هل هدّد أنشيلوتي البرازيل رفضاً لتسريبات "محرجة" لريال مدريد؟    "من الجنسيتين البنجلاديشية والسودانية" .. القبض على (5) مقيمين في خميس مشيط لارتكابهم عمليات نصب واحتيال – صورة    دبابيس ودالشريف    "نسبة التدمير والخراب 80%".. لجنة معاينة مباني وزارة الخارجية تكمل أعمالها وترفع تقريرها    التراخي والتماهي مع الخونة والعملاء شجّع عدداً منهم للعبور الآمن حتي عمق غرب ولاية كردفان وشاركوا في استباحة مدينة النهود    وزير التربية ب(النيل الأبيض) يقدم التهنئة لأسرة مدرسة الجديدة بنات وإحراز الطالبة فاطمة نور الدائم 96% ضمن أوائل الشهادة السودانية    النهود…شنب نمر    إسحق أحمد فضل الله يكتب: (ألف ليلة و....)    "المركز الثالث".. دي بروين ينجو بمانشستر سيتي من كمين وولفرهامبتون    منتخب الضعين شمال يودع بطولة الصداقة للمحليات    ندوة الشيوعي    الإعيسر: قادة المليشيا المتمردة ومنتسبوها والدول التي دعمتها سينالون أشد العقاب    د. عبد اللطيف البوني يكتب: لا هذا ولا ذاك    الرئاسة السورية: القصف الإسرائيلي قرب القصر الرئاسي تصعيد خطير    عثمان ميرغني يكتب: هل رئيس الوزراء "كوز"؟    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناء الشاشة نورهان نجيب تحتفل بزفافها على أنغام الفنان عثمان بشة وتدخل في وصلة رقص مؤثرة مع والدها    كم تبلغ ثروة لامين جمال؟    حين يُجيد العازف التطبيل... ينكسر اللحن    أبوعركي البخيت الفَنان الذي يَحتفظ بشبابه في (حنجرته)    شاهد بالفيديو.. في مشهد نال إعجاب الجمهور والمتابعون.. شباب سعوديون يقفون لحظة رفع العلم السوداني بإحدى الفعاليات    شاهد بالصور والفيديو.. بوصلة رقص مثيرة.. الفنانة هدى عربي تشعل حفل غنائي بالدوحة    تتسلل إلى الكبد.. "الملاريا الحبشية" ترعب السودانيين    والد لامين يامال: لم تشاهدوا 10% من قدراته    المرة الثالثة.. نصف النهائي الآسيوي يعاند النصر    استئناف العمل بمحطة مياه سوبا وتحسين إمدادات المياه في الخرطوم    هيئة مياه الخرطوم تعلن عن خطوة مهمة    جديد الإيجارات في مصر.. خبراء يكشفون مصير المستأجرين    باكستان تعلن إسقاط مسيَّرة هنديَّة خلال ليلة خامسة من المناوشات    تجدد شكاوى المواطنين من سحب مبالغ مالية من تطبيق (بنكك)    ما حكم الدعاء بعد القراءة وقبل الركوع في الصلاة؟    عركي وفرفور وطه سليمان.. فنانون سودانيون أمام محكمة السوشيال ميديا    تعاون بين الجزيرة والفاو لإصلاح القطاع الزراعي وإعادة الإعمار    قُلْ: ليتني شمعةٌ في الظلامْ؟!    الكشف عن بشريات بشأن التيار الكهربائي للولاية للشمالية    ترامب: يجب السماح للسفن الأمريكية بالمرور مجاناً عبر قناتي السويس وبنما    كهرباء السودان توضح بشأن قطوعات التيار في ولايتين    تبادل جديد لإطلاق النار بين الهند وباكستان    علي طريقة محمد رمضان طه سليمان يثير الجدل في اغنيته الجديده "سوداني كياني"    دراسة: البروتين النباتي سر الحياة الطويلة    خبير الزلازل الهولندي يعلّق على زلزال تركيا    في حضرة الجراح: إستعادة التوازن الممكن    التحقيقات تكشف تفاصيل صادمة في قضية الإعلامية سارة خليفة    الجيش يشن غارات جوية على «بارا» وسقوط عشرات الضحايا    حملة لمكافحة الجريمة وإزالة الظواهر السالبة في مدينة بورتسودان    وزير المالية يرأس وفد السودان المشارك في إجتماعات الربيع بواشنطن    شندي تحتاج لعمل كبير… بطلوا ثرثرة فوق النيل!!!!!    