عجائب الصومال بدأت معي منذ نعومة أظافري ولم تنته .. حين كان أستاذ التاريخ يروي لنا كيف أن التجار كانوا يجلبون من بلاد بونت البعيدة التوابل والعطور والبخور .. قبيل اندلاع ثورات الربيع العربي .. ثم اندثارها .. كانت الصومال هي النقطة الأسخن في المنطقة .. ولسبب لم أدرك كنهه حتى اللحظة اعتبرتني الإذاعة الجزائرية خبيرا في الشأن الصومالي رغم أنفي .. وصرت ضيفا دائما على برامجها الإخبارية والتحليلية .. وفرض علي ذلك الوضع العجيب متابعة الشأن الصومالي .. حتى إذا ما دهم الربيع العربي المنطقة .. نسيتني الإذاعة الجزائرية .. فنسيت الصومال .. حتى فوجئت بواحدة من عجائب الصومال في أخبار منتصف الأسبوع .. وهو أن الصومال تستضيف قمة إيغاد لبحث أزمة جنوب السودان .. وهل انتهت أزمة الصومال نفسها ..؟ ولم تكن هذه وحدها المفاجأة من مقديشو .. بل كانت المفاجأة أن دولة إسلامية تستضيف قمة إقليمية في ثاني أيام عيد الأضحية .. أهم أعياد المسلمين على الإطلاق .. تعجبت فعلا .. ولكني فضلت البحث في ما وراء ذلك .. غير أن دهشتي كان لها بقية .. فقد تحدثت أنباء مقديشو أن سبب غياب الرئيس السوداني هو ما يمكن أن يتعرض له من ملاحقة قانونية حال ظهوره في مقديشو .. هنا ازداد الاندهاش .. ففي ذلك التجمع الدولي الضخم .. كان يعلن على رؤوس الأشهاد أن السودان يحتل المرتبة الثانية في قائمة الدول الداعمة للصومال للعودة لحال كونها دولة .. ! ثم اكتشف سريعا أن ما نسب لوزير خارجية الصومال ليس صحيحا .. فالرجل ظل يلاحق وزير خارجيتنا بروف غندور ليضمن مشاركة الرئيس البشير في القمة .. وإن تعذرت مشاركة الرئيس فمشاركة البروف نفسه على الأقل .. قمة إيغاد كان مقررا عقدها في الفترة من الخامس إلى العاشر من هذا الشهر .. ولكن اعتذار الرئيس اليوغندي دفع سكرتارية إيغاد وليس دولة الصومال لاختيار الثالث عشر موعدا للقمة .. وإيغاد لا شغلة لها بعيد الضحية .. وكان غندور نفسه يشرح لوزير خارجية الصومال أن البشير لا يمكن أن يغادر الخرطوم في ذلك اليوم .. لارتباطه بمعايدة الدولة الرسمية .. أما هو فيعتذر لارتباطه بالتوجه إلى نيويورك وإلى فنزويلا في ذات الفترة .. ثم يتلقى غندور إخطارا من سكرتارية إيغاد بتأجيل القمة .. فهي ضعيفة في غياب البشير وسالفا كير والرئيس الجيبوتي .. ولكن غندور نفسه يتلقى .. تانية العيد .. رسالة من سفيره هناك أن قمة إيغاد تنعقد الآن .. فيوجه غندور سفيره بالدخول فورا إلى القاعة التي كان يقف أمامها وتمثيل السودان في القمة ..! إنها عجائب الصومال .. ولكن لعجائب الصومال دائما تفسير .. فالبلاد موعودة في نهاية هذا الشهر بانتخابات هامة .. يجري التحضير لها منذ زمن .. وسط تردد هنا .. ومخاوف هناك .. لذا ليس أفضل من قمة تضم مجموعة من رؤساء الإقليم لتقنع العالم أن الأمن مستتب .. بل وربما أن تلك الدولة المسلمة .. قد رأت أن الأمن سيكون مستتبا فعلا في هذه الأشهر الحرم .. فتمسكت بقيام القمة رغم اعتذار إيغاد رسميا .. لأنها ترى .. ربما .. أن لا وقت أفضل من ذلك بالمعايير الأمنية ..! إذن .. التقرير الذي تحدث عن إلغاء سفر البشير بسبب مخاوف من تعقيدات إجرائية حال وجوده في مقديشو .. لم يكن دقيقا .. خاصة وهو ينسب لوزير خارجية الصومال ما لم يقله .. حين يصور القول تهديدا لوجود البشير في مقديشو .. إن العبارة المنسوبة للوزير الصومالي هي أن وجود البشير في القمة يمثل تحديا للجنائية .. وهي عبارة وإن قالها الوزير .. فقد درج وزراء البشير أنفسهم على ترديدها في مناسبات عدة اليوم التالي