منذ عدة شهور عقدت في إثيوبيا القمة الأفريقية، ولأول مرة منذ خمسين عامآ لا تدعى مصر إلى هذه القمة بسبب تجميد الإتحاد الأفريقي لعضويتها منذ ثورة 30 يونيو، وعقد الرؤساء الأفارقة خلال القمة إجتماعآ منفصلآ لبحث الحالة المصرية على ضوء تقرير لجنة الحكماء الأفارقة التي زارت مصر مرتين للإطلاع على الحقائق، وفي هذه المناسبة أود أن ألقي الضوء مرة أخرى على المشكلة الحقيقية التي ستعاني منها مصر بدءآ من عام 2017 والخاصة بمياه نهر النيل والتي ستتأثر حصة مصر فيها تأثرآ كبيرآ بسبب سدود الحبشة الأربعة وأولها سد النهضة الذي تم إنجاز 30 % من المشروع حتى الآن بإشراف فيلق هندسي من الجيش الأمريكي دون الإلتفات إلى الأثار السلبية على مصر والتي تهدد بالمجاعة وإنتشار الأمراض وتهجير عشرات آلاف الأسر المصرية من أماكنهم بسبب نقص مياه النيل وضياع ما بين 20 - 30 % من الطاقة الكهربية التي تنتجها مصر من السد العالي وسد أسوان، وأذكر أن الدكتور/ محمد نصر علام وزير الري والموارد المائية الأسبق قد توقع أن وفاة رئيس وزراء أثيوبيا الأسبق ميليس زيناوي ربما تؤثر بشكل إيجابي على العلاقات المصرية الإثيوبية خاصة أن زيناوي كان يتزع والجدير بالذكر أن السودان سوف يستفيد جدآ من سد النهضة بالحبشة لأن مجرى النيل الأزرق يأخذ كمية كبيرة من الطمى إلى السودان ويتسبب فى مشاكل كبيرة تتمثل فى ملء القنوات بالطمى وتراكمها أمام السدود، وبالتالى تفقد الكثير من السدود فى السودان قدرتها بسبب هذا الإطماء، وأوضح السيد فقي أحمد نجاش مدير إدارة شئون الأنهار الدولية بوزارة المياه والطاقة الإثيوبية أن السودان ينفق ملايين الدولارات لإزالة الطمى من أمام السدود والقنوات، وأن سد النهضة سيقلل الحد الأدنى من تأثير الطمى فى السودان. وأضاف قائلآ : "فى الواقع أن بعض السودانيين يؤيدون إنشاء مشروع سد النهضة من البداية وخاصة هؤلاء الذين يدركون جيدا ما يحدث بإثيوبيا، وأنهم وفروا اللوازم لتنمية الموارد المائية فى إثيوبيا فى السابق، وأن الحكومة السودانية وفرت قبل عامين 22 آلية ثقيلة لإزاحة الصخور من أجل إنشاء سد النهضة". والمعروف أن سد النهضة سوف ينتهي العمل فيه بعد ثلاث سنوات، ولهذا قدر خبراء الري والموارد المائية المصريون، أن سنة 2017 سوف تشهد بداية المتاعب الحقيقية لمصر، والتي تتمثل في الآتي: 1- المساس بالوجود والحياة للشعب المصري ، فبعد ثلاث سنوات من الآن ستنخفض حصة مصر من مياه النيل بنسبة 30 ٪ وهذا معناه تصحر آلاف الأفدنة من الأرض الزراعية وهجرة الملايين من أماكنهم إلى أماكن أخرى بحثآ عن لقمة العيش. 2- إنخفاض منسوب المياه الجوفية. 3- بعد إنتهاء السدود الثلاثة الأخرى سيصبح مجرى نهر النيل مجرد أثر عين ، ليس إلا ، وتجف فيه المياه ، وتختفي السياحة النيلية ، وتنخفض حصة مصر من مياه النيل إلى 60 ٪. 4- انخفاض حاد في إنتاج الكهرباء وسوف يعم الظلام مناطق كثيرة في مصر. 5- تزايد إحتمالات حدوث هزات أرضية قد تتطور إلى زلازل مدمرة. 6- نحن نعلم أن مياه البحر لا تدخل على أراضينا الزراعية في الدلتا حاليآ بسبب ثقل المياه العذبة التي تصب في البحر، لكن عندما تختفي مياه النيل هذه، فلن يوقف شيئ مياه البحر المالح من الإنقضاض على أراضينا الزراعية وخاصة في منطقة الدلتا وغمرها بالكامل. 