رونالدو بنشوة الانتصار: المشوار لا يزال طويلًا.. ولا أحد يحسم الدوري في منتصف الموسم    البرهان يطلق تصريحات جديدة مدويّة بشأن الحرب    الصادق الرزيقي يكتب: البرهان وحديث انقرة    انطلاقًا من الأراضي الإثيوبية..الجيش السوداني يتحسّب لهجوم    الأهلي مروي يستعين بجبل البركل وعقد الفرقة يكتمل اليوم    عبدالصمد : الفريق جاهز ونراهن على جماهيرنا    المريخ بورتسودان يكسب النيل سنجة ويرتقي للوصافة.. والقوز أبوحمد والمريخ أم روابة "حبايب"    الوطن بين احداثيات عركي (بخاف) و(اضحكي)    شاهد بالفيديو.. مطرب سوداني يرد على سخرية الجمهور بعد أن شبهه بقائد الدعم السريع: (بالنسبة للناس البتقول بشبه حميدتي.. ركزوا مع الفلجة قبل أعمل تقويم)    الخرطوم وأنقرة .. من ذاكرة التاريخ إلى الأمن والتنمية    السودان يعرب عن قلقه البالغ إزاء التطورات والإجراءات الاحادية التي قام بها المجلس الإنتقالي الجنوبي في محافظتي المهرة وحضرموت في اليمن    شاهد بالفيديو.. (ما تمشي.. يشيلوا المدرسين كلهم ويخلوك انت بس) طلاب بمدرسة إبتدائية بالسودان يرفضون مغادرة معلمهم بعد أن قامت الوزارة بنقله ويتمسكون به في مشهد مؤثر    "صومالاند حضرموت الساحلية" ليست صدفة!    مدرب المنتخب السوداني : مباراة غينيا ستكون صعبة    لميس الحديدي في منشورها الأول بعد الطلاق من عمرو أديب    شاهد بالفيديو.. مشجعة المنتخب السوداني الحسناء التي اشتهرت بالبكاء في المدرجات تعود لأرض الوطن وتوثق لجمال الطبيعة بسنكات    تحولا لحالة يرثى لها.. شاهد أحدث صور لملاعب القمة السودانية الهلال والمريخ "الجوهرة" و "القلعة الحمراء"    القوات المسلحة: هجوم الطينة بطائرة مسيّرة عملٌ عدائي لمليشيا آل دقلو ويهدد أمن الإقليم    رقم تاريخي وآخر سلبي لياسين بونو في مباراة المغرب ومالي    شرطة ولاية القضارف تضع حدًا للنشاط الإجرامي لعصابة نهب بالمشروعات الزراعية    استخدام وسائل التواصل الاجتماعي وراء تزايد تشتت انتباه المراهقين    بدء أعمال ورشة مساحة الإعلام في ظل الحكومة المدنية    مشروبات تخفف الإمساك وتسهل حركة الأمعاء    منى أبو زيد يكتب: جرائم الظل في السودان والسلاح الحاسم في المعركة    «صقر» يقود رجلين إلى المحكمة    شرطة محلية بحري تنجح في فك طلاسم إختطاف طالب جامعي وتوقف (4) متهمين متورطين في البلاغ خلال 72ساعة    بالفيديو.. بعد هروب ومطاردة ليلاً.. شاهد لحظة قبض الشرطة السودانية على أكبر مروج لمخدر "الآيس" بأم درمان بعد كمين ناجح    ناشط سوداني يحكي تفاصيل الحوار الذي دار بينه وبين شيخ الأمين بعد أن وصلت الخلافات بينهما إلى "بلاغات جنائية": (والله لم اجد ما اقوله له بعد كلامه سوى العفو والعافية)    منتخب مصر أول المتأهلين إلى ثمن النهائي بعد الفوز على جنوب أفريقيا    كيف واجه القطاع المصرفي في السودان تحديات الحرب خلال 2025    إبراهيم شقلاوي يكتب: وحدة السدود تعيد الدولة إلى سؤال التنمية المؤجَّل    مباحث قسم الصناعات تنهي نشاط شبكة النصب والاحتيال عبر إستخدام تطبيق بنكك المزيف    وحدة السدود تعيد الدولة إلى سؤال التنمية المؤجَّل    تراجع أسعار الذهب عقب موجة ارتفاع قياسية    وزير الداخلية التركي يكشف تفاصيل اختفاء طائرة رئيس أركان الجيش الليبي    "سر صحي" في حبات التمر لا يظهر سريعا.. تعرف عليه    والي الخرطوم: عودة المؤسسات الاتحادية خطوة مهمة تعكس تحسن الأوضاع الأمنية والخدمية بالعاصمة    فيديو يثير الجدل في السودان    ولاية الجزيرة تبحث تمليك الجمعيات التعاونية الزراعية طلمبات ري تعمل بنظام الطاقة الشمسية    شرطة ولاية نهر النيل تضبط كمية من المخدرات في عمليتين نوعيتين    الكابلي ووردي.. نفس الزول!!    