"حكامات السودان".. شاعرات يطفئن نار الحرب بقصيدة    منى مجدي: السلام رسالة وأنا معه حتى آخر العمر    الهلال يتأهل ويواجه الجيش الرواندى في نصف نهائي سيكافا    سفارة السودان القاهرة وصول جوازات السفر الجديدة    تبدد حلم المونديال وأصبح بعيد المنال…    ميسي يحقق إنجازا غير مسبوق في مسيرته    ترامب: الهجوم على قطر قرار نتنياهو ولن يتكرر مجددا    جلسة طارئة لمجلس الأمن لبحث الغارات الإسرائيلية على الدوحة    في الجزيرة نزرع أسفنا    الدعوة إلى حل الجيش السوداني: استنارة سلمية من جنا النديهة أم دعوة للانتحار الوطني؟    السودان..تصريحات قويّة ل"العطا"    اعتقال إعلامي في السودان    نوتنغهام يقيل المدرب الذي أعاده للواجهة    الصقور خلصت الحكاية… والهلال اليوم تبدأ الرواية    شاهد بالفيديو.. حسناء الإعلام السوداني تستعرض جمالها بإرتداء الثوب أمام الجميع وترد على المعلقين: (شكرا لكل من مروا من هنا كالنسمة في عز الصيف اما ناس الغيرة و الروح الشريرة اتخارجوا من هنا)    أعلنت إحياء حفل لها بالمجان.. الفنانة ميادة قمر الدين ترد الجميل والوفاء لصديقتها بالمدرسة كانت تقسم معها "سندوتش الفطور" عندما كانت الحياة غير ميسرة لها    شاهد بالصور.. مودل وعارضة أزياء سودانية حسناء تشعل مواقع التواصل بإطلالة مثيرة من "العين السخنة"    شاهد بالصور.. القوات المسلحة تتمدد والمليشيا تتقهقر.. خريطة تظهر سيطرة الجيش والقوات المساندة له على ربوع أرض الوطن والدعم السريع يتمركز في رقعة صغيرة بدارفور    شاهد بالصور والفيديو.. شاب سوداني يشعل مواقع التواصل الاجتماعي ببلاده بزواجه من حسناء تونسية وساخرون: (لقد فعلها وخان بنات وطنه)    شاهد بالصور.. القوات المسلحة تتمدد والمليشيا تتقهقر.. خريطة تظهر سيطرة الجيش والقوات المساندة له على ربوع أرض الوطن والدعم السريع يتمركز في رقعة صغيرة بدارفور    شاهد بالفيديو.. أطربت جمهور الزعيم.. السلطانة هدى عربي تغني للمريخ وتتغزل في موسيقار خط وسطه (يا يمة شوفوا حالي مريخابي سر بالي)    شاهد بالصورة.. محترف الهلال يعود لمعسكر فريقه ويعتذر لجماهير النادي: (لم يكن لدي أي نية لإيذاء المشجعين وأدرك أيضا أن بعض سلوكي لم يكن الأنسب)    من هم قادة حماس الذين استهدفتهم إسرائيل في الدوحة؟    بث مباشر لمباراة السودان وتوغو في تصفيات كأس العالم    مباحث شرطة القضارف تسترد مصوغات ذهبية مسروقة تقدر قيمتها ب (69) مليون جنيه    والي الخرطوم يدين الاستهداف المتكرر للمليشيا على المرافق الخدمية مما يفاقم من معآناة المواطن    في عملية نوعية.. مقتل قائد الأمن العسكري و 6 ضباط آخرين وعشرات الجنود    هذا الهجوم خرق كل قواعد الإلتزامات السياسية لقطر مع دولة الكيان الصهيوني    إيران: هجوم إسرائيل على قيادات حماس في قطر "خطير" وانتهاك للقانون الدولي    نجاة وفد الحركة بالدوحة من محاولة اغتيال إسرائيلية    ديب ميتالز .. الجارحى ليس شريكا    "فيلم ثقافي".. هل تعمد صلاح استفزاز بوركينا فاسو؟    «لا يُجيدون الفصحى».. ممثل سوري شهير يسخر من الفنانين المصريين: «عندهم مشكلة حقيقية» (فيديو)    التدابير الحتمية لاستعادة التعافي الاقتصادي    ضبط (91) كيلو ذهب وعملات أجنبية في عملية نوعية بولاية نهر النيل    الخرطوم: سعر جنوني لجالون الوقود    تمويل مرتقب من صندوق الإيفاد لصغار المنتجين    السجن المؤبّد لمتهم تعاون مع الميليشيا في تجاريًا    وصية النبي عند خسوف القمر.. اتبع سنة سيدنا المصطفى    مواعيد خسوف القمر المرتقب بالدول العربية    وزارة المعادن تنفي توقيع أي اتفاقية استثمارية مع شركة ديب ميتالز    عثمان ميرغني يكتب: "اللعب مع الكبار"..    جنازة الخوف    حكاية من جامع الحارة    حسين خوجلي يكتب: حكاية من جامع الحارة    تفاصيل جديدة حول جريمة الحتانة.. رصاص الكلاشنكوف ينهي حياة مسافر إلى بورتسودان    قوات الطوف المشترك محلية الخرطوم تداهم بور الجريمة بدوائر الاختصاص وتزيل المساكن العشوائية    تخصيص مستشفى الأطفال أمدرمان كمركز عزل لعلاج حمى الضنك    من صدمات يوم القيامة    "وجيدة".. حين يتحول الغناء إلى لوحة تشكيلية    فعاليات «مسرح البنات» في كمبالا حنين إلى الوطن ودعوة إلى السلام    مشكلة التساهل مع عمليات النهب المسلح في الخرطوم "نهب وليس 9 طويلة"    وسط حراسة مشددة.. التحقيق مع الإعلامية سارة خليفة بتهمة غسيل الأموال    نفسية وعصبية.. تعرف على أبرز أسباب صرير الأسنان عند النوم    حادث مأسوي بالإسكندرية.. غرق 6 فتيات وانقاذ 24 أخريات في شاطئ أبو تلات    بعد خطوة مثيرة لمركز طبي.."زلفو" يصدر بيانًا تحذيريًا لمرضى الكلى    الصحة: وفاة 3 أطفال بمستشفى البان جديد بعد تلقيهم جرعة تطعيم    أخطاء شائعة عند شرب الشاي قد تضر بصحتك    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حتَّى لا نكرِّرَ أخطاء إنتفاضة أبريل 1985م
نشر في الراكوبة يوم 04 - 12 - 2016


(1)
لم نكن بعيدينَ عن أنتفاضةِ رجب/ أبريل 1985م التى إزالت نظام مايو بقيادة جعفر نميرى وحُلفاءِه الأخوان المسلمين بقيادةِ دكتور حسن الترابى. وكنّا حينها طلاب بالجامعاتِ السودانية، وكُنّا وُقودُ تلك الإنتفاضة، نتَّبِعُ التوجيهات التى تأتيِنا كل حين من غُرفةِ عمليات الثورة بدارِ أساتذةِ جامعة الخرطوم الذى كان مَعْقَلاً لقيادةِ الإنتفاضة. وكنّا اكثر إطمئنَاناً وثِقة بالتنسيق الوآعِى لأستاذِنا ومُلْهِمِنا دكتور أمين مكى مدنى لفعاليات قيادةِ الإنتفاضة التى كان قوامُها النقابات المِهنيَّة، فإنتفض الشعب تحت تلك القيادة التى نعتقِدُ بجزمٍ أنّها رشيدة، وأنّها قد سَدَّت الثغرات التى قد تأتِ منها رِيحَاً تعصِفُ بالثورةِ وتنحَرِفُ بها إلى هاوِيةٍ سحِيقة لا يشتَهِيها الثوَّار.
ولكنَّ الثورة وبعد نجاحِها فى طردِ الطاغية جعفر نميرى وتنظيمه الإتحاد الإشتراكى، سرقها (الكيزان) فى خاتمةِ المطاف عبر قياداتِهم فى النقاباتِ التى قادت إنتفاضة رجب/ أبريل 1985م، بالتضامُنِ والتنسِيق مع كوادرهم فى قيادةِ الجيش السودانى، الذى انحازَ لثورةِ الشعب.
سرقَت الجبهة الإسلامية ثورة أبريل 1985م عسكرياً ومدنياً.. فجاء على رأس المؤسسة العسكرية الفريق عبد الرحمن محمد حسن سوار الذهب رئيساً لمجلس قيادة الثورة (رئيساً لجمهورية السودان)، وجاء اللواء ركن عثمان عبد الله محمد وزيراً للدفاع وهما من كوادرِ الجبهة الإسلامية فى الجيش السودانى. وعلى مستوى القيادة المدنية للثورة جاءَ دكتور الجزولى دفع الله رئيساً للوزراءِ، والدكتور حسين سليمان أبو صالح وزيراً للخارجية. وإذاً، الثورة سرقَها الكيزان، فهُم شرٌّ مكانَاً والله أعلمُ بما يصِفُونَ.
