في معرض تأكيده على نهاية عهد التمكين والتمتين، أذكر أن الرئيس البشير كان قد قال مرة بالصوت العالي «تاني مافي أولاد مصارين بيض»، وأولاد المصارين البيض هؤلاء الذين أعلن الرئيس نهاية عهد سطوتهم ودلالهم وتنعمهم لم يكونوا غير أولاد الذوات والقيادات وشباب ومنتسبي الحزب الحاكم والأحزاب المشاركة في الحكم «يعني حيكونوا أولاد الغبش الواقفين صفوف وناس قريعتي راحت»، وعبارة «أولاد المصارين البيض» التي استخدمها الرئيس هي تعبير سوداني قديم كان يطلق على الأولاد المحظوظين الذين يجدون الحب والحظوة من أسرهم الموسرة والمنعمة أو المتنفذة، التي تستجيب لكل رغباتهم ومطالبهم، وتحميهم من كل من تسول له نفسه إلحاق الضرر بهم وتغفر لهم زلاتهم مهما بلغت. فهو إذن يعني فئة مخصوصة ومحظوظة من البشر لا تنطبق عليها معايير الخطأ والصواب التي يحاسب عليها أبناء غمار الناس،كما ينالون ما لا يطاله غيرهم من غير أولاد المصارين البيض .. وبمناسبة أولاد المصارين البيض أذكر أنني كنت قد تساءلت في هذه المساحة ، عن مصير القيادات التي ستفقد حقائبها السلطوية في تشكيلة حكومة الوفاق الوطني ، هل ستذهب لحال سبيلها وعليها أن تتدبر حالها وأمر معاشها « وعقلك في رأسك تعرف خلاصك » ، أم سيتم تدبير لحالها بايجاد مواقع ووظائف تعويضية بديلة لها، ومبعث هذا التساؤل كان هو تلك الممارسة التي استقر عليها الحال طوال سنوات طويلة، من يستوزر لا يفقد منصبه «بأخوي وأخوك» فان لم يُستبق في وزارته يُنقل إلى غيرها، ومن يغادر وظيفته المرموقة لن يخرج منها «فالصو أباطو والنجم» ولا «يركب التونسية» بل يركب في موقع آخر ،من النادر جداً أن تجد أحدهم قد لزم داره وتفرغ لأعماله الخاصة أو عاد إلى مهنته القديمة أو مارس مهنة أخرى، والحق يقال إننا حتى الآن لم نقف على وظيفة تعويضية تم تدبيرها لمن غادر موقعه الوزاري أو السيادي، ولكننا وقفنا على وظيفة تعويضية أخرى تم تدبيرها لأحد هؤلاء المحظوظين ، فقد جاء في الأنباء أن رئيس المجلس الوطني البروف ابراهيم أحمد عمر قد « نجر » واستحدث وظيفة قطع أخضر ليعوض بها عزيزا لديه أعفى من وظيفته القيادية باحدى الوزارات ، وأقول « نجر » لأن الوظيفة جديدة لنج ومفصلة على مقاس من دبرت له ولم تكن ضمن هيكل المجلس ، وأعجب ما في هذه الوظيفة المنجورة أنها اتخذت مسمى مستشار رئيس المجلس بمخصصات نائب رئيس لجنة وبدرجة وزير دولة ، ولكم أن تزدادوا عجبا حين تعلمون أن هذا المستشار الذي سيشير على البروف بكل علمه وخبراته وسنينه الطويلة في العمل العام في سن أبنائه ان لم نقل أحفاده ، فمن يشير على من بربكم ان لم يكن نجر هذه الوظيفة لمجرد تعويض هذا المستشار عن الوظيفة التي فقدها .. أليس هذا مثال جيد لأولاد المصارين البيض الذين عناهم الرئيس؟ .. الصحافة