إعتصرني الوجد حد البكاء في حيرة وحزن عميق تملك كل كياني، عندما وردتني الأنباء مساء يوم 2 سبتمبر 2116م من جمهورية جنوب السودان عبر أحد الرفاق بولاية سنار محدثا إياي عن رحيل الرفيق وليام قوبيك رئيس الحركة الشعبية لتحرير السودان بسنار قبل إنفصال الجنوب الي جوار ربه، بعد سقوط قذيفة (دانة) عليه أثناء خروجه من القصر الجمهوري خلال تجدد النزاعات المسلحة في جنوب السودان في الأيام السابقة. لم استطيع وقتها التحدث مع أحد ولم أجد نفسي إلا والدموع تسيل كالسيل علي الثرى، وترتجف يداي لا اطيق الوقوف ولا الجلوس. وليام قوبيك ذلك الرفيق الإنسان الذي عرفناه منذ عشرة سنوات سالفة ألفناه طيب فيها القلب وشفيف الرؤية محب للسلام. وليام قوبيك شكل رؤيته الفكرية والسياسية بشخصيته القوية وعقله المنفتح علي كل محاور وإكتسب ثقة وحب الجماهير في ولاية سنار ووسط رفاقه الذين صوتوا له ليكون رئيسا للحركة الشعبية بعد أن قاد وفدها الي المؤتمر العام الذي عقد بولاية جوبا قبل الإنفصال. وليام قوبيك عندما خاض إنتخابات العام 2010م وأدارها ببرامج متنوعة كانت جموع الجماهير تتوافد الي ساحات الندوات لسماع حديث وليام وهو يترجم مشروع سلام متكامل ويعبر عنه بلغته البسيطة التي تجد قبولا وسط الجماهير. أذكر ندوته الشهيرة التي أقامها بمدينة سنار - ميدان الجنوبية، إعتلى وليام المنصة وبدء يحدث الناس عن ثقافة السلام وضرورة بناء السودان الجديد بالمحبة والإنسانية وعم الصمت بحيث لا نسمع إلا صوته ولا نرى سوى وجهه وهو يواصل حديثه الي أن اقترب من الإنتهاء فطلب من الجميع كلا يصافح من يجلس او يقف بجانبه ويحتضنه تعبيرا عن السلام، فما كانت إلا لحظات وصاح الجميع بأصوات مختلفة تختنق بعضها وتعلو بعضها ثم تنخفض هنا الجماهير تبكي وتبكي بشدة ونزل وليام هو الأخر لم يستطيع السكون فبكى حتي احمرت عيناه. وقف وليام سط حشد من الرفاق والرفيقات بمدينة سنجة حاضرة ولاية سنار مع قادة الأحزاب السياسية مخاطبا جماهير الولاية داعيا إياهم الي مقاومة قانون جهاز الأمن والمخابرات وقانون الصحافة والمطبوعات وسائر القوانيين المقيدة للحريات وقاد الجماهير الي الشارع في مظاهرات (الخميس الأسود) التي اعتقل فيها الرفيقين المناضلين ياسر عرمان وباقان أموم بولاية الخرطوم، وكانت الملحمة الحقيقية التي لن ولم تمحى من ذاكرت الشعب السناري. عندما اقترب الإنفصال جمعنا القائد وليام في دار الحركة الشعبية ووقف يحدثنا عن ضرورة مواصلة كفاحنا لتحقيق مشروع السودان الجديد وبناء دولة العدالة الإجتماعية وكان كالأب الذي يوصي أبنائه وفي لحظة توقف عن الحديث وكانت الدموع دموع الوداع والذي لم نكن نتوقع أن يكون اللقاء الأخير الذي ألبس سنار والسودان ثياب الحداد وأعاد صور ومشاهد تاريخية لوليام قوبيك. رحل وليام بعدها الي موطنه الأصل (جنوب السودان) وفي ذهنه أسماء رفاقه وأصدقائه وفي قلبه حب أرض سنار وشعبها وبقينا بعده حاملين لذكراه ووصاياه الخالدة في ضمائرنا وعقولنا. عندما سمع وليام بحملة الإعتقالات الواسعة التي شنها جهاز الأمن والمخابرات علي قيادات الحركة الشعبية في كل أنهاء السودان خاصة ولاية سنار لقربها الجغرافي من ولاية النيل الأزرق التي هجم عليها النظام بقواته في العام 2011م، لم ينقطع وليام عن الإتصال بقيادات العمل السياسي بولاية سنار وأهل المعتقلين الي أن تم إطلاق سراحهم واطمئن وليام علي صحتهم. يعتبر قوبيك من أكثر الرؤساء الناجيين في جمع صف الرفاق وتوحيد وحدانهم تجاه قضايا السودان ومن أكثر الرؤساء الذين مروا علي الحركة الشعبية ونالوا حب وثقة الرفاق وكان أول من بادر بضرورة قيام تحالف سناري عريض يدافع عن حقوق المواطنيين السياسية والمدنية وسعى بكل جهده لتحقيق هذا الهدف عاكفا علي تكوين وتكوير رؤيته السياسية متقبلا للنقد الذي يوجه له من أقرانه السياسيين ويحسب النقد جزء أصيل من متطلبات التغيير وإحداث التحولات السياسية والفكرية في كل مساراتها. ننعي وليام بحزن وآسى وشعبنا في سنار وجنوب السودان سيخلدون ذكراه العطرة بحبر ذهبي علي قرطاس التاريخ. وقد اقيمت الصلوات علي روحهه بالكنيسة القبطية في سنار وشهدت تدافع ابناء المنطقة بكل الوانهم الثقافية والسياسية مودعين رجل جمع كل اللألوان في شخصيته وعرضها في رؤية السلام بحس وشعور إنساني فريد نظم الوطنية بعقد الحب السرمدي النبيل لأرضه التي انجبته وأرضعته حبها فصار عاشقا لها ومورد نهضتها بفكره الواسع. وهذه فرصة لكل القوى الشعبية والسياسية في الولاية لأن تعيد ترتيب وتوفيق أوضاعها وتجلس علي طاولة الحوار فيما بينا لتنتج تحالف وطني واسع يقود التغيير ويحقق السلام ويؤسس لممارسة سياسية ناضجة في جو ديمقراطي ينتج أجيال سليمة الفكر. هذه فرصة لفتح سجلات التاريخ والتعرف علي عظماء سنار وتعلم الكثير من تاريخهم النير وسيرهم الخالدة. هذه فرصة لتأكيد التواشج الثقافي والإجتماعي بين شعوب السودانيين (شمال - جنوب) وإرسال رسائل المحبة الي كل شعوب العالم وترجمة أفكار وليام حول السلام علي أرض الواقع. لم نفي وليام حقه وإن تحدثنا عنه في الف سطر علي مدار العام، فقط نستطيع حمل رسالته وحلمه ووصاياه في قلوبنا وعقولنا والمضي قدما نحو تحقيقها وبناء دولتين لشعبين شقيقين يعيشان بسلام ويدعمان بعضهم البعض في كل المجالات. فالتحايا لشعبنا الوفي الذي لم ينسى إبن المنطقة والتعازي الحارة نبعثها الي وطننا الثاني وشعبه العظيم. وفي الختام لا يسعنا إلا أن نقول........ وليام عاش مناضل ومات بشرف.... فلترقد روحه بسلام.. سعد محمد عبدالله القاهرة [email protected]