كلية الارباع لمهارات كرة القدم تنظم مهرجانا تودع فيه لاعب تقي الاسبق عثمان امبده    بيان من لجنة الانتخابات بنادي المريخ    بيان من الجالية السودانية بأيرلندا    رواندا تتوصل إلى اتفاق مع الولايات المتحدة لاستقبال ما يصل إلى 250 مهاجرًا    يامال يثير الجدل مجدداً مع مغنية أرجنتينية    شاهد بالفيديو.. السيدة المصرية التي عانقت جارتها السودانية لحظة وداعها تنهار بالبكاء بعد فراقها وتصرح: (السودانيين ناس بتوع دين وعوضتني فقد أمي وسوف أسافر الخرطوم وألحق بها قريباً)    شاهد بالصورة.. بعد أن أعلنت في وقت سابق رفضها فكرة الزواج والإرتباط بأي رجل.. الناشطة السودانية وئام شوقي تفاجئ الجميع وتحتفل بخطبتها    البرهان : لن نضع السلاح إلا باستئصال التمرد والعدوان الغاشم    وفد عسكري أوغندي قرب جوبا    تقارير تكشف خسائر مشغلّي خدمات الاتصالات في السودان    مجاعة تهدد آلاف السودانيين في الفاشر    تجدّد إصابة إندريك "أحبط" إعارته لريال سوسيداد    توجيه الاتهام إلى 16 من قادة المليشيا المتمردة في قضية مقتل والي غرب دارفور السابق خميس ابكر    لدى مخاطبته حفل تكريم رجل الاعمال شكينيبة بادي يشيد بجامعة النيل الازرق في دعم الاستقرار    عثمان ميرغني يكتب: لا وقت للدموع..    السودان..وزير يرحب بمبادرة لحزب شهير    الهلال السوداني يلاحق مقلدي شعاره قانونيًا في مصر: تحذير رسمي للمصانع ونقاط البيع    "ناسا" تخطط لبناء مفاعل نووي على سطح القمر    ريال مدريد الجديد.. من الغالاكتيكوس إلى أصغر قائمة في القرن ال 21    تيك توك يحذف 16.5 مليون فيديو في 5 دول عربية خلال 3 أشهر    صقور الجديان في الشان مشوار صعب وأمل كبير    الإسبان يستعينون ب"الأقزام السبعة" للانتقام من يامال    السودان.."الشبكة المتخصّصة" في قبضة السلطات    مسؤول سوداني يردّ على"شائعة" بشأن اتّفاقية سعودية    غنوا للصحافة… وانصتوا لندائها    توضيح من نادي المريخ    حرام شرعًا.. حملة ضد جبّادات الكهرباء في كسلا    شاهد بالفيديو.. بأزياء مثيرة وعلى أنغام "ولا يا ولا".. الفنانة عشة الجبل تظهر حافية القدمين في "كليب" جديد من شاطئ البحر وساخرون: (جواهر برو ماكس)    امرأة على رأس قيادة بنك الخرطوم..!!    وحدة الانقاذ البري بالدفاع المدني تنجح في إنتشال طفل حديث الولادة من داخل مرحاض في بالإسكان الثورة 75 بولاية الخرطوم    الخرطوم تحت رحمة السلاح.. فوضى أمنية تهدد حياة المدنيين    "الحبيبة الافتراضية".. دراسة تكشف مخاطر اعتماد المراهقين على الذكاء الاصطناعي    المصرف المركزي في الإمارات يلغي ترخيص "النهدي للصرافة"    أنقذ المئات.. تفاصيل "الوفاة البطولية" لضحية حفل محمد رمضان    لجنة أمن ولاية الخرطوم تقرر حصر وتصنيف المضبوطات تمهيداً لإعادتها لأصحابها    انتظام النوم أهم من عدد ساعاته.. دراسة تكشف المخاطر    خبر صادم في أمدرمان    اقتسام السلطة واحتساب الشعب    شاهد بالصورة والفيديو.. ماذا قالت السلطانة هدى عربي عن "الدولة"؟    