استقالة مدير بنك شهير في السودان بعد أيام من تعيينه    كيف تكيف مستهلكو القهوة بالعالم مع موجة الغلاء؟    اكتشاف هجوم احتيالي يخترق حسابك على "واتسآب" دون أن تشعر    قبور مرعبة وخطيرة!    عزمي عبد الرازق يكتب: عودة لنظام (ACD).. محاولة اختراق السودان مستمرة!    البرهان يصل الرياض    مسيّرتان انتحاريتان للميليشيا في الخرطوم والقبض على المتّهمين    إسحق أحمد فضل الله يكتب: (حديث نفس...)    مياه الخرطوم تكشف تفاصيل بشأن محطة سوبا وتنويه للمواطنين    الصحة الاتحادية تُشدد الرقابة بمطار بورتسودان لمواجهة خطر ماربورغ القادم من إثيوبيا    مقترح برلماني بريطاني: توفير مسار آمن لدخول السودانيين إلى بريطانيا بسهولة    الشتاء واكتئاب حواء الموسمي    عثمان ميرغني يكتب: تصريحات ترامب المفاجئة ..    "كرتي والكلاب".. ومأساة شعب!    ما الحكم الشرعى فى زوجة قالت لزوجها: "من اليوم أنا حرام عليك"؟    حسين خوجلي: (إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار فأنظر لعبد الرحيم دقلو)    حسين خوجلي يكتب: عبد الرجيم دقلو.. إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار!!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رحلة التطور الثانية
نشر في الراكوبة يوم 01 - 02 - 2017

لست بمدافع عن نظرية التطور فى بنائها المادى أو الفلسفى الالحادى, فبنائها المادى ربما أدرك جزءا من الحقيقة و هى السنن التى أودعها الله سبحانه و تعالى فى الكون و الموجودات نقطة على السطر ,أما بنائها الفلسفى فقد أضر بالتطوريون أنفسهم و هم لا يشعرون ,إنتهى بهم الحال إلى أن يرفضوا الإرتفاع عن الطين الأولى الذى خلقت منه الكائنات و منها الإنسان و أن يكتفوا بما يحسونه فى هذه (الحياة الدنيا) و هى كلمة معبرة جدا تشى بأن هناك حياة عليا تناسب تميز الانسان.
مبدأ التطور من الأبسط للأعقد و الافضل نفسه معروف فى كل أنواع العلوم فقد وافق العلم القرآن مثلا فى بدء خلق الكون من دخان أو سديم وعناصر أولية بسيطة منها الهيليوم و الهيدروجين ثم ولدت العناصر المعقدة فى قلوب النجوم الضخمة التى تحولت لسوبر نوفا و قذفت بمحتوياتها فى أرجاء الكون, حتى على مستوى علوم النفس و التاريخ و الجغرافيا و التوازن البيئى و الحيوى فهذا المبدأ معروف فى علوم البشر إلا أن علومنا ظاهريا تخبرنا أن هذه الاحداث التطورية تلقائية بلا إله و الدين يخبرنا أنها تلقائية بالقوانين التى أودعها فيها الخالق و غير تلقائية بتدخله الذى لا نراه و هناك إشارات لطيفة فى القرآن لما نظنه:
(قل سيروا فى الارض فانظروا كيف بدأ الخلق)
أوليس الله هو الخالق؟ هل هناك خالق غيره و هل هناك خلق يبدأ من عند نفسه؟
(يريد الله ان يخفف عنكم و خلق الانسان ضعيفا) ضعيفا هنا حسب سياق الآيات تعنى ضعيف أمام الشهوات التى أودعت فيه إبتداء من نشأة الطين الحيوانية.
