٭ أمس وقفنا مع ارازموس وهو يرقب موجات التطرف التي تجتاح أوربا في أيامه وهو يحاول ما أمكنه ألا يدخل دائرة الصراع بين المذاهب المسيحية.. فقد كان مشغولاً بإقناع المثقفين والمتعلمين بأن في الامكان الاصلاح بلا تطرف.. كان موقفه قريباً من مفكري عصره.. عصر النهضة في أوربا.. كان مقتنعاً بموقف دعاة الاصلاح الديني وموضوعية ثورتهم على مفاسد الكنيسة الجامعة.. كان يقول للجامدين المتطرفين ليس من الضروري أن نتخلى عن العلم والمعرفة لنكون متدينين، ويقول للملحدين المشتطين ليس من الضروري أن نتخلى عن الدين لنكون متعلمين متحضرين. ٭ كان يدفع أبناء العالم المسيحي إلى احياء التراث الوثني القديم عند اليونان والرومان في الفنون والآداب والفلسفة والعلوم الانسانية بصورة مطلقة.. لأنه يؤمن بأن البحث عن الحقيقة كان غاية الحضارات والثقافات الوطنية بمثل ما كان غاية الحضارة والثقافة المسيحية. ولذا قد انفق كل حياته في تحقيق التراث اليوناني والروماني ونشره وتدريسه جنباً إلى جنب مع ما كان يحققه وينشره من نصوص آباء الكنيسة اليونانية واللاتينية. ٭ وعندما أصدر كتابه دفاع عن الحماقة كان يهدف إلى علاج أخطاء كل التعصب والتطرف والصراع التي اجتاحت أوربا بعد عصور محاكم التفتيش وتكفير وحرق كل من يحاول أن يعمل قوة الفكر والعلم في الحياة واختار ارازموس الحماقة لتتحدث عن نفسها يقول: «والحماقة تدافع عن نفسها بأنها رغم سوء سمعتها هي الوحيدة التي يضحك منها الالهة والبشر فما ان تقف لتتحدث في أي مجتمع حتى تنفرج أسارير الناس ابتهاجاً وكأنهم مجمع الالهة في هوميروس وقد انتشت بقطر الندى بعد ان كانوا يجلسون عابسين وكأنهم لتوهم عائدين من استخارة ولي يقرأ الغيب ومواعظ العالم كله وخطب البلغاء المملة لا تهدي العقل المضطرب بقدر ما تهدئه رؤية الحماقة ولو لحظة واحدة المهم لا يستمع الناس لكلام الحماقة بنفس الاذان التي يستمعون بها لكلام القسيس في الكنيسة ولكن بالاذان التي يستمعون بها إلى المهرجين والبهلوانات والحواة ٭ والحماقة تقول عن نفسها انها ربة كربات اليونان وهي ليست كغيرها ليست كالهة هوميروس وهسيود بنت جوينير أبى الالهة والناس بل بنت بلوتو رب المال والثراء ومسكنها ليس في السماء ولكن تحت الأرض وهو لم يخلقها كما خلق جوينير الربة من رأسه ولكن بلوتو خلقها من معاشرة الحورية التي بموتها «هبيا ربة الشباب» زينة الحور. ٭ وارازموس يقول ليس هي الحماقة التي تجعل عطايا أمنا الطبيعية جمالها تنتهي إلى فساد وزوال فما معنى الجمال وهو نعمة السماء الأولى إذا خامره التكلف، وما جدوى الشباب إذا كان الضربة المحققة للشيخوخة القاسية وما قيمة أي عمل في الحياة ما دامت الأنانية أو حب الذات يداخل كل عمل. ٭ وتقول الحماقة أليست الأنانية أختي؟ أليس من الحماقة أن يخصص كل منا حياته للاعجاب بنفسه؟ ومع ذلك فلولا هذا الاعجاب بالنفس لما خطب خطيب ولا عزفت موسيقى ولولا حب النفس والاعجاب ما اتقن أحد شيئاً. ٭ ويخلص إلى ان الحمقى هم أسعد الناس فهم لا يهابون الموت لأنهم لا يفكرون فيه وهم لا يعذبهم ضمير ولا ادراك لمعنى الشر وهم لا يخشون الجن ولا الأرواح ولا الأشباح وهم يعيشون بغير خوف ولا أمل في المستقبل ولا تزعجهم هموم الحياة الكثيرة، وهم لا يعرفون التواضع ولا الطموح أو الحسد أو الحب لأنهم من جهل الجمادات فهم لا يعرفون الخطيئة. ٭ هؤلاء الحمقى هم المهرجون والبهلوانات ولذا نجد الملوك والأمراء يقربونهم منهم لأنهم لا يخدشون مسامعهم بالحديث عن الأمور الجادة الخطيرة المثيرة للهموم فكل كلامهم هزل في هزل ولغو في لغو.. ٭ أترى ارازموس دافع حقاً عن الحماقة؟ وأين نحن من هذا الدفاع؟ هذا مع تحياتي وشكري الصحافة