يُعيد اعتقال صبيان الإنقاذ للسيد الإمام الصادق ( 17مايو الجاري) حقيقة أن لا أمل ببلوغ النظام الحلم، فطريقة الاعتقال ومبرراته وتبديل التهم لا تؤكد إلا عدم النضج رغم تطاول العمر وسأم الناس من متابعة برنامج "ركن الأطفال" الذي يطلق النار على قدميه ويحسب انه يحسن صنعا. الامر الذي جرّف كل شيء عزيز في الوطن وهاهو يمضي مندفعا يحطم نفسه وما تبقى من الخزف السوداني. لا أعلم لماذا لا يتعلم آل بوربون من سجلهم في الفشل وفي توظيف آلة القمع والقهر بل الاتعاظ من فشل حلقات حروب الإلغاء التي جاءت نتيجتها دائما بإلغائهم أنفسهم وإلغاء وحدة السودان واستقلاله واستقراره. لم تكن بلادنا قبل يوميات الإلغاء الكريه تعرف الجيوش الأجنبية ولا المرتزقة ولا الجنجويد الذين يجلبون رئيس البلد لمحاكم الجزاء الدولي، مثلما لم تعرف الاعتقال على طريقة الأفلام البوليسية. وفي الحقيقة دولتنا مختطفة "فياحليلها" لم تكن من همومها ممارسة غواية التمكين بهدف السطو أو ممارسة القهر العاري لإخضاع القيادات والمواطنين. لكن (حدِث العاقل بما لا يعقل فإن صدقك فلا عقل له)، هكذا يتمظهر ركن الأطفال بإعادة إنتاج حلقات الفشل والعبث بتلفيق تهم ترتفع بورصتها في 48 ساعة ويصعد مؤشرها من مربع التوشح بالقانون إلى مربع الإدانة بالخيانة العظمى والتلويح بجناية الإعدام عبر تطبيق اعتقال تأبيدي لا يسمح لصاحبه بالخروج إلا بتنفيذ إعدام يلح عليه زعيم الجنجويد في الهواء الطلق والنقل الحي ونحن في عصر الاعلام الاجتماعي ويدعمه رئيس المجلس الوطني بل وكل مسئول بالمؤتمر الوطني ! في مشهد لا يعرف فيه المجتمع الدولي والمحلي أين ينتهي المجلس الوطني وأين تبدأ سلطة الحزب الوطني وأين تنفصل السلطات ويا (مزيكة دقي) بمنح أدلة مادية لمحاكم الجزاء بما يمارسون وبما يحدث باسم حماية هيبة المؤسسات واستقلال القضاء وضد من؟ ضد أولئك الذين حاولوا باستمرار مغالبة مآسيهم الذاتية لإعادة وجه دولة الوطن المختطفة وفي سبيل ذلك ظل ود المهدي يسدد أثمانا ولكنه دائما راهن على ما يؤمن به لعله يقرب بين نظام الصبية والوطن رغم أن آخر هموم الإنقاذ الوطن أو التقريب بين النظام وقوى وطنية استغشت ثيابها ويئست من خير فيه وحتى مع مجتمع دولي لم يعد يرى في السودان إلا سلطة في يد سلطان وأنه ملف لتقارير الفساد أو العقوبات الجنائية الدولية. الإنقاذ في القهر واختطاف مؤسسية الدوله تبدو ملة واحدة وليس ثمة بريء لأن الجميع في هذه الحادثة شرع ينفخ في التهم والكل صار صدى ومنبرا للهتاف البايخ ولكن الرأي العام السوداني يعرف السجين ويعرف السجان كما يعرف جوعه المزمن فقد قابل النفخ المتكاذب بنضج ووعي ينقص الإنقاذ وهكذا انتظمت إداناته تصم آذان الإنقاذ ودمغها بأنها كلما تقدم بها العمر صغر عقلها. أما الرأي العام الدولي فقد كان ينتظر خطوة الإنقاذ لكي يؤكد عدم وجود مؤسسات قضائية ولا عدلية وهو يعلم أنها تجر خلفها سجل الجنجويد وهو وجه لاستضافة