7- إنخفاض حصة الفرد في مصر إلى مستوى تحت خط الفقر المائي ، فحاليآ تبلغ حصة الفرد 625 متر مكعب في السنة ويتوقع أن تنخفض إلى 300 متر مكعب بالسنة في عام 2050، علمآ أن حد الفقر المائي يساوي 1000 متر مكعب ماء سنويآ. ماذا نفعل ؟ هل بالحلول التافهة الساذجة مثل التي إقترحها أيمن نور في إجتماع مرسي بقيادات العمل السياسي في مصر والذي نسيت فيه باكينام الشرقاوي أن تغلق الميكروفونات فسمع العالم كله أيمن نور وهو يقترح إشاعة كذبة مفادها أن طائرات سلاح الجو المصري تتدرب على التزود بالوقود في الجو حتى تصل إلى أماكن بعيدة فتفهم إثيوبيا أنها المعنية بهذه الأماكن البعيدة وتخاف وتوقف العمل في المشروع، أم بتدويل القضية سواء أفريقيآ أو عالميآ واللجوء للمحاكم الدولية أم بالأعمال الإستخباراتية التي برعت مصر فيها من قبل مثل تدمير المدمرة إيلات مع إدراكي التام للفارق الشاسع في صعوبة المهمتين، أم بالعمل العسكري الصريح الذي لا يحبذه معظم الخبراء، ولا تتصوروا أن الأكذوبة المسماة بسد الكونغو يمكن أن تحل المشكلة. ومشروع نهر الكونجو هو فكرة مشروع ضخم يهدف إلى التحكم بالموارد المائية في البلاد المستفيدة منه وهى مصر والسودان وجنوب السودان والكونغو بواسطة شق قناة تربط بين نهر الكونجو وأحد روافد نهر النيل في السودان وهو النيل الأبيض . وقد ظهرت الفكرة بشكل فعلي لأول مرة عام 1980م عندما أمر الرئيس المصري أنور السادات الدكتور إبراهيم مصطفى كامل الخبير الهندسي في مجال مياه النيل والدكتور إبراهيم حميدة رئيس مركز بحوث الصحراء والمياه السابق بعمل جولة ميدانية في الكونغو لتقديم تصور عن الطبيعة الجغصرافية للنهر وبعد تقديم المشروع للسادات قامت الحكومة المصرية بإرساله إلى شركة آرثر دي ليتل وهى شركة عالمية متخصصة في تقديم الاستشارات الاستراتيجية الامريكية لعمل التصور المتوقع والتكلفة المتوقعة وردت بالموافقة، ولكن تم تأجيل المشروع بسبب إغتيال الرئيس السادات وبسبب التكلفة الباهظة، ثم عادت الفكرة في الظهور بسبب التهديد الذي يشكله مشروع سد النهضة في إثيوبيا، ووفقًا لدراسة اعتمدت عليها هيئة الثروة المعدنية أجراها أستاذ الطاقة والبترول في الجامعة الأمريكية بالقاهرة، جمال القليوبي، في سبتمبر الماضي، فإن أفضل حل لإيصال الماء من نهر الكونغو إلى نهر النيل يكمن في شق قناة يبلغ طولها 600 كم، تصب في النيل الأبيض إلى الجنوب من جوبا بدولة جنوب السودان، ومن ثم تتلاقى في حوض النيل بشمال السودان، ومنه إلى بحيرة ناصر خلف السد العالي في أسوان بمصر، ولكن وزراء الري المتعاقبين في مصر وأساتذة الجيولوجيا في الجامعات وخبراء الهندسة المائية الهيدروليكية المصريين رفضوا المشروع لأسباب فنية واقتصادية وسياسية أوجزها في النقاط الآتية : 1- يبلغ طول نهر الكونجو 4700 كيلومتر وقوة إندفاع المياه فيه هى 41700 طن من المياه في الثانية، أي أغزر من مياه النيل 15 مرة ومن قوة إندفاعه غربآ تدخل مياهه العذبة داخل المحيط الأطلسي بمياهه المالحة لمسافة ثلاثين كيلومتر من قوة الإندفاع، وتواجه المشروع صعوبة كبيرة فعند الرغبة في إعادة توجيه جزء من هذه المياه لتلتف (في مسار جديد) لتتوجه إلى الشمال الشرقي حيث تتقابل مع مياه النيل بجنوب السودان سنجد أننا نحتاج مسارآ جديدآ يصل طوله حوالي 1000 كيلومتر في مناطق استوائية من الغابات وتضاريسها من الصخور الجرانيتية، وبها فروق في المناسيب الطبوغرافية، وهو أمر يبدو في غاية الصعوبة عمليا. 