شاهد بالصورة والفيديو.. الفنان والممثل أحمد الجقر "يعوس" القراصة ويجهز "الملوحة" ببورتسودان وساخرون: (موهبة جديدة تضاف لقائمة مواهبك الغير موجودة)    شاهد بالفيديو.. منها صور زواجه وأخرى مع رئيس أركان الجيش.. العثور على إلبوم صور تذكارية لقائد الدعم السريع "حميدتي" داخل منزله بالخرطوم    إلى بُرمة المهدية ودقلو التيجانية وابراهيم الختمية    رحيل "رجل الظلّ" في الدراما المصرية... لطفي لبيب يودّع مسرح الحياة    زيادة راس المال الاسمي لبنك امدرمان الوطني الي 50 مليار جنيه سوداني    وفاة 18 مهاجرًا وفقدان 50 بعد غرق قارب شرق ليبيا    احتجاجات لمرضى الكٌلى ببورتسودان    السيسي لترامب: ضع كل جهدك لإنهاء حرب غزة    تقرير يسلّط الضوء على تفاصيل جديدة بشأن حظر واتساب في السودان    استعانت بصورة حسناء مغربية وأدعت أنها قبطية أمدرمانية.. "منيرة مجدي" قصة فتاة سودانية خدعت نشطاء بارزين وعدد كبير من الشباب ووجدت دعم غير مسبوق ونالت شهرة واسعة    مقتل شاب ب 4 رصاصات على يد فرد من الجيش بالدويم    دقة ضوابط استخراج أو تجديد رخصة القيادة مفخرة لكل سوداني    أفريقيا ومحلها في خارطة الأمن السيبراني العالمي    السودان.. مجمّع الفقه الإسلامي ينعي"العلامة"    ترامب: "كوكاكولا" وافقت .. منذ اليوم سيصنعون مشروبهم حسب "وصفتي" !    بتوجيه من وزير الدفاع.. فريق طبي سعودي يجري عملية دقيقة لطفلة سودانية    نمط حياة يقلل من خطر الوفاة المبكرة بنسبة 40%    عَودة شريف    لماذا نستغفر 3 مرات بعد التسليم من الصلاة .. احرص عليه باستمرار    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حيثيات الواقع الأقتصادى/ الإجتماعي في السودان وآفاق التغيير السياسي (2)
نشر في الراكوبة يوم 27 - 08 - 2014


معادلة التغيير:
هذه المعادلة هى تلخيص للمقال الطويل الأول الذى تم إرفاده تحت ذات العنوان بصحيفة الراكوبة الإلكترونية، وفيه تلبية لرأى أحد القراء الكرام الذى أشار بذلك. فيمكن، إذاً، للقارئ الكريم أن يكتفى بالمعادلة دون الإسترسال مع تحليلها، وهى فى تقديرى المتواضع، ذاتية الإيضاح. غير أنِّى أريد من القارئ الكريم أن يطلع على الحاشية المرفقة لِإثراءِ النقاش.
ونقول للفئة المناط بها التغيير، أنَّنا نستطيع أن نعرف من أين يبدأ التغيير فى واقع التشكل الإقتصادى/الإجتماعى/ السياسى من معادلة الإنتاج الشهيرة (الإنتاج = العمل + رأس المال + الأرض + التنظيم + عوامل أخرى بالطبع) فى صيغتها المختزلة التالية:
فى الواقع الإقتصادى: (العمال/القوى الحديثة) + (رأس المال/المدراء) + (...) = الإنتاج/العملية الإنتاجية/الثورة الوطنية الديموقراطية فى نهاية التحليل.
فى الواقع السياسى (أ): (لا يوجد حزب للعمال والقوى الحديثة) + (توجد أحزاب للشرائح الرأسمالية) + (...) = عملية إنتاجية مُجيَّرَة لصالح رأس المال.
فى الواقع السياسى (ب): (توجد أحزاب تتحدث باسم العمال والقوى الحديثة، ومتحالفة مرحلياً مع أحزاب الشرائح الرأسمالية لِإنجاز قضايا العمال) + (توجد أحزاب للشرائح الرأسمالية) + (...) = عملية إنتاجية مُجَيَّرَة لصالح رأس المال.