(2)
ومن الآثارِ السالِبة لسرقةِ ثورة أبريل 1985م أنَّ الحُكمَ الإنتقالى فشلَ بشِقِّيهِ، العسكرى والمدنى، فى تحقيقِ شعارات الثورة الرئِيسَة، وعلى رأسِها كنْس آثار مايو وفى مقدِّمتِها إلغاء قوانين سبتمبر 1983م التى أتت على كُلِّ شىء فى السودان فجعلتها كالصِرَّيِم. وأوقفت حركة النمو والإستنارة، وإقامة علاقات خارجية رشِيدة، ومُواكبة إيقاعِ الحداثة الذى انتظمَ كوكب الأرض فى الثلاثةِ عُقودٍ الماضية. ثُمَّ محاسبة الحركة الإسلامية على جرائِمِها ضد الشعب السودانى بعد أنْ تحالفت مع نظام جعفر نميرى. ولكن ضاعت شعارات ثورة رجب أبريل هباءً منثوراً لأنَّ عدُوَ الشعب قد تولَّى قيادة الثورة فى شقّيِها العسكرى والمدنى، وثبَّت الجانِى على سُدَّةِ الحُكمِ بعد أن بَرّاهُ من جرائمِه، ثُمَّ قدّمه على أنّهُ المُنقذ، وهيَأ له سُبُل الفوز فى انتخابات 1986م بدوائر معتبرة فعطَّلت مرَّةً أخرى تحقيق أهداف الثورة، وأجبرت رئيس الوزراء المُنتخب على بَلعِ شعارات البرنامج الإنتخابى لحزبِهِ (الأمّة القومى)، الذى فاز بثقةِ الشعبِ السودانى، شعارات مثل: (كنس آثار مايو، وفى مقدِّمتِها إلغاء قوانين سبتمبر 83 وتقديم عرَّابِها وتنظيمه الذين عاثوا فساداً فى الأرض للمحاكمة. لكنَّ رئيس وزراء 1986م بلع شعاراته التى حفِظَها الناس على ظهرِ قلب من شِدَّةِ تكراره لها. وصدَّقَ الناسُ قوله أنَّ (قوانين سبتمبر لا تساوى الحِبر الذى كُتبَ بها).
ومن آثارِ ونكساتِ سرقة ثورة أبريل 1985م أنها مكّنت الجبهة الإسلامية من خيانةِ شعاراتِها ومنعت تنفيذها، فأصاب الشعب السودانى الإحباطُ والأسف على ذهابِ حُلمِهِ الجميل الذى كاد يتحقق ولكنّ خطفَهُ القُرصانُ (الكوز).. ولمّا عجزت الحكومة المُنتخبة عن تحقيقِ أشواقِ الشعب الذى ملَّ عجز الحكومة عن فعلِ شىء لمصلحته، بدأ الشعبُ يسِبُّ الديمقراطية جَهرَاً، وحتى الحكومة نفسها كرهت الديمقراطية العرجاء المُعَطَّلةُ بواسطَةِ مُعارضةِ الجبهة الإسلامية، فسمع الناسُ على الهواءِ مباشرة من قُبّةِ البرلمان زعيماً كبيراً يتفوّه بحسرةٍ (الديمقراطية لو شالها كلِب ما بنقول ليهو جرّ). فكان يائساً لعجزِ حكومته عن فعلِ شىء!.
(3)
لمَّا تأكَّدَ لها أنَّها شلَّتِ الحكومة تماماً واقعدتْها عن القيامِ بتحقيقِ شعارات الثورة التى أتت بها إلى كُرسِّى الحكم، بدأت الجبهة الإسلامية تعملُ جاهِدَة لسرقةِ الحُكمِ فى السودانِ والإنفراد به!.. قرَّرت سرقتهُ من داخلِ مؤسسات الدولة، الحكومة، والبرلمان الذى كانت تُمارِسُ من خلالهِ مُعارضةٍ ضاغِطة. والأخطر من ذلك، قررت سرقة الحُكم من داخلِ المؤسسة العسكرية (الجيش) حيثُ صدرت منها المُذكِّرات التى تُهدِّدُ الحكومة المُنتخبة بإنقلابٍ عسكرى والسيطرة على الحُكمِ بالقوَّةِ!!. يقابِلهُ وَهَنٌ وخُنُوع من حكومةِ السيِّدين المُتنَافرَةُ المُتشَاكِسة، كعاتها، كالنساء الضرَّات تغِيرُ كلّ منهمنَّ من الأخرى.
