شاهد بالفيديو.. مشجعة المنتخب السوداني الحسناء التي اشتهرت بالبكاء في المدرجات تعود لأرض الوطن وتوثق لجمال الطبيعة بسنكات    شاهد بالفيديو.. "تعب الداية وخسارة السماية" حسناء السوشيال ميديا أمنية شهلي ترد على معلق سخر من إطلالتها قائلاً: "لونك ضرب"    مدرب السودان "كواسي أبياه": مواجهة غينيا الاستوائية ستكون قوية… واللاعبون قادرون على تجاوز الصعاب    تحولا لحالة يرثى لها.. شاهد أحدث صور لملاعب القمة السودانية الهلال والمريخ "الجوهرة" و "القلعة الحمراء"    الجيش في السودان يصدر بيانًا حول استهداف"حامية"    الخرطوم وأنقرة: من ذاكرة التاريخ إلى الأمن والتنمية    رقم تاريخي وآخر سلبي لياسين بونو في مباراة المغرب ومالي    مطار الخرطوم يعود للعمل 5 يناير القادم    شرطة ولاية القضارف تضع حدًا للنشاط الإجرامي لعصابة نهب بالمشروعات الزراعية    مصر تؤكد دعمها الكامل لوحدة وسيادة الصومال    استخدام وسائل التواصل الاجتماعي وراء تزايد تشتت انتباه المراهقين    بدء أعمال ورشة مساحة الإعلام في ظل الحكومة المدنية    ما بين (سبَاكة) فلوران و(خَرمجَة) ربجيكامب    ضربات سلاح الجو السعودي لتجمعات المليشيات الإماراتية بحضرموت أيقظت عدداً من رموز السياسة والمجتمع في العالم    قرارات لجنة الانضباط برئاسة مهدي البحر في أحداث مباراة الناصر الخرطوم والصفاء الابيض    غوتيريش يدعم مبادرة حكومة السودان للسلام ويدعو إلى وقف فوري لإطلاق النار    مشروبات تخفف الإمساك وتسهل حركة الأمعاء    نيجيريا تعلّق على الغارات الجوية    منى أبو زيد يكتب: جرائم الظل في السودان والسلاح الحاسم في المعركة    «صقر» يقود رجلين إلى المحكمة    شرطة محلية بحري تنجح في فك طلاسم إختطاف طالب جامعي وتوقف (4) متهمين متورطين في البلاغ خلال 72ساعة    بالفيديو.. بعد هروب ومطاردة ليلاً.. شاهد لحظة قبض الشرطة السودانية على أكبر مروج لمخدر "الآيس" بأم درمان بعد كمين ناجح    ناشط سوداني يحكي تفاصيل الحوار الذي دار بينه وبين شيخ الأمين بعد أن وصلت الخلافات بينهما إلى "بلاغات جنائية": (والله لم اجد ما اقوله له بعد كلامه سوى العفو والعافية)    منتخب مصر أول المتأهلين إلى ثمن النهائي بعد الفوز على جنوب أفريقيا    لاعب منتخب السودان يتخوّف من فشل منظومة ويتمسّك بالخيار الوحيد    كيف واجه القطاع المصرفي في السودان تحديات الحرب خلال 2025    إبراهيم شقلاوي يكتب: وحدة السدود تعيد الدولة إلى سؤال التنمية المؤجَّل    كامل إدريس في نيويورك ... عندما يتفوق الشكل ع المحتوى    مباحث قسم الصناعات تنهي نشاط شبكة النصب والاحتيال عبر إستخدام تطبيق بنكك المزيف    وحدة السدود تعيد الدولة إلى سؤال التنمية المؤجَّل    تراجع أسعار الذهب عقب موجة ارتفاع قياسية    وزير الداخلية التركي يكشف تفاصيل اختفاء طائرة رئيس أركان الجيش الليبي    "سر صحي" في حبات التمر لا يظهر سريعا.. تعرف عليه    والي الخرطوم: عودة المؤسسات الاتحادية خطوة مهمة تعكس تحسن الأوضاع الأمنية والخدمية بالعاصمة    فيديو يثير الجدل في السودان    ولاية الجزيرة تبحث تمليك الجمعيات التعاونية الزراعية طلمبات ري تعمل بنظام الطاقة الشمسية    شرطة ولاية نهر النيل تضبط كمية من المخدرات في عمليتين نوعيتين    الكابلي ووردي.. نفس الزول!!    