لماذا بنيت خلق الانسان للمجهول؟
نلاحظ فى( كيف بدأ الخلق و خلق الإنسان ضعيفا) أنها إشارة لقوانين قديمة أودعها الخالق نفسه لتبدأ الخلق ثم تدخل فى النهاية ليسخر الكائنات و الطبيعة لخدمة الانسان و يسخر الانسان لعبادة الله كى يرتقى الانسان روحيا و سبحان الله هذا عين ما ظنه الناس فى آلية التطور (بدأ) أى ذاتيا و الله يعلمنا هنا أنه يعرف كيف سنفكر.
الرسالات السماوية نفسها مع أنها مثلت دينا واحدا هو التوحيد إلا أنها مرت برحلة تطور تمثلت فى شرائع مختلفة واكبت تطور المجتمعات و تنكبها عن السراط السوى.
لأغراض هذا المقال و أى مقالات قادمة فكلمة (تطور) عندى لا تعنى معناها المتعلق بنظرية التطور بل معناها اللغوى فقط, و ارجو الإنتباه إلى معانى فى القرآن تنسجم مع هذا المعنى اللغوى, أحسن تقويم, سويته, فعدلك (أى أوقفك منتصبا),أحسن الخالقين,فى أى صورة ما شاء ركبك و صوركم فأحسن صوركم.
التطوريون الملحدون قد رفضوا الأديان و كلمة أديان نفسها غير صحيحة على الاقل فى حق الديانات التوحيدية بل هو دين واحد هو الاسلام بإقرار القرآن مع إختلاف الشرائع التى تناسب كل مكان و زمان و التغييرات التى أدخلتها يد البشر على مراجع تلك الديانات, قال تعالى عن فطرة الايمان:
(فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا ۚ فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا ۚ لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ۚ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ) الروم/ 30
الإسلام في لغة القرآن ليس اسماً لدين خاص ، وإنما هو اسم للدّين المشترك الذي هتف به كل الأنبياء :
فنوح يقول لقومه : ( وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ ) يونس/72، والإسلام هو الدين الذي أمر الله به أبا الأنبياء إبراهيم ( إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ ) البقرة/ 131، ويوصي كل من إبراهيم ويعقوب أبناءه قائلاً : ( فَلاَ تَمُوتُنَّ إَلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ ) البقرة/132، وأبناء يعقوب يجيبون أباهم : ( نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ ) البقرة/133، وموسى يقول لقومه : ( يَا قَوْمِ إِن كُنتُمْ آمَنتُم بِاللهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُواْ إِن كُنتُم مُّسْلِمِينَ ) يونس/84، والحواريون يقولون لعيسى : ( آمَنَّا بِاللهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ ) آل عمران/52، وحين سمع فريق من أهل الكتاب القرآن ( قَالُوا آمَنَّا بِهِ إِنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّنَا إِنَّا كُنَّا مِن قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ ) القصص/53.
القرآن يحدثنا عن الإنسان كنوع متميز و لكن اهم مافى القرآن هو أنه إعتبر الفرد الإنسانى نفسا , الملاحظ فى مسيرة الكائنات الحية التى نشات من الطين أنها بدأت بسيطة ثم تغير الوضع إلى الصراع و الإنتقاء و كانت الاسلحة هى إما (العضلات و الفكوك و المخالب) و إما العقل أم الجميع, الانسان ما زال يعيش فى هذا الوسط المتوحش بأدوات دمار أفظع و مازال, أما (إنا خلقنا الانسن فى كبد) ,هذه الاية تتحدث عن خلق النوع الانسانى (فى الماضى) فى كبد و إبتلاء ثم إصطفاء, ثم الإنسان عندما إرتفع قليلا عن مصاف الحيوانية أكرمه الله بالعقل ثم أخيرا النفس الالهى.