فى الواقع الإجتماعى لابد من تغيير يؤدى إلى: (توسيع مواعين الأحزاب التى تتحدث باسم العمال والقوى الحديثة لتدافع عن وتشمل كافة العمال والقوى الحديثة حتى تلك المنتمية لأحزاب الشرائح الرأسمالية/أو إنشاء حزب للعمال والقوى الحديثة يدافع عن إستحقاقات هذه الفئة) + (أحزاب الشرائح الرأسمالية) + (...) = (توازن فى العملية الإنتاجية لصالح كل شركاء العملية الإنتاجية) = (إنتاج قريب من مستوى العمالة الكاملة) = (أستقرار إقتصادى/إجتماعى، إستقرار سياسى/ديموقراطية مستدامة، ثورة وطنية ديموقراطية فى نهاية التحليل).
حاشية: (...) = (عوامل الإنتاج الأخرى وضعناها فى الصيغة الصفرية للتبسيط).
هذا المعادلة لا تحتاج لِأىِّ تعقيدات عقائدية ولا أيديولوجية، وإنما تحتاج لإرادة سياسية لتحقيق العدالة الإجتماعية، وهذه الإرادة السياسية إمَّا أنْ تأتى بالتى هى أحسن (من قبل النظام الحاكم بأن يحكم بالقسط)، أو بالتى هى أخشن (بثورة تغيير من قِبل المسحوقين). ولن تخرج من الملة أىُّ فئة عمالية/قوى - حديثة طالبت بحقها عن طريقة الثورة حين يمتنع النظام الحاكم عن بسط العدل بين النَّاس. ولن تُثنينها الشتائم العقائدية ولا الأيديولوجية (بأنَّها كافرة أو ملحدة أو علمانية) عن المطالبة بإستحقاقاتها كشريك أُصيل فى العملية الإنتاجية. بمعنى آخر، لو خلا هذا البلد من العلمانيين بالجملة، فهذه الفئة لن تترك لهذا النظام الفاسد إستحقاقاتها فى العملية الإنتاجية مهما كلفها ذلك.
هذه المعادلة أزلية وتحكى الواقع منذ أن ترك الإنسان إقتصاد الجمع والإلتقاط، ولكنَّ إكتشافَها جاء متأخراً على عهد الإقتصاديين الكلاسيك. وسُقناها هنا لنبين للناس من أين يبدأ التغيير.
إذاً، ما يهمنا هنا بالطبع هو إدارة هذه المعادلة بما يُلبى مصالح كل شركاء العملية الإنتاجية. وهنا يبرز دور بورجوازية الدولة. وشريحة بورجوازية الدولة (خاصةً فئاتها العليا) لها ميل طبيعى لشرائح رأس المال على حساب العمال بحكم تكوينها، وكل هذه الشرائح فى المجموع (بما فيها بورجوازية الدولة) تكون ما يُعرف ب "حلف القوى الإقتصادي". وحلف القوى الإقتصادى هذا، بحكم الدين (ما غنىَ غنىٌّ إلاَّ على حساب فقير) والتجربة (الإستغلال الدائم للعمال بواسطة رأس المال) لا يرقب فى الفقراء إلاًّ ولا ذِمِّة إذا إنعدمت مؤسسات الرقابة الديموقراطية.
فالديموقراطية من وجهة نظر الفقراء هى ضرورة دينية وطبقية لمراقبة شريحة بورجوازية الدولة والشرائح الرأسمالية الأخرى (حلف القوى الإقتصادى) وذلك لتحقيق التوازن فى العملية الإنتاجية.
ومع غياب حزب للعمال والقوى الحديثة فى السودان، ومع غياب الديموقراطية، فإنَّ حلف القوى الإقتصادى (الذى تمثله الجبهة والأمة والإتحادى فى المشهد السياسى الآن) ينفرد بكل القرارات الإقتصادية وغيرها ويُجيِّرها لمصلحته خاصة لمصلحة الشريحة ذات الهيمنة (شريحة رأس المال المالى/الجبهة الإسلامية القومية).
