النفير الذي أطلقه الأهالي في الإقليم الشمالي لتأهيل مستشفى مشو، يذكرني بالواقع المرير الذي يعيشه أهلنا هناك.. جراء انهيار الخدمات الصحية.. لست جهوياً ولا مناطقياً . هذا الداء اللعين الذي غاص في مجتمعنا السوداني، وسرى في أوصاله حتى بات بعض منا يتحدث ليس فقط عن قبائل ومناطق بل عن أسر وعائلات ... هذا التصنيف الذي رفضه علي عبد اللطيف قبل نحو 90 عاماً عندما سأله القاضي الإنجليزي عن كنه قبيلته .. فصرخ في وجه الأجنبي بسودانيته.. اليوم يمارس أهل السلطة أبشع من ما حاول به المستعمر تشتيت الولاءات وكسر الوحدة القومية.. وها هو عبد الحليم المتعافي يعترف في لقاء تلفزيوني بأن " الحركة الإسلامية" عملت بتخطيط لتعميق القبلية والجهوية ... وبحساب درجة الولاء تصرف الخدمات .. وهذا " التكتيك" الحزبي التمكيني واضح أشد الوضوح في بعض مناطق الشمال .. حيث الخدمات تم ضخها بأريحية لمن هللوا وكبروا ، وأهملت مناطق أخرى ، وبفعل الإهمال أفرغت القرى من ناسها الذين هجروها وهاجروا بحثاً عن الدواء والتعليم. واليوم ، المنطقة شمال الشمال بصورة خاصة، شبه مهجورة ، لتداعي أوضاع الخدمات.. حتى تلك التي أقاموا بإسهاماتهم الخاصة، وهم من أوجد التعاونيات ، وشيدوا مدارسهم بالعون الذاتي. إن "تأهيل مستشفى " في الشمالية ( شمال دنقلا) مشروع مهم ، أرى أن يتنادى له أبناء المنطقة جميعهم .. لنريهم جانباً آخر من إيجابيتنا ، وتجردنا في السعي بعطائنا لأهلنا . فمستشفى مشو ( المتهالك الآن ) هو المرفق الصحي الوحيد غرب النيل إلى أن تصل دنقلا ، قادما من الشمال ، وفى المنطقة كلها شرقاً وغرباً لا يوجد غير مرفق صحي واحد يمكن أن يسمى مستشفى ، وهو البرقيق ( شرق النيل ) ، الذي تم تأهيله بحراك مجتمعي رائع ، نأمل أن نحتذيه في تعاملنا مع مشروع تأهيل مستشفى دنقلا... لقد بدأ المشروع بتنسيق بين لجان في السودان وأخرى في المهاجر . ويقود المشروع في السعودية ، وخاصة في الرياض ، شباب غيورون، متحمسون.. أرجو أن نتشارك معهم في هذا الحماس .. فجميعنا يحتاج لخدمات هذا المستشفى ... إن الانهيار الذي يعانيه مستشفى مشو هو صورة من التردي الذي يعايشه المواطنون صحياً وتعليمياً واقتصادياً .. بعد أن رفعت ( الدولة ) يدها عن أهم الخدمات ، وتوزعه وفق الولاء والطاعة.. فتباً لهذا المبدأ التمكيني " الخدمات مقابل الولاء" ... ومفهوم " الما معانا ما يشرب من مويتنا ... ولا يمشي بي زلطنا". [email protected]