نازعنى بعض القراء فى أن نبتليه فى (نبتليه فجعلناه سميعا بصيرا) قصد بها إبتلاء الانسان الدينى,أرجو منهم الرجوع للفروق الطفيفة (فى القرآن) بين نبتلى و نبلو!!!! , بإختصار الابتلاء هو الاختبار ثم الاختيار (و ابتلوا اليتامى), أما نبلو فهو إستخراج فعل الخير أو الشر من الانسان عن طريق الابتلاء.
الانسان فى مسيره فى هذه الحياة تتجاذبه من داخله نازعتان فطريتان هما الفجور و التقوى(الايمان), و لكن الفجور هو أسبق من التقوى , قال تعالى (و نفس و ما سواها فالهمها فجورها و تقواها) ,ترتيب اسبقية و ليس أفضلية.
رحلة التطور الاولى إنتهت بتربع الانسان على قمة هرم الكائنات كأذكى مخلوق و بالتالى سيطرة العقل على العلم البشرى بيد أن الدين أتى لرفع الانسان من محيطه المادى إلى فضاءات أرحب,رحلة التطور الاولى كانت إجبارية عبر السنن الالهية المستقرة و عبر التدخل الالهى(الذى أعطى كل شئ خلقه ثم هدى)(الذى خلق فسوى و الذى قدر فهدى) أما الرحلة الثانية فإختيارية,الأولى كما قال الفلاسفة الإلهيون كانت بالقوة أما الثانية فبالفعل.
التطوريون الملحدون عندما رفضوا الدين نتيجة لأشياء كثيرة يعلمها القارئ حكموا على أنفسهم و أتباعهم برفض التطور الثانى و هو الروحى المتعلق بالنفس , و فوائد اخرى للدين إذا فهم و طبق صحيحا.
التطور البدنى و العقلى للإنسان إستدعى الصراع مع عوامل الطبيعة و الحيوانات المفترسة و البشر الآخرين, و الصراع مبدأ فلسفى معروف لدى المفكرين يؤثر على كل شئ فى الكون من الذرات و حتى المجرات و المجتمعات البشرية و الافكار و غيرها.
أما رحلة التطور الثانية وهى غير مادية فى طبيعتها فقد إستدعت الحكمة الالهية ان يكون الصراع مع كائن مختلف غير مادى فى طبيعته و هو الشيطان, أنتهز هذه الفرصة لارد على قارئ إستحلفنى باليوم الآخر إن كنت قد رأيت شيطانا او جانا أو أيا من تلك الكائنات الغيبية, الرد على هذا السؤال غير مفيد لسبب بسيط ,هو أن تلك الكائنات غير مرئية اصلا للعين البشرية أما عندما يريد الله أن نراها فهو يجعلها مرئية بصور ذهنية مرمزة ترسل مباشرة للعقل البشرى . إذن فى هذه الحالة سيقول لى المتشكك ربما رايت هلاوس بصرية و قد يوجهنى بالذهاب للطبيب النفسى!!!
الهدف من العبادة هو تزكية نفس الانسان و زيادة نورها الروحى الاولى الذى أودعه فيها الخالق (قد أفلح من زكاها و قد خاب من دساها) و هو التطور الثانى الاختيارى كما أسلفت.
من ضمن الشكوك المتعلقة بمبدأ العقاب و الثواب الأخروى هو أن لا منطق فى أن يخلق الله كل هذا ليعيش بعضا من الناس فى الجنة للأبد و آخرون فى النار للأبد, نظريا هذا كلام صحيح و لكن الأمر يعتمد عى مفهومنا للخلق و التطور من الأسفل إلى الأعلى ومعنى (الأبد) فى اللغة ولا أقول اللغة العربية فقط و لكن لغة القرآن الاصطلاحية بحثا عن المتشابه و حلا للمعنى المثانى.
