تحت عنوان "ضد العسكر.. ضد عبود" تبث قناة الجزيرة مساء الخميس الجزء الأول من موضوع جديد لبرنامج "تحت المجهر"، يتناول حقبة مهمة من تاريخ السودان فترة حكم الفريق إبراهيم عبود بين عامي 1958 و1964، التي يعتبرها كثير من السودانيين أكبر حدث سياسي بعد الاستقلال، ولا يقل أهمية -في رأي كثيرين- عن الثورة المهدية في البلاد قبل 130 عاما. وترصد حلقة الغد إزاحة حكومة الائتلاف الحزبي برئاسة عبد الله خليل سلميا يوم 17 نوفمبر/تشرين الثاني 1958 وكيف وضع الفريق إبراهيم عبّود (1900-1983) نهاية للديمقراطية السودانية الوليدة التي لم تكن قد أكملت عامها الثالث منذ نيل البلاد استقلالها، فغربت بذلك آنذاك شمس ديمقراطية برلمانية مدنية عن دولة عربية أخرى. وتستعرض الحلقة عبر شهادات ووصف وتحليل الضيوف التسعة -وهم سبعة رجال وامرأتان- من مثقفين وناشطين سياسيين سودانيين وشهود عيان، قصة الحكم العسكري الأول الذي دام ستة أعوام، وكيف تمت الإطاحة به بعد غضبة شعبية عارمة لم تستعر صدفة، بل جاءت تتويجا لاستعداد فكري ومجتمعي شمل غالبية شرائح الشعب من اتحاد نقابات عمال، وموظفين، ومهنيين، ومثقفين، وسياسيين، وطلاب جامعات. شكل عبّود عقب الانقلاب مجلس وزراء مؤلفا من 12 عضوا، خمسة منهم من المدنيين المغمورين، وسبعة من العسكريين، ونصّب نفسه رئيسا لذلك المجلس، إلى جانب منصب وزير الدفاع، كما ترأس "المجلس العسكري" الذي شكله أيضا من 12 عضوا، فأصبح حاكما مطلقا للبلاد بيده جميع السلطات. وبحلها البرلمان والأحزاب، وتعليق الدستور، وفرض رقابة على الصحف، ومنع التظاهر والاجتماعات السياسية، ورفض الاعتراف باتحاد طلبة الجامعات، ضربت السلطة الانقلابية الحريات السياسية والنقابية والصحفية والأكاديمية، كما وضعت لائحة طويلة من بنود الأحكام العرفية موضع التنفيذ. مواقف وتحولات وفي الحلقة يجد المشاهد أن الانقلاب حظي في بداية الأمر بتأييد مختلف القوى السياسية السودانية ككيان الأنصار وطائفة الختمية والإخوان المسلمين، بينما كان الحزب الشيوعي هو التنظيم السياسي الوحيد الذي عارضه علنا وحث العمال على تنفيذ الإضرابات الاحتجاجية ضده. لكن قيادة الحزب الشيوعي لم تلبث أن تراجعت عن تشددها وأخذت تبحث عن خطوط التقاء مع نظام عبود، فقرر الحزب عام 1962 الانسلاخ عن جبهة الأحزاب ليتحول من المعارضة إلى مهادنة النظام وممالأته، محاولا المشاركة في صنع القرار عقب زيارة زعيم الاتحاد السوفياتي ليونيد بريجنيف إلى السودان في ذلك الوقت. وترصد الحلقة أدوات مقاومة نظام عبود أو "النظام النوفمبري" كما يسميه بعض السودانيين، فنفذ بعض العسكريين أكثر من محاولة انقلابية لم يقيض لأي منها النجاح، وأعدم على إثرها عدد من مدبريها. ومع فشل المحاولات الانقلابية لجأت الأحزاب وطلاب جامعة الخرطوم إلى المذكرات فالإضرابات، وصولا إلى أولى المظاهرات الجماهيرية عام 1959 احتجاجا على قرار تهجير أهالي حلفا في أقصى شمال السودان بموجب اتفاقية إنشاء السد العالي بين مصر والسودان. وكان طلاب جامعة الخرطوم رأس الحربة في مواجهة العسكر، ونفذوا أول مواجهة فعلية ضد النظام عام 1959، ثم واصلوا مطالباتهم بالحرية والديمقراطية في مذكرات شديدة اللهجة رفعت إلى عبود ومجلسه العسكري. رأس الحربة وعندما بدأ عبود يتوجس من حراك اتحاد طلبة جامعة الخرطوم جعل من نفسه راعيا للجامعة، ثم ما لبث أن قوّض استقلاليتها بإلحاقها بوزارة التربية. لكن محاولات عبود لم تفلح في لجم الجامعة ونشاطها السياسي، فمن حرمها انطلقت شرارة المظاهرات بشعارها "إلى القصر حتى النصر" التي أسقطت قائد العسكر بعدما سقط من طلبتها أول شهيد لثورة أكتوبر/تشرين الأول 1964. تمت تهدئة خواطر المتضررين، وقُطعت لهم الوعود بتعويضات مجزية، لكن الوعود نكثت مع الشماليين أولا، ثم نقضت الاتفاقيات المبرمة مع الجنوبيين. وعمد عبّود إلى محاولة فرض التغيير على الجنوب بمحاولات أسلمته وتعريبه، الأمر الذي أشعر الجنوبيين بالمرارة، فتشرد بعض قادتهم في المنافي ليؤسسوا الرؤية السياسية ومن ثم العمل العسكري المعروف باسم "أنانيا". وبعد ظهور "أنانيا" في المشهد وقعت مواجهات مسلحة بين الجنوب والشمال، لا سيما عام 1963، فبدأ التململ في صفوف الشماليين إثر سقوط أعداد منهم في معارك الجنوب. وبالإضافة إلى حلقة الخميس التي ستبث على الساعة 17:05 بتوقيت مكةالمكرمة، سيكون المشاهدون على موعد مع حلقة ثانية في نفس الموعد من الأسبوع القادم بعنوان "ضد العسكر.. ضد نميري" عن فترة حكم العقيد جعفر النميري (1969-1985).