قديماً اشتهر الإنسان السوداني بين شعوب العالم بالريادة في التعليم والثقافة والشجاعة والوقار، مما حدا بجميع تلك الأمم لاحترامه حتى الذين استعمروه. والأمثلة كثيرة ، ففي حفل افتتاح المعرض الوثائقي لزيارة ملكة بريطانيا للسودان عام 1965، عُرضت صورة تحكي عن مكانة السودانيين، وذلك عند لقاء السيد عبدالرحمن المهدي ورئيس الوزراء البريطاني وينستون تشرشل، والتي ظهر فيها الأخير وهو يخفي سيجارته تحت كفة يده، كدلالة على احترامه وتقديره لمكانة الثاني (السيد/عبد الرحمن)، كما ليس ببعيد عن الذاكرة اعتذار غردون للزبير باشا رغم أنه رفض ان يصافح يده بإعتباره قتل ابنه! قديماً،، كانت الدولة حريصة على راحة الإنسان السوداني وتسهيل أموره حتى وهو خارج بلده، فمثلاً تم شراء "بيت السودان" في إنجلترا ليكون دار ضيافة مؤقتة للمبعوثين السودانيين للدراسات العليا والتدريب الفني والمهني في بريطانيا لحين انتقالهم إلى مواقع سكنهم الخاص أثناء تواجدهم في لندن او المدن البريطانية الأخرى للدراسة. وكانت أعداد المبعوثين السودانيين للدراسة والتدريب في بريطانيا، قد تزايدت وتضاعفت من مختلف المصالح الحكومية، لا فضل بين هذا وذاك إلا بالمؤهل والكفاءة وليس بالتقوى والحوقلة كما هو الحال الآن! قديماً،، وعلى سبيل المثال لا الحصر، كان رئيس القضاء في اليمن سودانياً، وفي قطر سودانياً، ورئيس المحكمة الجنائية العليا في دبي سودانياً، ورئيس بلدية دبي كان سودانياً أيضاً وبالامس القريب سُمي شارع في الإمارات باسم الشاب السوداني (محمد عثمان البلولة) والذي اختير ضمن أقوى 500 شخصية تأثيرا في العالم ، وهو بالطبع لم ينشأ أو يدرس في السودان ولم يتخرج من احدى جامعاتنا المهترئة ، أما الآن فيمثل الدولة خارجياً تلميذ شيخ ود العجوز الذي علمه الفقه والشريعة وأوصاه أن يفرش البرش، ويملأ الكرش، ويدي القرش، ويذكر رب العرش! وبذكر الشيوخ وبداية الصعود الى الهاوية، تذكرت حادثة لشيخ سوداني في دولة عربية كنت أقيم بها في التسعينات، وهي تلك الحقبة التي ذاع فيها صيت شيوخ السودان بصورة ملاحظة، وهم ينشرون الشعوذة والدجل بين الشعوب المتخلفة خاصة في جلب (الزئبق الأحمر) لإرضاء الجن الأكبر لتحقيق الطلبات، أذكر أن أحد المدرسين المعارين إلى تلك الدولة، وهو نسيب (صهر) لأحد الشخصيات الاجتماعية السودانية البارزة، بعد أن انتهى تعاقده مع تلك الدولة قرر أن يستفيد من مؤهلاته التي لم تزل صالحة للاستثمار. وبما أن العائد المادي من الدروس الخصوصية كان لا يسد حاجته، في بلد يحتل فيه الجهل كل مقام، تحول ذلك المدرس إلى "شيخ"، مستفيداً من الكراسات والأقلام في كتابة البخرات والحجبات والمحايات! واستعان ببعض الأصدقاء للترويج له، فذاع صيته بانه ماهر في تقريب القلوب وجلب الغيوب، واستبدل مقاعد الدراسة بمجلس عربي أنيق لاستقبال فرائسه ذوات النفوس الضعيفة، وكان جلهن من النساء! من هجرها الزوج، ومن فاتها قطار الزواج، ومن تأخرت في الإنجاب وغيرهن! ولما فشل في مشيخته المزعومة، ولم تظهر نتائجها المرجوة وكان قد استلم أتعابه مقدماً وحتى لا يحتجن فينكشف أمره، قرر تعويضهن بطريقته الخاصة!! وقد تصادف أن كانت إحدى زائراته امرأة على خلاف مع زوجها، وعندما شك (الزوج) في كثرة ترددها على منزل معين ، قام بمتابعة الموضوع حتى تبين له أمر ذلك الدجال، فدبر له كميناً وقبض عليه متلبساً مع إحداهن وقامت البلد ولم تقعد، وثارت حفيظة الشعب كله وطالبوا بالقصاص! كيف لا وقد تعدى ذلك (العبد) كما كانوا ينادوه على اعراضهم، فكان أن صدر حكم الإعدام بحقه، وفجأة قام مسؤول حكومي رفيع جداً من بلادنا بزيارة ذلك البلد، وتوسط لدى حكومته للإفراج عن ذلك "الشيخ "وتم له ما أراد وغادرا معاً في نفس الطائرة عائدون الى السودان! لماذا بعد ان كان الإنسان السوداني يمشي ملكاً مختالاً رافعاً رأسه وكان " بيأكل النار "، تردي به الحال لهذا الدرك السحيق حتى اصبح الزواج المثلي ظاهرة متسارعة الانتشار خاصة بين الرجال !! فماذا نقول في هذا الحدث المخجل الذي يدعو للاشمئزاز ؟ هل نحن أحفاد تهراقا وبعانخي والمهدي والتعايشي وود حبوب ودقنة وأبو عنجة والنجومي وعلي عبد اللطيف وعبد الفضيل ألماظ؟ أم نحن بقايا من قوم لوط؟! أين الأخلاق السودانية السمحة؟ أين الدين؟ وأين الدولة؟ أم هذا هو المشروع الحضاري الذي وعدنا به ؟؟ [email protected]