حسين خوجلي يكتب: الكاميرا الجارحة    استقالة مدير بنك شهير في السودان بعد أيام من تعيينه    كيف تكيف مستهلكو القهوة بالعالم مع موجة الغلاء؟    اكتشاف هجوم احتيالي يخترق حسابك على "واتسآب" دون أن تشعر    رحيل الفنانة المصرية سمية الألفي عن 72 عاما    قبور مرعبة وخطيرة!    عزمي عبد الرازق يكتب: عودة لنظام (ACD).. محاولة اختراق السودان مستمرة!    البرهان يصل الرياض    ترامب يعلن: الجيش الأمريكي سيبدأ بشن غارات على الأراضي الفنزويلية    مسيّرتان انتحاريتان للميليشيا في الخرطوم والقبض على المتّهمين    إسحق أحمد فضل الله يكتب: (حديث نفس...)    مياه الخرطوم تكشف تفاصيل بشأن محطة سوبا وتنويه للمواطنين    الصحة الاتحادية تُشدد الرقابة بمطار بورتسودان لمواجهة خطر ماربورغ القادم من إثيوبيا    مقترح برلماني بريطاني: توفير مسار آمن لدخول السودانيين إلى بريطانيا بسهولة    الشتاء واكتئاب حواء الموسمي    عثمان ميرغني يكتب: تصريحات ترامب المفاجئة ..    "كرتي والكلاب".. ومأساة شعب!    ما الحكم الشرعى فى زوجة قالت لزوجها: "من اليوم أنا حرام عليك"؟    حسين خوجلي: (إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار فأنظر لعبد الرحيم دقلو)    حسين خوجلي يكتب: عبد الرجيم دقلو.. إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار!!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حيثيات الواقع الأقتصادى/ الإجتماعي في السودان وآفاق التغيير السياسي (2)
نشر في الراكوبة يوم 27 - 08 - 2014


معادلة التغيير:
هذه المعادلة هى تلخيص للمقال الطويل الأول الذى تم إرفاده تحت ذات العنوان بصحيفة الراكوبة الإلكترونية، وفيه تلبية لرأى أحد القراء الكرام الذى أشار بذلك. فيمكن، إذاً، للقارئ الكريم أن يكتفى بالمعادلة دون الإسترسال مع تحليلها، وهى فى تقديرى المتواضع، ذاتية الإيضاح. غير أنِّى أريد من القارئ الكريم أن يطلع على الحاشية المرفقة لِإثراءِ النقاش.
ونقول للفئة المناط بها التغيير، أنَّنا نستطيع أن نعرف من أين يبدأ التغيير فى واقع التشكل الإقتصادى/الإجتماعى/ السياسى من معادلة الإنتاج الشهيرة (الإنتاج = العمل + رأس المال + الأرض + التنظيم + عوامل أخرى بالطبع) فى صيغتها المختزلة التالية:
فى الواقع الإقتصادى: (العمال/القوى الحديثة) + (رأس المال/المدراء) + (...) = الإنتاج/العملية الإنتاجية/الثورة الوطنية الديموقراطية فى نهاية التحليل.
فى الواقع السياسى (أ): (لا يوجد حزب للعمال والقوى الحديثة) + (توجد أحزاب للشرائح الرأسمالية) + (...) = عملية إنتاجية مُجيَّرَة لصالح رأس المال.
فى الواقع السياسى (ب): (توجد أحزاب تتحدث باسم العمال والقوى الحديثة، ومتحالفة مرحلياً مع أحزاب الشرائح الرأسمالية لِإنجاز قضايا العمال) + (توجد أحزاب للشرائح الرأسمالية) + (...) = عملية إنتاجية مُجَيَّرَة لصالح رأس المال.