ارتفاع التضخم في السودان    انتشار مرض "الغدة الدرقية" في دارفور يثير المخاوف    مستشفى الكدرو بالخرطوم بحري يستعد لاستقبال المرضى قريبًا    "مثلث الموت".. عادة يومية بريئة قد تنتهي بك في المستشفى    وفاة اللاعب أرون بوبيندزا في حادثة مأساوية    5 وفيات و19 مصابا في حريق "برج النهدة" بالشارقة    عضو وفد الحكومة السودانية يكشف ل "المحقق" ما دار في الكواليس: بيان محكمة العدل الدولية لم يصدر    ضبط عربة بوكس مستوبيشي بالحاج يوسف وعدد 3 مركبات ZY مسروقة وتوقف متهمين    الدفاع المدني ولاية الجزيرة يسيطر علي حريق باحدي المخازن الملحقة بنادي الاتحاد والمباني المجاورة    حسين خوجلي يكتب: نتنياهو وترامب يفعلان هذا اتعرفون لماذا؟    من حكمته تعالي أن جعل اختلاف ألسنتهم وألوانهم آيةً من آياته الباهرة    بعد سؤال الفنان حمزة العليلي .. الإفتاء: المسافر من السعودية إلى مصر غدا لا يجب عليه الصيام    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رحلة التطور الثانية
نشر في الراكوبة يوم 01 - 02 - 2017

لست بمدافع عن نظرية التطور فى بنائها المادى أو الفلسفى الالحادى, فبنائها المادى ربما أدرك جزءا من الحقيقة و هى السنن التى أودعها الله سبحانه و تعالى فى الكون و الموجودات نقطة على السطر ,أما بنائها الفلسفى فقد أضر بالتطوريون أنفسهم و هم لا يشعرون ,إنتهى بهم الحال إلى أن يرفضوا الإرتفاع عن الطين الأولى الذى خلقت منه الكائنات و منها الإنسان و أن يكتفوا بما يحسونه فى هذه (الحياة الدنيا) و هى كلمة معبرة جدا تشى بأن هناك حياة عليا تناسب تميز الانسان.
مبدأ التطور من الأبسط للأعقد و الافضل نفسه معروف فى كل أنواع العلوم فقد وافق العلم القرآن مثلا فى بدء خلق الكون من دخان أو سديم وعناصر أولية بسيطة منها الهيليوم و الهيدروجين ثم ولدت العناصر المعقدة فى قلوب النجوم الضخمة التى تحولت لسوبر نوفا و قذفت بمحتوياتها فى أرجاء الكون, حتى على مستوى علوم النفس و التاريخ و الجغرافيا و التوازن البيئى و الحيوى فهذا المبدأ معروف فى علوم البشر إلا أن علومنا ظاهريا تخبرنا أن هذه الاحداث التطورية تلقائية بلا إله و الدين يخبرنا أنها تلقائية بالقوانين التى أودعها فيها الخالق و غير تلقائية بتدخله الذى لا نراه و هناك إشارات لطيفة فى القرآن لما نظنه:
(قل سيروا فى الارض فانظروا كيف بدأ الخلق)
أوليس الله هو الخالق؟ هل هناك خالق غيره و هل هناك خلق يبدأ من عند نفسه؟
(يريد الله ان يخفف عنكم و خلق الانسان ضعيفا) ضعيفا هنا حسب سياق الآيات تعنى ضعيف أمام الشهوات التى أودعت فيه إبتداء من نشأة الطين الحيوانية.
