التراث القبلى فى كردفان وضع أسس للتقاضى والعدالة وفقاً للأعراف والتقاليد راكموها لمئات السنين يقبلها المتخاصمون برضاء وطيب خاطر فقد عرفت هذه المحاكم أنواع القتل منها القتل العمد والقتل الخطأ والقتل العجاجى فهو القتل الذى يحدث لحظة إشتباك ولايُعرّف الضارب والمضرُوب فى هذه الحالة الدية تكون مخفضة إخترت هذا العنوان لكثافة ما أثارته إستقالة الفريق عبدالعزيز الحلو من غبار وتكاثر المعلقين كل واحد حسب ما يهوى منهم المدافع المشفق ومنهم المتعجل والطامح لزوال الحركة الشعبية ومنهم أصحاب المرارات الخاصة والمعارك المؤجلة وسط هذا الخضم الفائر تداعت لذهنى أن ضحايا هذا الصراع ستكون ديتهم عجاجية الموضوع قراءة فى كتاب إستقالة الفريق عبدالعزيز الحلو بعد هدوء العاصفة ، فستكون الأحكام فيها عمداً مع سبق الإصرار والترصد فكل مصاب ديته كاملة سأتناول الإستقالة فى المحاور التالية:- 1- ولاية جنوب كردفان الجغرافيا والمجتمع 2- الخريطة السياسية فى جنوب كردفان 3- معالم إستقالة الفريق عبدالعزيز الحلو 4- مأزق مشروع السودان الجديد 5- الخاتمة ولاية جنوب كردفان الجغرافيا والمجتمع سأتناول الموضوع فى إطار ولاية جنوب كردفان ،نسبة لعدم وجود وحدة إدارية بحدود جغرافية معلومة فى السودان بإسم جبال النوبة ، منطقة جبال النوبة هى جزء من ولاية جنوب كردفان التى تقع جنوب ولاية شمال كردفان ويحدها من الغرب ولاية جنوب دارفور ومن الشرق ولاية النيل الابيض ومن الجنوب ولاية الوحدة وولاية أعالى النيل تبدأ حدود ولاية ج كردفان من الحاجز شمالاً حتى الميرم و أبيي جنوباً ، هذة المساحة أكبر من دولة فرنسا التاريخ الإجتماعى لجنوب كردفان يمثل مركز التنوع التاريخى للسودان ، شكلت تاريخ هذه المنطقة قوى إجتماعية متعددة منها السكان الاصليين Indigenous وهجرات تاريخية بدأت من القرن السادس عشر وإستمرت إلى القرن التاسع عشر ، هذة الهجرات والسكان الاصليين شكلت التاريخ الإجتماعى لجنوب كردفان ومنحتها شخصيتها الراهنة فالتاريخ الإجتماعى للمنطقة والبيئة والجغرافيا صنعت شخصية جنوب كردفان وحددت معالم هويتها لايمكننا دون معرفة التاريخ والمجتمع والجغرافيا من طرح تصور لحاضر أو مستقبل لأى مجتمع إنسانى أو مجموعة سكانية . مجتمع جنوب كردفان يتكون من قبائل النوبة بفروعها الرئيسية الكواليب فهم أكبر المجموعات النوبية ومجموعة النماينج ومجموعة تقلى وكادقلى ومجموعة كتلا تتشكل هذه المجموعات النوبية من عشرات البطون والافخاذ يتوزعون على قمم وسفوح تسعة وتسعين جبل ، لا تتحدث قبائل النوبة لغة واحدة بل عدة لغات مع بعض السمات المشتركة والمفردات المتقاربة ، أغلبية قبائل النوبة مسلمين مع أقلية مسيحية ولا دينين هاجر إلى كردفان مجموعات عربية قبل عدة قرون منهم العطاوة (الحوازمة + المسيرية ) الحوازمة أكثر القبائل العربية إختلاطاً بقبائل النوبة حيث سكن معظم قبائل النوبة أعالى الجبال سكن الحوازمة السفوح فهم كذلك يتشكلون من ظهور و أفخاذ منهم دار نعيلة الذين تصاهرو مع الغلفان والكواليب ودار شلنقو والرواوقة الذين تصاهرو مع قبائل كادقلى وميرى والشوابنة و أولاد غبوش تصاهرو مع الهدرة و أم حيطان وكذلك دار بخوت تصاهرو مع النماينح والدلنج ، لقد جلست للعم المرحوم عبدالرحمن أبو البشر فى كادقلى والمرحوم الناظر بشري سومى ناظر الشوابنة والمرحومين محمد الزاكى وأحمد ميسو أحفاد على الميراوى كما إستمعت للمرحوم الأستاذ جولى والمرحوم الأستاذ حسن كندة كربوس إبن مك النماينج ، كما إستمعت لفترات طويلة خاصة أيام السجن للصديق على جماع محافظ جنوب كردفان فى الفترة الديمقراطية وعلى جماع من العلماء فى الأنساب ومعرفة القبائل هو وصديقى عبدالرسول النور حاكم إقليم كردفان المتخصص فى علم التاريخ فقد حدثونى بإستفاضة عن هذة المصاهرات و الأحلاف بين النوبة والحوازمة فقد ذكر لي المرحوم بشري سومى أن الشوابنة هم خلطة( نوبة + حوازمة )وكذلك يوجد فخذ من الحوازمة يسمى (الحوازمة أولاد نوبة ) هذا غير مصاهرات أهلنا فى الكاركو