حادثت محمد محمد خير!!    هل محمد خير جدل التعين واحقاد الطامعين!!    دقلو أبو بريص    أكثر من 80 "مرتزقا" كولومبيا قاتلوا مع مليشيا الدعم السريع خلال هجومها على الفاشر    كامل إدريس يلتقي الناظر ترك ويدعو القيادات الأهلية بشرق السودان للمساهمة في الاستشفاء الوطني    شاهد بالفيديو.. بلة جابر: (ضحيتي بنفسي في ود مدني وتعرضت للإنذار من أجل المحترف الضجة وارغو والرئيس جمال الوالي)    حملة في السودان على تجار العملة    اتحاد جدة يحسم قضية التعاقد مع فينيسيوس    إيه الدنيا غير لمّة ناس في خير .. أو ساعة حُزُن ..!    من اختار صقور الجديان في الشان... رؤية فنية أم موازنات إدارية؟    المنتخب المدرسي السوداني يخسر من نظيره العاجي وينافس علي المركز الثالث    الاتحاد السوداني يصدر خريطة الموسم الرياضي 2025م – 2026م    إعلان خارطة الموسم الرياضي في السودان    غنوا للصحافة… وانصتوا لندائها    ترتيبات في السودان بشأن خطوة تّجاه جوبا    توضيح من نادي المريخ    حرام شرعًا.. حملة ضد جبّادات الكهرباء في كسلا    تحديث جديد من أبل لهواتف iPhone يتضمن 29 إصلاحاً أمنياً    شاهد بالفيديو.. بأزياء مثيرة وعلى أنغام "ولا يا ولا".. الفنانة عشة الجبل تظهر حافية القدمين في "كليب" جديد من شاطئ البحر وساخرون: (جواهر برو ماكس)    امرأة على رأس قيادة بنك الخرطوم..!!    ميسي يستعد لحسم مستقبله مع إنتر ميامي    تقرير يكشف كواليس انهيار الرباعية وفشل اجتماع "إنقاذ" السودان؟    محمد عبدالقادر يكتب: بالتفصيل.. أسرار طريقة اختيار وزراء "حكومة الأمل"..    وحدة الانقاذ البري بالدفاع المدني تنجح في إنتشال طفل حديث الولادة من داخل مرحاض في بالإسكان الثورة 75 بولاية الخرطوم    "تشات جي بي تي" يتلاعب بالبشر .. اجتاز اختبار "أنا لست روبوتا" بنجاح !    "الحبيبة الافتراضية".. دراسة تكشف مخاطر اعتماد المراهقين على الذكاء الاصطناعي    الخرطوم تحت رحمة السلاح.. فوضى أمنية تهدد حياة المدنيين    المصرف المركزي في الإمارات يلغي ترخيص "النهدي للصرافة"    أول أزمة بين ريال مدريد ورابطة الدوري الإسباني    أنقذ المئات.. تفاصيل "الوفاة البطولية" لضحية حفل محمد رمضان    بزشكيان يحذِّر من أزمة مياه وشيكة في إيران    لجنة أمن ولاية الخرطوم تقرر حصر وتصنيف المضبوطات تمهيداً لإعادتها لأصحابها    انتظام النوم أهم من عدد ساعاته.. دراسة تكشف المخاطر    مصانع أدوية تبدأ العمل في الخرطوم    خبر صادم في أمدرمان    اقتسام السلطة واحتساب الشعب    شاهد بالصورة والفيديو.. ماذا قالت السلطانة هدى عربي عن "الدولة"؟    شاهد بالصورة والفيديو.. الفنان والممثل أحمد الجقر "يعوس" القراصة ويجهز "الملوحة" ببورتسودان وساخرون: (موهبة جديدة تضاف لقائمة مواهبك الغير موجودة)    شاهد بالفيديو.. منها صور زواجه وأخرى مع رئيس أركان الجيش.. العثور على إلبوم صور تذكارية لقائد الدعم السريع "حميدتي" داخل منزله بالخرطوم    إلى بُرمة المهدية ودقلو التيجانية وابراهيم الختمية    رحيل "رجل الظلّ" في الدراما المصرية... لطفي لبيب يودّع مسرح الحياة    زيادة راس المال الاسمي لبنك امدرمان الوطني الي 50 مليار جنيه سوداني    وفاة 18 