للأبد و أبدا و الخلود عندنا تفهم على اساس سرمدى و لكن لمراجع اللغة و القرآن كلام آخر, فكلمة خلود فى القرآن بالنسبة للحياة الدنيا تعنى العيش بل إنقطاع لحين إنتهاء الحياة عى الارض و التى أخبرنا القرآن بانها ستنتهى بصورتها يوما ما و هو يوم القيامة والبعث, أما كلمة أبدا فى اللغة فتعنى بلا إنقطاع فلننظر فى القرآن لنرى معنى الكلمتين الاصطلاحى:
وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً ((أَبَدًا ۚ ))وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (4) إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِن بَعْدِ ذَٰلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ(5) النور
واضح من الآية أعلاه أن ابدا تعنى بلا إنقطاع لفترة طويلة قد ينقطع طولها بسبب التوبة أو الموت.
ورد ذكر أبدا فى القرآن فى 28 آية منها حالات فى الدنيا و حالات فى الآخرة فلننظر ماذا قيل عن الخلود فى الآخرة سواء لأهل الجنة أو أهل النار.
فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ (106) ((خَالِدِينَ)) فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ ۚ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ (107) ۞ وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ ((خَالِدِينَ فِيهَا ))مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ ۖ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ(108) هود
كل المفسرين إتفقوا على هذا المعنى الواضح الذى لا لبس فيه أن بقاء الفريقين ابدا فى الخلود مرهون بمشيئة الله و مادامت السموات و الارض, و معلوم لدينا أن السموات و الارض ليستا دائمتين بنص القرآن و بمفهوم آخر النظريات الفلكية .
و يعزز هذا القول أيضا الايات التالية
إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَادًا (21) لِّلطَّاغِينَ مَآبًا (22) لَّابِثِينَ فِيهَا أَحْقَابًا(23)
الحقبة هى فترة طويلة غير محددة من الزمن قد تصل إلى ملايين السنين و لكنها تظل محدودة .
ما الهدف من العبادة إذن ؟
العبادة هى طريق مختصر لترقية الروح و تزكيتها,التزكية تعنى زيادة النور الاولى الذى نفخه الله فى الانسان و تتم التزكية للمؤمن فى الدنيا عن طريق الايمان و الاعمال الصالحة, قال تعالى:
أَوَمَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا ۚ كَذَٰلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ(122) الانعام
ما الهدف من الجنة؟
كثير من غير المؤمنين يسخرون من الجنة و مافيها من جنات تجرى تحتها الانهار وقصورو نعيم و مآكل و مشارب و ملك و حور عين... لكن لا وجه للسخرية ,أليس هذا مايريده كل منا فى الدنيا ؟؟؟!! لكن هناك هدف آخر غير الإستمتاع و هو موجود بين دفتى المصحف !!
لَا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا ۖ وَهُمْ فِي مَا(( اشْتَهَتْ)) أَنفُسُهُمْ خَالِدُونَ(102) الانبياء
والهدف هو التخلص من الشهوات التى علق بها قلب المؤمن فى الدنيا و لم يحصل عليها و أيضا تطهير قلوب المؤمنين من أوضار ضغائن الحياة الدنيا التى سببها الصراع الدنيوى.
إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ(45)ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ آمِنِينَ(46)وَنَزَعْنَا مَا فِي ((صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ ))إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ(47) الحجر
ملحوظة صغيرة عن فعل الماضى فى القرآن الكريم: أحيانا يستخدم للتأكيد على أشياء ستحدث فى الآخرة (إنا أنشأنهن إنشاء) و (نزعنا مافى صدورهم من غل), أما فى الدنيا فالقرآن يستخدم الماضى كماضى. ذلك الإستخدام قاصر على أفعال المولى سبحانه فقط حصرا. هناك إستثنائين فالذات الالهية لا يحويها مكان و لا زمان فتعلم الغيب و تخبرنا ماتريد : (ظهر الفساد فى البر و البحر بما كسبت أيدى الناس- التلوث البيئى الحاصل الآن, ما كسبت معناها غير ما إكتسبت-كسبت قد تكون خيرا و شرا أما إكتسبت فهو شر, (أو لم ير الذين كفروا أن السماوات و الارض كانت رتقا ففتقناهما)-إكتشاف الملحدين لبعض أسرار خلق الكون.
هناك هدف آخر
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحًا عَسَىٰ رَبُّكُمْ أَن يُكَفِّرَ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ ۖ( نُورُهُمْ) يَسْعَىٰ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا( نُورَنَا) وَاغْفِرْ لَنَا ۖ إِنَّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ(8) التحريم
إتمام النور الذى حصل عليه المؤمن فى الدنيا بعد أن يشبع حرمانه,يضاف إليه نور آخر فى الجنة.