لماذا بنيت خلق الانسان للمجهول؟
نلاحظ فى( كيف بدأ الخلق و خلق الإنسان ضعيفا) أنها إشارة لقوانين قديمة أودعها الخالق نفسه لتبدأ الخلق ثم تدخل فى النهاية ليسخر الكائنات و الطبيعة لخدمة الانسان و يسخر الانسان لعبادة الله كى يرتقى الانسان روحيا و سبحان الله هذا عين ما ظنه الناس فى آلية التطور (بدأ) أى ذاتيا و الله يعلمنا هنا أنه يعرف كيف سنفكر.
الرسالات السماوية نفسها مع أنها مثلت دينا واحدا هو التوحيد إلا أنها مرت برحلة تطور تمثلت فى شرائع مختلفة واكبت تطور المجتمعات و تنكبها عن السراط السوى.
لأغراض هذا المقال و أى مقالات قادمة فكلمة (تطور) عندى لا تعنى معناها المتعلق بنظرية التطور بل معناها اللغوى فقط, و ارجو الإنتباه إلى معانى فى القرآن تنسجم مع هذا المعنى اللغوى, أحسن تقويم, سويته, فعدلك (أى أوقفك منتصبا),أحسن الخالقين,فى أى صورة ما شاء ركبك و صوركم فأحسن صوركم.
التطوريون الملحدون قد رفضوا الأديان و كلمة أديان نفسها غير صحيحة على الاقل فى حق الديانات التوحيدية بل هو دين واحد هو الاسلام بإقرار القرآن مع إختلاف الشرائع التى تناسب كل مكان و زمان و التغييرات التى أدخلتها يد البشر على مراجع تلك الديانات, قال تعالى عن فطرة الايمان:
(فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا ۚ فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا ۚ لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ۚ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ) الروم/ 30
الإسلام في لغة القرآن ليس اسماً لدين خاص ، وإنما هو اسم للدّين المشترك الذي هتف به كل الأنبياء :
فنوح يقول لقومه : ( وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ ) يونس/72، والإسلام هو الدين الذي أمر الله به أبا الأنبياء إبراهيم ( إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ ) البقرة/ 131، ويوصي كل من إبراهيم ويعقوب أبناءه قائلاً : ( فَلاَ تَمُوتُنَّ إَلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ ) البقرة/132، وأبناء يعقوب يجيبون أباهم : ( نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ ) البقرة/133، وموسى يقول لقومه : ( يَا قَوْمِ إِن كُنتُمْ آمَنتُم بِاللهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُواْ إِن كُنتُم مُّسْلِمِينَ ) يونس/84، والحواريون يقولون لعيسى : ( آمَنَّا بِاللهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ ) آل عمران/52، وحين سمع فريق من أهل الكتاب القرآن ( قَالُوا آمَنَّا بِهِ إِنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّنَا إِنَّا كُنَّا مِن قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ ) القصص/53.
القرآن يحدثنا عن الإنسان كنوع متميز و لكن اهم مافى القرآن هو أنه إعتبر الفرد الإنسانى نفسا , الملاحظ فى مسيرة الكائنات الحية التى نشات من الطين أنها بدأت بسيطة ثم تغير الوضع إلى الصراع و الإنتقاء و كانت الاسلحة هى إما (العضلات و الفكوك و المخالب) و إما العقل أم الجميع, الانسان ما زال يعيش فى هذا الوسط المتوحش بأدوات دمار أفظع و مازال, أما (إنا خلقنا الانسن فى كبد) ,هذه الاية تتحدث عن خلق النوع الانسانى (فى الماضى) فى كبد و إبتلاء ثم إصطفاء, ثم الإنسان عندما إرتفع قليلا عن مصاف الحيوانية أكرمه الله بالعقل ثم أخيرا النفس الالهى.
نازعنى بعض القراء فى أن نبتليه فى (نبتليه فجعلناه سميعا بصيرا) قصد بها إبتلاء الانسان الدينى,أرجو منهم الرجوع للفروق الطفيفة (فى القرآن) بين نبتلى و نبلو!!!! , بإختصار الابتلاء هو الاختبار ثم الاختيار (و ابتلوا اليتامى), أما نبلو فهو إستخراج فعل الخير أو الشر من الانسان عن طريق الابتلاء.