مهاجرًا وفقدان 50 بعد غرق قارب شرق ليبيا    احتجاجات لمرضى الكٌلى ببورتسودان    السيسي لترامب: ضع كل جهدك لإنهاء حرب غزة    تقرير يسلّط الضوء على تفاصيل جديدة بشأن حظر واتساب في السودان    استعانت بصورة حسناء مغربية وأدعت أنها قبطية أمدرمانية.. "منيرة مجدي" قصة فتاة سودانية خدعت نشطاء بارزين وعدد كبير من الشباب ووجدت دعم غير مسبوق ونالت شهرة واسعة    مقتل شاب ب 4 رصاصات على يد فرد من الجيش بالدويم    دقة ضوابط استخراج أو تجديد رخصة القيادة مفخرة لكل سوداني    أفريقيا ومحلها في خارطة الأمن السيبراني العالمي    الشمالية ونهر النيل أوضاع إنسانية مقلقة.. جرائم وقطوعات كهرباء وطرد نازحين    شرطة البحر الأحمر توضح ملابسات حادثة إطلاق نار أمام مستشفى عثمان دقنة ببورتسودان    السودان.. مجمّع الفقه الإسلامي ينعي"العلامة"    ترامب: "كوكاكولا" وافقت .. منذ اليوم سيصنعون مشروبهم حسب "وصفتي" !    بتوجيه من وزير الدفاع.. فريق طبي سعودي يجري عملية دقيقة لطفلة سودانية    نمط حياة يقلل من خطر الوفاة المبكرة بنسبة 40%    عَودة شريف    لماذا نستغفر 3 مرات بعد التسليم من الصلاة .. احرص عليه باستمرار    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



من سابع المستحيلات " في ظل حكم الانقاذ " أن تصبح قيمة الجنيه أعلي من قيمة اليوان فواقع الحال يغني عن السؤآل.
نشر في الراكوبة يوم 12 - 02 - 2014

قرش رضينا و يوان الطفل المعجزة دولار ريال أم يوان صيني (الحلقة الثالثة)
قلنا في الحلقة الأولي أن تصريح السيد وزير الاستثمار بتقدم الحكومة لنظريتها الصينية بالموافقة علي اعتماد اليوان الصيني في التجارة الداخلية و الخارجية بديلا للدولار يكشف تواضع ثقافة الرجل و زمرته و جهلهم بحقائق ما يدور في عالم النقود اليوم خاصة عندما يكون الحديث عن أمريكا و الصين و الدولار و اليوان. فالطلب بالتأكيد مرفوض مسبقا و وجد طريقه إلي سلة المهملات، و العشم أشبه بعشم الديك في موية الإبريق، و واهم من يظن أن الصين يمكن أن توافق علي ذلك أو أن تسمح لعملتها مضارعة الدولار الأمريكي لأنهما (أي أمريكا و الصين)، كما أسلفنا، حليفان مستتران تربطهما مصالح اقتصادية شائكة لا يمكن الفكاك منها. فهذا أمر معروف لا يحتاج لعبقرية و واضح كوضوح الشمس لأي متابع بسيط للعلاقة بين الغرب و الصين بشكل عام و بين أمريكا و الصين بشكل خاص.
في هذه الحلقة نجلي بعض تلك الحقائق و نأمل أن يتعلم منها السيد الوزير و من لف لفَّه من بطانة عهد الجهل و الظلام و أن يكفوا عن الاستهزاء بأنفسهم أولا و أخيرا و ليصمتوا عن اجترار الضحك علي عقول الناس بالحديث المدغمس الذي لا يفيد (و لا ينطلي علي أحد) أسوة بحديث المصطفي عليه الصلاة و السلام (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت) إن كان في غرارة أنفسهم ذرة من إيمان. و أن يعودوا إلي رشدهم من الأحلام الجاهلة و الأوهام التي لا تقود البلاد إلا لمزيد من الوحل و الفشل (إن كان في عقولهم شئٌ من رشد) فزلوط في أحلامه المستحيلة لم يكن بأسوأ منهم بأية حال. أما الحمار علي جهله بنفائس الأسفار التي يحملها علي ظهره فله أجر المناولة و هو بهذا الحمل (علي عكسِهم) له نفعٌ و فائدة.