ما الهدف من النار؟
يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ (13) ذُوقُوا فِتْنَتَكُمْ هَٰذَا الَّذِي كُنتُم بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ(14)
الهدف من النار ليس مطلق العذاب فقط و لكنه التطهير من الظلام الذى دخل على قلوب الظالمين و فى اللغة العربية يقال فتن الذهب بالنار اى نقى من الشوائب, ولكن الله تعالى ذكر فى آية أخرى ان أى هول نلاقيه فى الدنيا هو فتنة و أهوال الآخرة هى العذاب .
وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ (فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ) وَلَئِن جَاءَ نَصْرٌ مِّن رَّبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ ۚ أَوَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِمَا فِي صُدُورِ الْعَالَمِينَ(10) العنكبوت
كلمة فتنة فى اللغة العربية من معانيها شهوة يتبعها ندم أم إمتحان صعب فى الدنيا و لكن للقرآن معنى إصطلاحى آخر كما تقدم, نلاحظ أن شجرة الزقوم فى الآخرة أستخدمت معها كلمة فتنة بمعناها اللغوى أى أن الظالمين سيأكلون منها و لكنها ستدخل فى بطونهم نارا و عذابا شديدا.
طيب الله سبحانه يقول أن عذاب الاخرة هو العذاب و عذاب الناس هو فتنة و الآية السابقة تقول (على النار يفتنون),ما الحل و القرآن لا يناقض بعضه بعضا ؟ كلمة فتنة هناك (تعنى التطهير) أذ أن الفتنة هى فى الدنيا فقط و يعزز هذا القول الاية التالية بشان المؤمنين (الجهنميين) الذين يردون النار لفترة محدودة يتطهرون فيها ثم يدخلون الجنة و قد إختلف المفسرون فى معنى الآية و لكن معناها اللغوى واضح فى نهايتها (حتما مقضيا) أى امر صارم لا رجعة فيه و لا بد منه, إذ أن الوجدان السليم لا يقبل أن يقوم مسلم مثلا بإرتكاب ذنوب كثيرة فى حق الخالق أوالخلق ثم لا يعاقب عليها –هذا أمر غير منطقى.
وَإِن مِّنكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا ۚ كَانَ عَلَىٰ رَبِّكَ حَتْمًا مَّقْضِيًّا (71) ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوا وَّنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا(72) مريم
قال أكثر المفسرين ان واردها تعنى المرور عليها أو بقربها إستئناسا ببعض الاحاديث و لكن الآية التالية توضح أن ورود جهنم يعنى دخولها عملا بقاعدة المتشابه:
(ولقد أرسلنا موسى بآياتنا وسلطان مبين إلى فرعون وملئه فاتبعوا أمر فرعون وما أمر فرعون برشيد .يقدم قومه يوم القيامة فأوردهم النار وبئس الورد المورود وأتبعوا في هذه لعنة ويوم القيامة بئس الرفد المرفود) هود/97-98
أنواع الجنان :
1-جنة سيدنا آدم و كانت فى الدنيا كما أسلفت فى مقالات سابقة و كان الهدف منها أن ينال فيها آدم درسا قاسيا و يشتاق هو و ذريته للعودة إليها.
2- الجنة البرزخية عند الممات و هذه تكون للمقربين ذكرت فى مواضع كثيرة منها :
وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا ۚ بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (169) فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ(170) آل عمران
و هناك أيضا نار برزخية لاشد الظالمين:
فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا ۖ وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ (45) النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا ۖ وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ(46) غافر
3- جنة الآخرة (الخلد) المذكورة فى القرآن
4- جنة المأوى وهى أعلى درجات الجنان
عِندَ سِدْرَةِ الْمُنتَهَىٰ (14) عِندَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَىٰ (15) إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَىٰ(16) النجم
من التفاسير الخاطئة أن سدرة المنتهى هى شجرة سدر و لكن بالرجوع للقواميس المعتمدة وجدت أن كلمة سدرة ايضا تعنى مصدر (سدر) و التى تعنى الحد الاقصى و منها على سبيل المثال (سدر فى غيه), و قد قيل أنها مكان يضل فيه العقل البشرى العادى المعتاد على الادراك الشفعى (معرفة الاشياء باضدادها) هى محل المعرفة الصمدية حيث يكون الفكر وترا لا شفعة فيه.
