في الشتاء الماضي كانت عربة الرئيس البشير تلج الى مطار الخرطوم في وقت متأخر من الليل.. لم يكن يرافق الرئيس سوى مرافق واحد من الشخصيات غير المعروفة..سيارة الرئيس تخرج من باب اخر يقع في الناحية الشمالية الشرقية..بعد التمويه تنتهي رحلة رئيس الجمهورية الى دار الشيخ الترابي بالمنشية..لم تكن تلك الزيارة الاخيرة ولا الأولي في رحلة التقارب بين الاخوان في السودان ..تعددت اللقاءات وانتهت الى اتفاق على خطوط عريضة. الشيخ الترابي كان يفضل ان تكون اللقاءات ذات طابع سري حتى لا يستشعر الاخرون هذه التفاهمات وتعود القوى الدولية الى استراتيجية استهداف الاخوان المسلمين ..ذاك العداء العالمي والإقليمي كان قد خف كثيرا بعد ان غادر *الترابي مركز القيادة الخفي في الإنقاذ ..المشير البشير كان يدرك جيدا ان قوى كبيرة ذات نفوذ داخل حزبه ستقف ضد التقارب بين الاسلاميين ..انها ذات القوى التي شجعته قبل خمسة عشر عاما على شق عصا الطاعة والخروج على شيخ الحركة الاسلامية.. رغم هذا فقد أستدرك الرئيس ان لا سر يخفي في بلادنا فادخل عدد محدود من كبار مساعديه في الصورة. نتائج تلك الاتصالات قد ظهرت على السطح رغم ان لا احد يملك التفاصيل كاملة غير الشيخ والمشير..الشيخ وضع (الخمسة على الاثنين ) كناية على التزام الصمت وهو المعروف بلسانه الطويل وتواصله المفتوح مع وسائط الاعلام. المشير البشير جددالقيادة العليا واستبعد الذين يبغضهم الشيخ من الكابينة..خطاب الوثبة الذي *القاه البشير فاتحا الباب امام الحوار كان واحدا من ثمرات حوار الغرف المغلقة..المؤتمر الشعبي استلم المقدم وعادت جريدته للصدور قبل ان تتوقف مرة اخرى لاسباب غيرً سياسية ..أفكار الترابي ومرئياته تبناه البرلمان في تعديل قانون الانتخابات مؤخراً.* بيد ان السؤال ما الذي استجد على الساحة وقارب بين الشيخ والرئيس..اغلب الظن ان الربيع العربي وما تبعه كان ماثلا امام رجلين جمعت بينهم الفكرة وفرقت بينهم السلطة..الرئيس البشير يدرك جيدا قدرة *الترابي على خلق الاضطرابات..فيما الشيخ سائه استهداف الاسلاميين بعد ان نجحوا في إيقاد الثورة وفي موسم الحصاد تم استبعادهم كلية..سيناريو مصر جعل الشيخ والرئيس يتحسسان قلبيهما..كما ان هنالك عامل اخر الترابي بعد ان بلغ الثمانين قلت طموحاته السياسية ولهذا لا يريد ان يترك مشروعه السياسي الذي دأب عليه سنين عددا هشيما تذروه رياح الانقسامات..ذات إحساس الزهد كان موجودا عند الرئيس الذي يتهيأ للأصناف بعد مسيرة ربع قرن في حكم دولة أكثر ما تنتجه الأزمات..بإمكان الشيخ الترابي مساعدة الرئيس البشير في رسم سيناريو خروج امن وسلس من القصر الجمهوري . المرحلة الاخيرة كانت تقتضي ان ينقل التفاهم الثنائي الى مائدة أوسع تتداعى لها أطراف المعارضة..جاء الامام الصادق الى خطاب الوثبة وهو يلتفت يمنة ويسرى ليقرأ ان كانت هنالك مؤامرة ..مولانا الميرغني انتظر في لندن ولسان حاله (يا خبر بكرة ببلاش)..الاحزاب اليسارية والليبرالية لم تبلع الطعم وانتظرت على الشاطيء..الحزب الاكثر حماسا للحوار كان المؤتمر الشعبي وفصائل سياسية اخرى لها علاقة بالإخوان المسلمين. لاحقا حينما استشعر الامام الصادق المهدي ان الإنقاذ بدات تعيد في بناء صفوفها الاولى بدا يعيق الحوار من الداخل ..كلما اجتمعت المعارضة التي أقبلت على الحوار لتسمية ممثليها كان الامام يضع عراقيل..أخيرا قرر الامام اختبار تسامح الحكومة فمسها في قوات الدعم السريع فذهب الى السجن حبيسا..وجد الأمام في غلظة الإنقاذ فرصة للتحلل من كل العلاقات القديمة ..بعد السجن استأنف الأمام عضوية حزبه في تحالف المعارضة الرافض للحوار .. ولاحقا دفع الامام الصادق المهدي بكريمته دكتورة مريم المعروفة ببغضها للإنقاذ لتصبح في منصب نائب رئيس الحزب *كناية عن المرحلة الجديدة. بصراحة ..حوار الاخوان الذي تم ابتداره بالامس *لن ينجح في تفكيك الأزمة السودانية ..سيكون مجرد مرحلة جديدة في عمر الإنقاذ مثله مثل المفاصلة بين الاسلاميين او تبني قانون التوالي السياسي.. تفكيك الأزمة يحتاج الى تنازلات اكبر من طلاء الجدران.. بل ان وحدة الاسلاميين ستعدل بانهيار النظام وعندها سيجد الخصوم الاسلاميين في سلة واحد فيسهل فرض العزلة والإقصاء عليهم. (التيار) [email protected]