ولمّا وَهنَ من الحكومةِ العظمُ وإشتعلَ رأسُها شيبَاً من عجزِها فى تحقيق أهداف الثورة، ونفُور الشعبُ من ذلك الضعف، أتى (الكيزان) نهاراً جهاراً لرئيسِ الوزراء المُنتخَب يخبِرُونَهُ ويستأذِنُونَهُ بأنَّهم سينقلبُونَ على حكومتهِ! وسألوه إنْ كان يرغَبُ فى مشاركتِهم؟!. فرفض معالِى دولة رئيس وُزرَاء 1986م مشاركة الجبهة الإسلامية فى الإنقلابِ المُزمَع على حكومتِه، ولكنه لم يستنكر عليهم الإنقلاب عليه، فسكَتَ بالتالى عن مقاومةِ الجُرمِ الأعظم الواقع على السودانِ وشعبِه، وخانَ أمانة التكليفِ والزَودِ عنه. فأصبح رئيس الوزراء المُنتخب شريكاً أصيلاً فى جريمةِ الخيانة العظمى لإنقلابِ 30 يونيو 1989م الذى دفع السودان ثمنه 27 عاماً من الحريقِ والتقطيعِ والدمار المُستمِر.
(4)
هل نحنُ على وَشَكِ تكرار أخطاء وخيبات ثورة رجب أبريل 1985م؟:
نعم وإستشْهِدُ بالآتى:
. المعارضة مُنقسِمَة ومُتشَاكِسة ومُتنَافِسة.
إجتمعت المعارضة فى بواكير عام 2012م على "ميثاق الفجر الجديد" ثم فى "وثيقة نداء السودان"، ولكن التشاكُس على القيادةِ والتنافس على المُحاصَصةِ، والإصرار على القسمةِ الضِيزى بمعاييرِ ضيمِ إهلِ المركز. فضلاً عن الإصرارِ على تغيِّيبِ ضحايا الحرب فى أطراف السودان وهوامشه أعاد للأذهانِ ذكريات قديمة مُتجدِّدة لِما جرى بعد ثورة أبريل 1985م، فصمتَ معظم الشعب السوانى فكانت الأغلبية الصامتة.
. كلَّما زادت العقوبات الإقتصادية والحصار السياسى والقانونى لحكومة السودان، كلّما قفزَت مجموعة من غُلاةِ الكيزان من سَفِينِها تحت مُسمَّياتٍ عُدَّة، ونظّموا أنفسهم فى أحزابٍ سياسية جديدة، ثُمَّ تحوّلوا لصفِّ المعارضة، بل يدّعُونَ أنَّهم طليعة سِنام قيادَتِها. فرأينا كيف أنَّ بقايا المجموعات الجهادية التى نكّلت بأهلِنَا فى جنوبِ السودان أيام حُروب الجهاد وغلْوَاءِ الإنقاذ الأولى يتقدّمُونَ صفوف المعارضة الآن، يتحيَّنُونَ السانِحةَ للقفزِ على ظهرِ أول ثورة شعبية قادمة، سلمية أو عنيفة، فيتقدّمون صفوفها كما فعلت قياداتهم فى أبريل 1985م. ومن ينشطُ هذه الأيام مثل مجموعات الجهاد من "سائحون" و"التغيير الآن" وغيرهم من الحربائيِّين الكيزان الذين يلبسُونَ لكُلِّ حالةٍ لبُوسَها؟. حتى كاتِبهم المُشوَّه إسحاق فضل الله تبرَّأ منهم مؤخَّرَاً، وقال أنَّ حكومةَ الكيزان هذه ستمسحُ السودان من على خارطةِ العالم!. حتى إسحاق قفزَ من سفينة حكومة الكيزان إيذاناً بدنُوِّ أجل غرقها المحتُوم؟!.