وكان من الممكن للأحزاب التى تتحدث بإسم العمال والقوى الحديثة السودانية (أحزاب البورجوازية الصغيرة) أن توسع من صِيَغِها الحزبيةِ لتحُلَّ هذا الإشكال، لكنَّها تمسَّكتْ بدوغمائيتها السياسية والأيديولوجية. ولما عجزت عن إبتداع صيغة حزبية تجمع جميع الفقراء تحت مظلتها (خلا المنتمين إليها عقائدياً) لظروف محتومة ومعلومة، إضطرت هذه الأحزاب للتحالف مع بعض الشرائح الرأسمالية (الشريحة التجارية والزراعية) لأكثر من 60 سنة. وذلك لعمرى ينسجم مع طبيعة هذه الأحزاب كأحزاب بورجوازية صغيرة؛ كونها لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء؛ تتحدث بإسم العمال وتتحالف مع الرأسمال.
وهذه الأحزاب؛ أحزاب البورجوازية الصغيرة، لم تجربْ أبداً، أبداً لم تجربْ أنْ تتحالف مع فقراء الأنصار أو الختمية أو ما يُسمى الجبهة الإسلامية القومية؛ تحالفاتها كلها مع أعيان هذه الأحزاب، ولعمرى لو فعلت لحدث التغيير.
أمام هذه الأحزاب فرصة أخيرة أن تبتدع صيغة حزبية تستوعب كافة العمال والقوى الحديثة، خاصةً تلك القابعة فى أحضان الشرائح الرأسمالية (الجبهة، الأمة، الإتحادى)، وأن تفسخ تحالفها المرحلى المزمن مع شرائح رأس المال، خاصة بعد أن تكشَّفَ لها أنَّ وطنية رأس المال تكون على المِحَك، وغير قادرة على التماسك فى غياب دور طليعى للبورجوازية (بورجوازيتنا تهدم ولا تبنى، تسرق ولا تستثمر)، وفى غياب الديموقراطية ومؤسساتها، ومع تدهور البِنى التحتية وانتشار الفساد.
وإذا لم يحدث هذا، فهذه الأحزاب سيتجاوزها التاريخ (ولات ساعة مندم)، وسيقوم مقامها حزب لكلِّ العمال والقوى الحديثة، يتناغم مع كافة إحتياجات العمال والقوى الحديثة المادية والروحية (لا يعنيه عِرْقهم ولا لونهم ولا دينهم ولا لا- دينهم). وستكون الحسرة كبيرة لو أنشأت هذا الحزب فئة من لصوص البلد الذين نحارب. ولذلك سنحتفظ بحق ملكيتنا الفكرية فى الحديث عن حزب العمال والقوى الحديثة، فلربما احتاجته أحزابنا التقدمية يوماً ما.
بعض الملاحظات التى يُبرزها هذا التحليل الطبقى:
1- هناك إشكالية فى التحليل والمقارنة يقع فيها حتى الباحثون التقدميون، ولم يسلم منها أحد.
وهى أنَّنا حينما نقارن بين الأنقاذ والأنظمة السابقة لها، فإننا ننسى أنَّنا نقارن فقط بين أنظمة مثَّلتْ شرائح رأس المال (شريحة رأس المال المالى/الجبهة، الشريحة التجارية/الإتحادى، الشريحة الزراعية/الأمة، شريحة برجوازية الدولة/نظام عبود، نظام نميرى)، ولم تمثل شريحة العمال والقوى الحديثة المغيبة عمداً فى المشهد الإقتصادى/السياسى السودانى.
وكلُّ هذه الأنظمة قد قامت على الإبتزاز الإقتصادى والسياسى والإجتماعى المباشر للعمل حينما ننظر إليها من وجهة نظر التحليل الطبقى (من وجهة نظر العمال والقوى الحديثة السودانية). وهى لم تفِد شريحة العمال والقوى الحديثة بأىِّ حال من الأحوال حتى فى فتراتها الديموقراطية، كونها فترات لتحديد موضع الهيمنة بالنسبة للشرائح الرأسمالية، ومن ثمَّ سرقة ديموقراطية الشعب من جديد (شرائح رأس المال لا تفيدُ كثيراً من الديموقراطية والمنافسة الحرة فى السودان/دول العالم الثالث (كونها بورجوازية غير خلاقة) ولذلك هى دائمة الإنقضاض على الديموقراطية).