أولا: أصبح الدولار علي إثر إتفاقية بريتون وودز عام 1944م التي اعتمدت قاعدة الذهب كأساس للنظام النقدي العالمي عملة الاحتياط الوحيدة في العالم (نتيجة لخروج الولايات المتحدة الأمريكية من الحرب العالمية الثانية قوية مدفوعة بقوة اقتصادها العسكري) و الغطاء الذي يتم بموجبه تبديل كل عملات الدنيا بالذهب مقومة بسعر (35) دولاراً للأوقية الواحدة من الذهب حيث كان الدولار حينها مغطى بالذهب بنسبة 100% وبقي كذلك حتى سنة 1960م. و أصبحت كفاءة اقتصاديات كل بلدان العالم و قدرتها علي التجارة و التبادل الدولي تقاس بجم الاحتياطي النقدي من الدولارات التي تحتفظ بها.
إلا أن الوضع قد انقلب رأساً على عقب بنهاية الخمسينيات بخسارة الولايات المتحدة (نتيجة لقاعدة الذهب) خلال الفترة الممتدة من 1958م إلى 1960م ما يعادل حوالي خمسة مليار دولار من أرصدتها الذهبية (من 22.8 مليار دولار عام 1958م إلي 18.8 مليار دولار عام 1960م) نتيجة لتزايد كمية الدولارات خارج الولايات المتحدة الأمريكية لإقدام السلطات النقدية للدول الأخري في العالم لاستبدال الدولار بالذهب نتيجة لفقدان ثقتها في الدولار نسبة لتراكم العجز في ميزان المدفوعات الأمريكي فانخفض بالتالي رصيد الدولار من الذهب من 100% إلى أقل من 20%. الأمر الذي دفع بالرئيس الأمريكي نيكسون إلى إصدار قراره الشهير في 15 أغسطس 1971م القاضي بإلغاء قاعدة الذهب مما أدى إلى موجة عالمية من الاحتجاجات و أغلقت البنوك أبوابها و توقفت المؤسسات المالية والبورصات العالمية عن العمل. (راجع في قوقل: الهادي هبّاني – الشفافية و الافصاح و أثرهما في الأزمة الاقتصادية العالمية – 8 حلقات). أي أن أمريكا هي التي فرضت قاعدة الذهب و الفضة و تربعت عملتها بموجب ذلك علي عرش كل عملات الدنيا و هي أيضا التي فرضت نهايتها و أسدلت ستارها.
و علي الرغم من انهيار اتفاقية بريتون وودز (أو قاعدة الذهب) إلا أن الدولار لا يزال هو عملة الاحتياط الرئيسية (تربط كثير من دول العالم بما فيها الصين نفسها عملاتها به) و تتم علي أساسه أكثر من 90% من المبادلات التجارية في العالم، سواء بموجب الاعتمادات المستندية و خطابات الضمان أو بالحوالات المصرفية أو عن طريق أنظمة السداد المتبعة في كل البورصات العالمية أو حتي في السداد النقدي في المناطق الحرة و الأسواق غير الرسمية.
ثانيا: لكل ما سبق فقد أصبحت الحقيقة الماثلة اليوم علي أرض الواقع أن كل دول العالم تحتفظ بالجزء الأكبر من استثماراتها بالدولار الأمريكي و بالتالي فإن أي تراجع أو انهيار للدولار الأمريكي سيؤدي حتما إلي انهيار استثماراتها و لذلك لا مصلحة لها في محاربة الدولار بل علي العكس دائما ما تكون حريصة علي أن يظل سعر الدولار في الأسواق العالمية في حالة ارتفاع أو علي الأقل مستقرا. فالقيمة السوقية لاستثماراتها بالدولار الأمريكي تزيد بزيادة سعر الدولار و تنخفض بانخفاضه. و صدق من قال إذا عطست أمريكا أصيب العالم كله بالزكام.