الانسان فى مسيره فى هذه الحياة تتجاذبه من داخله نازعتان فطريتان هما الفجور و التقوى(الايمان), و لكن الفجور هو أسبق من التقوى , قال تعالى (و نفس و ما سواها فالهمها فجورها و تقواها) ,ترتيب اسبقية و ليس أفضلية.
رحلة التطور الاولى إنتهت بتربع الانسان على قمة هرم الكائنات كأذكى مخلوق و بالتالى سيطرة العقل على العلم البشرى بيد أن الدين أتى لرفع الانسان من محيطه المادى إلى فضاءات أرحب,رحلة التطور الاولى كانت إجبارية عبر السنن الالهية المستقرة و عبر التدخل الالهى(الذى أعطى كل شئ خلقه ثم هدى)(الذى خلق فسوى و الذى قدر فهدى) أما الرحلة الثانية فإختيارية,الأولى كما قال الفلاسفة الإلهيون كانت بالقوة أما الثانية فبالفعل.
التطوريون الملحدون عندما رفضوا الدين نتيجة لأشياء كثيرة يعلمها القارئ حكموا على أنفسهم و أتباعهم برفض التطور الثانى و هو الروحى المتعلق بالنفس , و فوائد اخرى للدين إذا فهم و طبق صحيحا.
التطور البدنى و العقلى للإنسان إستدعى الصراع مع عوامل الطبيعة و الحيوانات المفترسة و البشر الآخرين, و الصراع مبدأ فلسفى معروف لدى المفكرين يؤثر على كل شئ فى الكون من الذرات و حتى المجرات و المجتمعات البشرية و الافكار و غيرها.
أما رحلة التطور الثانية وهى غير مادية فى طبيعتها فقد إستدعت الحكمة الالهية ان يكون الصراع مع كائن مختلف غير مادى فى طبيعته و هو الشيطان, أنتهز هذه الفرصة لارد على قارئ إستحلفنى باليوم الآخر إن كنت قد رأيت شيطانا او جانا أو أيا من تلك الكائنات الغيبية, الرد على هذا السؤال غير مفيد لسبب بسيط ,هو أن تلك الكائنات غير مرئية اصلا للعين البشرية أما عندما يريد الله أن نراها فهو يجعلها مرئية بصور ذهنية مرمزة ترسل مباشرة للعقل البشرى . إذن فى هذه الحالة سيقول لى المتشكك ربما رايت هلاوس بصرية و قد يوجهنى بالذهاب للطبيب النفسى!!!
الهدف من العبادة هو تزكية نفس الانسان و زيادة نورها الروحى الاولى الذى أودعه فيها الخالق (قد أفلح من زكاها و قد خاب من دساها) و هو التطور الثانى الاختيارى كما أسلفت.
من ضمن الشكوك المتعلقة بمبدأ العقاب و الثواب الأخروى هو أن لا منطق فى أن يخلق الله كل هذا ليعيش بعضا من الناس فى الجنة للأبد و آخرون فى النار للأبد, نظريا هذا كلام صحيح و لكن الأمر يعتمد عى مفهومنا للخلق و التطور من الأسفل إلى الأعلى ومعنى (الأبد) فى اللغة ولا أقول اللغة العربية فقط و لكن لغة القرآن الاصطلاحية بحثا عن المتشابه و حلا للمعنى المثانى.
للأبد و أبدا و الخلود عندنا تفهم على اساس سرمدى و لكن لمراجع اللغة و القرآن كلام آخر, فكلمة خلود فى القرآن بالنسبة للحياة الدنيا تعنى العيش بل إنقطاع لحين إنتهاء الحياة عى الارض و التى أخبرنا القرآن بانها ستنتهى بصورتها يوما ما و هو يوم القيامة والبعث, أما كلمة أبدا فى اللغة فتعنى بلا إنقطاع فلننظر فى القرآن لنرى معنى الكلمتين الاصطلاحى:
وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً ((أَبَدًا ۚ ))وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (4) إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِن بَعْدِ ذَٰلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ(5) النور
واضح من الآية أعلاه أن ابدا تعنى بلا إنقطاع لفترة طويلة قد ينقطع طولها بسبب التوبة أو الموت.
