لا يوجد عاقل أو وطني غيور لا يرحب بقرار الإدارة الأمريكية بالرفع الجزئي للعقوبات الاقتصادية المفروضة على الوطن منذ أكثر من عقدين من الزمان والتي كانت أحد الأسباب التي ضاعفت من معاناة شعبنا الكريم وتأثر منها الشعب بصورة مباشرة في تجارته وفي أعماله الخاصة وانعكست عليه سلباً بصورة أكبر من أفراد نظام الحكم الذين استغلوا هذه العقوبات للثراء الفاحش على حساب المواطن البسيط فأدخلوا جرائم غسيل الأموال وتجارة العملة وبيع موارد الدولة بالطرق الملتوية وخارج النظام البنكي. وقد جاءت هذه العقوبات التي عزلت السودان عن التجارة العالمية وعن المجتمع الدولي كنتيجة طبيعية لسياسة نظام الحكم الذي ومنذ اعتلائه سدة الحكم على ظهر الدبابة في صيف 1989 أنتهج سياسة عدائية وإرهابية ضد امريكيا وضد المجتمع الدولي وضد محيطه الإقليمي. فقد أعتمد في نهجه السياسي على الغوغائية والأوهام الدينية فلم يستطع مواجهة هذه العقوبات بسبب مشروعه الفاسد الذي أجج الصراعات الدينية والقبلية والاثنية وزاد من حدة التوترات والانقسامات في المجتمع السوداني وعاش في صراعات دائمة على السلطة مع نفسه ومع معارضيه ولم يستطع طرح مشروع وطني سياسي لحل معضلة الحكم والعبور بالبلاد إلى مراحل متقدمة من التحول الديمقراطي، بل على العكس من ذلك كان طرحه لأي حل سياسي تجده يقوم على تهديد وحدة البلاد وتعزيز انقسامها وزيادة وإشعال أسباب الفرقة بين ابناء الوطن الواحد. حتى أصبحت تسيطر على عقليته أوهام السلطة وكيفية الحفاظ عليها وبذل في سبيل ذلك المال على المرتزقة المحليين والخارجيين ونشر ثقافة الفساد واصبح الحامي الأول لها ونشر ثقافة القتل والكراهية والعنصرية التي تسببت في تشريد الملايين من ابناء الوطن على دول العالم وأصبح الوطن خالياً من الكوادر المؤهلة والناشطين والمعنيين بالتغيير. وواهم كذلك من ظن أن قرار رفع العقوبات الامريكية هو الحل وأنه سوف يعطي النظام قوة دفع جديدة ويبعث فيه الروح من جديد، ذلك لأن ازمتنا ومعضلتنا الأساسية ليست متمثلة في العقوبات الامريكية وإنما مشكلتنا مشكلة سياسية بامتياز فكل الذي نراه من تردي ومن تشتت ومن هوان هو أعراض للأزمة السياسية المستفحلة. ومالم تحل هذه الازمة لن يصلح حال الوطن ولن ينهض ولو فتحت له الإدارة الامريكية خزانتها. ولن تحل هذه الازمة السياسية إلا بمشروع تغيير حقيقي ينتجه ويصنعه الشعب بنفسه مشروع يستهدف تغيير العقلية السياسية المسيطرة وتغيير النهج في العمل السياسي من خلال التوافق على أساسيات ومفاهيم جديدة لإدارة العملية السياسية في السودان وحراستها والعمل عليها بجهد مشترك يقوم عليه الشعب بنفسه. يتعين علينا أن نجعل من قرار رفع العقوبات عن وطننا وما سوف تحدثه من انفراج للشعب قوة دفع ايجابية لمشروع التغيير الذي هو هدفنا الأسمى لإنقاذ ما تبقى من الوطن واستغلال أي انفراج اقتصادي وانفراج في الحريات وحقوق الانسان، استغلالها لمصلحة مشروع التغيير الذي بات ضرورة حتمية ولا سبيل لنا سواها. سامي دكين/ المحامي [email protected]