و الصين (علي عكس ما يعتقد معالي الوزير المحترم) تتربع بجدارة علي عرش أكبر دول العالم احتفاظا بأكبر احتياطي نقدي من الدولارات الأمريكية حيث تتعدي حجم استثماراتها بالدولار الأمريكي في الخارج حاجز ال 500 مليار دولار و تعد من أكبر دول العالم شراءً و استثمارا في سندات الخزانة الأمريكية و التي بلغت حتي فبراير 2013م حوالي 1.3 تريليون دولار لتحافظ بذلك على موقعها كأكبر دولة دائنة للولايات المتحدة. فقد كشفت بعض البيانات الحديثة الصادرة عن البنك المركزي الصيني أن احتياطيات النقد الأجنبي الصينية بلغت 3.44 تريليون دولار حتى نهاية مارس 2013م ما تمثل حوالي 36% من احتياطيات النقد الأجنبي الصينية و هي بذلك تكون أكبر دول العالم من حيث الاحتياطي النقدي من الدولار الأمريكي. و بالتالي و وفقا لهذه الصدارة فمن البديهي جدا ألا يكون للصين أدني رغبة في انهيار الدولار حتي لا تنهار معه كل استثماراتها تلك المقومة بالدولار الأمريكي. بل علي العكس تماما فالصين وفقا لهذا الوضع تعتبر أكبر دول العالم ذات المصلحة المباشرة في ارتفاع أو استقرار قيمة الدولار الأمريكي و لها الاستعداد الكامل غير المحدود لدعم الدولار بأي ثمن حفاظا علي قيمة استثماراتها المقومة بالدولار الأمريكي و هو ما حدث في كل الأزمات المالية التي ضربت الولايات لمتحدة الأمريكية.
فعندما أوقفت كل دول العالم شراء المزيد من سندات الخزانة الأمريكية و بدأت تتخلص من المخزون الذي بحوزتها ابان الأزمة المالية العالمية التي ضربت أمريكا عام 2007م و امتدت منها للعالم أجمع و استمرت حتي عام 2009م و لا زالت آثارها ماثلة العيان ظلت الصين (برغم انخفاض معدلات مشترياتها من سندات الخزانة الأمريكية و عقود الرهن العقاري) تحتفظ بنفس الحجم من المبالغ المستثمرة و البالغة 799 مليار دولار حتي 17/12/2009م.
فليفتينا معالي الوزير المخضرم ما هي مصلحة الصين في محاربة الدولار أو في تنصيب عملتها بديلا له و احتياطيها النقدي من الدولار حاليا يفوق ال 3.6 مليار دولار.
ثالثا: و هذا هو الأهم و الذي يمثل لسعادة الوزير المحترم (علي تواضع معرفته في عالم النقود و البنوك و العلاقات التجارية الدولية التي نقدرها و نلتمس لها العذر) طلاسم عصيَّة عن الفهم أخشي أن تصيبه بصدمة حضارية و اختلال عقلي أو ارتباك عام في كهربائه). فما باله إن قلت له (من باب النصيحة الأخوية و المفاجئة) أن مصلحة الصين (إن كان هنالك ثمة امكانية لاتفاق مشترك بين البلدين (أي الصين و السودان) لاعتماد اليوان كعملة رسمية في التداول المحلي إلي جانب الجنيه) هي أن تكون قيمة الجنيه السوداني دائما أعلي من قيمة اليوان الصيني فكيف السبيل إلي ذلك؟ (الحاوي أو الساحر في فلكلور السودانيين هو وحده الذي يمكن أن يفعل ذلك كما فعل (في اعتقاد الكثيرين من أهالينا) خوجلي أبو الجاز الذي قلب المويه جاز).