ورد ذكر أبدا فى القرآن فى 28 آية منها حالات فى الدنيا و حالات فى الآخرة فلننظر ماذا قيل عن الخلود فى الآخرة سواء لأهل الجنة أو أهل النار.
فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ (106) ((خَالِدِينَ)) فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ ۚ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ (107) ۞ وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ ((خَالِدِينَ فِيهَا ))مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ ۖ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ(108) هود
كل المفسرين إتفقوا على هذا المعنى الواضح الذى لا لبس فيه أن بقاء الفريقين ابدا فى الخلود مرهون بمشيئة الله و مادامت السموات و الارض, و معلوم لدينا أن السموات و الارض ليستا دائمتين بنص القرآن و بمفهوم آخر النظريات الفلكية .
و يعزز هذا القول أيضا الايات التالية
إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَادًا (21) لِّلطَّاغِينَ مَآبًا (22) لَّابِثِينَ فِيهَا أَحْقَابًا(23)
الحقبة هى فترة طويلة غير محددة من الزمن قد تصل إلى ملايين السنين و لكنها تظل محدودة .
ما الهدف من العبادة إذن ؟
العبادة هى طريق مختصر لترقية الروح و تزكيتها,التزكية تعنى زيادة النور الاولى الذى نفخه الله فى الانسان و تتم التزكية للمؤمن فى الدنيا عن طريق الايمان و الاعمال الصالحة, قال تعالى:
أَوَمَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا ۚ كَذَٰلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ(122) الانعام
ما الهدف من الجنة؟
كثير من غير المؤمنين يسخرون من الجنة و مافيها من جنات تجرى تحتها الانهار وقصورو نعيم و مآكل و مشارب و ملك و حور عين... لكن لا وجه للسخرية ,أليس هذا مايريده كل منا فى الدنيا ؟؟؟!! لكن هناك هدف آخر غير الإستمتاع و هو موجود بين دفتى المصحف !!
لَا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا ۖ وَهُمْ فِي مَا(( اشْتَهَتْ)) أَنفُسُهُمْ خَالِدُونَ(102) الانبياء
والهدف هو التخلص من الشهوات التى علق بها قلب المؤمن فى الدنيا و لم يحصل عليها و أيضا تطهير قلوب المؤمنين من أوضار ضغائن الحياة الدنيا التى سببها الصراع الدنيوى.
إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ(45)ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ آمِنِينَ(46)وَنَزَعْنَا مَا فِي ((صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ ))إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ(47) الحجر
ملحوظة صغيرة عن فعل الماضى فى القرآن الكريم: أحيانا يستخدم للتأكيد على أشياء ستحدث فى الآخرة (إنا أنشأنهن إنشاء) و (نزعنا مافى صدورهم من غل), أما فى الدنيا فالقرآن يستخدم الماضى كماضى. ذلك الإستخدام قاصر على أفعال المولى سبحانه فقط حصرا. هناك إستثنائين فالذات الالهية لا يحويها مكان و لا زمان فتعلم الغيب و تخبرنا ماتريد : (ظهر الفساد فى البر و البحر بما كسبت أيدى الناس- التلوث البيئى الحاصل الآن, ما كسبت معناها غير ما إكتسبت-كسبت قد تكون خيرا و شرا أما إكتسبت فهو شر, (أو لم ير الذين كفروا أن السماوات و الارض كانت رتقا ففتقناهما)-إكتشاف الملحدين لبعض أسرار خلق الكون.
هناك هدف آخر
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحًا عَسَىٰ رَبُّكُمْ أَن يُكَفِّرَ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ ۖ( نُورُهُمْ) يَسْعَىٰ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا( نُورَنَا) وَاغْفِرْ لَنَا ۖ إِنَّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ(8) التحريم
إتمام النور الذى حصل عليه المؤمن فى الدنيا بعد أن يشبع حرمانه,يضاف إليه نور آخر فى الجنة.
