صباحك (طلة) الياسمين الشاهد في النص الشعري.. ان الطلة لو لم تكن وسيمة لما تغنى بها الشعراء.. ولهذا تمت إحالتها إلى مفردة الياسمين.. فان تختفي عن الضوء، قانعاً بأن تدور في عالمك، لهو أمر سهل، فالضوء لا يحرق من يُتقن (فن الفكرة).. غسيل برامجي كانت برامج عيد الأضحي الفنية، رغم وسامة بعضها وركاكة الآخريات، قد أفضت إلى أسئلة مشروعة، فقد لوحظ تكرار (الطلة) لفنان محدد بأكثر من قناة فضائية سودانية، ولذات المناسبة (عيد الأضحى)، فضلاً عن أن الظهور الواحد له، قد يكون محبباً وقد لا يكون، ولهذا ما جدوى إعادة نسخ الفنان لنفسه في واجهة فضائية أخرى..؟ ولما يرتضي الفنان لشخصه هذا التناسخ..؟! الاجابة قد عزاها البعض إلى استسهال مُعدي البرامج الفنية في ابتكار مضامين جديدة لاستضافة ضيف جديد قد يعد مكسباً للقناة، وعدها آخرون إلى الفقه السوداني القائل: ألعب في المضمون..!! في مصر وسوريا وأوروبا ناهيك عن أمريكا، وحتى لا يحرق الفنان نفسه، فانه يضع شروطاً قاسية للقناة لاستضافته فيها، منها رفع السقف المالي، وأحياناً تعديله لنسق الاعداد حتى لا تشبه استضافته، الفنان الذي سبقه، لذا لا يستعجل الظهور في الفضائيات، لأن الأمر عنده يدرسه مستشاروه، أي أن الرهان يقف عند المكاسب، وتلافي المسالب.. عندنا في السودان، رغم تعدد الفضائيات مؤخراً، فان الفنان يقنع نفسه أنه أمام فرصة ثمينة قد لا تتكرر معه مجدداً، ولهذا يعمد إلى الموافقة المتعجلة للظهور والنهائية على (الكاش) طالما أن القناة تلوح له بسنارة (الملايين)، و»أهو .. كلو مكسب«، فقد العبرة المشهدية الفارقة أتت من رائد عملاق كالفنان أبو عركي البخيت.. إذن فمن حقنا طرح (هجمة مرتدة).. ما هي مبادرات تثقيف المطرب السوداني ليحسن من مشهده أمام الجمهور..؟ (الفضائيات نموذجاً)، وما هي وسائل التخلص من الضغط العددي لمرات (الطلة)..؟ وما هي مقامات الارتياح من المشاهد تجاه (عذاب الصورة الواحدة والنص الواحد)..؟! فإذا كانت الثقافة هي الجسر الذي يعبره البعض إلى الرقي والتمدن، فما هي الاشباعات والقيمة المضافة للجمهور من هذه الاطلالات المتكررة للفنان عبر الميديا..؟ كيف يظهر هذا التجلي على مستوى الاشكالية من حيث الصورة الرمزية التي ترسمها وسائل الاعلام لهذا التكرار الرتيب، والصورة الذهنية التي يكونها الجمهور والمشاهدين حينما يجدون ذات الشخص، وبذات الفهم ونفس المواضيع المطروحة..؟! اشكالية الفراغ ظهرت منذ ثلاثينات القرن الماضي وعلى يد العالم (لاسويل) دراسات مقدرة حول وعي الجمهور، وبفضل أبحاثه تحولت دراسات الجمهور إلى فرع بحثي له اتجاهات ونظريات في اطار الاتصال الجماهيري المتفاعل عبر بوابة السياق الاجتماعي (فنان - جمهور)، وبهذا فاذا كانت فضائياتنا تحدد أجندة الجمهور، فمن يحدد أجندة هذه الفضائيات حتى لا تمتعنا بهذا (الغثاء)..؟ فقد تنجح الفضائيات في تحقيق جزء من افتراض ما يفكر فيه المشاهدين، ولكنها تفشل في تحديد ما يعتقده، وذلك نسبة لتمايز ثقافاتهم وسماتهم. ولهذا كان الاتصال بالجمهور يقع ضمن (الشعار والرمز) بمعنى أن معظم مطربينا السودانيين ينظرون تجاه الفضائيات وهم يستعجلون تسويق أنفسهم، لكنهم يتناسون احتمالات التباين في استجابات المشاهدين، فقد لا يكون الانتاج الفني للمطرب المستضاف يستحق التسويق، دعك من هذا، لكن نفس المحاور التي يقوم بالاجابة عليها في قناة ما.. تستضيفه قناة أخرى وتطرحها عليه..!! فتأمل!! معيار نمطي في الغرب -مثلاً-، في احدى الحفلات الجماهيرية في أوسلو للمطرب (ستيف فاي) وبعد أن أكمل أمسيته الفنية، طلب منه الجمهور احدى أغنياته القديمة ليؤديها، وكان ذلك خارج برنامج الحفل، فتحدث ستيف مع المايسترو الذي لم يوافق على طلبه، فعاد المطرب واعتذر للجمهور بعدم تقديم مزيد من الأغنيات، (يعني طلة محسوبة ومدروسة)، نعم، هناك يطرح الفنان ظهوره على فترات متباعدة انطلاقاً من مقولة (زد غباً تزدد حباً)، وهو مبدأ الامي هام في ظهور الفرد على الشاشات، فالظهور هناك مدروس وببوح مختلف كل مرة تحت شعار (الهدف هو ما تقدمه للمكان، لا جلوسك في المكان).. فما هو المعيار الذي تستند إليه فضائياتنا السودانية في اختيار الضيوف.. خصوصاً المطربين..؟! ما رأيناه وكان مفجعاً، خلطات برامجية مشغولة (بكلفتة) وذات قوام هلامي كله ثقوب رغم تدعيمه بغطاء فني من مُعد (كسلان) يحمل في حقيبته الاعدادية كل مفردات (الاجترار).. فالاطلالة الفنية في فضائياتنا، غدت (تميمة) طالما أن المطرب المستضاف، قد نجح في الفضائية (الفلانية)، ونجاح البرنامج ينحصر في أنه أعاد انتاج (الملل) ولا بأس من هكذا (مخارجات) بوقوع المضيف في ذات الأسئلة من شاكلة (الحكاية دي بدت متين معاك..؟)!!. فتأتي خفة وزن المادة المعروضة من تسرب شعور المحاكاة حتى ترتدي الحلقة جلباب الحوار الفني ، المعاد والمكرر، والذي أصبح نمطياً، ومملاً.. الطلة والعنوان الأمر الذي يجعلنا نفكر بأهمية هذه الاستضافات الفنية المتكررة والتي تدور وتدور على الفضائيات السودانية ثم تعود إلى نقطة البداية التي انطلقت منها الأخريات، دون أن تتمكن احداهن من التأسيس لوعي مختلف، لا نقاضات فنية مهدرة على جمهور أصابه الملل من تكرار ما يراه.. هذا اضافة إلى أن بعض المُحاورين لا يملكون قدرة حوارية أساسها الانتباه، مما يحتاج أمر تعديله إلى صيغ جدلية في فن الحوار المبتكر، لخلق وحدة عضوية بين الشكل والمضمون، حتى تخرج الحلقة الفنية من صيغة (الاجتماع الرسمي) إلى برنامج (تفاعلي)، تظل بصمته في ذاكرة المشاهدين لفترة طويلة من الزمن.. الراي العام