فى الواقع الإجتماعى لابد من تغيير يؤدى إلى: (توسيع مواعين الأحزاب التى تتحدث باسم العمال والقوى الحديثة لتدافع عن وتشمل كافة العمال والقوى الحديثة حتى تلك المنتمية لأحزاب الشرائح الرأسمالية/أو إنشاء حزب للعمال والقوى الحديثة يدافع عن إستحقاقات هذه الفئة) + (أحزاب الشرائح الرأسمالية) + (...) = (توازن فى العملية الإنتاجية لصالح كل شركاء العملية الإنتاجية) = (إنتاج قريب من مستوى العمالة الكاملة) = (أستقرار إقتصادى/إجتماعى، إستقرار سياسى/ديموقراطية مستدامة، ثورة وطنية ديموقراطية فى نهاية التحليل).
حاشية: (...) = (عوامل الإنتاج الأخرى وضعناها فى الصيغة الصفرية للتبسيط).
هذا المعادلة لا تحتاج لِأىِّ تعقيدات عقائدية ولا أيديولوجية، وإنما تحتاج لإرادة سياسية لتحقيق العدالة الإجتماعية، وهذه الإرادة السياسية إمَّا أنْ تأتى بالتى هى أحسن (من قبل النظام الحاكم بأن يحكم بالقسط)، أو بالتى هى أخشن (بثورة تغيير من قِبل المسحوقين). ولن تخرج من الملة أىُّ فئة عمالية/قوى - حديثة طالبت بحقها عن طريقة الثورة حين يمتنع النظام الحاكم عن بسط العدل بين النَّاس. ولن تُثنينها الشتائم العقائدية ولا الأيديولوجية (بأنَّها كافرة أو ملحدة أو علمانية) عن المطالبة بإستحقاقاتها كشريك أُصيل فى العملية الإنتاجية. بمعنى آخر، لو خلا هذا البلد من العلمانيين بالجملة، فهذه الفئة لن تترك لهذا النظام الفاسد إستحقاقاتها فى العملية الإنتاجية مهما كلفها ذلك.
هذه المعادلة أزلية وتحكى الواقع منذ أن ترك الإنسان إقتصاد الجمع والإلتقاط، ولكنَّ إكتشافَها جاء متأخراً على عهد الإقتصاديين الكلاسيك. وسُقناها هنا لنبين للناس من أين يبدأ التغيير.
إذاً، ما يهمنا هنا بالطبع هو إدارة هذه المعادلة بما يُلبى مصالح كل شركاء العملية الإنتاجية. وهنا يبرز دور بورجوازية الدولة. وشريحة بورجوازية الدولة (خاصةً فئاتها العليا) لها ميل طبيعى لشرائح رأس المال على حساب العمال بحكم تكوينها، وكل هذه الشرائح فى المجموع (بما فيها بورجوازية الدولة) تكون ما يُعرف ب "حلف القوى الإقتصادي". وحلف القوى الإقتصادى هذا، بحكم الدين (ما غنىَ غنىٌّ إلاَّ على حساب فقير) والتجربة (الإستغلال الدائم للعمال بواسطة رأس المال) لا يرقب فى الفقراء إلاًّ ولا ذِمِّة إذا إنعدمت مؤسسات الرقابة الديموقراطية.
فالديموقراطية من وجهة نظر الفقراء هى ضرورة دينية وطبقية لمراقبة شريحة بورجوازية الدولة والشرائح الرأسمالية الأخرى (حلف القوى الإقتصادى) وذلك لتحقيق التوازن فى العملية الإنتاجية.
ومع غياب حزب للعمال والقوى الحديثة فى السودان، ومع غياب الديموقراطية، فإنَّ حلف القوى الإقتصادى (الذى تمثله الجبهة والأمة والإتحادى فى المشهد السياسى الآن) ينفرد بكل القرارات الإقتصادية وغيرها ويُجيِّرها لمصلحته خاصة لمصلحة الشريحة ذات الهيمنة (شريحة رأس المال المالى/الجبهة الإسلامية القومية).