وذلك يحدث ببساطة لأنَّ العمال والقوى الحديثة فى السودان ليس لهم حزب يُمثلهم؛ الخطأ التاريخى الذى تواطأت عليه الأحزاب التقدمية وأحزاب الشرائح الرأسمالية على السواء.
2- تزيد وتتعقد أعباء التغيير كثيراً بسبب غياب حزب للعمال والقوى الحديثة فى المشهد السودانى.
وفى البدء، غياب هذا الحزب هو العامل الرئيس فى أنَّ أعداد غفيرة من العمال والقوى الحديثة إنضوت تحت الأحزاب الرأسمالية، وهو السبب أيضاً فى التحالفات المرحلية التى ابتدعتها أحزاب البورجوازية الصغيرة مع شرائح رأس المال (وبالطبع هناك عوامل أخرى). ويكمن التعقيد فى كون أنَّ الخروج على ظلم الشرائح الرأسمالية بواسطة العمال والقوى الحديثة فى تحالفها مع الأحزاب التقدمية، قد أصبح وكأنَّه خروج على هذه الأحزاب التقدمية التى ظلت تنادى بحقوقهم ردحاً من الوقت وقد ضحت من أجلهم بالنفيس، وما فى ذلك شك.
كذلك فإنَّ الأستمرار فى تلك التحالفات المرحلية (التجمع الوطنى، الإجماع الوطنى، البديل الديموقراطى) فى هذا الوقت الدقيق من الفرز الطبقى الحاد، قد أربك مسألة التغيير وزاد من كلفتِهِ (210 شهيداً فى سبتمبر 2013)، إذ الفقراء يقتلون الفقراء.
ولا أحسب بأنَّ الأحزاب التقدمية تتضرر من قيام حزب للعمال والقوى الحديثة، بل هو سندها وعمقها الطبيعى، والسبيل الآمن للتغيير والقليل الكلفة، مالاً ووقتاً.
3- التحالف مع شرائح رأس المال هو عينُ التَّسيُّب السياسى؛ فقد ثبت لنا من إستقصائنا لواقع التشكل الإقتصادى الإجتماعى فى السودان، أنَّ أحزاب الشرائح الرأسمالية (خاصة الشريحة ذات الهيمنة) غير معنية بالديموقراطية كَهَم أوَّل. إذ ما نالته بالديكتاتورية، لم تنله بالديموقراطية، تلك التى تزيد من الحركة المطلبية للعمال والقوى الحديثة، وتزيد من إمكانية حدوث توازن فى العملية الإنتاجية لمصلحة الجميع، وبالتالى يُقلِّل ذلك من عمليات تراكم رأس المال.
فى واقعٍ كهذا، فإنَّ تحالف أحزاب البورجوازية الصغيرة المرحلي مع الشرائح الرأسمالية لإنجاز التوازن فى العملية الإنتاجية/الثورة الوطنية الديموقراطية (لا مع الشرائح العمالية والقوى الحديثة المنتفعة من الديموقراطية) هو عين التسيب السياسى، ويأتى بنتائج عكسية: يُكرِّس للديكتاتورية، يُفرِّخ اليأس، ويُعشى النَّاسَ عن البديل.
4- البورجوازى الصغير يكون فى حالة خطل سياسى وكذبة عظيمة وخيانة بيِّنة للعمال، حين يتحدث باسمهم دون حثِّهم وتوجيههم إلى تكوين حزبهم. وقد غيَّبتْ هذه الكذبة/الخيانة/الخطل دورهم فى المشهد الإقتصادى السياسى السودانى منذ الإستقلال إلى يومِ النَّاس هذا. وتتعاظم هذه الكذبة/الخيانة/الخطل بالإمعان فى الحديث عن العمال، وبذلك صرفهم وإلهائهم عن تكوين حزبهم، ومن ثمَّ التحالف مع شرائح رأس المال لإنجاز قضاياهم.