. فى أبريل 1985م قاد الثورة جبهة الهيئات النقابية، أشخاص عُلماء وذوو خبرة من زروةِ سِنام المجتمع السودانى، ورُغم ذلك إستطاعت الجبهة الإسلامية إستغفَالِهم وأتت بأبناءِها فى تلك النقابات فى مُقدِّمَةِ قيادة الثورة!، سوار الذهب والجزولى وأبوصالح، فجيّرُوا الفترة الإنتقالية لمصلحةِ الجبهة الإسلامية، فأفرَغُوا الثورة من أهدافِها ونفَّسُوا شِعاراتِها، وشوَّهُوا مضامِينِها، وحرَمُوها من تحقيقِ تطلعاتِ الشعب السودانى فى التغيير الذى ينشُد.. ثُمَّ، بعد الفترة الإنتقالية تمكَّنَت الجبهة الإسلامية من خلقِ مُنَاخٍ يتيحُ لها ليس فقط التحلُّل من أوْزَارِها، بل الدخول بقُوَّةٍ إلى البرلمان والحكومة وسرقة الدولة وعموم السودان بعد ثلاثة سنوات فقط.. فإنفردت بالسودان تدمِّرهُ وتفسد فيه وتسفكُ الدماء وتُقطّعُ أوصاله لثلاثةِ عقود.. والآن، تتلَوَّنُ كالحِرْبَاء، وتتلوَّى كالثعبان لسرقةِ السودان مَرَّةً أخرى، بعد أن تخلَّقت من رَمادِها كالعنْقَاءِ، ونرى نُذُرُ ذلك الآن.
. إخْتِبَاء قيادة العصيان المدنى الحالِى "اللجنة التمهيدية للعصيانِ المدنى" وإصدار بيانات من تحتِ الأرض بخارطةِ طريقِ العصيان، ووضعه موضِع التنفيذ فيه نظر ومخاوف نتحدثُ عنْهَا دُونَ وَجَل:
1) متى نشأت "اللجنة التمهيدية للعصيان المدنى" وكيف؟ ومن قامَ بتكوينها؟ وممَّن؟.. وما هى دوافعُ سرِّيتها وغموضها وإختباءها هكذا؟. لماذا تلبسُ اللجنة (الكدمُول)؟.. إن كان السبب هو خوف الإعتقال والقبض فذلك له علاجات أخرى كثيرة، ولا مسوِّغ أبداً لأن تكونَ مجهولة. ومن علاجاتِ ذلك جعلها من عُدَّةِ نُسخ حتى إذا "ضُربت" الأولى حلَّ محلّها التى تليه. أو توزيعها فى الأقاليمِ، أو حتّى إخلاءِها لخارجِ السودان.. أمَّا لجنة للعصيان المدنى غير معلومة الجهة التى صنعتها وممن تتكوَّن فإنَّنا نخشاها خشيتنا من الكيزانِ ومكْرِهم. عشان بُكرة ما يطلع لينا من تحتها كيزان (نيولُوك).
2) لا يوجد قِطاع فى المجتمعِ السودانى، أو تنظيم، أو نقابة، إسمها "الناشطون الشباب" ليقودُوا ثورة أو يديرُوا لجنة قومية لعصيان مدنى تُسقطُ الحكومة دون أن تكونَ وراءِهم تنظيمات أو أحزاب سياسية أو جهة تضُخَّ فيها الرُوح وترفِدُها بالأفكار والخطط والدعم. وبفرضِ أنَّ (اللجنة التمهيدية للعصيان المدنى) هى جسم مُنْبَت لم يخرج من صُلبِ القوى السياسية والإجتماعية السودانية، وغير مُنتمِية سياسياً (وهو ما لا يُعقلُ ولا يستقِيمُ)، وهَبْ أنَّ العصيان نجحَ وسقطَ النظام، فماذا بعدُ؟، نكون مثل جمهورية مصر نأتى بضابطِ الجيش الذى ينحازُ للتغيير وننصِّبهُ رئيساً للجمهورية ونرفع له شعارات(كمل جميلك)، ونحوها ليرفع لنا هو شعار(يحيا السودان)؟ وبعدين؟.. ومعروف من أين يأتى ضباط الجيش فى السودان، لنُرذَل مَرَّةً أخرى ثلاثة عقود من عُمرِنا تحت نيِّرِ ضابطٍ مغمُور آخر!.. ونكونُ مَرَّة أخرى شعب "بوربون" لا نتعلمُ شيئاً من تجاربنا، ولا ننسى شىء؟. نُلدَغُ من نفسِ الجُحرِ ألفِ مَرَّة، بلا أدنى إيمان بحتمية الحيطَةِ والحذرِ اللازم؟.