وكان من الممكن للأحزاب التى تتحدث بإسم العمال والقوى الحديثة السودانية (أحزاب البورجوازية الصغيرة) أن توسع من صِيَغِها الحزبيةِ لتحُلَّ هذا الإشكال، لكنَّها تمسَّكتْ بدوغمائيتها السياسية والأيديولوجية. ولما عجزت عن إبتداع صيغة حزبية تجمع جميع الفقراء تحت مظلتها (خلا المنتمين إليها عقائدياً) لظروف محتومة ومعلومة، إضطرت هذه الأحزاب للتحالف مع بعض الشرائح الرأسمالية (الشريحة التجارية والزراعية) لأكثر من 60 سنة. وذلك لعمرى ينسجم مع طبيعة هذه الأحزاب كأحزاب بورجوازية صغيرة؛ كونها لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء؛ تتحدث بإسم العمال وتتحالف مع الرأسمال.
وهذه الأحزاب؛ أحزاب البورجوازية الصغيرة، لم تجربْ أبداً، أبداً لم تجربْ أنْ تتحالف مع فقراء الأنصار أو الختمية أو ما يُسمى الجبهة الإسلامية القومية؛ تحالفاتها كلها مع أعيان هذه الأحزاب، ولعمرى لو فعلت لحدث التغيير.
أمام هذه الأحزاب فرصة أخيرة أن تبتدع صيغة حزبية تستوعب كافة العمال والقوى الحديثة، خاصةً تلك القابعة فى أحضان الشرائح الرأسمالية (الجبهة، الأمة، الإتحادى)، وأن تفسخ تحالفها المرحلى المزمن مع شرائح رأس المال، خاصة بعد أن تكشَّفَ لها أنَّ وطنية رأس المال تكون على المِحَك، وغير قادرة على التماسك فى غياب دور طليعى للبورجوازية (بورجوازيتنا تهدم ولا تبنى، تسرق ولا تستثمر)، وفى غياب الديموقراطية ومؤسساتها، ومع تدهور البِنى التحتية وانتشار الفساد.
وإذا لم يحدث هذا، فهذه الأحزاب سيتجاوزها التاريخ (ولات ساعة مندم)، وسيقوم مقامها حزب لكلِّ العمال والقوى الحديثة، يتناغم مع كافة إحتياجات العمال والقوى الحديثة المادية والروحية (لا يعنيه عِرْقهم ولا لونهم ولا دينهم ولا لا- دينهم). وستكون الحسرة كبيرة لو أنشأت هذا الحزب فئة من لصوص البلد الذين نحارب. ولذلك سنحتفظ بحق ملكيتنا الفكرية فى الحديث عن حزب العمال والقوى الحديثة، فلربما احتاجته أحزابنا التقدمية يوماً ما.
بعض الملاحظات التى يُبرزها هذا التحليل الطبقى:
1- هناك إشكالية فى التحليل والمقارنة يقع فيها حتى الباحثون التقدميون، ولم يسلم منها أحد.
وهى أنَّنا حينما نقارن بين الأنقاذ والأنظمة السابقة لها، فإننا ننسى أنَّنا نقارن فقط بين أنظمة مثَّلتْ شرائح رأس المال (شريحة رأس المال المالى/الجبهة، الشريحة التجارية/الإتحادى، الشريحة الزراعية/الأمة، شريحة برجوازية الدولة/نظام عبود، نظام نميرى)، ولم تمثل شريحة العمال والقوى الحديثة المغيبة عمداً فى المشهد الإقتصادى/السياسى السودانى.
وكلُّ هذه الأنظمة قد قامت على الإبتزاز الإقتصادى والسياسى والإجتماعى المباشر للعمل حينما ننظر إليها من وجهة نظر التحليل الطبقى (من وجهة نظر العمال والقوى الحديثة السودانية). وهى لم تفِد شريحة العمال والقوى الحديثة بأىِّ حال من الأحوال حتى فى فتراتها الديموقراطية، كونها فترات لتحديد موضع الهيمنة بالنسبة للشرائح الرأسمالية، ومن ثمَّ سرقة ديموقراطية الشعب من جديد (شرائح رأس المال لا تفيدُ كثيراً من الديموقراطية والمنافسة الحرة فى السودان/دول العالم الثالث (كونها بورجوازية غير خلاقة) ولذلك هى دائمة الإنقضاض على الديموقراطية).