فمن المعروف في علم الاقتصاد أن هنالك عدة أنواع لسعر الصرف و لكن ما يهمنا هنا نوعين فقط، سعر الصرف الاسمي أو (Nominal exchange rate) و هو قيمة عملة البلد المعين التي يمكن تبادلها بقيمة عملة بلد آخر. و تتحدد قيمته حسب قانون العرض و الطلب في سوق الصرف في لحظة معينة من الزمن. وينقسم إلى سعر الصرف الرسمي (السعر المحدد من البنك المركزي و تتم بموجبه المبادلات التجارية الرسمية) وسعر الصرف غير الرسمي (أو المعمول به في السوق الأسود لتجارة العملة). بمعني أن الدولار مثلا في أسواق العملات يزيد سعره كلما زاد الطلب عليه عن المعروض منه و يقل كلما قل الطلب عليه عن المعروض منه. و بما أن العملة (أيا كانت تعتبر في علم الاقتصاد محايدة) أي برغم أن لها قيمة في السوق وفقا لقانون العرض و الطلب فليس لها منفعة في حد ذاتها كورقة أي أنها لا تضيف منفعة بذاتها لحاملها (كالسيارة أو الأرز أو الخبز أو التلفزيون أو الكمبيوتر أو البندول مثلا) فليس بمقدور المرء أن يأكل ورقة فئة 100 دولار أو يركبها أو ينام عليها كما أنها لا تحقق زيادة أو نقص في حد ذاتها. فلو احتفظت بمائة دولار (كورقة) في الدولاب لعام كامل فلن تزيد لتصبح مائتا دولار أو تنقص لتصبح خمسين دولارا و ستظل مائة دولار في حين (أن السيارة مثلا) لها منفعة في حد ذاتها تتمثل في استخدامها للترحيل و النقل و السفر و قد تنقص قيمتها أو تزيد مستقبلا. فحياد النقود يصبح حقيقة اقتصادية من هذا المنطلق و هي (أي النقود) ليست سلعة بل مخزن للنقود و وحدة للمحاسبة و وسيط للتبادل بحسب أبجديات علم الاقتصاد. و بالتالي فإن سعر الصرف الاسمي لا يفيد عندما نتحدث عن انخفاض قيمة العملة أو معالجة التضخم (و هذا ما يجهله للأسف الشديد معالي الوزير و زمرته (و الجهل ليس غريبا في عهد الانقاذ).
أما القسم الآخر من سعر الصرف (و هذا هو بيت القصيد) يعرف بسعر الصرف الحقيقي أو (Real exchange rate) و هو يمثل كمية السلع و الخدمات لدولة أجنبية ما التي يمكن بموجبها شراء وحدة واحدة من السلع و الخدمات المحلية، وبالتالي فهو عبارة عن مقياس لقدرة الدولة المعينة على المنافسة مع نظيرتها الأخري. فهو كما نري أكثر ارتباطا بالاقتصاد الحقيقي (أي الاقتصاد السلعي) و معبرا عنه بحكم أنه يعبِّر عن القوة الشرائية للعملة (محلية كانت أم أجنبية) أي كمية السلع و الخدمات التي يمكن أن تشتريها بوحدة من عملة معينة (محلية كانت أم أجنبية) من سلع و خدمات الدولة الأخري بمعني أن المائة دولار التي احتفظت بها في الدولاب كانت بقيمتها الحقيقية يمكنها أن تشتري لك (مثلا) جوالا من السكر و آخر من الأرز و ربما رصيد محادثات بمائة جنيه أو غيرها و الآن يمكن أن تشتري لك جوالان من السكر و مثلهما من الأرز و رصيد بمائتي جنيه هذا إذا كانت قيمة الدولار اعلي من قيمة الجنيه (أي إذا انخفضت القوة الشرائية للجنيه نتيجة للتضخم). و أيضا يمكنها أن تشتري لك نصف جوال من كل من السكر و الأرز و رصيد بخمسين جنيه إذا كانت قيمة الدولار أقل من قيمة الجنيه (أي ارتفعت القوة الشرائية للجنيه نتيجة الانكماش). فالذي اختلف ليس المائة دولار و انما قيمة السلع المذكورة في السوق.
و بالتالي يستطيع في المبادلات التجارية الدولية سعر صرف عملة الدولة الأجنبية الأقوي شراء كمية كبيرة من سلع و خدمات الدول التي سعر صرفها الحقيقي أقل مما يشجع تلك الدول ذات العملة الأقوي زيادة حجم وارداتها من الدولة ذات العملة الأضعف و يظل بالتالي الميزان التجاري في صالح الدولة الأخيرة التي تكون قيمة عملتها متدنية إما نتيجة للتضخم الناتج عن الفشل الاقتصادي الشامل فتباع مواردها و منتجاتها (علي قلتها) بتراب الفلوس كما يحدث في بلادنا. أو نتيجة لسياسة نقدية مخططة تتبعها الدول التي تتمتع باقتصاديات قوية بتقويم عملتها بأقل من قيمتها الحقيقية لتشجيع صادراتها و زيادة حصيلتها من العملات الصعبة و تحقيق فائضا لصالحها في موازينها التجارية مع الدول الأخري كما يحدث في حالة الصين و أمريكا و دول الاتحاد الأوروبي و هو ما اصطلح عليه في السنوات الأخيرة بحرب العملات.