ما الهدف من النار؟
يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ (13) ذُوقُوا فِتْنَتَكُمْ هَٰذَا الَّذِي كُنتُم بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ(14)
الهدف من النار ليس مطلق العذاب فقط و لكنه التطهير من الظلام الذى دخل على قلوب الظالمين و فى اللغة العربية يقال فتن الذهب بالنار اى نقى من الشوائب, ولكن الله تعالى ذكر فى آية أخرى ان أى هول نلاقيه فى الدنيا هو فتنة و أهوال الآخرة هى العذاب .
وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ (فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ) وَلَئِن جَاءَ نَصْرٌ مِّن رَّبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ ۚ أَوَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِمَا فِي صُدُورِ الْعَالَمِينَ(10) العنكبوت
كلمة فتنة فى اللغة العربية من معانيها شهوة يتبعها ندم أم إمتحان صعب فى الدنيا و لكن للقرآن معنى إصطلاحى آخر كما تقدم, نلاحظ أن شجرة الزقوم فى الآخرة أستخدمت معها كلمة فتنة بمعناها اللغوى أى أن الظالمين سيأكلون منها و لكنها ستدخل فى بطونهم نارا و عذابا شديدا.
طيب الله سبحانه يقول أن عذاب الاخرة هو العذاب و عذاب الناس هو فتنة و الآية السابقة تقول (على النار يفتنون),ما الحل و القرآن لا يناقض بعضه بعضا ؟ كلمة فتنة هناك (تعنى التطهير) أذ أن الفتنة هى فى الدنيا فقط و يعزز هذا القول الاية التالية بشان المؤمنين (الجهنميين) الذين يردون النار لفترة محدودة يتطهرون فيها ثم يدخلون الجنة و قد إختلف المفسرون فى معنى الآية و لكن معناها اللغوى واضح فى نهايتها (حتما مقضيا) أى امر صارم لا رجعة فيه و لا بد منه, إذ أن الوجدان السليم لا يقبل أن يقوم مسلم مثلا بإرتكاب ذنوب كثيرة فى حق الخالق أوالخلق ثم لا يعاقب عليها –هذا أمر غير منطقى.
وَإِن مِّنكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا ۚ كَانَ عَلَىٰ رَبِّكَ حَتْمًا مَّقْضِيًّا (71) ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوا وَّنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا(72) مريم
قال أكثر المفسرين ان واردها تعنى المرور عليها أو بقربها إستئناسا ببعض الاحاديث و لكن الآية التالية توضح أن ورود جهنم يعنى دخولها عملا بقاعدة المتشابه:
(ولقد أرسلنا موسى بآياتنا وسلطان مبين إلى فرعون وملئه فاتبعوا أمر فرعون وما أمر فرعون برشيد .يقدم قومه يوم القيامة فأوردهم النار وبئس الورد المورود وأتبعوا في هذه لعنة ويوم القيامة بئس الرفد المرفود) هود/97-98
أنواع الجنان :
1-جنة سيدنا آدم و كانت فى الدنيا كما أسلفت فى مقالات سابقة و كان الهدف منها أن ينال فيها آدم درسا قاسيا و يشتاق هو و ذريته للعودة إليها.
2- الجنة البرزخية عند الممات و هذه تكون للمقربين ذكرت فى مواضع كثيرة منها :
وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا ۚ بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (169) فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ(170) آل عمران
و هناك أيضا نار برزخية لاشد الظالمين:
فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا ۖ وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ (45) النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا ۖ وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ(46) غافر
3- جنة الآخرة (الخلد) المذكورة فى القرآن
4- جنة المأوى وهى أعلى درجات الجنان
عِندَ سِدْرَةِ الْمُنتَهَىٰ (14) عِندَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَىٰ (15) إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَىٰ(16) النجم
من التفاسير الخاطئة أن سدرة المنتهى هى شجرة سدر و لكن بالرجوع للقواميس المعتمدة وجدت أن كلمة سدرة ايضا تعنى مصدر (سدر) و التى تعنى الحد الاقصى و منها على سبيل المثال (سدر فى غيه), و قد قيل أنها مكان يضل فيه العقل البشرى العادى المعتاد على الادراك الشفعى (معرفة الاشياء باضدادها) هى محل المعرفة الصمدية حيث يكون الفكر وترا لا شفعة فيه.