لأجلِ ذلك فأنّى غير مُستعِد للتعاونِ مع أىِّ لجنةٍ معدُومة غير معلُومة للإعتصام، حتى تكشف عن وجهِها To lift the veil وأنْ يقومَ ببِناءِها الشعب بإدارةٍ حُرَّة، وأن يتمَّ البناء من أسفل إلى أعلى Bottom up، وما دمَّرَ السودان غير السياسات التى تأتى من أعلى Top Down بما فى ذلك قرار تكوين السودان كدولة. وأرى أن يأتمر الشعب السودانى بأمر لجنة مجهولة هو حرثُ فى بحر، وسوف يجنى الشعب من وراءِه الكوارث والمفاجآت.. الشعب هو من يُنشئ الجسم الذى يقود عصيانه المدنى ويحميه ويامره ويحاسبه، وليس العكس.
لا أحد يحق له وضع "خطة وبرنامج" التغيير فوقياً ثم ينزلها بأبوية مدرب كرة القدم للاعبى الفريق لتنفيذه داخل الملعب! هذا لا يجوز، لأنه يبدل سيد بسيد، دكتاتور بأسوأ منه.. والدكتاتورية مِلَّة وآحِدة، ولا خير فيها.
3) الحل أن يتفق الناس، كل الناس على نمطِ التغيير من خلال تنظيماتهم وقطاعاتهم المختلفة، ويتم فيها عصف ذهنى جماعى وهو ممكن فى ظل وجود الوسائط المُتعدِّدة، ثم تكوين أجسام تنفيذية وإشرافية تبدأ من القواعدِ وتتصاعدُ إلى القِمَّة، وتبلغُ مدَاها فى لجنةٍ قومية (حقيقية) للعصيانِ المدنى أو أى جسم يتفق عليه الجميع لإحداثِ التغيير.. ولكن العمل الحالى فيه مُغَامرة ومُقَامرة فى آنٍ، ولا يدخله أو يُراهنُ عليه مُؤمِن يخشى أن يُلدَغَ من نفسِ الجُحرِ مَرَّتَيِن.
4) رأيى هذا يعتبرَهُ المندفِعونَ للتغيير رأياً مُخَذِّلاً، ومُثَبِطَاً للهِمَمِ، لكنَّهُ يبقى رأيى الذى اطرحَهُ بِقُوَّةٍ وقناعة، لأننى جرَّبتُ لدغة "الكوز" فأخشى جرَّة حبل اللجنة التمهيدية القومية للعصيان المدنى. ولكم رأيكم ولى رأى. طبعاً لستُ وحدى، أنا ومن يتَّفِق معى على أنَّ المُغامرةَ والمُقامرَة نتائجها خطيرة وغير مضمونة، كما أنَّها حرام على مستوى الدينِ والأخلاق.
(5)
حتَّى وسائل الإعلام الإلكترونى التى ظللنا ننشرُ فيها ما نكتبُ، صار منها من يضيقُ بالرأىِ الذى لا يجِدُ فى نفسهِ هوىً أو مصلحة، فيمتنعُ عن نشرِ ما نرسلُه للنشرِ عندهم!، وهو امر معيب، غير أنه يكشفُ عن عدمِ الإيمان بالرأىِ الآخر! والوسيط الإعلامى الذى يمتنعُ عن نشرِ رأىٍ آخر لا يعجبه هو وسيطٌ غير جدير بالإحترام، وسيقعُ الفراقُ بينه وبين أى شخصٍ يحترمُ حقّهُ فى حُرَّيةِ الرأى والتعبير.
إن حجب الرأى المختلف ومنعه من النشر ليجد طريقه للقراءِ يجعل من ذلك الرأى "المحجُوب" أكثر وُصولاً لجماهيرِ القراء من خلالِ وسائط اخرى وما اكثرُهَا.. وينهض سؤال: وماذا يعنى حجب مقال من النشر فى صحيفة إلكترونية معينة غير عدم إيمان الناشر بجرثُومةِ مهنته وبحقوق الإنسان وفى قِمَّتِها، الحقُّ فى حُرِّية الرأى والتعبِير. فنرجو من إدارات الصحف الإلكترونية الترفُّع عن نقِيصةِ الضيق بالرأىِ الآخر، ثمُّ حجْبِهِ.
عبد العزيز عثمان سام- 4 ديسمبر 2016م
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.