2- حوض نهر الكونغو منخفض عن عن مستوى النيل الأبيض بحوالي 1000 متر ولابد من دفع مياه الحوض لأعلى كل هذا الإرتفاع من خلال قناة يصل طولها إلى 1000 كيلومتر بواسطة مضخات عملاقة فإذا علمنا أن أقوى مضخة في العالم حاليآ لا يمكن أن ترفع المياه لأكثر من 40 مترآ فيمكننا أن نستنتج أننا نحتاج حوالي 25 مضخة توجد كل منها في محطة خاصة مع ما يلزمها من مصاريف تشغيل وصيانة وأيدي عاملة مما يجعله باهظ التكاليف بل إن تكلفته تفوق تكلفة محطات تحلية مياه البحر، ومعروف علميآ أنه لو تجاوز سعر المتر المكعب من المياه 15 سنت أصبح مرتفع الثمن حسب ما أجمعت عليه كل الدراسات، وهناك سيناريو آخر أسهل وأقرب للتنفيذ وهو قناة طولها 600 كيلومتر وترفع فيها المياه إلى إرتفاع 200 متر بإستخدام 4 محطات رفع متتالية وهو سيناريو لا يقتنع به الخبراء المصريون لأن النيل الأبيض يرتفع عن سطح حوض نهر الكونجو ب 1000 متر وليس 200 متر فقط. 3- المعروف أن الطاقة الإستيعابية لمجرى النيل الأبيض البطئ لا تزيد عن 12 مليار متر مكعب ولكن حجم المياه التي ستضخ فيه من حوض نهر الكونغو يبلغ من 95 - 100 مليار متر مكعب فكيف يستوعب مجرى النيل الأبيض كل هذه الكمية من المياه حيث شبهها الخبراء كأننا نصب برميلآ كبيرآ من الماء في كوب شاي صغير، وقيل أن الكمية الزائدة يمكن أن تحول على ممر إسمه ممر التنمية يعبر الصحراء الشرقية ويعمرها ولا أحد يعرف أين هذا الممر الذي يجب أن يستوعب 112 مليار متر مكعب من المياه. 4- يوجد حاليآ في مصر تسعة ملايين فدان أراضي زراعية، والمطلوب إستصلاح 80 مليون فدان أي حوالي عشرة أضعاف المساحة الموجودة حاليآ لتفي بإحتياجات الشعب، فإذا كان الفدان يستهلك على الأقل 3000 متر مكعب من الماء - وهو رقم متواضع جدآ - فهذا معناه أننا نحتاج 300 مليار متر مكعب من المياه، بينما هذا المشروع سيوفر لنا 120 مليار متر مكعب فقط رغم التكلفة الباهظة له. 5- لا توجد حتى الآن دراسة علمية وفنية شاملة بل مجرد مشروع إستثماري قدمته مجموعة من رجال الأعمال المصريين والعرب وتبنته شركة ساركو التي يترأس مجلس إدارتها الجيولوجي ورجل الأعمال المصري إبراهيم البيومي والذي نشرت جريدة الدستور أنه قابل الفريق أول السيسي يوم الخميس الماضي الموافق 23 يناير سنة 2014 وعرض عليه المشروع فطلب منه السيسي كل تفاصيل المشروع لعرضها على الجهات المختصة، وأعلنت هذه الشركة أن المشروع يتكلف 8 مليارات جنيه مصري ويستغرق ثلاث سنوات. 6- أعلن بعض وزراء الري المصريون أن الحكومة المصرية ترفض مبدأ نقل المياه بين الأحواض النهرية، موضحاً أن هذا الرفض يتفق مع القواعد والقوانين الدولية المنظمة للأنهار المشتركة، وذلك تفاديا لحدوث نزاعات بين الدول المتشاركة في النهر، وأكدوا أن هناك أبعادآ إقتصادية وإجتماعية وسياسية يجب أخذها في الاعتبار عند التفكير في إقامة مثل هذه المشروعات، التي تتكلف مليارات الدولارات بالإضافة إلى الأبعاد الفنية والهندسية والآثار البيئية الناجمة عن إحداث تغيرات لمجري مائي قائم، 6- حوض نهر الكونغو تستفيد منه ستة دول ولابد من أخذ موافقتها مسبقآ قبل بدء المشروع وخاصة موافقة جمهورية الكونغو، وربما يخلق هذا مشاكل سياسية كالتي تسببت في إغلاق قناة جونجلي بجنوب السودان في الماضي القريب. 7- البدائل المقترحة لهذا المشروع لدى المعارضين له : مشروعات أعالي النيل وإستقطاب الفواقد من المياه الغير مستعملة، وتحلية مياه البحر. الاهرام