قرية مسترخية على النهر الأزرق في السودان، عدد سكانها عشرة آلاف نسمة، قمنا بزيارتها كوفد خليجي من أجل التوعية في مجال سرطان الفم ومع مساندة جمعية «بسمة» السودانية قمنا كأطباء، لا سيما أطباء الأسنان، بفحص وعلاج نحو 300 حالة. القرية اسمها النوبة، تابعة لإقليم الجزيرة، وهي تُمثّل بصدق عشرات من القرى المنتشرة في السودان وغيرها من أمتنا العربية بما فيها بعض الدول الخليجية... تلك القرى تمتاز بروح الجماعة وبالطيبة والكرم، إنهم الصورة الحقيقية للإنسان العربي في أجمل صوره. قضينا يوماً كاملاً في هذه القرية، القرية التي أعادت لنا الثقة في أنّ ما نراه حولنا من تغريب وانتشار للزيف المدني لا يُشكّل جوهر الإنسان العربي. الآن وفي هذه الزيارة حضرني السؤال الأكبر، هل مظاهر الفقر وقلة الموارد تستدعي أن يتدخل الأغنياء لتحويل تلك القرى إلى مدن وينقلون أهلها من حياة البساطة وروح الألفة إلى ما نحن عليه من تغريب ونسيان لثقافتنا وحتى إهمال للغتنا؟ ويمكن طرح السؤال بطريقة أخرى، كيف يمكننا تطوير تلك القرى من دون الإخلال بالشكل المعماري أو الثقافة المحلية؟ هذا هو السؤال الذي لم تنجح، إذا استبعدنا نوعا ما سلطنة عُمان، لم تنجح دولنا الخليجية في إجابته وتحقيقه. حوّلنا مدننا إلى نسخ من مدن الغرب، ونسينا ثقافتنا فنستنا روح المحبة والألفة، لم ننجح بتكوين حضارة مميزة بل ونجد بَعضُنَا يتفاخر ببعض المدن الخليجية التي تنافس نيويورك أو شيكاغو. يوم في قرية النوبة والجلوس مع أهلها، علّمني مقدار الضرر الذي ألحقناه بأنفسنا يوم قررنا أن ننسى عروبتنا ونركب قطار الغرب ونفتخر باللسان الأعجمي على العربي. ما نراه من حزن حولنا وما نشعر به من غضب في كل مكان، هو نتيجة لما فعلناه بأنفسنا حين أضعنا روح البساطة وركبنا قطار التعقيد. [email protected] الرأي