الإرهاب (السابق) الذي تطارده قرارات الأممالمتحدة والإدانات وسنين الفشل جرفت استقلال السلطات ولهذا تكرار يوميات الإنقاذ وتمحورها حول القتل والاختطاف ورزاياه وتذكر الاتحاد الأوربي تحديدا لهذه الأساليب تنبع من تجارب التأشير يمنا والاتجاه يسارا ولهذا يتحد المجتمع الإنساني في التنديد بسجل الإنقاذ وهاهو شرع يقص عليها حكي بيوت الأشباح وحلق شعر النساء والانتقاص المستمر من القيادات الوطنية بتهكم (ألوان أو من قناة أم درمان) بخطاب إنقاذي لا يرى في القريتين عظيم. المشكلة أن حرب الإلغاء ترتد فضحا لمخازي الجنجويد بدل التغطية على ممارساتهم وفي ظل صراع الأجنحة تلتمس فيه كل حليمة التحالف مع الجناح (التراثي) الذي أقصي في نهاية التسعينات نكاية بالجناح الآخر وتحت مبرر تلافي تطورات في المنطقة لكن من اتهم بالانقلاب ومن انشق ومن لدغ من العقارب والأفاعي سيصارع ضد الاندغامات الطينية وأيا كان صراع الأجنحة فإن الضحية لن تكون مقايضة التحول الديمقراطي بتحالف أشرار. فلم يعد ثمة هامش في جسد الدولة المختطفة وسيكلف الشعب السوداني الانقاذ تنازلا كان يمكنها تجنبه ومن المؤكد أن نشر غسيل الفساد سيكون وقودا لردة فعل شعبية توقف حلقات العبث فالرأي العام السوداني أصلا يعيش ململة صارت حنقا ولطالما استفزه الإجهاز على كل مكاسبه التاريخية في التعليم العام وتحطيم هيئة الأقطان ومشروع الجزيرة وسودانير وأراضي الولايات وهز شجرة التماسك الاجتماعي في دارفور وكردفان والنيل الأزرق وتوابع الزلزال المعلومة. ومع أنني لا أعرف شعبا في الأرض أتاح لنظام تخريب بلاده واقتصاده على نحو ما حدث إلا أن نظام الإنقاذ يبدو وكأنه وقع في فخ تصديق أوهامه بأن الشعب السودان شبع موتا أو منحه إذنا بالاستمرار في التخريب وممارسة الاعتقالات الجماعية كما حدث مع ردود الفعل على اعتقال السيد الصادق في مظاهرات الدامر وتغفل الإنقاذ أن مزيج القهر والفساد دفع الناس دائما للمقاومة ويوميات الإنقاذ من الاستفزاز بحيث تضعها في مأزق مباشر اليوم مع الشعب السوداني بما فيه المقاومة المتأهبة. من أقدم على اعتقال السيد الصادق لابد أن يدرك أن الأزمة اليوم أعمق من أن ينقذها هذا الاعتقال لن تحل بقمع الحريات في دامر المجذوب والقضارف وأبا والأبيض، لأن الوعي الإنقاذي كله يتشظى بها ويشقى برؤيته لإدارة السودان ولنظام حكمه وفصل السلطات فيه ويشقى بعدالة الإسلام وبالتالي بكيفية التعامل مع المعارضة السلمية وكيفية إدارة معادلة الحوار الوطني فالأزمة إذن في العقول(الصغيرة) التي غرست فيها تخاليط تجمع بين المتناقضات لا عجب أن رأت الحوار(إندغام) والوثبة (نطة) والصالح طالح والتجبر عدل والاعتقال خارج القانون يجلب خير مأمول والاختطاف تطبيق للقانون وفصل للسلطات واغتصاب النساء يولد الاستقرار السياسي وهذا شقاء لا يعالجه حتى تعليق البشير على سفك دماء متظاهري سبتمبر 2013 بأن قال أن الإنقاذ (مالكية) المذهب في (القتل) هذا استمرار