أكد خبراء في الشؤون السودانية والإفريقية، على أن جنوب السودان اتخذ قرار الانفصال منذ وقت طويل، واعتبروا أن محاولة حكومة الخرطوم لم تكن كافية للحفاظ على وحدة الدولة أو تكون خيارا جاذبا لشعب الجنوب، محذرين في الوقت نفسه من خطورة هذا الانفصال على الشأن الداخلي والخارجي في هذا البلد وتهديده بنشوب حرب أهلية وفوضى شاملة. واتهم الخبراء والباحثون، خلال مؤتمر «العلاقات المصرية السودانية في ضوء الظروف الراهنة في السودان» والذي عقد معهد البحوث الإفريقية في جامعة القاهرة أمس الأول، المنظمات الأجنبية بلعب دور كبير في جنوب السودان خلال الفترة الانتقالية ودعم اتجاه الانفصال. وقال الدكتور محمود أبوالعينين، عميد معهد البحوث والدراسات الإفريقية، إن المصريين والسودانيين يواجهون حدثا فاصلا، أصعب خياراته المحتملة هو نشوب حرب أهلية من جديد، مشدداً على ضرورة الوقوف لتجنب هذا الخطر والعمل على مواجهته تحت أي ظرف من الظروف المحتملة. ووصف أبوالعينين، خيار «الانفصال» من خلال استفتاء بأنه «الخيار الأبغض»، قائلاً: «هذا الخيار يمثل الحالة الأبغض لأنه لا توجد دولة تفضّل الانقسام والانفصال، ونحن في مصر لدينا حساسية خاصة ويعتبر الانفصال «عقدة المصريين» بسبب تاريخها مع الانفصال سواء مع السودان ومن بعده سوريا. طالب أبوالعينين بضرورة العمل من أجل وحدة السودان ب «كل السبل والطرق»، وضرورة تحقيق الوحدة الكونفيدرالية بين مصر والسودان. ونوّه السفير سمير حسني مدير إدارة إفريقيا والتعاون العربي الإفريقي بجامعة الدول العربية، بإرسال الجامعة بعثة تضم أكثر من 80 دبلوماسيا من مصر والدول العربية إلى جنوب السودان لمراقبة استفتاء تحديد المصير في يناير المقبل، مشيراً إلى أن البعثة ستعد تقريرا حول نزاهة وشفافية الاستفتاء، على أن يتم تقديم التقرير إلى أعلى سلطة في الجامعة. وأشار الدكتور هاني رسلان، رئيس برنامج دراسات السودان وحوض النيل بمركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية، إلى أنه طوال خمس سنوات ونصف من عمر المرحلة الانتقالية لم تكن قضية وحدة السودان تشغل ذهن الطرفين سواء قادة حزب المؤتمر الوطني في الشمال أو القادة الجنوبيين، لافتا إلى أن الشمال سمح بجريدة «الانتباهة» التي كانت تدعو للانفصال علنا، في الوقت الذي كان يتحدث فيها قادة الجنوب من وقت لآخر عن الوحدة من أجل توظيفها في الصراع السياسي مع الشمال. وأضاف أن سلوكيات الجنوب خلال الفترة الانتقالية تؤكد نية الانفصال منذ وقت مبكر وذلك من خلال تخصيص كود دولي مستقل للاتصالات الهاتفية غير المعمول به في السودان، وتغيير مناهج التعليم وجعلها باللغة الإنجليزية، والسعي إلى توقيع اتفاقيات منفردة للتنقيب عن البترول بعيدا عن الحكومة القومية وبالمخالفة لاتفاقية نيفاشا، مشيراً إلى أن كل تحركات ومواقف «الحركة الشعبية» تدور حول تهيئة الأوضاع المناسبة من أجل الوصول بسلام إلى موعد الاستفتاء في 9 يناير المقبل من دون معوقات أو صعاب «حتى يحصلوا على المشروعية القانونية للدولة الجديدة». وأكد الدكتور خالد حنفي، باحث في الشؤون الإفريقية، أن المنظمات غير الحكومية الأجنبية لعبت دورا مؤثرا في جنوب السودان، ليس فقط عبر ممارسة وظائف المشاركة في ترتيبات الاستفتاء ومراقبة التصويت ونتائجه فقط، وإنما من خلال الممارسات التي استمرت على الأرض لعقود والتي ستلعب دورا في حسم خيار الوحدة أو الانفصال للجنوبيين. وقال الدكتور جمال محمد السيد الأستاذ بمعهد الدراسات الإفريقية: إن مهام الحكومة المقبلة في الجنوب تصل إلى اتفاق حول قضايا ما بعد الانفصال وهي: مياه النيل وعائدات البترول والجنسية والعملة والقوات المدمجة ووصول الحكومة وديونها وعلاقات الدولتين شمال وجنوب السودان إلى جانب أزمة ترسيم منطقة «أبيي» وفقا لقرار محكمة لاهاي، واستفتاء أهل المنطقة حول انضمامهم سواء للشمال أو جنوب السودان. وحذر الدكتور صبحي قنصوه أستاذ العلوم السياسية بمعهد الدراسات الإفريقية، من خطورة انفصال جنوب السودان سواء على مستوى دولة الجنوب نفسها أو علاقاتها الخارجية، قائلا: «من أهم الأزمات الداخلية مشكلة الصراع المسلح والحرب الأهلية بين الجماعات الإثنية في الجنوب، خاصة إذا حاولت الدنكا كبرى الجماعات الإثنية الجنوبية الهيمنة على مقاليد الحكم»، موضحا جنوب السودان يتكون من جماعات إثنية عديدة أهمها الدنكا %40، والنوير %20، والاراندي %10، والتوبوسا %8، والشيلوك %5 وهو الأمر الذي يجعل التمرد ضد حكومة الجنوب أمرا يسيرا. وذكرت الدكتورة نادية عبدالفتاح عشماوي الأستاذ بمعهد البحوث والدراسات الإفريقية بجامعة القاهرة، أن محاولات الحكومة السودانية مؤخرا المحافظة على وحدة السودان من خلال القيام باستثمارات ضخمة في جنوب هذا البلد، جاءت متأخرة للغاية بسبب عدم استطاعتها محو آثار سياسات استمرت عقودا، مضيفة أن البعض يرى أن الدول الإفريقية ستفرح بتخلص الجزء الإفريقي في السودان من الحكم العربي، موضحة أن الأمور تعد أكثر تعقيدا في هذه الدول التي تخشى في حال انفصال جنوب السودان أن تتعرض لمطالبات انفصالية من قبل الجماعات العرقية المختلفة في كل منها. العرب القطرية