هناك اشارة لطيفة فى الآيات: يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (27) ارْجِعِي إِلَىٰ رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً (28) فَادْخُلِي فِي عِبَادِي (29) وَادْخُلِي جَنَّتِي(30) الفجر
الملاحظ أن المخاطب هنا هو( النفس) فقط و الدخول إلى (جنتى) ,هل هى جنة المأوى؟ على الاغلب نعم و الله أعلم.
هذه الآية نستخدمها كثيرا فى نعى أمواتنا و هى لا تنطبق على المرحلة الاولى من الجنة.
ففى جنة الخلد المعروفة فى الآخرة فالدخول يكون بالجسد و الروح مثال:
ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ(70) الزخرف
وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُم مِّنْ عَمَلِهِم مِّن شَيْءٍ ۚ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ(21) الطور
كثير من الثقافات و الأديان المختلفة لديها رؤى مختلفة عن الجزاء الاخروى و لكن من الطريف معرفة راى علماء الرياضيات فى هذا الموضوع:
(رهان باسكال) هو حجة مبنية على نظرية الإحتمالات وتستخدم للاحتجاج بضرورة الإيمان بوجود الله على الرغم من عدم إمكانية إثبات وجوده أو عدم وجوده عقلياً ,بليز باسكال هو من صاغ الحجة.
1-إن آمنت بالله وكان الله موجوداً، فسيكون جزاؤك الخلود في الجنة، وهذا ربح لامحدود.
2-إن لم تؤمن بالله وكان الله موجوداً، فسيكون جزاؤك الخلود في جهنم، وهذه خسارة لامحدودة.
3-إن آمنت بالله وكان الله غير موجود، فلن تُجزى على ذلك، وهذه خسارة محدودة.
4-إن لم تؤمن بالله وكان الله غير موجود، فلن تُعاقب لكنك ستكون قد عشت حياتك، وهذا ربح محدود.
الأرباح والخسائر في النقاط 3 و4 يمكن اعتبارها كخسارة الفرص الناتجة عن ادعاء الإيمان والعيش حسب قوانين الدين كونها في أغلب الأحيان أكثر صرامةً من القوانين المدنية. هذه الخسائر محدودة لأن الإنسان سيموت. رياضياً، أي ربح محدود أو خسارة محدودة يمكن إهمالها عند المقارنه بالأرباح والخسائر اللامحدودة، وهذا هو الحال في الحياة الأبدية بعد الموت. وبالتالي، استنتج باسكال أن الإيمان بالله هو الخيار الأفضل مقارنة مع عدم الإيمان به. إذا وضعنا الرهان في جدول، سيتضح لنا أن الإيمان يعطينا الربح أو (تقريباً) لا شيء في حين أن عدم الإيمان يعطينا الخسارة أو (تقريباً) لا شيء.
واضح و هذا ليس من عندى بل بالقرآن نفسه أن منطق الجنة والنار كونهما ممر للتطهير و إتمام النور إن وجد و تواصل الترقى إلى أن يتخلص الانسان من شهواته أو الظلمة التى أحاطت بقلبه, أما إلى أين يصير هذا الترقى فالله وحده يعلم ,نحن لم نفهم الحياة الدنيا جيدا و لم نر الآخرة بعد و بالتالى لا نستطيع ان نعرف ما بعد الآخرة و هذا علم لا فائدة منه فى الوقت الراهن, الشئ الوحيد الذى نعلمه أن التطوريون (الملحدون) قد حكموا على أنفسهم بسجنها فى قالب الطين و رفضوا التطور الثانى, أما نحن المسلمون فقد سجنا انفسنا فى التأريخ و الخلافات المذهبية و إتخذنا القرآن مهجورا و أهملنا ترتيب شؤون حياتنا الدنيا,نسال الله السلامة.
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.