمثول امام لجنة المعاينه التى تم تكوينها من محمد ابراهيم ابو العلاء ووليم عيسى- سكرتير لجنة الحكام والمرحوم حسن الشيخ-عضو لجنة التحكيم المركزيه.تجاوزت اللجنه عن شرط السن ومن ثم انخرطت فى حضورالمحاضرات بقيادة رئيس لجنة الحكام محمد ابراهيم ابو العلاء وتقديمها فى دارالرياضة بامدرمان مساء ايام محددة فى الاسبوع اعتبارا من بداية شهرابريل 1953. بطبيعة الحال كنت احرص على حضور المباريات التى كانت تسبق المحاضرات حيث كان ابو العلاء فى كثيرمن الاحيان اثناء شرحه مواد القانون يشيرالى بعض احداث تلك المباريات ويربط بينها وبين اداء حكامها ومساعديهم من رجال الخطوط وبين مواد القانون.فكانت فترة دراسية مستوفاة نظريا وعمليا اذ كان ابو العلاء يطلب من حكام تلك المباريات ورجال الخطوط البقاء مع الدارسين للرد عن تساؤلاتهم فيما يتعلق باحداثها مما يثرى النقاش وتزداد معرفة الجميع بتطبيق القانون.وكان شيخ الحكام ابو العلاء يسمح للراغبين من الحكام العاملين بالبقاء بين الدارسين اثناء تقديم محاضراته تلك وبمشاركتهم فى النقاش وتبادل الآراء اثراء وتبادلا للخبرات.. ومن عجب فقد كانت ذاكرة المرحوم ابوالعلاء تختزن الوفير من احداث المباريات قديمها وحديثها فيضرب بها الامثال اثناء تقديم محاضراته وكثيرا ما كان يقوم بتمثيل اخطاء اللاعبين فهومن خبراء كرة القدم ومن قدامى لاعبيها ومن امهرحكامها.وسار بنا الحال مع مواد القانون الى ان جلسنا للامتحان التحريرى فى منتصف شهرسبتمبرمن عام 1953وكان النجاح المؤزّر حليفى على رأس قائمة الناجحين والحمدلله.. مما اتاح لنا فرصة دخول دارالرياضة لمشاهدة المباريات مجانيا
وظللنا بعد اجتيازنا الامتحان التحريرى نتحرق شوقا للمشاركة فى ادارة مباريات الدرجات التالته والرابعه التى كانت تقام على ما كان يعرف بأسم ميادين "الليق"وهى الميادين المكشوفه دون اسوار تحيط بها فى منطقة استاذ الهلال اليوم. كان تحكيم المباريات على تلك الميادين يشكل خطورة عظيمة على الحكام ورجال الخطوط على وجه الخصوص وذلك لتعرض الحكام الى كثيرمن الترهيب والاساءات لوجود جماهيرمشجعى الفرق المتنافسة على مقربة من حدود الميادين وعدم وجود شباك خلف المرمى مما يحدث على الدوام التشكك ان كانت الكرات ولجت بين القائمتين وتحت العارضه الامر الذى يعرّض الحكام الى غضب الجماهيرالتى كثيرا ما كانت تندفع الى داخل الملاعب غاضبين محتجين . اما ميادين جامع الخليفه التى لم تكن ايضا لها نصيب من شباك تحيط بقوائم المرمى وعارضته فقد كانت مخصصة لاقامة مباريات فرق اندية الدرجة الثانيه الى جانب تمارين لاعبى فرق الدرجة الاولى فى مدينة امدرمان. اما مباريات الفرق دون الدرجة الاولى الخرطومية فقد كانت تقام على ميدان مكشوف ايضا يقع شرقى موقع أستاد الخرطوم الحالى قبل انشائه فى عام 1956.وفى الخرطوم بحرى كانت مباريات فرق درجات الثانية والثالثة تقام فى ميدان"عقرب" واحيانا فى داخل دارالرياضة (موقع فندق قصر الصداقة الحالى) كما كانت هى الموقع المخصص لآقامة بعض مباريات فرق الدرجة الاولى العاصميه..