بالتخليط وهو مكمن الداء الانقاذي مما استلزم وقتها دفاعا من الإمام الصادق عن الوعي فرد بما قاله ابن حزم الأندلسي بأن من يقول بذلك هو الشيطان والغاوون وليس صاحب الموطأ. وكانت خطبة (الوثبة) دليل مادي إضافي يفسر التخليط الحالي (فالخطبة) كانت تؤشر على عدم وضوح الرؤية وليس وضوحها فقد أمل الناس أن تخاطب المشكلات الوطنية ولكن كلمات البشير تحولت لكوميديا سوداء يختزلها المثل الشاائع (شر البلية ما يضحكنا) في عز الأم لا عجب أن صارت الوثبة ساحة للتهكم والضحك كما نضحك الآن من عدم الاتعاظ من الإدانات الدولية التي جلبها (الجنجويد) لكن المرض ينتشر وأخشى أن يقضي على أخضر الانقاذ ويابس الشعب السوداني وأدلل بحجم الكارثة بما تسمع من الطلاب أن معلمهم بالمدرسة يدخل عليهم يائسا وليس في جعبته إلا هجاء كل الواقع لا يرى جميلا في شعر التجاني ولا جهاد المهدي ولا تكتيك النجومي ولا بطولات عثمان دقنه، إذ يستفرغ ما بصدره من كراهية وانتقاص وتعريض بالرجال ولا عجب أن صار الطالب صوره من معلمه فالأزمة طاحنة تجدها في وجه(مذيع) الإنقاذ الذي بدوره يتهجم ويهجو ولك أن تطلع على الصحف الاجتماعية التي تغطي صفحاتها بأخبار الاختطافات والاغتصاب ونهب الأموال وتخريب اقتصاد البلد ومع ذلك صبيان الجبهة بلا عقل يصرون على حرق أنفسهم واطلاق النار على أرجلهم ولا يتوقف أحدهم للحظة أمام ما يجري وفي الحقيقة هم متصالحين معه لأن معظمهم معزول عن الواقع وبعضهم تشكل تفكيره برؤية زينت له أن عسف الأمويين وقهرهم وقمعهم للشعوب الإسلامية واستباحتها نوع من هيبة الدولة وقوتها حتى لو قامت عصور الأمويين على الجماجم وفترة العباسيين على استباحة المفكرين أو قتل بعض السلاطين (زول زي) الحلاج وتظاهر رعاعه برأسه محمولا في شوارع العراق.. مصيبة عندما يقرأها شخص طبيعي يتقطع من الألم لكن الإنقاذي مريض يباركها وينفخها ويصنع من حبتها قبه ولا يتحرج يترحم على فاعليها ولا عجب، ما يجري استعادة لماضي قمع بني أمية والعباسيين ولعله أيضا في(عقولهم) وسيلة للتقدم وكأن الإنقاذي لا يجد في تاريخ الإسلام والسودان خبرات أو وسائل تعزز هيبة الدول وبطولاتها إلا باستلاف أساليب إناس الكهف ومرحلة الغاب، ألم يسمعوا بأكتوبر أو أبريل ؟ إنهم ينفخون في رماد البؤس ونموذجهم (بوكو حرام) قطعا وتضحكك المفارقة عندما يتطابقون مع (بوكو حريم) التي قالت أن لا شيء يتغير في أساليب الحكم الإسلامي وطرق الإدارة وكان الماضي مثل اليوم والتاريخ يعيد نفسه هذا التخليط سيرى في من ينتقد قهر العباسين (جاهل) لا يعلم أن الخليفه العلاني كان يغزو عاما ويحج عاما فالإنقاذي و(بو حريم) مدرسة واحدة تتناسى تاريخ القهر الأموي والعباسي وسفك الدماء التي لن تغسلها مياه زمزم وأنهار الأرض مجتمعه (ومن يقتل نفسا بغير نفس فكأنما قتل الناس جميعا). مشكلة الإمام الصادق مع الإنقاذ إذن ليست في تفكيك دولتهم أو في نقد الجنجويد والتمكين والفساد فحسب ولكن