وذلك يحدث ببساطة لأنَّ العمال والقوى الحديثة فى السودان ليس لهم حزب يُمثلهم؛ الخطأ التاريخى الذى تواطأت عليه الأحزاب التقدمية وأحزاب الشرائح الرأسمالية على السواء.
2- تزيد وتتعقد أعباء التغيير كثيراً بسبب غياب حزب للعمال والقوى الحديثة فى المشهد السودانى.
وفى البدء، غياب هذا الحزب هو العامل الرئيس فى أنَّ أعداد غفيرة من العمال والقوى الحديثة إنضوت تحت الأحزاب الرأسمالية، وهو السبب أيضاً فى التحالفات المرحلية التى ابتدعتها أحزاب البورجوازية الصغيرة مع شرائح رأس المال (وبالطبع هناك عوامل أخرى). ويكمن التعقيد فى كون أنَّ الخروج على ظلم الشرائح الرأسمالية بواسطة العمال والقوى الحديثة فى تحالفها مع الأحزاب التقدمية، قد أصبح وكأنَّه خروج على هذه الأحزاب التقدمية التى ظلت تنادى بحقوقهم ردحاً من الوقت وقد ضحت من أجلهم بالنفيس، وما فى ذلك شك.
كذلك فإنَّ الأستمرار فى تلك التحالفات المرحلية (التجمع الوطنى، الإجماع الوطنى، البديل الديموقراطى) فى هذا الوقت الدقيق من الفرز الطبقى الحاد، قد أربك مسألة التغيير وزاد من كلفتِهِ (210 شهيداً فى سبتمبر 2013)، إذ الفقراء يقتلون الفقراء.
ولا أحسب بأنَّ الأحزاب التقدمية تتضرر من قيام حزب للعمال والقوى الحديثة، بل هو سندها وعمقها الطبيعى، والسبيل الآمن للتغيير والقليل الكلفة، مالاً ووقتاً.
3- التحالف مع شرائح رأس المال هو عينُ التَّسيُّب السياسى؛ فقد ثبت لنا من إستقصائنا لواقع التشكل الإقتصادى الإجتماعى فى السودان، أنَّ أحزاب الشرائح الرأسمالية (خاصة الشريحة ذات الهيمنة) غير معنية بالديموقراطية كَهَم أوَّل. إذ ما نالته بالديكتاتورية، لم تنله بالديموقراطية، تلك التى تزيد من الحركة المطلبية للعمال والقوى الحديثة، وتزيد من إمكانية حدوث توازن فى العملية الإنتاجية لمصلحة الجميع، وبالتالى يُقلِّل ذلك من عمليات تراكم رأس المال.
فى واقعٍ كهذا، فإنَّ تحالف أحزاب البورجوازية الصغيرة المرحلي مع الشرائح الرأسمالية لإنجاز التوازن فى العملية الإنتاجية/الثورة الوطنية الديموقراطية (لا مع الشرائح العمالية والقوى الحديثة المنتفعة من الديموقراطية) هو عين التسيب السياسى، ويأتى بنتائج عكسية: يُكرِّس للديكتاتورية، يُفرِّخ اليأس، ويُعشى النَّاسَ عن البديل.
4- البورجوازى الصغير يكون فى حالة خطل سياسى وكذبة عظيمة وخيانة بيِّنة للعمال، حين يتحدث باسمهم دون حثِّهم وتوجيههم إلى تكوين حزبهم. وقد غيَّبتْ هذه الكذبة/الخيانة/الخطل دورهم فى المشهد الإقتصادى السياسى السودانى منذ الإستقلال إلى يومِ النَّاس هذا. وتتعاظم هذه الكذبة/الخيانة/الخطل بالإمعان فى الحديث عن العمال، وبذلك صرفهم وإلهائهم عن تكوين حزبهم، ومن ثمَّ التحالف مع شرائح رأس المال لإنجاز قضاياهم.
