يجابه الاعلام العربى تحديات متعاظمة على صعيد الرسالة الاعلامية التى ينهض بها ، ويواجه مشاكل فكرية متأزمة تجعل منه مجرد اعلام حكومى يرضخ لوصايا المخابرات التى تشذبه فى تحقيق اجندتها الامنية التى بالطبع لاتعدوا اكثر من كونها اجندة ظنية لتوقعات خاطئة تتسبب فى خلق الازمات السياسية بين الدول العربية ... فالاعلام العربى لايناقش قضاياه بالمنهجية التى تحقق اهدافه كاعلام مناط به تقويم اعوجاج المسارات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التى تتخبط دون هادى ، بل يسّخر نفسه للتشاحن والتباغض السياسى العربى الذى لايخلص ، فهو ، اى — الاعلام العربى — تعوز شاغليه المبادئة المهنية التى تجعلهم يفهموا الاعلام وسيلة لتبصير المجتمعات وتحصينها من مخاطر التعريات الفكرية ، ففى الاعلام العربى المصرى كنموذج لفقر المفاهيم وضعف الاداء المهنى ، يمكن للمتابع على مستوى القناة المصرية الاولى ملاحظة مدى الاسفاف والسقوط فى الموادالبرامجية التى تقدمها هذه القناة التلفزيونية التى يفترض ايضا انها القناة الواجهة التى تعبر عن حال مصر الدولة الاعلامية العميقة ... وقيس على ذلك الكثير من امثلة القنوات العربية التى تهتم بمظهر مذيعيها وديكورات استديوهاتها اكثر من اهتمامها بالمحتوى البرامجى الذى تقدمه للمشاهد المغلوب على امره ... فالمشكل الحقيقى يكمن فى رحم الموهبة العربية التى اصابها العقم وبالتالى تعذر عليها ولادة عبقرية تشغل الفراغ الاعلامى المتنامى كل صباح ، وحتى القنوات التلفزيونية التى يتفق البعض على تسميتها بالقنوات الاعلامية العربية الراشدة التى تناقش القضايا السياسية بالصورة المؤثرة على موازين الاستقرار السياسى والامنى فى الدول العربية ، ماهى الا قنوات ماجنة مهنيا وعاهره فكريا ، تفهمت حوجة المشاهد العربى للتغير فاستغلت ذلك بطريقة بشعة فعلّت بها طاقاته الكامنة ووجهتها بالطريقة الرجعية التى جعلته – اى المشاهد العربى – يخّرب بلاده مقابل التزامه بشروط ( الفوضىّ ) التى تشعره بالتفشي والتنفس عميقا كانما كانت تجثم على صدره صخرة من الهموم .. ومثل هذا الاعلام هو اعلام غير خلاق وغير راشد لانه يتظاهر ببناء واقع عربى جديد فى حين هو يهدم الثوابت الفكرية للامة بصورة امنية تستأصل ثقتها بنفسها من شافتها ، فالاعلام ايضا الذى يخاطب الغريزة الانتقامية ويدعوا للثورة والخروج دون رسم خطط مستقبلية تستوعب النتائج التى قد يحققها الثوار المحرضين ، هو اعلام وافد تسيطر عليه دناءة العمالة وتكبل نفوزه المصالح اليهودية المسيطرة ... فكل البرامج الحوارية والسياسية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية وحتى الرياضية التى تقدمها القنوات الاعلامية العربية منقولة او مقتبسة بحذافيرها من قنوات اعلامية غربية ابدع مهنيها فى تطويرها بالدرجة التى جعلت الاعلاميين العرب يقوموا بسرقتها دون حبة خجل او حياء يحفظ ماء وجوههم ، والغريب فى الامر لم يتعرضوا للملاحقة او المساءلة القانونية التى تجرمهم ، مما يرسخ لحقيقة تعمد الاعلام الغربى فى استهداف عقلية الاعلام العربى بتخدير مراكزه الابداعية ، وهو مايطرح السؤال التالى ، مامصلحة الغرب المرجوة من كل ذلك ؟ .. الجواب هو ليقين واقتناع الغرب بخطورة عبقرية الاعلام العربى اذا تعافى من علل فقدان الثقة بالنفس ، فهل يستطيع الاعلام العربى التعافى من امراضه المزمنة ؟ بالتاكيد لايستطيع ان يتجاوز هذه المحن والابتلاءات التاريخية الكبيرة ، طالما هناك على الساحة العربية تضاد افكار سياسية تدين بالولاء المطلق للغرب وامريكاء وروسيا ، وطالما هناك اجهزة مخابرات تراقب المادة الاعلامية وطالما هناك ايضا اعلامى عربى لاتهمه الايدلوجية الاسلامية القومية العربية بقدر اهتمامه بقشور الثقافات الغربية التى يراها قمة الرقى والتحضر الانسانى ... الاعلام العربى متجزر المشاكل الى قاع الفوضى المهنية ، ففى القنوات التلفزيونية توجد الالفاظ النابية وفيها السب والشتم والركل على الهواء مباشرة ، وفى الصحافة حدث ولاحرج اما فى ( السيوشيل ميديا ) ان الله يحب الستارين !! .. [email protected]