قصدت أن يكون عنوان المقال (عاملات منازل) وليس (خادمات منازل) منعاً للشعور بالصدمة والرفض التلقائي للطرح. أدعوك عزيزي القارئ أن تمر على ما يلي من كلمات بعين العقل والمنطق لا بعين العاطفة. ورد في الأخبار أن من ضمن الوظائف المتاحة بالمملكة العربية السعودية للأشخاص حاملي الجنسية السودانية وظائف خادمات منازل. قرأت تصريحاً لأحد مسئولي مكاتب الاستخدام يشير فيه الى أنهم لن يسمحوا بتوظيف السودانيات في هذه المهنة. ولم يوضح سبب الرفض. غير أنه من الواضح أن المسئول المذكور يعتبر الأمر فيه إساءة للسودان وللسودانيات. وهذا كلام فيه نظر. ما هي المعايير التي يستند اليها؟ وعن أي مجموعة بشرية سودانية يتحدث؟ وهل أجرى مسحاً عاماً أو محدوداً وقف من خلاله على نسب الراغبات أو الممانعات في هذا النوع من الوظائف؟ موظف الحكومة هو بالانجليزية Public Servant وترجمتها الحرفية خادم الحكومة. ولا تثير الكلمة أي حساسية. بالمقابل اذا احتجنا لشخص يعمل بالمنزل ماذا نسميه: خادم منزل، مدبر منزل، عامل منزل. في الحقيقة هي مترادفات لمهنة شريفة لها مهام محددة تؤدى بالمنازل. واذا كانت الأنظمة في المملكة العربية السعودية تشير لهذه المهنة باسم خادم أو خادمة منزل فينبغي ألا يثير هذا الأمر أي حساسية. إنها مهنة كغيرها من المهن. يعمل فيها الرجل أو الأنثى بكامل حريته ولا تتضمن مواصفاتها العبودية أو امتهان الكرامة. من ناحية ثانية تشير إحصاءات الاقتصاد السوداني الى أن نسبة البطالة في قطاع القادرين على العمل تتجاوز 20%. وأن نسبة السكان تحت خط الفقر 46.5%. الظروف المحيطة بالاقتصاد السوداني في الوقت الحالي لا تنبئ بإمكانية تقليل هذه النسب خلال فترة قريبة. وبالتالي فإن أي فرص للتشغيل داخل أو خارج السودان مطلوبة بشدة لإخراج أكبر عدد من السكان من دائرة الفقر. أما الموافقة على امتهان مهنة معينة فهذا اختيار فردي مرتبط بالشخص نفسه. فما لا تقبله أنت حسب تعليمك أو ثقافتك أو بيئتك قد يرتضيه شخص آخر يحتاج أو تحتاج الآن للعمل بشدة للخروج من دائرة الفقر ومساعدة الأسرة. وليس للحكومة أو أي سلطة عامة أن تتدخل أو تتحكم في هذا الاختيار الفردي ما دامت الوظيفة مشروعة وليس فيها استعباد أو امتهان لكرامة الإنسان. قد يجادل البعض بالإشارة لحوادث حصل فيها انتهاك لحقوق الإنسان في بعض الدول للعاملات في المنازل. والرد يكون هل هذا هو الأصل؟ وهل القوانين في هذه الدول توافق على هذا الانتهاك أم تعاقب عليه؟ الأمر الواضح أن التصرفات الفردية لا ينبغي أن تعمم على كل المواطنين والأسر في تلك البلدان التي تحترم من يعملون لديها. وواجب الدولة أن تعين ملحق عمالي في كل دولة فيها عمالة سودانية كثيفة للتأكد من شروط الاستخدام المناسبة والمرتبات الجيدة وغيرها. مطلوب من منظماتنا النسوية على وجه الخصوص النظر بعمق لمثل هذه القضايا. وعدم التقوقع في اطار ثقافة معينة أو مستوى اجتماعي مخصوص. عليها النظر للسودان الكبير في كل اطرافه. وللفقيرات طالبات العمل من أجل سد الرمق والخروج من حالة الفقر وهن كثيرات. وبالطبع فإن هذه المنظمات على علم بأن البدائل للجائعة أو الفقيرة قاسية وصادمة وغير مقبولة. والله الموفق السوداني [email protected]