كان حرصنا واهتمامنا بحضور تلك المباريات المقامه فى دار الرياضة الامدرمانيه يزداد كل حين واستماعنا الى مناقشات الحكام زملاءهم بعد كل مباراة امرا لازما. ربما كنت انا اوفر حظا من رفاقى الدارسين قبل وبعد اجتيازنا الامتحان التحريرى اذ كان التحاقى بالعمل معلما بمدرسة حى العرب الوسطى اعتبارا من شهر يوليو 1953 قد اتاح لى فرصة ممارسة تحكيم مباريات كرة القدم المدرسية التى كانت تقام على احد ميادين"الليق"غربى مبنى المدرسة. ما ان اجتزنا الامتحان التحريرى بدأ البعض منّا يشارك فى ادارة مباريات الدرجات الثالثة والرابعه (رجال خطوط) فقط. طال انتظارالبعض فترة من الوقت. فوجئت ذات يوم اثناء فترة ما بين شوطي احدى المباريات فى دارالرياضة الامدرمانيه ان استدعانى المرحوم ابوالعلاء وابلغنى انه قررالاستعانة بى مع زميل آخر من المستجدين كرجلى خط فى ادارة مباراة ذات اهمية من مباريات الدرجة الثانيه بين فريقى الاخلاص وودنوباوى كان قد اتخذ قراره بادارتها بنفسه لحساسيتها المفرطه والتى كانت ستقام بعد ايام قلائل فى احد ميادين جامع الخليفه طالبا منى ألآبقاء على ذلك الاختيارفى طى الكتمان... بطبيعة الحال التزمت الصمت تماما الى ان كان يوم المباراة وكان لا بد ان يظهر الامرعلى حقيقته .كانت مشاركتى رئيس الحكام فى ادارة تلك المباراة بين فريقى ود نوباوى والاخلاص هى ضربة البداية الرسمية
ولعلى قبل ان اختتم هذا الجزء من ذكرياتى عن ممارسة التحكيم الكروى لا بد ان اذكرتلك الفئة من الرياضيين التى كان لها تاثيركبيرعلى مجريات الاحداث الرياضية فى تلك الايام هم منظومة النقاد اوالكتّاب الرياضيين الذين كان فى مقدمتهم كوركين اسكندريان ألارمنى الاصل الذى كان يعمل كبيرالطابعين فى مطابع جريدة الرأى العام فى عهدها الزاهى الجميل والمشرف على تحريرصفحة الرياضة فيها..كان طلق اللسان والقلم باللغة العربية يجيد وصف المباريات ويبدى الرأى عن اداء حكامها مثلما كان صديقا صدوقا لكل من عرفه وتعامل معه..وكان المرحوم عمرحسن الامدرمانى النشأة يتولى الاشراف على صفحة الرياضة فى جريد النيل اما الصفحة الرياضيه فى جريدة الايام فقد كان يتولى تحريرها المرحوم عمرعبدالتام منذ انشائها الى ان توفاه الله مثلما كان حسن مختار صاحب فكرة قيام الدورة المدرسية السنويه يشرف على الصفحة الرياضية فى جريدة الصحافه وبداعدد الكتّاب والنقّاد الرياضيين يتزايد فظهرعلى الساحة طه المجمرفى صحيفة السودان الجديد ومحمود شمس الدين فى جريدة الزمان وادهم على مشرفا على الصفحة الرياضية فى جريدة الصراحه وغيرهم كثر يضيق المجال عن حصرهم. كان بطبيعة الحال لكل منهم- شأنهم شأن كل من يرتادون دورالرياضه فى كل زمان ومكان- ميوله الخاصة نحو الاندية الرياضية فى العاصمة المثلثه او فى غيرها مما كان ينعكس على كتابات بعضهم عند تناولهم آحداث المباريات وابداء ارائهم عن اداء الحكام وعن رجال الاتحاد الرياضى وعن اللاعبين رغم محاولاتهم اخفاء تلك الميول والظهور بمظاهرالحياد والنقاء والشفافية ولكن هيهات.. رحم الله من انتقل الى رحاب ربه من ذلك الجيل وغفرلهم فى الفردوس الاعلى بين الشهداء والصديقين.
وفى الحلقة القادمة انتقل الى مسارى فى المجال التحكيمى بعد التحاقى بجامعة الخرطوم فى يوليو 1954 وفترات عملى معلّما فى المدارس الثانويه فى العاصمة وفى مدينة الحديد والنار وفى ودمدنى الفيحاء الى ان توقفت طواعية واختيارا عن الممارسة الفعلية حينما انتقلت للعمل ناظرا لمدرسة البنات الثانوية فى ودمدنى فى اكتوبر 1973.
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.