والناس في بلادي يشتكون، يشتكون من الارتفاع الجنوني في أسعار المستلزمات المدرسية مع العام الدراسي الجديد، باعتبار أن معظمهم يعاني أوضاعا أقتصادية حرجة، خاصة بعد مرور موسمي شهر رمضان وعيد الفطر المبارك، الذان استنزفا مواردهم المحدودة بلا ريب، ليواجهو بارتفاع آخر في أسعار الزي المدرسي والحقائب المدرسية والكراسات، بالإضافة إلى الكتاب المدرسي والرسوم الدراسية. ويأتي كل ذلك بعد عقود مضت على مجانية التعليم، لتصير أثراً بعد عين. ويحكي الناس في ما يشبه الخرافة، عن زمن كانت المدرسة فيه توفر الكتاب المدرسي، والكراسات اللازمة لتلاميذ الأساس، وطلاب المرحلة الثانوية كأمر مسلم به ولا جدال حوله، قبل أن (يتصيد) الناس كتب أبنائهم المدرسية من على الأرصفة، أوأن يتكدسوا في معارض البيع المخفض للمستلزمات المدرسية، لتبدأ الرحلة مع (جبايات) المدارس، وإلزام أولياء الأمور - المنهكين مادياً - بدفع رسوم هي ضرورية لاستمرار الخدمة، من قبيل رسوم الكهرباء، والرسوم الأسبوعية، والشهرية، التي تفرضها المدارس (مكرهة) حيناً، و (مرغمة) حيناً آخر، أو نتاج (فكرة لاحقة) من (أحدهم) لحل الإشكاليات التي ربما واجهت استمرارية عمل المدرسة من بيئة مواتية، ومياه شرب نظيفة، وحوافز للمعلمين، وما إليه من ضرورات. كل ذلك ثير تساؤلاً كبيراً عن كيف كان يمضي الحال قبل (كل هذه الجبايات)؟ والتي وصلت حد أن يدفع التلميذ مصاريف فطوره - في بعض الحالات - لتجنب العقاب البدني المرافق للعجز عن سداد رسوم (كهربة المدرسة)، وكيف تدرج بنا الأمر للوصول إلى هذا الحال (المائل). وتأتي بداية العام الدراسي هذه المرة في وقت تتردى فيه البيئة المدرسية حد أن تلقى معلمة مصرعها بانهيار (مرحاض) المدرسة التي تعمل فيها، لتمضي شهيدة الواجب الذي قاربت تأديته ل(لإستحالة) منها إلى ذلك الإمكان اليسير. ويصير فيه الحديث عن توفير الكتاب المدرسي هو محض (ترف) مقارنة بالمطالبة بإجلاس في مدن الولايات البعيدة من المركز، وتصير الدراسة في المدارس الحكومية، هي دلالة فقر مبين، وعجز عن أن يلحق الناس أبنائهم وبناتهم بالمدارس الخاصة التي فاقت رسومها رسوم الجامعات والمعاهد العليا، وحجزت المقاعد الأولى في سلم التفوق (المصنوع بفعل فاعل) ليسفر عن طبقية بغيضة في التعليم لا تساعد حتى في النمو النفسي لتلاميذ المدارس. فهل ما وصلنا إليه هو نتيجة طبيعية لسوء التخطيط؟ إن مظاهر الفشل في نظامنا التعليمي في بيئته وظروفه وأوضاع القائمين عليه وضعف منهج المواد المتصلة التلقيني المتبع، والذي لا يساعد على التفكيك والتركيب والتدرب على حل المشكلات، تدعو للتأمل في مسبباته. هل هي في اعتماد المنهج التجريبي غير معلوم النتائج؟ حينما يتم تغيير المنهج، وطريقته، والسلم التعليمي، والزي المدرسي، لسنوات طويلة قبل أن تأتي مرحلة (الإستدراك) ومحاولة الإصلاح الخجول دونما اعتراف بالخطأ؟ أم هي النزعة إلى تهديم كل ما كان قائماً دون أن تكون ثمة خطة أو نية خالصة للإصلاح؟