فظهور الصين في الحقب القليلة الماضية كاقتصاد قوي (تفوَّق علي اقتصاد اليابان و احتل المرتبة الثانية يعد أمريكا) غزي العالم أجمع بكميات ضخمة من السلع و الخدمات بأسعار منافسة لا تقوي عليها الدول الأخري، بجانب كونه نابعا من اتِّبَاع سياسة الاقتصاد المخطط و الموجه من الدولة و قدرتها علي الاستخدام الأمثل لمواردها الطبيعية و البشرية غير المحدودة، فقد ظلت الصين دائما تقوِّم سعر صرف عملتها مقابل الدولار بأقل من قيمتها الحقيقية بحوالي 40% مما يؤدي دائما لانخفاض أسعار المنتجات الصينية في السوق الأمريكية و أسواق دول الاتحاد الأوروبي فيزيد الطلب عليها و ترتفع أسعار المنتجات الأمريكية و دول الاتحاد الأوروبي في الصين فيقل الطلب عليها الأمر الذي جعل الميزان التجاري دائما في صالح الصين حيث حقق فائضا بلغ 25.6 مليار دولار في ديسمبر 2013م مقابل 33.8 مليار دولار في شهر نوفمبر 2013م (كما جاء في المصري اليوم بتاريخ 24/01/2014م). و هذا الوضع يمثل حربا بين دول الاتحاد الأوروبي و أمريكا و بين الصين للضغط علي الأخيرة بعدم التدخل في تخفيض اليوان بأقل من قيمته الحقيقية و تركه لقوي السوق من ناحية، و بين دول الإتحاد الأوروبي و أمريكا التي تضغط فيه الأولي علي الثانية لتخفيض قيمة الدولار لمستويات أقل من قيمة اليوان و هذا ما لا تقوي عليه أمريكا.
و بالتالي فإن الصين إذا وافقت علي طلب الحكومة السودانية (و هذا ضرب من الخيال) فسيكون شرطها أن يكون الجنيه السوداني أعلي من قيمة اليوان الصيني لضمان زيادة صادراتها للسودان و ليكون الميزان التجاري في صالحها دائما.
و من سابع المستحيلات (في ظل حكم الانقاذ) أن تصبح قيمة الجنيه أعلي من قيمة اليوان فواقع الحال يغني عن السؤآل. و إذا كان بمقدور السيد الوزير وزمرته تحقيق ذلك لما كانت الآن حالهم كحالة الغريق الذي يتمسك بالقشة و لما احتاجوا اصلا للتفكير في احلال اليوان إلي جانب الجنيه.
و بالتالي فإن مصلحة الصين أن يظل الوضع كما هو عليه الآن و أن يكون السودان علي مستوي الدولة و علي مستوي قطاع الأعمال مجبرين علي الحصول علي الدولار لتمويل وارداتهم من الصين لأنه ببساطة (كما أسلفنا) أن الصين تحرص دائما علي بقاء قيمة الدولار أعلي من قيمة اليوان. و هذا ما لخصه الأخ الكريم (جركان فاضي) (أحد قراء الراكوبة الكرام) في تعليقه الموسوم بالخبرة و الفهم العميق و السخرية علي الحلقة الأولي بقوله (وصف دقيق للطفل المدلل ...شكرا الاستاذ الهادى هبانى...هؤلاء اشكال خاوية من اى فهم صحيح...كيف يتجه السودان لليوان بدل الدولار؟...وهل الشركات الصينية نفسها تبيعك باليوان او الدولار؟...يا أخى هذا الطفل المدلل الخاوى الراس والفهم كان يسأل اى تاجر شنطة يسافر للصين عشان يعرف ان الصين تبيع بالدولالالالالالالالار وليس اليوان). شكرا أخ جركان فاضي فكما قال بن الحكم بن العاص الأموي.
لقد أبقَى بنو مروانَ حُزْناً ،،،،،،، مُبِيناً عارُه لبني سَوادِ
أطاف به صَبيحٌ في مشِيدٍ ،،،،،،، ونادى دَعوة يابْنَيْ سُعادِ
لقد أسمعْتَ لو ناديْتَ حيّاً ،،،،،،، ولكن لا حياة لمن تنادِي
نفرد الحلقة القادمة للحديث عن أسباب تردي عملتنا المغلوب علي أمرها فتابعونا
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.