وبالمحصلة، فإنَّ وصفَنا ووصمَنا الدائم للعمال الذين حَمَلْناهم بصنيعنا هذا على الإنضمام لأحزاب الشرائح الرأسمالية وللأحزاب التى إنضموا إليها بالجهل وبالإستلاب وبالأفينة (وقد فعلنا ذات الشئ بالتحالف المرحلى مع هذه الشرائح)، وتحميلهم كلَّ أسباب فشلنا وتقاعسنا عن أداء أدوارنا عند كلِّ صغيرةٍ وكبيرة، لن يُبرئنا من تراكُبِ خياناتنا لهم، ومن ذات الجهلِ والإستلابِ والأفينة، وإن سوَّدنا صحائفَ التاريخِ كلَّها بالحديث عن قضاياهم.
أيها البورجوازى الصغير، ساعد العمال فى إنشاءِ حزبِهم، فلن يُضيرَك حزبُهم بشئ، بل يعزِّز مواقفَك ويقوِّيك. وإن لَّم تفعل، فالعمال على أهبة الإستعداد لتكوين حزبهم.
5 – العمال والعملية الإنتاجية أكثر إنتفاعاً من ديموقراطية البروليتاريا، إذا ما قُورِنت بديكتاتورية البروليتاريا:
أولاً، مجرّد الإختلال فى معادلة الإنتاج أعلاه (ناهيك عن ديكتاتورية أىٍّ من ملاَّك قوة العمل أو ملاَّك رأس المال) يربك التوليفة المُثلى لعوامل الإنتاج، وبالتالى يؤدى إلى تشوهات هيكلية فى الإقتصاد القومى فى المدى الطويل وربما أعاقت العملية التنموية.
ثانياً، كما هو معلوم أنَّ النظام الرأسمالى تاريخياً قام على إبتزاز العمل، وسوف يظل يجنح إلى ذلك كلما بعد المجتمع عن الديموقراطية والمؤسسية (أى به ميل طبيعى للجبرية والقهر/للديكتاتورية/الفساد). هذا الواقع يجعل العمال الأكثر حرصاً على الديموقراطية من الرأسماليين، وذلك لإبعاد شبح الإبتزاز الملازم للنظام الرأسمالى. وفى ظل ديكتاتورية البروليتاريا، فإنَّ شريحة/بورجوازية الدولة هى التى ستلعب دور الرأسمالى فى الشئون الداخلية (كالتجارة والتوظيف وغيرهما) والخارجية (التبادل مع العالم الخارجى)، وبالتالى هى من سيجنح للديكتاتورية لا سائر العمال/البروليتاريا.
وإذا علمنا أن شريحة الدولة هى بالأساس تنتمى للطبقة البورجوازية فى التصنيفات الحديثة (أو على الأقل بها ميل للتحالف معها)، إذاً يتعذر قيام ديكتاتورية بروليتاريا، وستنهض مكانها ديكتاتورية رأسمالية أشرس من الرأسمالية فى ظل نظام ديموقراطى. وهنا تنتفى الحاجة والمسعى إلى ديكتاتورية البروليتاريا، إذ الأصلح للبروليتاريا هو الثورة الوطنية الديموقراطية وحسب.
ثالثاً، إنَّ الدول التى وصلت بالتوازن فى العملية الإنتاجية إلى مستوى العمالة الكاملة (كدول جنوب شرق آسيا/ماليزيا منذ عام 1995)، أو إلى مستوىً قريباً من ذلك (كالدول الإسكندنافية، كندا، وبريطانيا أبَّان حكومة العمال الأخيرة)، وحققت بذلك معدلات نمو منظورة، لن يقبل عمالُها بأىِّ ديكتاتورية من أىِّ نوع، لِما حققوه من مكاسب مادية ومعنوية فى ظل النظم الديموقراطية. فالعالم من حولنا مليئ بالتجارب الغنية التى حصل فيها العمال ما لا يمكن أى يحصلوا عليه فى ظل الديكتاتوريات التى شهدها العالم.