وبالمحصلة، فإنَّ وصفَنا ووصمَنا الدائم للعمال الذين حَمَلْناهم بصنيعنا هذا على الإنضمام لأحزاب الشرائح الرأسمالية وللأحزاب التى إنضموا إليها بالجهل وبالإستلاب وبالأفينة (وقد فعلنا ذات الشئ بالتحالف المرحلى مع هذه الشرائح)، وتحميلهم كلَّ أسباب فشلنا وتقاعسنا عن أداء أدوارنا عند كلِّ صغيرةٍ وكبيرة، لن يُبرئنا من تراكُبِ خياناتنا لهم، ومن ذات الجهلِ والإستلابِ والأفينة، وإن سوَّدنا صحائفَ التاريخِ كلَّها بالحديث عن قضاياهم.
أيها البورجوازى الصغير، ساعد العمال فى إنشاءِ حزبِهم، فلن يُضيرَك حزبُهم بشئ، بل يعزِّز مواقفَك ويقوِّيك. وإن لَّم تفعل، فالعمال على أهبة الإستعداد لتكوين حزبهم.
5 – العمال والعملية الإنتاجية أكثر إنتفاعاً من ديموقراطية البروليتاريا، إذا ما قُورِنت بديكتاتورية البروليتاريا:
أولاً، مجرّد الإختلال فى معادلة الإنتاج أعلاه (ناهيك عن ديكتاتورية أىٍّ من ملاَّك قوة العمل أو ملاَّك رأس المال) يربك التوليفة المُثلى لعوامل الإنتاج، وبالتالى يؤدى إلى تشوهات هيكلية فى الإقتصاد القومى فى المدى الطويل وربما أعاقت العملية التنموية.
ثانياً، كما هو معلوم أنَّ النظام الرأسمالى تاريخياً قام على إبتزاز العمل، وسوف يظل يجنح إلى ذلك كلما بعد المجتمع عن الديموقراطية والمؤسسية (أى به ميل طبيعى للجبرية والقهر/للديكتاتورية/الفساد). هذا الواقع يجعل العمال الأكثر حرصاً على الديموقراطية من الرأسماليين، وذلك لإبعاد شبح الإبتزاز الملازم للنظام الرأسمالى. وفى ظل ديكتاتورية البروليتاريا، فإنَّ شريحة/بورجوازية الدولة هى التى ستلعب دور الرأسمالى فى الشئون الداخلية (كالتجارة والتوظيف وغيرهما) والخارجية (التبادل مع العالم الخارجى)، وبالتالى هى من سيجنح للديكتاتورية لا سائر العمال/البروليتاريا.
وإذا علمنا أن شريحة الدولة هى بالأساس تنتمى للطبقة البورجوازية فى التصنيفات الحديثة (أو على الأقل بها ميل للتحالف معها)، إذاً يتعذر قيام ديكتاتورية بروليتاريا، وستنهض مكانها ديكتاتورية رأسمالية أشرس من الرأسمالية فى ظل نظام ديموقراطى. وهنا تنتفى الحاجة والمسعى إلى ديكتاتورية البروليتاريا، إذ الأصلح للبروليتاريا هو الثورة الوطنية الديموقراطية وحسب.
ثالثاً، إنَّ الدول التى وصلت بالتوازن فى العملية الإنتاجية إلى مستوى العمالة الكاملة (كدول جنوب شرق آسيا/ماليزيا منذ عام 1995)، أو إلى مستوىً قريباً من ذلك (كالدول الإسكندنافية، كندا، وبريطانيا أبَّان حكومة العمال الأخيرة)، وحققت بذلك معدلات نمو منظورة، لن يقبل عمالُها بأىِّ ديكتاتورية من أىِّ نوع، لِما حققوه من مكاسب مادية ومعنوية فى ظل النظم الديموقراطية. فالعالم من حولنا مليئ بالتجارب الغنية التى حصل فيها العمال ما لا يمكن أى يحصلوا عليه فى ظل الديكتاتوريات التى شهدها العالم.