و أبو جنوك مع الحوازمة والمسيرية الزرق ، كان للحوازمة نظارة واحدة مركزية بقيادة حماد أسوسا ومركزها بالحمادى ، لكن الإنجليز قامو بتقسيم النظارة لثلاثة نظارات الرواواقة ومركزها فى كادقلى ونظارة الحلفا ومركزها فى أم بريمبيطة التى تتبع لها قرية الفريق عبدالعزيز الحلو الفيض أم عبدالله التى تقع على خور الدليب وهى من أجمل مناطق جنوب كردفان من حيث الطبيعة . يسكن جنوب كردفان قبائل المسيرية بتشكيلاتها المتعددة حيث تبدأ مراكز إقامتهم من جنقارو إلى الفولة المسيرية الفلايتة (أولاد عجيل) مروراً بلقاوة الناظر الحريكة عزالدين والدبكر والسنوط وقبائل المسيرية الحُمر أولاد الناظر على نمر(العجايرة) فى بابنوسة والمجلد والتبون إلى الميرم أولاد العمدة مسلم (الفيارين) وبحر العرب حيث دينكا أنقوك فى أبيي أحفاد دينق مجوك . يسكن جنوب كردفان أعداد مقدرة من قبائل دارفور بدأت هجرتهم لها فى القرن الثامن عشر حيث إنتقل سلاطين الداجو بسلطنتهم إلى هذة الأنحاء فجاءت قبائل البرنو والتنجر والفلاتة والبرتى والمساليت ، كما جاءت قبائل كنانة أحفاد الناظر قادم فى (ملم الكور) كذلك يوجد عدد مقدر من البديرية والكواهلة والشنابلة والكابيش فهؤلائى يخرِفون شمالاً ويصطافون جنوباً ، هذا بالإضافة للجلابة (القبائل النيلية )الذين جاءوا للتجارة والزراعة فأصبحوا جزء من نسيج جنوب كردفان فابناءهم و أحفادهم لايعرفون وطن لهم سواها ، هذة هى فسيفساء جنوب كردفان فى إيجاز من السكان نعرف تاريخ المنطقة ومعالم مستقبلها وهويتها وثقافتها وفنونها هذا النسيج الإجتماعى الحيوى والتاريخى لولاه ما إنتصرت الثورة المهدية ، وبعد سقوط الدولة المهدية وجد الإنلجيز مقاومة شرسة من هذة المنطقة فقد كانت ثورة السلطان الشهيد السلطان عجبنا كما خلد الموقف الشاعر الشريف زين العابدين بقولة ( مشيت جبال النوبة للسلطان عجبنا أبوماندى عريس الحوبة ) أبوماندى بطل قومى شأنة شأن الخليفة عبدالله وود حبوبة فقد شنق فى سوق الدلنج نهاراً لمواجهتة للإنجليز وبرفقتة فارس قبيلة النماينج كليكون ، فقد أحالو منطقة النتل، وكرمتي وككرة، وتندية، وسلارا هذه المناطق ما أجملها طبيعة وسكان فقد حضرنا فيها إحتفالات( سبر اللوبيا ) وتسامرنا مع حكماء المنطقة فى مدرسة سلارا العريقة. أحال أبطال النوبة هذة المناطق إلى لهيب من النار ضد الإستعمار الانجليزى فبرزت ماندى للتعبئة والقتال فمافعلتة ماندى لايقل فى معناه ومضمونة عما قامت بة جان دارك الفرنسية لطرد الانجليز عن بلادها حتى أُعُدمت حرقاً بالنار وهى فى ذات عمر ماندى بت السلطان عجبنا قبل العشرين ، ولكنة الفشل الوطنى والتحيز الثقافى حرمنا من معرفة أبطال تاريخنا القومى فيمكن أن يعرف الشباب اليوم جميلة بوحريد فى حرب التحرير الجزائرية وسناء محيدلى عروس الجنوب اللبنانى ومريم ماكيبا فى ج أفريقيا ، ولكنهم لايعرفون ماندى و أبوها الشهيد صنو عمر المختار . فقد إنتهى تاريخ ماندى بجلالة صغيرة خجولة فى طوابير الجرى الصباحى للمستجدين فى القوات المسلحة بترديدهم (كوجو - كونا - كرن دالا - مندى ) كذلك كانت ثورة تلودى وثورة هبيلة لم يتمكن الإنجليز من بسط سيطرتهم الكاملة على تلك الأنحاء إلى عام 1929م ، هذه ملامح التاريخ الوطنى لجنوب كردفان الثقافة والفنون سميت شعب جنوب كردفان بالشعب الراقص ، فالناس تمشى وتسير فى حياتها اليومية بإيقاع ، يحبون الرقص والموسيقى (الترم ترم) لا كبير و لاإختشى من الرقص فى ج كردفان ، حيث تمازج الإيقاعات فكانت رقصات المردوم والجرارى والتمبردو والدفتردو والكمبلة والكرنق والنقارة وغناء الحكامات (الجنزير التقيل البقلة آتو البعوقد نارا بدفاها هو ود الدرجات المأصل وقت الحارة الزول بلقى أخو ) (قمر حسين فارساً شين ) هذة الرقصات والفنون تعبير عن الواقع المتعدد والمتنوع لجنوب كردفان جنوب كردفان هى السودان مصغر بتراثها وتنوعها وتعايش قومياتها وتساكنهم و إنصهارهم ، لذلك يجب أن تكون السياسة تعبير عن التاريخ والجغرفيا و سيوسيولوجيا المجتمع صلاح جلال