في الدفاع عن العقل وعن الاعتقاد الإسلامي الصحيح وكيف تدار الدول وأين تبدأ سلطة البرلمان وأين تقف السلطة القضائية وكيف تعمل الأجهزة الأمنية وهي مواجهة بدأت مع رؤيته لتأسيس مستقبل ديمقراطي وقومي لا يلتمس مآسي القتل أو التمرد أو أن الغاية تبرر الوسيلة ولابد من ثلاثة أعمدة ظل يراهن عليها (سلمية وقومية وديمقراطية) والإنقاذ تدرك أن الدفاع عن العقل وعن الدولة مختطفة فيه وصفة تحول بينهم واحتكار الحكم وبينهم والنطق باسم الإسلام ومقاصده. ولطالما حاول الإمام الصادق تقديم مواعظ من تاريخ الثقافة الإسلامية وتنبيههم لرؤية مغايرة قوامها الشعور بمعاناة الضحايا في دارفور وفي طول السودان وعرضه ولكنهم دائما حاججوا بقراءات كاذبة انتهت بفصل الجنوب والسيد الصادق ماضٍ يقول لهم أن الناس طالما لم تسأل عن لماذا قتل على فضل أو محمود فإن ارتكاب جنايات بالحلاج في كل عصر ستسمر وسيرمي ابن تيميه بالتهم وتلفيقها ولابد من رؤية تصالح الأصل مع العصر وهذه مواجهة أساسية لا يوقفها اعتقال السيد الصادق الذي لن تخيفه الاعتقالات ولا الاعدام وإن علت صيحات التكفير أو هجمات (الأبواق) السلطوية البائسة من قناة ام درمان إن الصادق فكره وليس المعتقل ولقد رأى أهل السودان التهم انصرافيه لأن على الانقاذ مواجهة الأسئلة التي وضعهم الصادق في أتونها، الصادق ينتقد ممارسات القمع السلطوي في جذورها في أزمنة قديمة وفي زمان الصبية وبرواية ضحايا القمع وهو واجب المفكر الذي يستحق لقبه وإلا كيف يمكن وضع مشروع مستقبلي يمنع توليد جلاد سوداني جديد. إن السيد الصادق من الشجاعة بحيث لن يوفر في نقده تجربة الإنقاذ وكل مؤسساتها ناهيك عن ممارسات الجنجويد ولابد أن تتذكر فتواه بشأن الدكتورة مريم المدانة بالردة فهي محور صغير في هذه المواجهة الفكرية المستمرة ولابد من صنعاء وإن طال السفر مع الجنجويد والملوحين بتهم الخيانة العظمى فتصويب الأمور في السودان صار فريضة غائبة وهي جزء لا يتجزأ من الاعتقاد الإسلامي الصحيح. مع ذلك لئن سألت أحدهم (أها حد العبث دا وين)، يجيبك بخفة يحسد عليها: وجدنا كل شيء متداعي ونعمل على تصويبه وتلجمك الدهشة من القدرة على (التحلل) من الكوارث والقفز على حال يقول (والساقية لسه مدورة والسودان يئن حزنا مما ينتظره)، ولا يجد المرء تفسيرا لهذه الخفة الا بأنها غياب تام للعقل ومن المفارقات أن يتباهى إنقاذي باعتقال السيد الصادق، على تهمة قال فيها السيد أحمد هارون بما لم يقله الأوائل فأين كان القانون وأين هو من استباحته من الذين لا يسمح لهم بأن يتحدثوا بتهم الخيانة العظمى وأين هو من فصل السطات وأين هو نافذين (حايمين) يعرضون على المستثمرين شراء المباني التاريخية المطلة على النيل (وليش لا) أين هو من وزير صحة مشى فوق خطوط القانون الحمر(وفعّل) يوميات الإنقاذ ببيع مستشفى العيون لنفسه وليس ثمة من يقول لنعامة المك تك إلا الصادق... القومة ليك يا الإمام الصادق. [email protected]