رابعاً، من الصعب أن يتنازل العمال (وغيرهم) من المزايا التى توفرها الثورة الوطنية الديموقراطية، والتى تعمل باتِّزانٍ وعدل لصالح جميع شركاء العملية الإنتاجية وتدفع بالإقتصاد القومى إلى آفاق رحبة من التطور والنَّماء. وبالطبع إذا أُجبر رجال الأعمال على توزيع أرباحِهم بما يُغلِّب مصلحة العمال، فإنَّ ذلك حتماً سيٌقعِد بالإنتاجية وبالإنتاج. وإذا رفض رجال الأعمال تلك التوليفة المتحيِّزة عُمالياً، وبالتالى تمّتْ مصادرة أموالهم بواسطة الدولة العمالية الديكتاتورية لجهة ذلك التحيُّز، وتحت إمرة شريحة/بورجوازية الدولة الديكتاتورية، فإنَّ ذلك سيقود إلى تأخُّر حتمى فى الإقتصاد القومى بسبب فقدان الحافز الذاتى وتثبيط الدوافع الخلاقة للمساهمة فى العملية الإنتاجية كما حدث فى بعض الدول.
خامساً، يتضح من هذه القراءة أنَّه فى ديكتاتورية البروليتاريا يتم إستبدال شريحة رأسمالية بشريحة رأسمالية أقل كفاءة، فتضعف القدرات الإنتاجية والتنموية للبلد، وتقل القدرة التنافسية له مع العالم الخارجى، وسيدخل فى حلقات لانهائية من الكساد المؤدية إلى إنهيارِهِ إقتصادياً واجتماعياً وسياسياً.
سادساً، المحصلة؛ هى أنَّ ديكتاتورية أىٍّ من شركاء العملية الإنتاجية، لا سيما العمال ورجال الأعمال، لا يصبُّ فى مصلحة التنمية فى المدى البعيد، وربما يُعرِّض الكوكب بأثرِهِ لأخطار لا يُحمد عقباها؛ من عِوَز ومجاعات وحروب وكروب وكوارث بيئية وغذائية وغيرها؛ ولا شئَ يعدل التوازن فى العملية الإنتاجية.
6- عدلُ الحاكم الشخصى مرتبطٌ بوَرَعِهِ، أمَّا عدل دولتِهِ ومجتمعِهِ فيرتبطان بمؤسسات الديموقراطية والشفافية. ولذلك يجب ألاَّ يُترك التوازن فى العملية الإنتاجية لقدرية وَرَع/عدل الحاكم.
إذْ لا يكفى أن يكون الحاكمُ وَرِعاً لتكون دولتُهُ ومجتمعُهُ عادليْن وديموقراطيين (التاريخ المحسوس يطلعنا على تجارب من الظلم بين ظهرانَىْ حكام إتصفوا بالعدل والوَرَع). والعكس صحيح، إذْ بمقدور المؤسسات الديموقراطية أنْ تخلُقَ حاكماً وَرِعاً، ودولةً وَرِعة، ومجتمعاً وَرِعاً.
وبالتالى يجب ألاَّ ينخدِع العمال بالحاكمية لله وبديكتاتورية البروليتاريا: فأىُّ نظام غير ديموقراطى ليس فى مصلحتهم. ويجب على العمال أن يكون لهم القول الفصل (بالأصالة لا بالوكالة) فى علاقات الإنتاج لِإحداث التوازن فى العملية الإنتاجية. ويجب أن تكون لهم منظوماتهم القطاعية (نقاباتهم الفئوية) القائمة على شراكتهم فى العملية الإنتاجية؛ إذْ أنَّ نقابة المنشأة هى المسخ والإخصاء المتعمد بواسطة الشرائح الرأسمالية (خاصة الشريحة المهيمنة) والطمس المستمر على العمال بألاَّ يكون لهم دَوْر فى العملية الإنتاجية. كذلك يجب أن يكون للعمال/القوى الحديثة حزبهم؛ إذْ أنَّ أحزاب البورجوازية الصغيرة (بالتجربة) لا تستطيع الصمود طويلاً فى المنافحة عن العمال، ونقول ذلك لا تخويناً لِأحد، ولكن بحكم طبيعة تكوينها الطبقى.
إنتهى.
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.