يحتل موقعه القصيّ في أطراف العاصمة، بعيداً عن الأواسط، والمنطقة التي تكتنز بالأسواق.. موقع القلب يحفّز جمهور المستهلكين على التسوّق، ويداعب جيوب المارّة حال مرورهم بالمصادفة، دون رغبة في الشراء، وهي فلسفة قديمة، تتوخّى وجود السوق بالقرب من الناس.. مكمن الغرابة يتبدّى في كون الكثيرين يرتادون سوق ليبيا رغم موقعه الطرفيّ المشار إليه، في غرب أم درمان، حيث يتوافد عليه تجّار القطّاعي من الأسواق الأخرى، وجمهور المواطنين بكثافة، ولا ننسى بالطبع أولئك المقبلين، بمحض طوعهم وإرادتهم للدخول في قفص الزوجيّة الذهبي، حيث يشتهر المكان بمستلزمات المرأة عند زواجها (الشيلة).. لكل هذا يضحى من الاعتيادي ما حملته الأخبار في الأيام الماضية، من أنّ السوق حقّق ربطاً مقداره (14) مليار جنيه. يقع سوق ليبيا بمحلية أمبدّة، بدءاً من منطقة أبوزيد، بالناحية الجنوبيّة. في بدايات السوق تم إنشاؤه من الرواكيب والشوالات، الأمر الذي عرضه لحرائق كثيرة إلى أن فكّر العاملون به في إنشاء مقر ثابت، وانتقل بعضهم إلى المقرّ الحالي في المربّعات، بينما فضّل البعض الآخر البقاء بالموقع القديم. المؤكّد أنّ سوق ليبيا صارع طوال وجوده لكي يتبوأ موقعاً متقدّماً ويصبح من أكبر أسواق القارة الأفريقيّة، قبل أن يحقّق شهرة بلغت الشرق الأقصى والأدنى، من مقامه الحالي في موقع عميد الأسواق السودانيّة. يقول العم عبدالرحمن عبدالله يعقوب الملقب (بالباشا)، وهو من مؤسّسي السوق الجديد، الذي بدأ يتشكّل منذ العام 1970 إلى 1976: كانت بداية السوق فى حيّ العرب أم درمان، وكان يسمّى بسوق (الريّافة)، ومن حيّ العرب انتقل إلى السوق الشعبي أم درمان، وبعد الشعبي كانت هناك لجنة منسّقة بين سوق ليبيا والسوق الشعبي، فطلب الضابط أن يُدمجا في سوق واحد، لكن لجنة ليبيا رفضت هذا الطلب، وطالبوا بتحديد موقع آخر، فجاء الموقع الحالي، وكان عبارة عن شجر كتر وماشية ترعى بجانب الحفائر، وشرع التجار في بناء الرواكيب العادية من الشوالات، واللجنة بدأت في التحضير للدكاكين، واستخراج بطاقات السوق، التي استخرجت باسم سوق مايو الشعبي، وتمّ التصديق لهم من قبل خالد حسن عباس، عضو مجلس ثورة مايو، إلى أن بدأت البضاعة تأتي وتدخل في السوق من البلاد المجاورة، وسمّي بسوق ليبيا لأنّ أغلب البضائع تأتي من دولة ليبيا في شكل جوالات كبيرة تسمى (بالشكارات)، وبعد ذلك شرعت اللجنة المحليّة في تخطيط السوق ليكون سوقاً ثابتاً ومؤسساً. ذاكرة محدّثنا لا تغفل تعرّض السوق لحريق فى عام 1984، وهو الحريق الأوّل، حيث فقد فيه السوق مبالغ طائلة، وفي عام 1989 تمّ اختياري، وبدأنا في تأسيس السوق والقسم، واستلمنا خرطة للقسم والمحكمة الحالية، التي تصدّق بها العقيد الكاشف، من صناعات السوق الشعبي، والمعتمد سليمان محمد سليمان، الذي وضع حجر الأساس للقسم بسوق ليبيا، وأصبح جزءاً من السوق وبدأت البداية في تشييد السوق؛ في الأوّل -والحديث ما زال للباشا، نائب رئيس اللجنة الشعبية- بدأ بالجهد الشعبي، والمساهمات الكبيرة من رجال الخير والإحسان، وساهم في بنائه عدد كبير من الحرفيّين الذين بنوا قسم الشرطة، ثمّ تدخّلت الدولة لإكمال المراحل الأخيرة من تشييد السوق وأصبحت التجارة حالياً تتركز على المربعات (4)، (5)، (6)، وتعتبر من المربعات القديمة وأصبح الآن من أكبر الأسواق الحيويّة في أفريقيا، وهذا بفضل المورّدين الذين يأتون ببضائعهم من دول أفريقيا. على الرغم من ذلك -كما يختم محدّثنا- هناك مشاكل كثيرة يعاني منها السوق؛ أوّلاً الصرف الصحّي به مشاكل كبيرة، رغم الإيرادات العالية التي يجنيها السوق، بجانب النفايات التي باتت تهدّد بيئة المكان اليوم التالي