رابعاً، من الصعب أن يتنازل العمال (وغيرهم) من المزايا التى توفرها الثورة الوطنية الديموقراطية، والتى تعمل باتِّزانٍ وعدل لصالح جميع شركاء العملية الإنتاجية وتدفع بالإقتصاد القومى إلى آفاق رحبة من التطور والنَّماء. وبالطبع إذا أُجبر رجال الأعمال على توزيع أرباحِهم بما يُغلِّب مصلحة العمال، فإنَّ ذلك حتماً سيٌقعِد بالإنتاجية وبالإنتاج. وإذا رفض رجال الأعمال تلك التوليفة المتحيِّزة عُمالياً، وبالتالى تمّتْ مصادرة أموالهم بواسطة الدولة العمالية الديكتاتورية لجهة ذلك التحيُّز، وتحت إمرة شريحة/بورجوازية الدولة الديكتاتورية، فإنَّ ذلك سيقود إلى تأخُّر حتمى فى الإقتصاد القومى بسبب فقدان الحافز الذاتى وتثبيط الدوافع الخلاقة للمساهمة فى العملية الإنتاجية كما حدث فى بعض الدول.
خامساً، يتضح من هذه القراءة أنَّه فى ديكتاتورية البروليتاريا يتم إستبدال شريحة رأسمالية بشريحة رأسمالية أقل كفاءة، فتضعف القدرات الإنتاجية والتنموية للبلد، وتقل القدرة التنافسية له مع العالم الخارجى، وسيدخل فى حلقات لانهائية من الكساد المؤدية إلى إنهيارِهِ إقتصادياً واجتماعياً وسياسياً.
سادساً، المحصلة؛ هى أنَّ ديكتاتورية أىٍّ من شركاء العملية الإنتاجية، لا سيما العمال ورجال الأعمال، لا يصبُّ فى مصلحة التنمية فى المدى البعيد، وربما يُعرِّض الكوكب بأثرِهِ لأخطار لا يُحمد عقباها؛ من عِوَز ومجاعات وحروب وكروب وكوارث بيئية وغذائية وغيرها؛ ولا شئَ يعدل التوازن فى العملية الإنتاجية.
6- عدلُ الحاكم الشخصى مرتبطٌ بوَرَعِهِ، أمَّا عدل دولتِهِ ومجتمعِهِ فيرتبطان بمؤسسات الديموقراطية والشفافية. ولذلك يجب ألاَّ يُترك التوازن فى العملية الإنتاجية لقدرية وَرَع/عدل الحاكم.
إذْ لا يكفى أن يكون الحاكمُ وَرِعاً لتكون دولتُهُ ومجتمعُهُ عادليْن وديموقراطيين (التاريخ المحسوس يطلعنا على تجارب من الظلم بين ظهرانَىْ حكام إتصفوا بالعدل والوَرَع). والعكس صحيح، إذْ بمقدور المؤسسات الديموقراطية أنْ تخلُقَ حاكماً وَرِعاً، ودولةً وَرِعة، ومجتمعاً وَرِعاً.
وبالتالى يجب ألاَّ ينخدِع العمال بالحاكمية لله وبديكتاتورية البروليتاريا: فأىُّ نظام غير ديموقراطى ليس فى مصلحتهم. ويجب على العمال أن يكون لهم القول الفصل (بالأصالة لا بالوكالة) فى علاقات الإنتاج لِإحداث التوازن فى العملية الإنتاجية. ويجب أن تكون لهم منظوماتهم القطاعية (نقاباتهم الفئوية) القائمة على شراكتهم فى العملية الإنتاجية؛ إذْ أنَّ نقابة المنشأة هى المسخ والإخصاء المتعمد بواسطة الشرائح الرأسمالية (خاصة الشريحة المهيمنة) والطمس المستمر على العمال بألاَّ يكون لهم دَوْر فى العملية الإنتاجية. كذلك يجب أن يكون للعمال/القوى الحديثة حزبهم؛ إذْ أنَّ أحزاب البورجوازية الصغيرة (بالتجربة) لا تستطيع الصمود طويلاً فى المنافحة عن العمال، ونقول ذلك لا تخويناً لِأحد، ولكن بحكم طبيعة تكوينها الطبقى.
إنتهى.
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.