هناك اشارة لطيفة فى الآيات: يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (27) ارْجِعِي إِلَىٰ رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً (28) فَادْخُلِي فِي عِبَادِي (29) وَادْخُلِي جَنَّتِي(30) الفجر
الملاحظ أن المخاطب هنا هو( النفس) فقط و الدخول إلى (جنتى) ,هل هى جنة المأوى؟ على الاغلب نعم و الله أعلم.
هذه الآية نستخدمها كثيرا فى نعى أمواتنا و هى لا تنطبق على المرحلة الاولى من الجنة.
ففى جنة الخلد المعروفة فى الآخرة فالدخول يكون بالجسد و الروح مثال:
ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ(70) الزخرف
وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُم مِّنْ عَمَلِهِم مِّن شَيْءٍ ۚ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ(21) الطور
كثير من الثقافات و الأديان المختلفة لديها رؤى مختلفة عن الجزاء الاخروى و لكن من الطريف معرفة راى علماء الرياضيات فى هذا الموضوع:
(رهان باسكال) هو حجة مبنية على نظرية الإحتمالات وتستخدم للاحتجاج بضرورة الإيمان بوجود الله على الرغم من عدم إمكانية إثبات وجوده أو عدم وجوده عقلياً ,بليز باسكال هو من صاغ الحجة.
1-إن آمنت بالله وكان الله موجوداً، فسيكون جزاؤك الخلود في الجنة، وهذا ربح لامحدود.
2-إن لم تؤمن بالله وكان الله موجوداً، فسيكون جزاؤك الخلود في جهنم، وهذه خسارة لامحدودة.
3-إن آمنت بالله وكان الله غير موجود، فلن تُجزى على ذلك، وهذه خسارة محدودة.
4-إن لم تؤمن بالله وكان الله غير موجود، فلن تُعاقب لكنك ستكون قد عشت حياتك، وهذا ربح محدود.
الأرباح والخسائر في النقاط 3 و4 يمكن اعتبارها كخسارة الفرص الناتجة عن ادعاء الإيمان والعيش حسب قوانين الدين كونها في أغلب الأحيان أكثر صرامةً من القوانين المدنية. هذه الخسائر محدودة لأن الإنسان سيموت. رياضياً، أي ربح محدود أو خسارة محدودة يمكن إهمالها عند المقارنه بالأرباح والخسائر اللامحدودة، وهذا هو الحال في الحياة الأبدية بعد الموت. وبالتالي، استنتج باسكال أن الإيمان بالله هو الخيار الأفضل مقارنة مع عدم الإيمان به. إذا وضعنا الرهان في جدول، سيتضح لنا أن الإيمان يعطينا الربح أو (تقريباً) لا شيء في حين أن عدم الإيمان يعطينا الخسارة أو (تقريباً) لا شيء.
واضح و هذا ليس من عندى بل بالقرآن نفسه أن منطق الجنة والنار كونهما ممر للتطهير و إتمام النور إن وجد و تواصل الترقى إلى أن يتخلص الانسان من شهواته أو الظلمة التى أحاطت بقلبه, أما إلى أين يصير هذا الترقى فالله وحده يعلم ,نحن لم نفهم الحياة الدنيا جيدا و لم نر الآخرة بعد و بالتالى لا نستطيع ان نعرف ما بعد الآخرة و هذا علم لا فائدة منه فى الوقت الراهن, الشئ الوحيد الذى نعلمه أن التطوريون (الملحدون) قد حكموا على أنفسهم بسجنها فى قالب الطين و رفضوا التطور الثانى, أما نحن المسلمون فقد سجنا انفسنا فى التأريخ و الخلافات المذهبية و إتخذنا القرآن مهجورا و أهملنا ترتيب شؤون حياتنا الدنيا,نسال الله السلامة.
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.